10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الصحة يلتقي الأطباء وأطقم التمريض المصريين العاملين في ليبيا    رئيس الوزراء: مصر ستبقى إلى جانب لبنان في مسيرتها نحو التعافي والاستقرار    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزيرة التنمية المحلية ومحافظ سوهاج يتفقدون ممشى كورنيش النيل    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    لافروف: نؤيد رؤية مصر بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا    الأردن يرحب بإلغاء عقوبات "قيصر" ويؤكد دعمه لجهود إعادة البناء في سوريا    الإصابة تبعد حسام عوار عن منتخب الجزائر في أمم أفريقيا وعبدلي يعوض غيابه    تحرير 1079 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    الداخلية توضح حقيقة السير عكس الاتجاه بطريق قنا - الأقصر الغربي    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    بوتين لزيلينسكي: ما دمت على عتبة الباب لماذا لا تدخل؟ الرئيس الروسي يسخر من نظيره الأوكراني    محمد رمضان: الجمهور مصدر طاقتي وسبب نجاحي بعد ربنا    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    محافظ أسيوط يطلق مبادرة كوب لبن لكل طفل دعما للفئات الأولى بالرعاية    يبدأ رسميًا 21 ديسمبر.. الأرصاد تكشف ملامح شتاء 2025 في مصر    افتتاح مسجد نادي جامعة أسيوط بعد تجديد شامل    توصيات ندوة أكاديمية الشرطة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    عماد أبو غازي: «أرشيف الظل» ضرورة بحثية فرضتها قيود الوثائق الرسمية.. واستضافة الشيخ إمام في آداب القاهرة 1968 غيرت مساره الجماهيري    وزير الخارجية: العلاقات مع روسيا شهدت طفرة استراتيجية على جميع الأصعدة    حماس: محادثات ميامي لن تفضي لوقف خروقات إسرائيل للهدنة    أحمد شيبة ينتهي من تسجيل أغنية جديدة لطرحها في رأس السنة    ندوة تناقش 3 تجارب سينمائية ضمن مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    اطلاق بوستر الدورة ال16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    نيجيريا الأعلى وتونس وصيفًا.. القيمة التسويقية لمنتخبات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    عبد الغفار يبحث مع وزير الصحة الموريتاني نقل التجربة المصرية في التأمين الشامل    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    نواف سلام: العلاقة بين مصر ولبنان أكثر من تبادل مصالح إنها تكامل في الرؤية وتفاعل في المسار وتاريخ مشترك    سلام: العلاقة بين مصر ولبنان تشمل تفاعلا في المسار واتفاقا في الرؤى    تنفيذ 27 حملة تفتيش وتحرير 156 محضرا فى حملة تموينية بالوادى الجديد    حملات أمنية مكبرة تضبط 340 قضية مخدرات وتنفذ قرابة 60 ألف حكم خلال 24 ساعة    وفاة 7 أشخاص وإصابة 5 آخرين في حريق سيارة سوزوكي على الطريق الإقليمي    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية    وفاة طبيب متأثراً بإصابته إثر طلق ناري أثناء مشاركته بقافلة طبية في قنا    وزير الزراعة يعلن خفض المفوضية الأوروبية فحوصات الموالح المصرية إلى 10% بدلا من 20%    "الوزراء": الحكومة تمنح تيسيرات لزيادة عدد الغرف الفندقية وتحويل بعض المنشآت السكنية    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    وزيرة التخطيط تختتم الحوار المجتمعي حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    كأس عاصمة مصر.. الإسماعيلي يتحدى بتروجت بحثًا عن الفوز الأول    ارتفاع حصيلة البعثة المصرية بدورة الألعاب الإفريقية للشباب إلى 65 ميدالية    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    جامعة السوربون تكرم الدكتور الخشت بعد محاضرة تعيد فتح سؤال العقل والعلم    أستاذ لغويات: اللغة العربية تمثل جوهر الهوية الحضارية والثقافية للأمة    أبو الغيط يرحب بانتخاب برهم صالح مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة    الداخلية تضبط 20 شخصا من أنصار مرشحين بسبب التشاجر فى الإسماعيلية    سنن وآداب يوم الجمعة – وصايا نبوية للحياة اليومية    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    تبلغ 32 مليون دولار والبطل يحصل على 7 ملايين.. كاف يعلن زيادة الجوائز المالية لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل .. مياه البحر وعلوم الجينات.. ثورة في الزراعة المصرية

