"البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    «عائلات تحت القبة».. مقاعد برلمانية ب«الوراثة»    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    عاجل - تحديثات الذهب مع بداية الأسبوع.. أسعار المعدن النفيس في مصر اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    أسعار طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    سعر الدولار اليوم الاثنين 27102025 بمحافظة الشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأثنين 27102025    روسيا: تدمير 6 طائرات مسيرة أوكرانية كانت متجهة إلى موسكو    بعد سيطرة الدعم السريع.. الأمم المتحدة تطالب بتوفير ممر آمن للمدنيين في الفاشر    إسرائيل تؤكد أنها من يقرر مسار الأمور في غزة رغم الهدنة    فنزويلا تدين "الاستفزاز العسكري" لترينيداد وتوباغو وتتهمها بالتنسيق مع CIA    اتفاق اللحظة الحرجة.. واشنطن وبكين تقتربان من تهدئة حرب التجارة عبر المعادن النادرة و"تيك توك"    لافروف: مبادرة عقد قمة روسية أمريكية ما زالت قائمة لكنها تحتاج إلى تحضير جيد    فرنسا وبريطانيا تزودان أوكرانيا بدفعة جديدة من الأسلحة    رئيس غزل المحلة: الأهلي تواصل معنا لضم ثلاثي الفريق الأول    مصدر مقرب من علي ماهر ل في الجول: المدرب تلقى عرضا من الاتحاد الليبي    مواعيد مباريات اليوم فى الدورى المصرى    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    الزمالك مهدد بالاستبعاد من بطولات إفريقيا لكرة اليد.. الغندور يكشف التفاصيل    خيانة تحولت إلى مذبحة.. تفاصيل ليلة قتل أسرة اللبيني كاملة بالسم.. البراءة تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يدي عشيق قاتل بلا رحمة    وفاة طفلين خلال حريق عقار في أبو النمرس.. تفاصيل    حالة الطقس في أسيوط الإثنين 27102025    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    ريهام عبد الغفور تطرح بوستر مسلسلها الجديد «سنجل ماذر فاذر»    أكاديمية الفنون تُكرّم اسم الفنان السيد بدير بإعادة عرض «عائلة سعيدة جدًا»    بكلمات مؤثرة.. فريدة سيف النصر تنعي شقيقها    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    احذري، كثرة تناول طفلك للمقرمشات تدمر صحته    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    علاج سريع وراحة مضمونة.. أفضل طريقة للتخلص من الإسهال    صحة القليوبية: خروج جميع مصابى حادث انقلاب سيارة بطالبات في كفر شكر    حملة لتحصين الكلاب في فوة ضمن خطة القضاء على مرض السعار بكفر الشيخ    رسميًا.. مواعيد بدء امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 وفترة اختبارات شهر أكتوبر    تفاصيل جديدة بجريمة المنشار.. المتهم نفذ جريمته بتخطيط مُسبق وهدوء كامل    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    مولودية الجزائر يتأهل لدور المجموعات في دوري أبطال أفريقيا    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    في الجول يكشف كيف يفكر الأهلي لدعم الهجوم.. الأولوية للأجنبي وخطة بديلة    3 أبراج «هيرتاحوا بعد تعب».. ظروفهم ستتحسن ويعيشون مرحلة جديدة أكثر استقرارًا    فرصة ثمينة لكن انتبه لأحلامك.. حظ برج الدلو اليوم 27 أكتوبر    مساعد وزير التموين: حملات مكبرة لضبط الغش التجاري وعقوبة المخالفات تصل للسجن    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    أمير عبد الحميد: تدريب حراس الأهلى حلم تحقق.. والمنافسة فى النادى صعبة    وصلت إلى 350 ألف جنيه.. الشعبة: تراجع كبير في أسعار السيارات (فيديو)    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس    الجمع بين المرتب والمعاش.. التعليم تكشف ضوابط استمرار المعلمين بعد التقاعد    مأساة في ميدان الشيخ حسن.. مصرع طالبة تحت عجلات سيارة سرفيس مسرعة بالفيوم    التنمية المحلية: إجراءات عاجلة لمعالجة شكاوى المواطنين من انبعاثات محطة خرسانة بالمنوفية    وكيل صحة شمال سيناء يترأس الاجتماع الشهري لتعزيز وتحسين كفاءة الأداء    الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شهر رمضان 2026    برلمانية: سأعمل على دعم تطوير التعليم والبحث العلمي بما يواكب رؤية الدولة المصرية    قيادات حزبية: كلمة الرئيس السيسي جسدت قوة الدولة ونهجها القائم على الوعي والسلام    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل .. مياه البحر وعلوم الجينات.. ثورة في الزراعة المصرية

