صعود الأسهم الأمريكية والأسواق تتجاهل تصريحاته العدائية فى ظل أجواء ضبابية جاء تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وبالرغم من أجواء القلق فإن الأسواق كانت فى حالة ترقب مشوبة بالأمل، مع تتطلع المستثمرين لمزيد من الضوء على خططه الرامية لدعم النمو الاقتصادى. استقبلت أسواق الأسهم الرئيس الأمريكى الجديد بحالة من التفاؤل الحذر، ومما دعم موجة صعود الأسهم أنه لأول مرة منذ عام 2011 سيسعى الكونجرس إلى تنفيذ مبادرات سياسة الرئيس بدلا من عرقلتها، بالإضافة إلى هدوء نسبى فى الأحوال الاقتصادية لبقية العالم. بصفة عامة كان صعود الأسهم الأمريكية منذ الانتخابات مصحوبا بتفاؤل باستفادة الاقتصاد من سياسات ترامب، والأكثر استفادة القطاع المالى لستاندرد آند بورز حيث ارتفع 17٪ متفوقا على ستاندرد آند بورز 500 الذى سجل صعودا ب 6.1٪ . لكن فى الوقت نفسه كان القلق مؤشرا على اهتمام مبالغ فيه من الأسواق للسلبيات المحتملة من ترامب مثل تغريداته النارية بخصوص شركات محددة ودبلوماسيته العدوانية ضد الصين ومخاطر النزعة الحمائية. وفى رأى الخبير محمد العريان أن أسواق المال تجرى تقييم للأحداث المستقبلية وليس الظروف الحالية . فى تصريحاته لشبكة فوكس أشار الخبير المصرى فى شركة اليانز إلى قلق الأسواق بخصوص الإدارة الأمريكية الجديدة، وقال إن الأسواق تترقب سياسة ترامب والكونجرس، حيث يأمل معظم المستثمرين فى أن يحدث تحول سريع من سياسة التصريحات إلى خطط وإجراءات تنفيذية. وأضاف أنه بدون تفاصيل مشجعة بخصوص هذا التحول ستجد الأسهم صعوبة فى الصعود، وبعد الانخفاض الأخير بواقع 30 نقطة أساس فى أذون الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات لن ترتفع بسهولة مرة أخرى. وبالرغم من أنه لم يتوقع أن يكون للبنوك الأوروبية تأثير سلبى كبير فى الولاياتالمتحدة فإنه أبدى مخاوفه إزاء تأثير مشاكل أوروبا فى النمو الاقتصادى الأمريكى. تأثير تصريحاته النارية فى المستثمرين: رأت صحيفة وول ستريت جورنا أن الأسواق بدأت بالفعل فى تجاهل تصريحات ترامب، حيث ارتفعت الأسهم الأمريكية بعد يوم من التداولات المتقلبة بسبب كلمته بأن شركات الأدوية «ترتكب جريمة» فيما يتعلق بالأسعار التى تطلبها من الحكومة مقابل الأدوية وتعهد بتغيير ذلك. وهوت أسهم استيلاس فارما 4.2 بالمئة ونزلت أسهم أونو فارماسوتكل 3.6 بالمئة وانخفضت أسهم شيونوجى 3.7 بالمئة. فرغم إقبال كثير من المستثمرين على بيع أسهم شركات الأدوية ونزول المؤشر توبكس الأوسع نطاقا واحدا بالمئة إلى 1535.41 نقطة وتراجع المؤشر جيه.بى. اكس- نيكى 400 بالنسبة ذاتها إلى 13743.96 نقطة فإنه فى اليوم التالى ارتفع مؤشر داو جونز الصناعى 98.75 نقطة او 0.50٪، وزاد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 6.42 نقطة أو 0.28 ٪، كما صعد مؤشر ناسداك المجمع 11.83 نقطة أو 0.21 ٪. ووفقا للفاينانشال تايمز بدأت صناديق استثمار كبرى فى الولاياتالمتحدة استعداداتها مبكرا للاضطرابات المتوقعة فى الأسواق بعد انتهاء حالة التفاؤل برئيس جديد، وذكرت مثالا على ذلك مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية التى اتجهت إلى تعزيز السيولة لديها وخفضت انكشافها على قطاع سندات الشركات عالى المخاطر. وكان تحليل لصحيفة وول ستريت ذكر أن الملياردير جورج سوروس خسر مليار دولار بعد انتخاب ترامب. ونقل تقرير صحيفة الفاينانشال تايمز عن دان إيفاسكين كبير مسئولى الاستثمار فى بيمكو أحد أكبر مستثمرى السندات فى العالم قوله إنه فى ظل