* التوسع في زراعة القمح وفي محاصيل الأعلاف في الساحل الشمالي باستخدام محطات تحلية المياه
* إنتاج محطات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل من النصف مقارنة بتكاليف توصيل المياه العذبة إلي المناطق النائية
* الزراعة بمياه البحر تتطلب تقانات زراعية تختلف عن الزراعة بالمياه العذبة
* كانت الشقيقات السبع البترولية هي المسيطرة علي إنتاج النفط في العالم, اليوم هناك خمس شركات لعلوم الحياة تمتلك80% من كل بذور العالم وخلال فترة بسيطة ستمتلك كل البذور تقريبا
* إذا سمحنا أن تكون الجينات ملكية سياسية للحكومات أو للشركات, فسوف يشهد أبناؤنا حروب جينات في هذا القرن
* اندماج تقنيتي الحاسب والجينات لخلق نموذج اقتصادي جديد
* هيمنة القطاع الخاص علي التكنولوجيا الأحيائية الزراعية سيؤثر بشكل سلبي علي المزارعين الفقراء
* من يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين
* إذا تركت الابتكارات التكنولوجية في الزراعة إلي قوي السوق فسينعدم الأمن الغذائي
---------------------
كان للارتفاعات الهائلة في أسعار الغذاء بفعل تغير خريطة الغذاء العالمية, ودخول المستثمرين الجدد, وانعكاسات تغير المناخ علي مناطق إنتاج الغذاء, والزيادة السريعة في الطلب علي اللحوم والألبان وارتفاع أسعار النفط, واستنفاد المخزون من الغذاء, واستخدام المزيد من المحاصيل الغذائية في تصنيع الوقود الحيوي, والاستثمار غير الكافي في العلوم والسياسات الحكومية غير الملائمة ثم أخيرا التهديدات الإثيوبية بشأن إقامة عدد من السدود التي سوف تؤثر علي حصة مصر من مياه النيل, والتزايد السكاني. كل هذه العوامل لها أثر كبير في تغيير خريطة الزراعة المصرية, وأصبح من اليقين أن مصر ستقود ثورة زراعية قادمة مختلفة تماما عن النهج الذي سارت عليه الزراعة في السابق, وستكون نقطة الانطلاق باستخدام كل التكنولوجيات والأبحاث الحديثة لتحويل الصحراء إلي جنة خضراء.
ولقد طالبنا بضرورة التوسع في إنشاء محطات تحلية المياه بالمحافظات الساحلية والنائية حتي لا تذهب مياه النيل إلي مناطق بعيدة تؤدي إلي إهدارها للحفاظ علي مياه النيل, خاصة إذا ما علمنا أن الصحراء الغربية هي المرشحة للتوسع الزراعي مستقبلا خلال العقد القادم نتيجة لأربعة تطورات هامة, يتعلق التطور الأول بإمكانية زراعة بعض المحاصيل الهامة علي مياه البحر مباشرة. وهناك تجارب بدأت تظهر نتائجها في مراكز البحوث الغربية علي هذه النوعية من المحاصيل, والأمر الثاني هو نجاح الهندسة الوراثية في إنتاج محاصيل تتحمل الملوحة ويجري تحسين الجيل الثالث منها, والأمر الثالث هو إعادة النظر في استغلال المياه الجوفية بطريقة أكفأ من الماضي وسرعة اتخاذ بعض التدابير لحماية هذا الاستنزاف من قبل دول مجاورة. والأمر الأخير هو نجاح التكنولوجيات الغربية والروسية وخاصة الأخيرة في إنتاج محطات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل من النصف مقارنة بتكاليف توصيل المياه العذبة إلي تلك المناطق. فلقد حققت روسيا تقدما كبيرا في تحلية مياه البحر, حيث قطعت شوطا كبيرا تجاه التوسع في هذا المجال من ناحية تخفيض التكلفة والتقنيات المستخدمة مع بساطة المعدات وتركيبها وصيانتها ونقلها من مكان لآخر. وقد تراكمت الخبرات الطويلة لدي مصممي محطات التحلية الضخمة مما يسمح لهم بحل أكثر المسائل تعقيدا مثل الحصول علي المياه بدون أملاح من أجل المولدات البخارية, وتحلية المياه المتضمنة للأملاح في المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء. كما تسمح هذه الخبرات بتصميم أنظمة مغلقة لاستخدام المياه مع التقليل الكبير لاستهلاك الطاقة والمواد الكيميائية وبالتالي التأثير الإيجابي في مجال حماية البيئة.