* التوسع في زراعة القمح وفي محاصيل الأعلاف في الساحل الشمالي باستخدام محطات تحلية المياه
* إنتاج محطات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل من النصف مقارنة بتكاليف توصيل المياه العذبة إلي المناطق النائية
* الزراعة بمياه البحر تتطلب تقانات زراعية تختلف عن الزراعة بالمياه العذبة
* كانت الشقيقات السبع البترولية هي المسيطرة علي إنتاج النفط في العالم, اليوم هناك خمس شركات لعلوم الحياة تمتلك80% من كل بذور العالم وخلال فترة بسيطة ستمتلك كل البذور تقريبا
* إذا سمحنا أن تكون الجينات ملكية سياسية للحكومات أو للشركات, فسوف يشهد أبناؤنا حروب جينات في هذا القرن
* اندماج تقنيتي الحاسب والجينات لخلق نموذج اقتصادي جديد
* هيمنة القطاع الخاص علي التكنولوجيا الأحيائية الزراعية سيؤثر بشكل سلبي علي المزارعين الفقراء
* من يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين
* إذا تركت الابتكارات التكنولوجية في الزراعة إلي قوي السوق فسينعدم الأمن الغذائي
---------------------
كان للارتفاعات الهائلة في أسعار الغذاء بفعل تغير خريطة الغذاء العالمية, ودخول المستثمرين الجدد, وانعكاسات تغير المناخ علي مناطق إنتاج الغذاء, والزيادة السريعة في الطلب علي اللحوم والألبان وارتفاع أسعار النفط, واستنفاد المخزون من الغذاء, واستخدام المزيد من المحاصيل الغذائية في تصنيع الوقود الحيوي, والاستثمار غير الكافي في العلوم والسياسات الحكومية غير الملائمة ثم أخيرا التهديدات الإثيوبية بشأن إقامة عدد من السدود التي سوف تؤثر علي حصة مصر من مياه النيل, والتزايد السكاني. كل هذه العوامل لها أثر كبير في تغيير خريطة الزراعة المصرية, وأصبح من اليقين أن مصر ستقود ثورة زراعية قادمة مختلفة تماما عن النهج الذي سارت عليه الزراعة في السابق, وستكون نقطة الانطلاق باستخدام كل التكنولوجيات والأبحاث الحديثة لتحويل الصحراء إلي جنة خضراء.
ولقد طالبنا بضرورة التوسع في إنشاء محطات تحلية المياه بالمحافظات الساحلية والنائية حتي لا تذهب مياه النيل إلي مناطق بعيدة تؤدي إلي إهدارها للحفاظ علي مياه النيل, خاصة إذا ما علمنا أن الصحراء الغربية هي المرشحة للتوسع الزراعي مستقبلا خلال العقد القادم نتيجة لأربعة تطورات هامة, يتعلق التطور الأول بإمكانية زراعة بعض المحاصيل الهامة علي مياه البحر مباشرة. وهناك تجارب بدأت تظهر نتائجها في مراكز البحوث الغربية علي هذه النوعية من المحاصيل, والأمر الثاني هو نجاح الهندسة الوراثية في إنتاج محاصيل تتحمل الملوحة ويجري تحسين الجيل الثالث منها, والأمر الثالث هو إعادة النظر في استغلال المياه الجوفية بطريقة أكفأ من الماضي وسرعة اتخاذ بعض التدابير لحماية هذا الاستنزاف من قبل دول مجاورة. والأمر الأخير هو نجاح التكنولوجيات الغربية والروسية وخاصة الأخيرة في إنتاج محطات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل من النصف مقارنة بتكاليف توصيل المياه العذبة إلي تلك المناطق. فلقد حققت روسيا تقدما كبيرا في تحلية مياه البحر, حيث قطعت شوطا كبيرا تجاه التوسع في هذا المجال من ناحية تخفيض التكلفة والتقنيات المستخدمة مع بساطة المعدات وتركيبها وصيانتها ونقلها من مكان لآخر. وقد تراكمت الخبرات الطويلة لدي مصممي محطات التحلية الضخمة مما يسمح لهم بحل أكثر المسائل تعقيدا مثل الحصول علي المياه بدون أملاح من أجل المولدات البخارية, وتحلية المياه المتضمنة للأملاح في المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء. كما تسمح هذه الخبرات بتصميم أنظمة مغلقة لاستخدام المياه مع التقليل الكبير لاستهلاك الطاقة والمواد الكيميائية وبالتالي التأثير الإيجابي في مجال حماية البيئة.