حالة عدم اليقين الحالية فان الحذر واجب. وأضاف أن الصناديق التابعة لبيمكو تراكم السيولة منذ شهرين وتشترى سندات لآجال أطول وتبيع سندات «خردة»(ذات المردود العالى لكن عالية المخاطر). وعن السيناريوهات الاقتصادية المحتملة أبدى إيفاسكين الذى يدير صندوقا بقيمة 70 مليار دولار مخاوفه من أن يبدأ ترامب حربا تجارية. من ناحية أخرى، توقع مسئول كبير فى وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتمانى أنه لن يتم رفع تصنيف الولاياتالمتحدة مرة أخرى إلى AAA بسبب مخاوف بخصوص تفاقم عجز الموازنة وارتفاع الدين العام. وقال موريتز كرايمر رئيس التصنيف السيادى فى الوكالة: إن أمريكا لم تفعل الكثير لتبديد تلك المخاوف، وأضاف أن صناعة السياسة حاليا يشوبها عدم اليقين. وبالرغم من توقعات بارتفاع النمو فى 2017 فإن الوكالة أبدت قلقها إزاء تنامى عجز الميزانية فى عهد ترامب نتيجة لسياساته حيث وعد بخفض ضرائب الدخل والشركات وزيادة الاستثمار فى مشروعات البنية التحتية. الذهب والدولار وأسعار الفائدة: بعدما قال ترامب لصحيفة وول ستريت جورنال: إن قوة الدولار أمام اليوان الصينى «تقضى علينا» قفز الذهب أكثر من 1٪ ليسجل أعلى مستوى فى ثمانية أسابيع حيث استفادت الأصول التى تعد ملاذا آمنا مثل الذهب والين اليابانى وسندات الخزانة الأمريكية من إقبال المستثمرين عليها لتفادى المخاطر الناجمة عن حالة الغموض التى تكتنف الأسواق مما ستعنيه إدارة ترامب للأسواق. كان فوز ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عزز التوقعات بأن تدعم سياساته فى الضرائب والإنفاق الدولار والتضخم ما يؤدى إلى زيادات أخرى فى أسعار الفائدة. ودفعت مخاوف بشأن سياسات الحماية التجارية التى يتبناها ترامب الدولار للتراجع مع قرب توليه منصبه بشكل رسمى الأسبوع الماضى. وبعد وصفه للصين بالمتلاعبة فى سعر صرف العملة، واصل ترامب نبرته الصارمة تجاه بكين مع استعداه للانتقال إلى البيت الأبيض. كان المستثمرون يراهنون على أن ترامب سيزيد الإنفاق العام وسيشجع الشركات الأمريكية على إعادة أموالها من الخارج، وهى سياسات من المتوقع أن ترفع معدل التضخم وتحث مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكى) على رفع أسعار الفائدة بوتيرة مطردة. ودفعت هذه المراهنات مؤشر الدولار الذى يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية للارتفاع 4 ٪ منذ انتخابات الثامن من نوفمبر ليصل إلى أعلى مستوياته فى 14 عاما عند 103.820 فى الثالث من يناير. لكن مؤشر الدولار الذى بلغ أعلى مستوى فى أسبوع قبل المؤتمر عند 102.950 هبط إلى أدنى مستوياته منذ 14 ديسمبر ليسجل 101.280 بعد انتهاء المؤتمر. فى الوقت نفسه، حذر محللون من أن انتعاش الذهب منذ منتصف ديسمبر الماضى قد يفقد زخمه نظرا لاحتمال صعود الدولار مجددا ما أن يبدأ ترامب تنفيذ خططه الاقتصادية. ارتفع الذهب مع قلق المستثمرين بشأن الغموض السياسى وهو ما دفعهم لشراء المعدن الأصفر النفيس، لكن من المتوقع أن يحد صعود الدولار بفضل ارتفاع الفائدة الأمريكية من مكاسب الذهب. ومن المتوقع أن ينتظر الاحتياطى الفيدرالى حتى الربع الثانى من العام قبل أن يرفع أسعار الفائدة لكنّ صانعى السياسة فى المركزى ألمحوا بعد اجتماع ديسمبر إلى إمكانية إجراء ثلاث زيادات فى أسعار الفائدة هذا العام. وربما يعنى ذلك صعود عائدات سندات الخزانة الأمريكية وهو ما يجعل حيازتها أقل تكلفة للمستثمرين فضلا عن أنها تعد ملاذا آمنا من المخاطر مثل الذهب، لكن سندات الخزانة تدر عائدات منتظمة بخلاف الذهب الذى لا يدر أى فائدة ويكبد المستثمرين نفقات فى التأمين والتخزين.