واحتلت بعض الدول العربية مكانة عالمية في تحلية ماء البحر, وقد مثلت القدرة الإجمالية لمحطات التحلية الخليجية في الوقت الراهن في منطقتنا العربية60% من القدرة العالمية. وينتج عدد كبير من هذه المحطات الماء بمعدل يزيد علي100 ألف م3 يوميا للمحطة الواحدة. وتقع المحطات الأوسع قدرة في الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. أما بقية الدول فتنتج كميات محدودة من المياه المحلاة وذلك بشكل رئيسي من خلال انخراط القطاع الخاص في قطاعي السياحة والصناعة للمناطق البعيدة.
لقد مكنت الموارد المالية وإمدادات الطاقة المواتية معظم بلدان مجلس التعاون الخليجي من إنشاء مرافق تحلية كبيرة لتلبية غالبية الطلبات الحضرية. ولا يزال عنصر التكلفة الرئيسي يتمثل باستثمار رأس المال الأولي لإنشاء المحطة(30 إلي60% من إجمالي التكلفة). وتعتمد تكلفة الإنتاج الذي يستخدم عمليات تحلية مختلفة علي العوامل التالية: التكنولوجيا, حجم المحطة وعمرها الافتراضي وما إذا كانت المحطة مزدوجة الغرض( توليد الماء والطاقة الكهربائية) ونوعية ماء المصدر وموقع المحطة وسعر الفائدة وقطع الغيار والتكاليف الأخري المتعلقة بالصيانة وتكلفة الطاقة وتكاليف اليد العاملة ومعامل تحميل المحطة. وتبين تقارير قريبة العهد للتكلفة تتعلق ب20 محطة تحلية كبيرة في المملكة العربية السعودية أن متوسط التكلفة يتراوح بين50,0 و75,0 دولار للمتر المكعب الواحد. وفي البحرين تبلغ نحو52,0 دولار. وسوف تقل التكلفة كثيرا بعد الانتهاء من إنشاء المحطة النووية بالضبعة التي ستغير وجه المنطقة بالكامل.
وتعد الزراعة بمياه البحر فكرة قديمة, وقد حظيت بالاهتمام الجدي لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية. واختبر عدد من الباحثين في مراكز البحوث المتخصصة في الخارج خاصة في إسرائيل جدوي الزراعة باستعمال مياه البحر, فوجدوا أنها تصلح جدا في التربة الرملية من البيئات الصحراوية. وتعرف الزراعة بمياه البحر بأنها تنمية المحاصيل المتحملة للملوحة في أراض تستعمل فيها المياه المأخوذة من المحيطات بالضخ.
