* هناك خمس شركات لعلوم الحياة تمتلك80% من كل بذور العالم وخلال فترة وجيزة سوف تمتلك كل البذور تقريبا * وزارة خاصة بالأمن الحيوي لحماية التنوع الحيوي وإدارة المخاطر المتعلقة بالصحة النباتية والحيوانية ولتقليل المخاطر المرتبطة بالواردات السلعية * من يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين. والتلوث الجيني في هذا القرن أكبر من التلوث البتروكيماوي أو النووي في القرن الماضي --------------------------------- بات واضحا أن الهندسة الوراثية تنطوي علي إمكانيات تسهم في زيادة الإنتاج والإنتاجية في القطاعات الزراعية والسمكية, وإلي زيادة الغلات في الأراضي الحدية في البلدان التي يتعذر عليها الآن إنتاج ما يكفي من غذاء لتلبية حاجة سكانها. وهناك أمثلة, بالفعل, علي مدي ما أسهمت به الهندسة الوراثية في خفض نقل الأمراض البشرية والحيوانية بفضل أمصال التطعيم الجديدة. إذ أمكن تحوير الأرز جينيا ليحتوي علي بروفيتامين ألف( كاروتين بيتا) والحديد, مما يؤدي الي تحسين الحالة الصحية في الكثير من المجتمعات المحلية ذات الدخل المنخفض. وهناك طرق تكنولوجية حيوية أخري أسفرت عن كائنات تحسن من نوعية الأغذية وتماسكها, أو تطهير بقع النفط وإزالة المعادن الثقيلة من النظم الايكولوجية الهشة. واستنبطت زراعة الأنسجة أصناف نباتات تساهم في زيادة الغلات, حيث زودت المزارعين بمواد غرس أفضل نوعية. وتتيح طرق الانتخاب المعتمدة علي الوسمات وخصائص الدنا(DNA) الإسراع باستنباط الأنماط الجينية المحسنة لجميع الكائنات الحية. لكن هناك مشاعر من القلق إزاء المخاطر المحتملة التي تشكلها جوانب بعينها من جوانب التكنولوجيا الحيوية من تأثيراتها علي صحة الانسان والحيوان, وانعكاساتها علي البيئة, حيث زادت المخاطر البيولوجية والبيئية المرتبطة بالأغذية والزراعة مع وصول العولمة الاقتصادية والتحسينات السريعة في الاتصالات والنقل والتجارة والتقدم التكنولوجي وزيادة الوعي بالتنوع البيولوجي والبيئة, ومن ثم لابد من توخي الحذر حرصا علي تقليل مخاطر نقل السميات من شكل الي آخر من أشكال الحياة, وخلق سميات جديدة أو نقل المركبات المثيرة للحساسية من نوع الي آخر, مما قد يتسبب في ردود فعل غير منتظرة من ناحية الحساسية. ومن المخاطر التي تتهدد البيئة إمكانية التهجين التي قد تؤدي, مثلا, إلي استحداث حشائش أكثر انتشارا, أو كائنات برية أكثر مقاومة للأمراض, أو الإجهاد البيئي, مما يخل بالتوازن في النظام الإيكولوجي. كما يحدث فقدان التنوع البيولوجي من جراء حلول عدد صغير من النباتات المحورة جينيا, مثلا, محل النباتات التقليدية. فبمجرد فقدان مورد جيني فانه يختفي إلي الأبد. ولا نعرف حتي الآن ما نحتاجه في المستقبل من موارد جينية. كما تختفي سريعا أنواع مختلفة من النبات. وتقدر الفاو بأنه عبر الزمان كانت10 آلاف سلالة من النبات تستخدم لغذاء الإنسان والزراعة. والآن ليس أكثر من120 نوعا تشكل90% من غذاء الإنسان من المنتجات الزراعية. ومع زيادة معدلات استيراد الغذاء من سنة لأخري حيث أصبحنا نستورد نحو60% من غذائنا, فبات من المحتم إنشاء وزارة خاصة بالأمن الحيوي علي غرار دول كثيرة لحماية التنوع الحيوي الفريد لديهم, وتسهيل الصادرات عن طريق إدارة المخاطر المتعلقة بالصحة النباتية والحيوانية وتحسين الأحوال الحيوانية, ولتقدير مخاطر الحجر الصحي المرتبطة بالواردات السلعية, وإجراء مفاوضات تقنية تتناول قضايا الوصول إلي أسواق التصدير مع الوكالات المناظرة فيما وراء البحار. وقد أصدرت نيوزيلندا مثلا قانون الأمن الحيوي واستحدثت منصب وزير الأمن الحيوي ومجلس الأمن الحيوي. وتنبع الحاجة إلي تدابير الأمن الحيوي في الزراعة من ضرورة حماية نظم الإنتاج الزراعي ومن يعتمدون عليها, وقد يفقد المنتجون وغيرهم ممن يعتمدون علي الزراعة سبل عيشهم بفعل الآفات والأمراض الحيوانية والنباتية جراء الأضرار التي تلحق بالبيئة, بسبب الأنواع الغريبة الغازية مثلا; وحماية صحة الإنسان وثقة المستهلك في المنتجات الزراعية, كما أن تدابير الأمن الحيوي ضرورية لحماية