واحتلت بعض الدول العربية مكانة عالمية في تحلية ماء البحر, وقد مثلت القدرة الإجمالية لمحطات التحلية الخليجية في الوقت الراهن في منطقتنا العربية60% من القدرة العالمية. وينتج عدد كبير من هذه المحطات الماء بمعدل يزيد علي100 ألف م3 يوميا للمحطة الواحدة. وتقع المحطات الأوسع قدرة في الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. أما بقية الدول فتنتج كميات محدودة من المياه المحلاة وذلك بشكل رئيسي من خلال انخراط القطاع الخاص في قطاعي السياحة والصناعة للمناطق البعيدة.
لقد مكنت الموارد المالية وإمدادات الطاقة المواتية معظم بلدان مجلس التعاون الخليجي من إنشاء مرافق تحلية كبيرة لتلبية غالبية الطلبات الحضرية. ولا يزال عنصر التكلفة الرئيسي يتمثل باستثمار رأس المال الأولي لإنشاء المحطة(30 إلي60% من إجمالي التكلفة). وتعتمد تكلفة الإنتاج الذي يستخدم عمليات تحلية مختلفة علي العوامل التالية: التكنولوجيا, حجم المحطة وعمرها الافتراضي وما إذا كانت المحطة مزدوجة الغرض( توليد الماء والطاقة الكهربائية) ونوعية ماء المصدر وموقع المحطة وسعر الفائدة وقطع الغيار والتكاليف الأخري المتعلقة بالصيانة وتكلفة الطاقة وتكاليف اليد العاملة ومعامل تحميل المحطة. وتبين تقارير قريبة العهد للتكلفة تتعلق ب20 محطة تحلية كبيرة في المملكة العربية السعودية أن متوسط التكلفة يتراوح بين50,0 و75,0 دولار للمتر المكعب الواحد. وفي البحرين تبلغ نحو52,0 دولار. وسوف تقل التكلفة كثيرا بعد الانتهاء من إنشاء المحطة النووية بالضبعة التي ستغير وجه المنطقة بالكامل.
وتعد الزراعة بمياه البحر فكرة قديمة, وقد حظيت بالاهتمام الجدي لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية. واختبر عدد من الباحثين في مراكز البحوث المتخصصة في الخارج خاصة في إسرائيل جدوي الزراعة باستعمال مياه البحر, فوجدوا أنها تصلح جدا في التربة الرملية من البيئات الصحراوية. وتعرف الزراعة بمياه البحر بأنها تنمية المحاصيل المتحملة للملوحة في أراض تستعمل فيها المياه المأخوذة من المحيطات بالضخ.