ولكي تكون الزراعة بمياه البحر مجدية من حيث الكلفة, يتعين أن تحقق شرطين: أولهما, أن تنتج محاصيل مفيدة بمردود عال بما يكفي لتبرير تكاليف ضخ مياه الري من البحر. وثانيهما, ضرورة تطوير تقانات زراعية لتنمية محاصيل مروية بمياه البحر بطريقة مستدامة, ومن دون الإضرار بالبيئة. ولقد حاول بعض الباحثين إدخال صفة تحمل الملوحة إلي بعض المحاصيل التقليدية كالقمح والشعير. وفي تدجين نباتات برية متحملة للملوحة, تدعي النباتات الملحية, بقصد استعمالها محاصيل غذائية أو علفية أو زيتية. ومن ثم تم جمع بضع مئات من النباتات الملحية عبر العالم ثم تصنيفها حسب درجة تحملها للملوحة وكذلك محتواها الغذائي. فهناك ما بين2000 و3000 نوع من النباتات الملحية علي شكل أعشاب أو شجيرات أو أشجار. لكن الزراعة بمياه البحر تتطلب تقانات زراعية تختلف عن الزراعة بالمياه العذبة. ولتحقيق المتطلب الأول لجدوي كلفة الزراعة بمياه البحر, كان يجب بحث إمكانية إحلال النباتات الملحية محل المحاصيل التقليدية من أجل استعمال معين, وعليه تم اختبار مدي صلاحية النباتات الملحية لتغذية الماشية, انطلاقا من أن توفير الكفاية من العلف لقطعان الماشية والأغنام والماعز يعد واحدا من أكثر المشكلات الزراعية تحديا في الأراضي الجافة من العالم, ويتصف العديد من النباتات الملحية باحتوائها علي مستويات عالية من البروتين والكربوهيدرات القابلة للهضم. وهناك تجربة تمت بإدخال النباتات الملحية جزءا من عليقة( خلطة غذائية) للماشية, بحيث تحل محل دريس العلف مكونة بذلك نسبة تتراوح بين30 إلي50% من الاستهلاك الغذائي الكلي للأغنام والماعز( وهذه النسب هي المستويات النموذجية للعلف المستعمل في تسمين حيوانات الذبح) وجد أن الحيوانات التي أكلت النباتات الملحية قد حققت زيادة في الوزن تماثل تلك التي حققتها الحيوانات التي اقتاتت علائق تحتوي علي الدريس. وعلاوة علي ذلك, فإن نوعية لحم حيوانات الاختبار لم تتأثر بتناولها عليقة غنية بالنباتات الملحية. وعلي النقيض من المخاوف الأولية, فإن الحيوانات لم تبد صدودا لتناول العلائق المخلوطة بالنباتات الملحية; بل إنها في الواقع بدت منجذبة للمذاق الملحي.
إن أكبر تكاليف الزراعة بمياه البحر تكمن في ضخ المياه نفسها. وتتناسب نفقات الضخ هذه مع كميات المياه التي يتم ضخها والارتفاع اللازم صعودها إليه. ومع أن النباتات الملحية تحتاج إلي كميات من المياه تفوق حاجة المحاصيل التقليدية, فإن المزارع القريبة من مستوي البحر تتطلب رفعا للمياه يقل عما تحتاج إليه مزارع المحاصيل التقليدية, التي غالبا ما ترفع الماء من آبار يزيد عمقها علي100 متر. ونظرا لأن ضخ مياه البحر عند مستوي البحر أرخص كلفة من ضخ المياه العذبة من الآبار, فلا بد أن تكون الزراعة بمياه البحر مجدية التكاليف في المناطق الصحراوية.
ويمكن التوسع في زراعة القمح وفي محاصيل الأعلاف في الساحل الشمالي والصحراء الغربية باستخدام محطات تحلية المياه وباستخدام الري بالتنقيط وبالضخ المباشر للمحاصيل الرعوية الملحية, وبالتالي يمكن أن نشهد تطبيقا تجاريا للزراعة بمياه البحر قريبا. وقد أنشأت عدة شركات مزارع اختبارية للنباتات الملحية في كاليفورنيا والمكسيك والمملكة العربية السعودية ومصر وباكستان والهند, ولكن علي حد علمنا لم يدخل أي منها حيز الإنتاج علي نطاق واسع, لكن مع ارتفاع الأسعار وتغير الخريطة الغذائية واندماج تقنية الحاسب بعلوم الحياة( الأجنة), وهذا الأمر عبارة عن تحول سريع غير عادي من الوقود الأحفوري إلي الجينات ومن خلال هذا التحكم الجيني سنشهد محاصيل تزرع بماء البحر مباشرة.