رؤية خبراء: فى وقت يتعهد فيه ترامب بمزيد من نهج «أمريكا أولا» الانعزالى فإن انتخابه أدى إلى شعور عميق بعدم اليقين بحسب جان مارى جوينو الرئيس التنفيذى للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات. ويعتقد جاى ستاندينج الذى ألف العديد من الكتب عن طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفى والدخل المضمون، أن نماذج المؤسسات التى تمثل التيار الرئيسى لا تريد ترامب والسلطويين اليمينيين، بل تريد اقتصادا عالميا يحقق نموا مستداما يمكنهم من خلاله القيام بأعمالهم. لكن أيان بريمر رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية نقل رأى الجانب الآخر المؤيد لترامب مثل قطاع البنوك المستفيد من ارتفاع أسعار الأسهم واحتمالات خفض الضرائب وتحرير الإجراءات التنظيمية فى عهد الإدارة الجديدة. * صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد الأمريكى 2.3٪ فى 2017 رفع صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى فى عامى 2017 و2018 بناء على خطط دونالد ترامب فى الضرائب وزيادة الإنفاق. وفى تحديث لتقريره الخاص بآفاق الاقتصاد العالمى قال الصندوق: إن الولاياتالمتحدة ستشهد تحسنا طفيفا بواقع 0.1 نقطة مئوية فى الناتج المحلى الإجمالى لعام 2017 وزيادة أقوى بواقع 0.4 نقطة مئوية فى 2018 مع وضع ترامب خططا لإجراءات مالية توسعية بما فى ذلك خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية. وأضاف صندوق النقد أن هذا سيدفع نمو الاقتصاد الأمريكى إلى 2.3 ٪ فى 2017 وإلى 2.5 ٪ فى 2018 ، مشيرا إلى أن هذه الخطط قد ترفع التضخم أيضا فى اقتصاد يقترب بالفعل من مستوى التوظيف الكامل. وتوقع صندوق النقد ارتفاع الدولار الأمريكى وتعزز أسعار النفط وضغوطا تضخمية أكثر إلى جانب عودة أقل تدرجا إلى سياسة نقدية عادية فى الولاياتالمتحدة. * رؤساء الشركات العالمية أكثر تفاؤلا 92٪ من المشاركين بدافوس يتوقعون تسارع النمو الاقتصادى العالمى صعود الدولار يعزز التعافى الاقتصادى الأوروبى وينهى مرحلة سياسات التيسير فى شراء السندات
بدأ منتدى دافوس هذا العام بدعوة للحكومات أن تكون أكثر « مصداقية ومسئولية» فى ظل تراجع الثقة بجميع المؤسسات. بحسب رؤية الخبراء والمؤسسات الدولية فإن الاقتصاد العالمى فى وضع أفضل مما كان عليه قبل سنوات، فأسواق الأسهم تزدهر وأسعار النفط فى طريقها للصعود من جديد، فى حين تراجعت مخاطر تباطؤ سريع محتمل فى الصين كانت مصدر قلق للعالم قبل عام. لكن رغم كل ذلك خيم على اجتماعات المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس بسويسرا هذا العام قلق يتعلق بمناخ سياسى أكثر خطورة وشعور عميق بعدم التيقن يحيط برئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة. بدأ الرؤساء التنفيذيون للشركات العالمية أكثر تفاؤلا بخصوص الاقتصاد ومستقبل شركاتهم فى المدى القصير عنهم فى العام الماضى وإن كانت تداعيات الاضطرابات السياسية الأخيرة تصدرت بواعث القلق لديهم فى الأجل الطويل. وأظهر مسح لبرايس ووتر هاوس كوبرز شمل نحو 1400 رئيس تنفيذى شاركوا فى دافوس أن 29 ٪ يتوقعون تسارع نمو الاقتصاد العالمى فى 2017 ارتفاعا من 27 ٪ العام الماضى. وتبين من المسح أن 38 ٪ من الرؤساء أبدوا ثقة كبيرة بأنهم سيتمكنون من زيادة نمو الإيرادات العام القادم مقارنة ب 35 ٪ فى الوقت نفسه من العام الماضى. وقال بوب موريتز الرئيس العالمى لبرايس ووتر