ولكي تكون الزراعة بمياه البحر مجدية من حيث الكلفة, يتعين أن تحقق شرطين: أولهما, أن تنتج محاصيل مفيدة بمردود عال بما يكفي لتبرير تكاليف ضخ مياه الري من البحر. وثانيهما, ضرورة تطوير تقانات زراعية لتنمية محاصيل مروية بمياه البحر بطريقة مستدامة, ومن دون الإضرار بالبيئة. ولقد حاول بعض الباحثين إدخال صفة تحمل الملوحة إلي بعض المحاصيل التقليدية كالقمح والشعير. وفي تدجين نباتات برية متحملة للملوحة, تدعي النباتات الملحية, بقصد استعمالها محاصيل غذائية أو علفية أو زيتية. ومن ثم تم جمع بضع مئات من النباتات الملحية عبر العالم ثم تصنيفها حسب درجة تحملها للملوحة وكذلك محتواها الغذائي. فهناك ما بين2000 و3000 نوع من النباتات الملحية علي شكل أعشاب أو شجيرات أو أشجار. لكن الزراعة بمياه البحر تتطلب تقانات زراعية تختلف عن الزراعة بالمياه العذبة. ولتحقيق المتطلب الأول لجدوي كلفة الزراعة بمياه البحر, كان يجب بحث إمكانية إحلال النباتات الملحية محل المحاصيل التقليدية من أجل استعمال معين, وعليه تم اختبار مدي صلاحية النباتات الملحية لتغذية الماشية, انطلاقا من أن توفير الكفاية من العلف لقطعان الماشية والأغنام والماعز يعد واحدا من أكثر المشكلات الزراعية تحديا في الأراضي الجافة من العالم, ويتصف العديد من النباتات الملحية باحتوائها علي مستويات عالية من البروتين والكربوهيدرات القابلة للهضم. وهناك تجربة تمت بإدخال النباتات الملحية جزءا من عليقة( خلطة غذائية) للماشية, بحيث تحل محل دريس العلف مكونة بذلك نسبة تتراوح بين30 إلي50% من الاستهلاك الغذائي الكلي للأغنام والماعز( وهذه النسب هي المستويات النموذجية للعلف المستعمل في تسمين حيوانات الذبح) وجد أن الحيوانات التي أكلت النباتات الملحية قد حققت زيادة في الوزن تماثل تلك التي حققتها الحيوانات التي اقتاتت علائق تحتوي علي الدريس. وعلاوة علي ذلك, فإن نوعية لحم حيوانات الاختبار لم تتأثر بتناولها عليقة غنية بالنباتات الملحية. وعلي النقيض من المخاوف الأولية, فإن الحيوانات لم تبد صدودا لتناول العلائق المخلوطة بالنباتات الملحية; بل إنها في الواقع بدت منجذبة للمذاق الملحي.
إن أكبر تكاليف الزراعة بمياه البحر تكمن في ضخ المياه نفسها. وتتناسب نفقات الضخ هذه مع كميات المياه التي يتم ضخها والارتفاع اللازم صعودها إليه. ومع أن النباتات الملحية تحتاج إلي كميات من المياه تفوق حاجة المحاصيل التقليدية, فإن المزارع القريبة من مستوي البحر تتطلب رفعا للمياه يقل عما تحتاج إليه مزارع المحاصيل التقليدية, التي غالبا ما ترفع الماء من آبار يزيد عمقها علي100 متر. ونظرا لأن ضخ مياه البحر عند مستوي البحر أرخص كلفة من ضخ المياه العذبة من الآبار, فلا بد أن تكون الزراعة بمياه البحر مجدية التكاليف في المناطق الصحراوية.
ويمكن التوسع في زراعة القمح وفي محاصيل الأعلاف في الساحل الشمالي والصحراء الغربية باستخدام محطات تحلية المياه وباستخدام الري بالتنقيط وبالضخ المباشر للمحاصيل الرعوية الملحية, وبالتالي يمكن أن نشهد تطبيقا تجاريا للزراعة بمياه البحر قريبا. وقد أنشأت عدة شركات مزارع اختبارية للنباتات الملحية في كاليفورنيا والمكسيك والمملكة العربية السعودية ومصر وباكستان والهند, ولكن علي حد علمنا لم يدخل أي منها حيز الإنتاج علي نطاق واسع, لكن مع ارتفاع الأسعار وتغير الخريطة الغذائية واندماج تقنية الحاسب بعلوم الحياة( الأجنة), وهذا الأمر عبارة عن تحول سريع غير عادي من الوقود الأحفوري إلي الجينات ومن خلال هذا التحكم الجيني سنشهد محاصيل تزرع بماء البحر مباشرة.