فمنذ أن ابتدع البشر الزراعة, منذ أكثر من عشرة آلاف سنة مضت والمزارعون يحمون, ويدافعون عن التنوع البيولوجي. ولقد أنتجت أجيال كثيرة من المزارعين نباتات المحاصيل الرئيسية من خلال عملية تطبيع مطولة تركت نباتات محاصيل كثيرة اليوم غير قادرة علي البقاء في الطبيعة, وأبقوا علي نباتات لها' قيمة'. وتم تحقيق هذه القيم بواسطة إجراء تعديلات أساسية في النباتات التي تم الحصول عليها من خلال عمليات مطولة ومتكررة لتربية النبات وقيام المجتمعات الزراعية بتكييفها من خلال اختيار متكرر للسمات المرغوبة التي يمكن أن تؤدي إلي طفرات غير متوقعة أو مجموعات من الأنماط الجينية. وأدت الجينات التي تم نسخها بعناية من جيل إلي آخر إلي استقرار في استنساخ السمات المطلوبة, مما أدي إلي تحقيق الأمن للمزارعين الذين يمكنهم الاعتماد علي تحقيق محاصيل ناجحة باستخدام بذور مختارة مزروعة من محاصيل سابقة. واعتبر المزارعون بذورهم أنها ذات قيمة وضمنوا مواصلة الابتكار فيها من خلال نقل البذور معهم خلال فترات قصيرة من الزراعة المتنقلة والهجرة الطويلة أو الدائمة. وبما أن البذور نقلت إلي مناطق جديدة, واجهت النباتات تحديات بيئية جديدة وقام المزارعون بادخار أو اختيار بذور من نباتات أو مجتمعات نباتية قد أدت أداء جيدا, وأنتجت المنتجات المحصولية المطلوبة. ومن ثم, تم' ثبيت', بعض التغييرات الجينية, بينما تم اهمال المجموعات الجينية الأخري التي لم تؤد أداء جيدا ولم تتكاثر, وهذه الظاهرة, المعروفة بالتكيف الجيني, هي أساس التنوع الواسع الذي نراه الآن في صنف محصول واحد. ومن ثم فالتنوع الجيني في أنواع المحاصيل موجود في جميع الأوقات.
ارتبطت تربية النبات أيضا بتطور تكنولوجيات ونهوج تشكيل محاصيل لنظم زراعية مرتبطة برأس المال المكثف والمدخلات المشتراة مثل المغذيات ومبيدات الآفات. وأدت هذه التطورات في النهاية إلي تغيرات جينية وإدارية وبيئية نتج عنها جميعا نظم زراعية حديثة مثل الموجودة في العالم الصناعي. وتم نقل النظم الزراعية هذه, وخاصة المرتبطة بالقمح والأرز, فيما بعد إلي بعض النظم الزراعية في البلدان الأقل نموا علي هيئة' ثورة خضراء'.
وطيلة السنوات الأربعين الأخيرة كنا جميعا نتابع تقنيتين كانتا تنتشران حول العالم, هما تقنيتا الحاسب والجينات أو علوم المعلومات وعلوم الحياة. وفي الأعوام الأخيرة باتت تقنيتا القرن الحادي والعشرين الناشئتان بالاندماج معا لخلق نموذج اقتصادي قوي لفترة جديدة من التاريخ الاقتصادي.
وفي الآونة الأخيرة أخذنا نستخدم الحاسب بصورة متزايدة في تحميله بالمعلومات المتعلقة بالجينات وفك رموزها والتحكم بها واستغلالها وتجميعها. وتعتبر الجينات المصدر الخام للقرن الحادي والعشرين, وهي تتمتع بالقوة ذاتها التي كان يتمتع بها الوقود الأحفوري في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولفهم ضخامة هذا التحول علينا إلقاء نظرة علي أربع شركات كيماوية هي: مونسانتوMonsanto ودي-بونتDupont ونوفارتيسNovartis وهويكستHoechst حيث كانت هذه الشركات تعتبر من عمالقة الشركات الكيماوية في القرن العشرين. وخلال السنوات الأخيرة, اتخذت كل واحدة من هذه الشركات قرارا ببيع أقسامها الكيماوية كلها لتتفرغ بشكل كامل لعلوم الجينات وبحوثها وتقنياتها وإنتاجها, وبالتالي تعتبر هذه الشركات شركات لعلوم الحياة. وهذا الأمر عبارة عن تحول سريع غير عادي من الوقود الأحفوري إلي الجينات.