المستهلكين- لاسيما المجموعات الأكثر عرضة للمخاطر- التي يمكن أن تتعرض لمخاطر صحية حادة يحاول الأمن الحيوي الوقاية منها. والأمن الحيوي هو نهج استراتيجي ومتكامل لتحليل المخاطر وإدارتها في قطاعات سلامة الأغذية, حياة وصحة الحيوان, وحياة وصحة النبات, بما في ذلك المخاطر البيئية المرافقة. ويشمل الأمن الحيوي إدخال الآفات النباتية والآفات والأمراض الحيوانية والأوبئة الحيوانية; إدخال الكائنات المحورة وراثيا ومشتقاتها وإطلاقها, وإدخال الأنواع الغريبة الغازية والأنماط الجينية وإدارتها. فالثورة الخضراء علي سبيل المثال ليست خلوا من العيوب إذ يؤكد البعض أنها مسئولة عن الاستخدام المفرط للموارد المائية ومبيدات الآفات والأسمدة الكيميائية, مما خلق اعتمادا مستمرا من جانب صغار المزارعين الفقراء علي تلك المدخلات فضلا عما سببته من أضرار خطيرة للبيئة في غضون مثل هذا السياق. واليوم فإن بروز صورة التكنولوجيا الحيوية مجددا بوضوح علي الساحة إنما عاد يثير جدلا شاملا علي نفس النحو السابق. ففي حين يعتبر المؤيدون تقنيات الهندسة الوراثية أسلحة ضرورية لمنازلة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في عموم البلدان النامية, يهب المعارضون لمثل هذه التقنيات محذرين من أنها تنزل الدمار بالبيئة وتزيد الفقر والجوع سوءا علي سوء, وتفضي إلي استيلاء المصالح التجارية للشركات علي حيازات الزراعة التقليدية وعلي موارد الإمدادات الغذائية في كل مكان. في حين يري الكثيرون أن ثمة أسبابا مقنعة للغاية بل وقاهرة, تدعو إلي إدخال تعديلات علي التكوين الوراثي للمحاصيل الغذائية. فمن خلال مثل هذه التعديلات قد تتأتي زيادة غلة المحاصيل الغذائية وأصنافها عبر رفع الإنتاجية الزراعية والحد من التقلبات الموسمية في الإمدادات الكمية. وبالوسع تطوير أصناف مقاومة للآفات وعالية التحمل للإجهاد, لتقليص أخطار الفشل المحصولي تحت ضغط الجفاف أو الأمراض. وقد يتسني أيضا زيادة محتوي النباتات من المغذيات والفيتامينات تلقائيا, تصديا لظاهرة نقص المغذيات التي يبتلي بها أعداد ضخمة من فقراء العالم. بل وقد يمكن زرع المحاصيل في التربة الفقيرة وسط المناطق الحدية مما سيحقق زيادة عامة في الإنتاج الغذائي ككل. علي النقيض من الثورة الخضراء التي جاءت ثمرة لبرنامج دولي من بحوث القطاع العام بهدف محدد هو ابتكار التقنيات ونقلها إلي العالم النامي' كأصول حرة للملكية العامة', فإن' ثورة الجينات' هي من بنات أفكار وجهود القطاع الخاص الذي يركز بحكم تعريفه علي تطوير منتجات وتقنيات تستهدف الأسواق التجارية والتوسع في التسويق. وخلاصة القول, يجب أن يكون التنوع البيولوجي الأساس الذي يضمن الأمن الغذائي كحق أصيل غير قابل للنقاش لكل الشعوب. ويجب أن يعلو هذا الحق فوق كل قرارات وتوجيهات منظمة التجارة العالمية. فلقد كانت الشقيقات السبع البترولية هي المسيطرة علي إنتاج النفط في العالم, اليوم هناك خمس شركات لعلوم الحياة تمتلك80% من كل بذور العالم وخلال فترة وجيزة سوف تمتلك كل البذور تقريبا, مع أن معظم الجينات النادرة توجد في الدول النامية. ورغم أن مجموع الإنفاق علي بحوث التقانة الحيوية ينقسم بالتساوي تقريبا بين القطاعين العام والخاص, فإن إنتاج تقنيات جديدة يقتصر تقريبا علي القطاع الخاص. فقد استطاع القطاع الخاص تطوير جميع المحاصيل المحورة وراثيا التي دخلت السوق في العالم حتي اليوم, باستثناء ما حدث في الصين. فهيمنة القطاع الخاص علي التكنولوجيا الأحيائية الزراعية سيؤثر بشكل سلبي علي المزارعين الفقراء ومن ثم فالحاجة ملحة لوزارة خاصة بالأمن الحيوي. فمن يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين إنها حرب من نوع جديد. والتلوث الجيني الناتج عنها في القرن الحادي والعشرين أكبر من التلوث البتروكيماوي أو النووي في القرن الماضي. وعلي الدول النامية التي تشكو من' القرصنة البيولوجية' أن تتعاون فيما بينها لأن هذه الجينات هي مواردها, تماما كالنفط. ومن ثم سنشهد قريبا مؤتمرات للأمن الحيوي علي غرار مؤتمرات نزع السلاح النووي.