هاوس كوبرز لرويترز: إن توقعات العام الماضى كانت قاتمة بشكل عام بفعل عامين من هبوط أسعار النفط وتباطؤ النمو فى الصين إضافة إلى الغموض بشأن الرئيس القادم للولايات المتحدة. ورغم أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة شكل تحولا جذريا فإن بعض الرؤساء التنفيذيين يتوقعون سياسات داعمة لأنشطة الشركات مثل خفض ضريبة الشركات وتخفيف القواعد التنظيمية وأبدوا مزيدا من التفاؤل. من ناحية أخرى ، تتمثل المشكلات الهيكلية الأساسية فى العالم فى الدين المفرط والاعتماد الزائد على السياسة النقدية والتطورات الديمغرافية غير المواتية. ومن بين أكبر بواعث القلق فى 2017 التى أشار إليها خبراء اقتصاديون، مخاطر اندلاع حرب تجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين وتوترات اقتصادية واسعة النطاق بفعل مخاوفهم المرتبطة بإدارة ترامب التى يخشون أن تكون أكثر تصادمية. يذكر أنه منذ عام فى دافوس أطلق راجان وويبر تحذيرا بشأن حدود السياسة النقدية التيسيرية، لكن الآن ومع تشديد المركزى الأمريكى للسياسة برزت مجموعة جديدة من المخاطر. ومن بين تلك المخاطر اكتساب الدولار مزيدا من القوة حيث تحوم العملة الأمريكية بالفعل قرب أعلى مستوياتها فى 14 عاما مقابل اليورو. وربما يوسع استمرار صعود الدولار العجز التجارى للولايات المتحدة بما يزيد الضغوط على ترامب للجوء إلى سياسات الحماية التجارية، وقد يضعف ذلك أيضا الميزانيات العمومية للمقترضين خارج الولاياتالمتحدة الذين اقترضوا بالدولار لكنهم يحوزون أصولا بالعملة المحلية. وعلى النقيض فى أوروبا فإن صعود الدولار قد يعزز التعافى الاقتصادى وهو ما يتيح للبنك المركزى الأوروبى إنهاء سياسات التيسير التى تتضمن شراء السندات أو برنامج التيسير الكمى الذى تم تمديده حتى نهاية 2017 . فى الوقت نفسه أشار تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادى العالمى إلى أن أغلب دول العالم فشلت فى انتهاز الفرصة لنمو اقتصاداتها وتقليل التفاوت فى الدخول فى الوقت نفسه. وأضاف التقرير أنه لم يعد فى مقدور الدول الاعتماد على مراقبة إجمالى الناتج المحلى لقياس معدل النمو، وإنما يجب الاعتماد على «مؤشر التنمية الشاملة» الذى يضع فى اعتباره عوامل مثل معدلات التوظيف ومتوسط الأعمار ومعدل الدين العام. ومن بين 103 دول شملها تقرير المنتدى الاقتصادى العالمى، فإن 51٪ سجل تراجعا فى مؤشر التنمية الشاملة خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بسبب تزايد الفجوة فى الدخول بين فئات المجتمع، حيث زادت حدة التفاوت فى 77٪ من هذه الدول. وقال ريتشارد سامانس الخبير الاقتصادى فى المنتدى الاقتصادى العالمى: إنه على الحكومات العمل على تحسين مستوى معيشة الغالبية من السكان «ليكون هذا الهدف هو الأولوية بالنسبة لكبار المستشارين الاقتصاديين ووزراء المالية (فى الدول) وليس التركيز التقليدى على بيانات الاقتصاد الكلى والرقابة المالية والسياسة التجارية». كان مقياس إيدلمان السنوى للثقة أظهر أن غالبية الشعوب تعتقد الآن أن النظم الاقتصادية والسياسية خذلتها، فبلغت نسبة ثقة الناس بالحكومات 41 ٪ فقط وفى الإعلام 43 ٪ وانخفضت الثقة بمنافذ الأخبار بشكل خاص بعد عام أصبحت فيه عبارة «مرحلة ما بعد الحقيقة» كلمة العام فى قواميس أكسفورد. ووفقا لتوقعات الخبراء فى دافوس فإن أكبر التحديات التى تواجه العالم هذا العام هى: التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، الهجمات الإرهابية، تدفق المهاجرين وسرقة البيانات الشخصية.