وتجري معظم بحوث التكنولوجيا الحيوية علي أيدي شركات خاصة تتخذ من البلدان الصناعية مقرا لها. وفي ذاته يعتبر ذلك تحولا مثيرا عن مبادئ الثورة الخضراء التي أخذ القطاع العام بزمام أمورها لتسخير قدرات البحوث الزراعية خصيصا من أجل العثور علي حلول لمشكلات الجوع والفقر في أرياف العالم النامي.
إن هيمنة القطاع الخاص علي التكنولوجيا الأحيائية الزراعية تثير دواعي للقلق خشية ألا يتاح لمزارعي العالم النامي ولا سيما أفقر الفقراء منهم, فرصة الإفادة من هذه التكنولوجيا, إما لغياب التقنيات الملائمة لاحتياجاتهم كلية أو لكونها أبهظ سعرا من قدراتهم المادية. الثورة الجديدة تختلف كلية عن الثورات السابقة, فلقد كنا نعمل علي تحسين الطبيعة طيلة عشرات آلاف السنين, لقد كنا نزرع المحاصيل وندجن الحيوانات, وأثرنا في المخلوقات الحية بحيث تناسب احتياجاتنا وأغراضنا. هل نعتبر ثورة التقنية الحيوية امتدادا لما كنا نقوم به دائما؟ بالتأكيد لا. حيث يمكن القول بأن هناك تجارب أربع لم يقم أي من العاملين في مجال التوليد والتهجين في التاريخ بتحقيقها, فالتجربة الأولي, في جامعة بنسلفانيا حيث أخذ العالم هارولد برينستر وفريقه العلمي جينة هرمون النمو البشري وحقنوها في أجنة فئران, فولدت الفئران وهي تحمل جينة بشرية تعمل في كل خلية من خلايا أجسامها. ونمت هذه الفئران بمثل ضعفي الحجم الطبيعي وبسرعة توازن ضعفي سرعة نمو أي فأر في التاريخ. لقد كانت تحمل جينة نمو بشري في شفرتها الوراثية, وقامت بنقلها إلي كل الأجيال اللاحقة. لذلك لدينا فئران تحمل مادة وراثية بشرية تتكرر في جيل, ولا يمكننا القيام بذلك بعملية توليد تقليدية, ففي عملية التوليد التقليدية يمكننا تهجين حيوانات قريبة الصلة( من الفصيلة نفسها) مثل أنثي حمار مع حصان أو العكس, وينجم عن هذا التهجين البغل. غير أن عملية التهجين التقليدية لا يمكننا تهجين حمار أو حصان مع شجرة تفاح, أما الآن فيمكن تحقيق ذلك ويمكننا تجاوز كل الحدود الحيوية, فنستطيع أخذ جينات من الحيوانات ووضعها في النبات أو أخذ جينات من النبات ووضعها في الحيوانات أو جينات من الحيوانات ووضعها في البشر. ويمكننا الآن تجاوز الحدود الحيوية والالتفاف عليها ونبدأ بتنظيم الحياة علي مستوي البصمات الوراثية. والتجربة الثانية تتعلق بالذبابة المضيئة, فقد أخذ العلماء الجينة التي تبث الضوء في هذه الحشرة وحقنوها في نبات التبغ, وكانت حصيلة ذلك أن النبات المكتمل النمو كان مضيئا طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم, ولا يمكننا القيام بذلك في عملية التهجين التقليدية. والتجربة الثالثة تتعلق بالماعز والخراف, والنوعان غير قريبين أو هما فصيلتان مختلفتان, وبالتالي لا يمكن تهجينهما, لقد أخذ العلماء في أدنبرة أجنة من الخروف وأخري من الماعز وقاموا بإدماجهما في المختبر, وكانت النتيجة حيوانا جديدا بالكامل أطلق عليه اسم' جيب'Geep( ماعز-خروف). وأخيرا النعجة' دولي' وكنا مهتمين بالنعجة دوللي ولم نهتم