فمنذ أن ابتدع البشر الزراعة, منذ أكثر من عشرة آلاف سنة مضت والمزارعون يحمون, ويدافعون عن التنوع البيولوجي. ولقد أنتجت أجيال كثيرة من المزارعين نباتات المحاصيل الرئيسية من خلال عملية تطبيع مطولة تركت نباتات محاصيل كثيرة اليوم غير قادرة علي البقاء في الطبيعة, وأبقوا علي نباتات لها' قيمة'. وتم تحقيق هذه القيم بواسطة إجراء تعديلات أساسية في النباتات التي تم الحصول عليها من خلال عمليات مطولة ومتكررة لتربية النبات وقيام المجتمعات الزراعية بتكييفها من خلال اختيار متكرر للسمات المرغوبة التي يمكن أن تؤدي إلي طفرات غير متوقعة أو مجموعات من الأنماط الجينية. وأدت الجينات التي تم نسخها بعناية من جيل إلي آخر إلي استقرار في استنساخ السمات المطلوبة, مما أدي إلي تحقيق الأمن للمزارعين الذين يمكنهم الاعتماد علي تحقيق محاصيل ناجحة باستخدام بذور مختارة مزروعة من محاصيل سابقة. واعتبر المزارعون بذورهم أنها ذات قيمة وضمنوا مواصلة الابتكار فيها من خلال نقل البذور معهم خلال فترات قصيرة من الزراعة المتنقلة والهجرة الطويلة أو الدائمة. وبما أن البذور نقلت إلي مناطق جديدة, واجهت النباتات تحديات بيئية جديدة وقام المزارعون بادخار أو اختيار بذور من نباتات أو مجتمعات نباتية قد أدت أداء جيدا, وأنتجت المنتجات المحصولية المطلوبة. ومن ثم, تم' ثبيت', بعض التغييرات الجينية, بينما تم اهمال المجموعات الجينية الأخري التي لم تؤد أداء جيدا ولم تتكاثر, وهذه الظاهرة, المعروفة بالتكيف الجيني, هي أساس التنوع الواسع الذي نراه الآن في صنف محصول واحد. ومن ثم فالتنوع الجيني في أنواع المحاصيل موجود في جميع الأوقات.
ارتبطت تربية النبات أيضا بتطور تكنولوجيات ونهوج تشكيل محاصيل لنظم زراعية مرتبطة برأس المال المكثف والمدخلات المشتراة مثل المغذيات ومبيدات الآفات. وأدت هذه التطورات في النهاية إلي تغيرات جينية وإدارية وبيئية نتج عنها جميعا نظم زراعية حديثة مثل الموجودة في العالم الصناعي. وتم نقل النظم الزراعية هذه, وخاصة المرتبطة بالقمح والأرز, فيما بعد إلي بعض النظم الزراعية في البلدان الأقل نموا علي هيئة' ثورة خضراء'.
وطيلة السنوات الأربعين الأخيرة كنا جميعا نتابع تقنيتين كانتا تنتشران حول العالم, هما تقنيتا الحاسب والجينات أو علوم المعلومات وعلوم الحياة. وفي الأعوام الأخيرة باتت تقنيتا القرن الحادي والعشرين الناشئتان بالاندماج معا لخلق نموذج اقتصادي قوي لفترة جديدة من التاريخ الاقتصادي.
وفي الآونة الأخيرة أخذنا نستخدم الحاسب بصورة متزايدة في تحميله بالمعلومات المتعلقة بالجينات وفك رموزها والتحكم بها واستغلالها وتجميعها. وتعتبر الجينات المصدر الخام للقرن الحادي والعشرين, وهي تتمتع بالقوة ذاتها التي كان يتمتع بها الوقود الأحفوري في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولفهم ضخامة هذا التحول علينا إلقاء نظرة علي أربع شركات كيماوية هي: مونسانتوMonsanto ودي-بونتDupont ونوفارتيسNovartis وهويكستHoechst حيث كانت هذه الشركات تعتبر من عمالقة الشركات الكيماوية في القرن العشرين. وخلال السنوات الأخيرة, اتخذت كل واحدة من هذه الشركات قرارا ببيع أقسامها الكيماوية كلها لتتفرغ بشكل كامل لعلوم الجينات وبحوثها وتقنياتها وإنتاجها, وبالتالي تعتبر هذه الشركات شركات لعلوم الحياة. وهذا الأمر عبارة عن تحول سريع غير عادي من الوقود الأحفوري إلي الجينات.
