حظي الحديث عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بزخم كبير في الفترة الأخيرة، فقد بدا جلياً أن الحكومة تعول عليها كثيراً في خططها للتنمية في الفترة القادمة. خاصة في ظل اتساع الفجوة التمويلية النابعة من معدلات الادخار المنخفضة التي لا تكفى بأي حال من الأحوال لتمويل الاستثمارات اللازمة لتحقيق اى معدلات مقبولة للنمو. فمعدل الادخار في مصر يعد من الأدنى عالمياً حيث لا يتجاوز 7.2% وهو معدل شديد الضآلة إذا ما قورن بالمعدل العالمي البالغ نحو 22%. وعلى ذلك ارتأى الكثيرون في الاستثمارات الأجنبية المباشرة حلاً لسد الفجوة التمويلية بدلاً من الاضطرار إلى الاستدانة خاصة في ظل ارتفاع حجم الديون العامة بمصر والتي وصلت في مارس الماضي نحو 84% من الناتج المحلى الإجمالي. وكانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد انخفضت بصورة كبيرة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير متأثرة بحالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي التي سادت عقب الثورة، فتشير النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي إلى انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة من نحو 6.8 مليار دولار في العام المالي 2009 - 2010 لتصل إلى 2.2 مليار دولار في العام المالي 2010 - 2011 ثم عادت للتزايد وإن كان بصورة بطيئة لتصل إلى 3.9 مليار في العالم المالي 2011 - 2012 ونحو 5.2 مليار دولار في العام المالي 2012 - 2013، ولكن من المتوقع أنه مع المضي قدماً في تنفيذ خارطة الطريق، وإكمال مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وإحكام السيطرة على الوضع الأمني في البلاد، أن تعود الاستثمارات الأجنبية للتدفق مرة أخرى خاصة في ظل الدعم العربي والخليجي القوى لمصر. والحقيقة أن الآراء فيما يخص الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأثرها على الاقتصاد متباينة للغاية، فالبعض يغالى في أهميتها وآثارها الإيجابية والبعض الآخر يرى فيها آلية للرأسمالية العالمية للتحكم في الاقتصادات النامية واستنزاف مواردها. ولكن المؤكد هو أن اى دولة قادرة بإطارها التشريعي وسياساتها المالية والنقدية أن تعظم الجوانب الإيجابية للاستثمارات الأجنبية وتحد من أى جوانب سلبية لها. ويرتبط أثر الاستثمارات الأجنبية على الاقتصاد بنمط دخولها "mode of entry" وما إذا كانت ستنصرف إلى بناء طاقات إنتاجية جديدة أم لحيازة أصول إنتاجية موجودة بالفعل من خلال صفقات الخصخصة والاستحواذ.فمن المعروف أن الفترة التي شهدت تدفق اكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية في مصر كانت أثناء تنفيذ برنامج الخصخصة، بما يعنيه ذلك من أن هذه الاستثمارات لم تضف جديداً للاقتصاد المصري بل على النقيض تسببت في تفاقم بعض المشكلات وعلى رأسها البطالة. كما أن أثر هذه الاستثمارات على الاقتصاد يتوقف بدرجة كبيرة على القطاعات التي ستوجه إليها، فمصر بحاجة إلى توجيه الاستثمارات للصناعات التحويلية التي تحقق قيمة مضافة مرتفعة تمكن مصر من الاستفادة من طاقاتها ومواردها، وذلك على خلاف قطاعات أخرى مثل قطاعات العقارات والتشييد والبناء والصناعات التجميعية والأنشطة الاستخراجية وتجارة التجزئة والجملة والأنشطة الترفيهية والتي لا تولد قيمة مضافة كبيرة كما لا تسهم بفعالية في استيعاب العمالة. وتستطيع الحكومة تعظيم الإفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال استخدام سياساتها المالية والنقدية لتوجيه الاستثمارات الأجنبية للقطاعات الأكثر أهمية بالنسبة لمصر. وتجدر بنا الإشارة إلى انه في سياق العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يجب التسابق نحو تقديم الحوافز الضريبية، خاصة وان معدلات الضريبة في مصر تعد بالفعل منخفضة بالمقارنة بمعظم دول العالم الجاذبة للاستثمارات، بل إنه من الأفضل الإنفاق على تحسين البنية التحتية وتعزيز إجراءات النزاهة والشفافية وتوفير المعلومات والبيانات للمستثمرين، بالإضافة إلى الاهتمام بالتعليم والتدريب لتوفير العمالة الماهرة وتطوير الإطار التشريعي والرقابي لحماية المنافسة وضمان تفعيل آليات السوق. وختاماً لابد من الإشارة إلى أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاقا انه يمكن الاعتماد عليها وحدها، خاصة وان الاستثمارات الأجنبية المباشرة شديدة التأثر بالتقلبات العالمية، بما يعنيه ذلك من صعوبة الاعتماد عليها في خطط التنمية طويلة الأجل. ولذلك فإن سياسات جذب الاستثمارات الأجنبية لا بد أن تسير جنباً إلى جنب مع سياسات استنهاض الموارد المحلية وتعزيز معدلات الادخار. المصدر: البنك المركزي - النشرة الإحصائية الشهرية - عددا يونيو 2014و ديسمبر 2012.