بالنعجة' بولي'. لقد كانت بولي أهم بكثير من' دولي' ولم يقرأ أحد عن' بولي' وهي مهمة لأن ما قام به العلماء في أدنبرة هو أنهم أخذوا جينة بشرية وطوروها إلي خلية نعجة بالغة, ثم استنسخوا النعجة, وما أظهروه هو أنه من الممكن الآن تطوير إنتاج كبير لنسخ مماثلة للأصل الحي يتمتع بضوابط النوعية نفسها أي مبادئ التصميم الأساسية التي كانت تستخدم في خطوط التجميع عند إنتاج المنتجات الكيماوية. ثمة سبب يجعلنا نطلق علي ذلك اسم الهندسة الوراثية, إذ يتم تطبيق مبادئ الهندسة علي البصمات الوراثية للحياة, وهذه هي السيرة الذاتية لكل شخص حيث بدأت الشركات الأمريكية تطلب البصمة الوراثية أو السيرة الذاتية للشخص عند التقدم لأي وظيفة. ومن ثم يمكن القول إن من يتحكم بالجينات يمكنه التحكم بالقرن الحادي والعشرين. إنها بمنزلة النفط في القرنين التاسع عشر والعشرين لأنها تعتبر المواد الخام للعهد القديم وسوف تعمل بالتوازي مع النفط, وتعتبر الجينات صناعة استخراج كالنفط, لا يمكنك تحديد موقع الجينة في المختبر أو إنتاجها مخبريا, بل يجب عليك العثور عليها في الطبيعة, لذلك يتم العمل علي وضع تسلسل لكل الجينات البالغ عددها140 ألف جينة التي تشكل البصمة الوراثية للجنس البشري وذلك في المختبرات الحكومية ومختبرات الشركات. وفي كل مرة يتم العثور علي واحدة من الجينات المسئولة عن مرض ما, تسجل إحدي الشركات براءة اختراع لها قائلة إنها بمنزلة اختراع, وهناك الآن آلاف الجينات المسجلة باعتبارها ملكية فكرية, الأمر الذي يعني أنه في غضون نهاية هذا العقد سوف تمتلك حفنة من الشركات العالمية البصمات الوراثية للجنس البشري. ويشكل هذا سلطة تجارية غير مسبوقة علي الحياة.
وتوجد معظم الجينات النادرة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية أي في الدول النامية, حيث يوجد التنوع الحيوي البيولوجي للكرة الأرضية. وتبحث شركات علوم الحياه العالمية عن جينات أو كائنات عضوية أو نباتات أو حيوانات نادرة أو حتي إنسان وتطلق علي ذلك اسم' التنقيب البيولوجي'biprospecting وعندما تكتشف جينة, فإنها تقوم بتسجيل براءة اختراع لها. ومن ثم بدأت الدول النامية تشكو من' القرصنة البيولوجية' وتقول إن هذه الجينات هي مواردها, تماما كالنفط بالنسبة لدول الشرق الأوسط, وهي تطالب بتعويضات مقابل ذلك. وترفض شركات الدول المتقدمة ذلك قائلة إنها أضافت لهذه الموارد قيمة في عملية البحث والتطوير, ولذلك فإنها يجب أن تكافأ بمنحها براءة اختراع وحق الملكية. ومن ثم علي الدول النامية أن تتحرك متكاتفة وأن تتضافر معها الهيئات والمنظمات غير الحكومية حيث إن الجينات ليست ملكا للحكومات ولا ملكا لأي شركة, لقد وجدت الجمعية الجينية علي الأرض قبل وجود الدول والشركات وتعود ملكيتها لتراث من التطور, إنها ميراث إرثنا, إنها وديعة لأجيال المستقبل, وسوف تبقي الجينات بعد فترة طويلة من مجيء وزوال الحكومات واختفاء الشركات في التاريخ. وإذا سمحنا أن تكون الجينات ملكية سياسية للحكومات أو ملكية فكرية للشركات, فسوف يشهد أبناؤنا حروب جينات في هذا القرن. لقد خسرنا حروب القطن وحروب النفط فهل نخسر أيضا حروب الجينات ؟