وتجري معظم بحوث التكنولوجيا الحيوية علي أيدي شركات خاصة تتخذ من البلدان الصناعية مقرا لها. وفي ذاته يعتبر ذلك تحولا مثيرا عن مبادئ الثورة الخضراء التي أخذ القطاع العام بزمام أمورها لتسخير قدرات البحوث الزراعية خصيصا من أجل العثور علي حلول لمشكلات الجوع والفقر في أرياف العالم النامي.
إن هيمنة القطاع الخاص علي التكنولوجيا الأحيائية الزراعية تثير دواعي للقلق خشية ألا يتاح لمزارعي العالم النامي ولا سيما أفقر الفقراء منهم, فرصة الإفادة من هذه التكنولوجيا, إما لغياب التقنيات الملائمة لاحتياجاتهم كلية أو لكونها أبهظ سعرا من قدراتهم المادية. الثورة الجديدة تختلف كلية عن الثورات السابقة, فلقد كنا نعمل علي تحسين الطبيعة طيلة عشرات آلاف السنين, لقد كنا نزرع المحاصيل وندجن الحيوانات, وأثرنا في المخلوقات الحية بحيث تناسب احتياجاتنا وأغراضنا. هل نعتبر ثورة التقنية الحيوية امتدادا لما كنا نقوم به دائما؟ بالتأكيد لا. حيث يمكن القول بأن هناك تجارب أربع لم يقم أي من العاملين في مجال التوليد والتهجين في التاريخ بتحقيقها, فالتجربة الأولي, في جامعة بنسلفانيا حيث أخذ العالم هارولد برينستر وفريقه العلمي جينة هرمون النمو البشري وحقنوها في أجنة فئران, فولدت الفئران وهي تحمل جينة بشرية تعمل في كل خلية من خلايا أجسامها. ونمت هذه الفئران بمثل ضعفي الحجم الطبيعي وبسرعة توازن ضعفي سرعة نمو أي فأر في التاريخ. لقد كانت تحمل جينة نمو بشري في شفرتها الوراثية, وقامت بنقلها إلي كل الأجيال اللاحقة. لذلك لدينا فئران تحمل مادة وراثية بشرية تتكرر في جيل, ولا يمكننا القيام بذلك بعملية توليد تقليدية, ففي عملية التوليد التقليدية يمكننا تهجين حيوانات قريبة الصلة( من الفصيلة نفسها) مثل أنثي حمار مع حصان أو العكس, وينجم عن هذا التهجين البغل. غير أن عملية التهجين التقليدية لا يمكننا تهجين حمار أو حصان مع شجرة تفاح, أما الآن فيمكن تحقيق ذلك ويمكننا تجاوز كل الحدود الحيوية, فنستطيع أخذ جينات من الحيوانات ووضعها في النبات أو أخذ جينات من النبات ووضعها في الحيوانات أو جينات من الحيوانات ووضعها في البشر. ويمكننا الآن تجاوز الحدود الحيوية والالتفاف عليها ونبدأ بتنظيم الحياة علي مستوي البصمات الوراثية. والتجربة الثانية تتعلق بالذبابة المضيئة, فقد أخذ العلماء الجينة التي تبث الضوء في هذه الحشرة وحقنوها في نبات التبغ, وكانت حصيلة ذلك أن النبات المكتمل النمو كان مضيئا طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم, ولا يمكننا القيام بذلك في عملية التهجين التقليدية. والتجربة الثالثة تتعلق بالماعز والخراف, والنوعان غير قريبين أو هما فصيلتان مختلفتان, وبالتالي لا يمكن تهجينهما, لقد أخذ العلماء في أدنبرة أجنة من الخروف وأخري من الماعز وقاموا بإدماجهما في المختبر, وكانت النتيجة حيوانا جديدا بالكامل أطلق عليه اسم' جيب'Geep( ماعز-خروف). وأخيرا النعجة' دولي' وكنا مهتمين بالنعجة دوللي ولم نهتم بالنعجة' بولي'. لقد