ولكي نعرف حقيقة ما يحدث علي ساحة الغذاء الآن من خلال عقد شركة' مونسانتو' حول البذور المعدلة والمهندسة جينيا, حيث إن شركتي' مونسانتو' و'نوفارتيس' تتمركزان في العديد من الدول لتزودها بالذرة والصويا وغيرهما من المنتجات المعدلة جينيا, ونتيجة لذلك هناك جدل واسع وكبير في ميدان التجارة العالمية, حيث يشتمل عقد شركة' مونسانتو' فيما يخص تلك البذور علي نوع جديد من الأعمال التجارية ويطلق عليه اسم' أعمال الشبكة' وليس' أعمال السوق', ففي السوق هناك بائع ومشتر ومبادلة للسلع, وهذه العملية هي تاريخ الرأسمالية. لقد أخذت الرأسمالية تنتقل من الأسواق إلي الشبكات, ومن البائعين والمشترين إلي المزودين والمستخدمين ومن الملكية إلي حرية الوصول والاستعمال. ويعد هذا من أعظم التغيرات التي تصيب الاقتصاد العالمي, إنها شكل جديد من أشكال الرأسمالية. ولكن ما هي الآلية التي تعمل بها شركة' مونسانتو' في الزراعة ؟ عندما تتعاقد الشركة مع المزارع مقابل البذور, لا يكون هناك بيع للبذور, فلا يوجد بيع ولا بائعون أو مشترون, ولا يوجد سوي تأجير بذور للمزارع وذلك لموسم واحد فقط, أي أن الشركة تقوم بعملية تأجير للحمض النووي الرايبوزي المنقوص الأكسجين( الدنا) لعام واحد, وعند بدء موسم الحصاد, لا يستطيع المزارع استخدامها لأنها ملكية فكرية للمزود, الذي لا يبيع البذور نهائيا. منذ أكثر من عشرة آلاف سنة مضت كان المزارعون يستخدمون البذور الجديدة عن طريق المقايضة والبيع أي أن الأساس الاقتصادي كله يكمن في البذور. أما الآن فإنكم إذا حاولتم استخدام البذور الجديدة, فإن شركة' مونسانتو' تستطيع مقاضاة المزارعين أمام المحاكم. وبالطبع لا يمكن اقتياد كل المزارعين في العالم إلي مراكز الشرطة. لذلك توصلت شركة' مونسانتو' ووزارة الزراعة الامريكية إلي فكرة تدعي' المصفي' وما قاموا به هو' إغلاق المفتاح الجيني' حيث إن البذور الجديدة تموت عند وصولها ولا يمكن استخدامها مرة أخري. وهناك طريقة أخري انتهجتها شركة' مونسانتو' تتمثل في أنه بدلا من جعل البذور تموت عند وصولها, فإنه يمكن جعلها تصل حالة السكون( السبات) ثم عليكم أن تشتروا الشفرة التي تسمح لكم بفك شفرة المفتاح بحيث تنبت من جديد. وبالتالي لا يمكن لأي مزارع في منطقتنا أو بلد آخر أن يتمكن من امتلاك البذور ثانية وإلي الأبد. لدلك يقع عبء كبير علي رجال الأعمال المصريين وخاصة أنهم يحاولون الآن إعادة التوازن للاقتصاد المصري في هذه المرحلة الصعبة ودفعه للأمام, ومصر تفتخر بأنها تضم مجموعة مخلصة منهم أن يقودوا السفينة في هده المرحلة أمثال نجيب ساويرس ومحمد فريد خميس ونادر رياض وغيرهم كثير, لدلك نحن علي ثقة في أنهم سيقودون الثورة الزراعية المصرية علي غرار الثورة الخضراء في المكسيك والبرازيل في أواخر الستينيات من القرن الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.