كانت بولي أهم بكثير من' دولي' ولم يقرأ أحد عن' بولي' وهي مهمة لأن ما قام به العلماء في أدنبرة هو أنهم أخذوا جينة بشرية وطوروها إلي خلية نعجة بالغة, ثم استنسخوا النعجة, وما أظهروه هو أنه من الممكن الآن تطوير إنتاج كبير لنسخ مماثلة للأصل الحي يتمتع بضوابط النوعية نفسها أي مبادئ التصميم الأساسية التي كانت تستخدم في خطوط التجميع عند إنتاج المنتجات الكيماوية. ثمة سبب يجعلنا نطلق علي ذلك اسم الهندسة الوراثية, إذ يتم تطبيق مبادئ الهندسة علي البصمات الوراثية للحياة, وهذه هي السيرة الذاتية لكل شخص حيث بدأت الشركات الأمريكية تطلب البصمة الوراثية أو السيرة الذاتية للشخص عند التقدم لأي وظيفة. ومن ثم يمكن القول إن من يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين. إنها بمنزلة النفط في القرنين التاسع عشر والعشرين لأنها تعتبر المواد الخام للعهد القديم وسوف تعمل بالتوازي مع النفط, وتعتبر الجينات صناعة استخراج كالنفط, لا يمكنك تحديد موقع الجينة في المختبر أو إنتاجها مخبريا, بل يجب عليك العثور عليها في الطبيعة, لذلك يتم العمل علي وضع تسلسل لكل الجينات البالغ عددها140 ألف جينة التي تشكل البصمة الوراثية للجنس البشري وذلك في المختبرات الحكومية ومختبرات الشركات. وفي كل مرة يتم العثور علي واحدة من الجينات المسئولة عن مرض ما, تسجل إحدي الشركات براءة اختراع لها قائلة إنها بمنزلة اختراع, وهناك الآن آلاف الجينات المسجلة باعتبارها ملكية فكرية, الأمر الذي يعني أنه في غضون نهاية هذا العقد سوف تمتلك حفنة من الشركات العالمية البصمات الوراثية للجنس البشري. ويشكل هذا سلطة تجارية غير مسبوقة علي الحياة.
وتوجد معظم الجينات النادرة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية أي في الدول النامية, حيث يوجد التنوع الحيوي البيولوجي للكرة الأرضية. وتبحث شركات علوم الحياه العالمية عن جينات أو كائنات عضوية أو نباتات أو حيوانات نادرة أو حتي إنسان وتطلق علي ذلك اسم' التنقيب البيولوجي'biprospecting وعندما تكتشف جينة, فإنها تقوم بتسجيل براءة اختراع لها. ومن ثم بدأت الدول النامية تشكو من' القرصنة البيولوجية' وتقول إن هذه الجينات هي مواردها, تماما كالنفط بالنسبة لدول الشرق الأوسط, وهي تطالب بتعويضات مقابل ذلك. وترفض شركات الدول المتقدمة ذلك قائلة إنها أضافت لهذه الموارد قيمة في عملية البحث والتطوير, ولذلك فإنها يجب أن تكافأ بمنحها براءة اختراع وحق الملكية. ومن ثم علي الدول النامية أن تتحرك متكاتفة وأن تتضافر معها الهيئات والمنظمات غير الحكومية حيث إن الجينات ليست ملكا للحكومات ولا ملكا لأي شركة, لقد وجدت الجمعية الجينية علي الأرض قبل وجود الدول والشركات وتعود ملكيتها لتراث من التطور, إنها ميراث إرثنا, إنها وديعة لأجيال المستقبل, وسوف تبقي الجينات بعد فترة طويلة من مجيء وزوال الحكومات واختفاء الشركات في التاريخ. وإذا سمحنا أن تكون الجينات ملكية سياسية للحكومات أو ملكية فكرية للشركات, فسوف يشهد أبناؤنا حروب جينات في هذا القرن. لقد خسرنا حروب القطن وحروب النفط فهل نخسر أيضا حروب الجينات ؟
ولكي نعرف حقيقة ما يحدث علي ساحة الغذاء الآن من خلال عقد شركة' مونسانتو' حول البذور المعدلة والمهندسة جينيا, حيث إن شركتي' مونسانتو' و'نوفارتيس' تتمركزان في العديد من الدول لتزودها بالذرة والصويا وغيرهما من المنتجات المعدلة جينيا, ونتيجة لذلك هناك جدل واسع وكبير في ميدان التجارة العالمية, حيث يشتمل عقد شركة' مونسانتو' فيما يخص تلك البذور علي نوع جديد من الأعمال التجارية ويطلق عليه اسم' أعمال الشبكة' وليس' أعمال السوق', ففي السوق هناك بائع ومشتر ومبادلة للسلع, وهذه العملية هي تاريخ الرأسمالية. لقد أخذت الرأسمالية تنتقل من الأسواق إلي الشبكات, ومن البائعين والمشترين إلي المزودين والمستخدمين ومن الملكية إلي حرية الوصول والاستعمال. ويعد هذا من أعظم التغيرات التي تصيب الاقتصاد العالمي, إنها شكل جديد من أشكال الرأسمالية. ولكن ما هي الآلية التي تعمل بها شركة' مونسانتو' في الزراعة ؟ عندما تتعاقد الشركة مع المزارع مقابل البذور, لا يكون هناك بيع للبذور, فلا يوجد بيع ولا بائعون أو مشترون, ولا يوجد سوي تأجير بذور للمزارع وذلك لموسم واحد فقط, أي أن الشركة تقوم بعملية تأجير للحمض النووي الرايبوزي المنقوص الأكسجين( الدنا) لعام واحد, وعند بدء موسم الحصاد, لا يستطيع المزارع استخدامها لأنها ملكية فكرية للمزود, الذي لا يبيع البذور نهائيا. منذ أكثر من عشرة آلاف سنة مضت كان المزارعون يستخدمون البذور الجديدة عن طريق المقايضة والبيع أي أن الأساس الاقتصادي كله يكمن في البذور. أما الآن فإنكم إذا حاولتم استخدام البذور الجديدة, فإن شركة' مونسانتو' تستطيع مقاضاة المزارعين أمام المحاكم. وبالطبع لا يمكن اقتياد كل المزارعين في العالم إلي مراكز الشرطة. لذلك توصلت شركة' مونسانتو' ووزارة الزراعة الامريكية إلي فكرة تدعي' المصفي' وما قاموا به هو' إغلاق المفتاح الجيني' حيث إن البذور الجديدة تموت عند وصولها ولا يمكن استخدامها مرة أخري. وهناك طريقة أخري انتهجتها شركة' مونسانتو' تتمثل في أنه بدلا من جعل البذور تموت عند وصولها, فإنه يمكن جعلها تصل حالة السكون( السبات) ثم عليكم أن تشتروا الشفرة التي تسمح لكم بفك شفرة المفتاح بحيث تنبت من جديد. وبالتالي لا يمكن لأي مزارع في منطقتنا أو بلد آخر أن يتمكن من امتلاك البذور ثانية وإلي الأبد. لدلك يقع عبء كبير علي رجال الأعمال المصريين وخاصة أنهم يحاولون الآن إعادة التوازن للاقتصاد المصري في هذه المرحلة الصعبة ودفعه للأمام, ومصر تفتخر بأنها تضم مجموعة مخلصة منهم أن يقودوا السفينة في هده المرحلة أمثال نجيب ساويرس ومحمد فريد خميس ونادر رياض وغيرهم كثير, لدلك نحن علي ثقة في أنهم سيقودون الثورة الزراعية المصرية علي غرار الثورة الخضراء في المكسيك والبرازيل في أواخر الستينيات من القرن الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.