ستظل أحلامنا مؤجلة إلي أن ننجح في علاج القضية السكانية بجانبيها الكمي والنوعي. سكان مصر يتزايدون بمقدار خمسة أطفال كل دقيقة أي أننا نستقبل أكثر من7200 طفل إضافي يوميا يعلو صراخهم طلبا للغذاء والكساء.. واستمرار هذا التزايد بنفس هذه المعدلات معناه استنزاف جهود التنمية وتكبيل حركتها كنتيجة طبيعية للسباق غير المتكافئ بين نمو السكان المتسارع من ناحية ونمو الموارد المتباطئ من ناحية أخري. ولكي ندرك حجم المشكلة دعونا نصوب النظر إلي عدد المواليد السنوي الذي سجل ارتفاعا قياسيا خلال العشرين عاما الماضية ففي حين بلغ6,1 مليون مولود في مطلع التسعينيات من القرن السابق وصل عام2012 الي6,2 مليون مولود وهذا الرقم يفوق معدلات الانجاب في دول نامية عديدة كتركيا وايران والمغرب والجزائر والمكسيك والبرازيل بل وأكثر من ذلك فإن عدد المواليد في مصر يفوق عدد سكان بعض الدول العربية وعلي سبيل المثال فإن عدد مواليد مصر في ثمانية شهور يساوي عدد سكان دولة قطر! وإلقاء إطلالة خاطفة علي تطور حجم السكان وتوزيعهم وأهم خصائصهم في مصر منذ مطلع القرن العشرين يميط اللثام عن حقائق مذهلة فقد بلغ عدد سكان مصر نحو10 ملايين في عام1900 تضاعف خلال الخمسين عاما التالية فوصل إلي20 مليونا عام1950 ثم تضاعف مرة أخري خلال الثلاثين عاما التالية فبلغ40 مليونا في عام1980 ثم تضاعف مرة ثالثة خلال الثلاثين عاما التالية فبلغ80 مليونا في عام2010 وقدر بنحو86 مليونا عام2012 واستمرار النمو السكاني بهذه المعدلات المرتفعة سيصل بعدد السكان لنحو100 مليون قبل حلول عام2025 ويتوقع أن يكسر حاجز ال140 مليونا عام2050 جوهر المشكلة هنا أن عدد السكان يتضاعف مرات عديدة دون أن نتمكن من تحقيق زيادات مماثلة في الانتاج الزراعي والصناعي والخدمي الامر الذي ينعكس علي مستويات التنمية البشرية واتساع فجوة نوعية الحياة كما تبدو من خلال مؤشرات عديدة منها: - ارتفاع نسبة الأمية إذ تصل الي22%( فئة العمر10 سنوات فأكثر). - ارتفاع معدلات البطالة إذ تصل الي6,12% اغلبهم من الشباب حملة المؤهلات. - انخفاض مستويات دخول شريحة كبيرة من السكان فنحو9,43% من الاسر المصرية- حسب دراسات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- لا يكفي دخلها لسد احتياجاتها الشهرية وتأتي مشكلة الاسعار علي رأس اهم المشكلات التي تواجه الاسرة المصرية بنسبة7,81% منهم. - عمالة الاطفال وتقدر بنحو4,1 مليون طفل عامل( اقل من15 سنة). - النمو الحضري العشوائي وتلوث البيئة نتيجة الهجرة الداخلية واكتظاظ المدن بالسكان. المحصلة النهائية لذلك كله تتمثل فيما نشهده من تزايد اعباء الدولة لتوفير المسكن والمأكل والملبس فضلا عن الخدمات الصحية والتعليمية والامنية وفرص التوظف.. مما يعرقل قدرتها علي تحقيق التنمية بمعدلات عالية. المشكلة ضاغطة وملحة ومنذ ان نبه الاقتصاديون الكلاسيك( روبرت مالتوس وديفيد ريكاردو وجون ستيوارت مل وغيرهم) الي خطورة المعضلة السكانية لا يكاد يخلو أي مرجع من المراجع التي تعالج قضايا التخلف والتنمية في دول العالم الثالث من دراسة للمشكلة السكانية باعتبارها إحدي عقبات النمو بل ان هناك بعض النظريات التي تربط بين آليات التخلف والركود وبين النمو السكاني المرتفع في هذه الدول. كما اهتمت بعض الدراسات بفكرة' الحجم الامثل للسكان' الذي تحدده العلاقة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي. أيا كان الامر فالوضع السكاني في مصر لا يحتمل التأخير بل يجب أن يكون في مقدمة أولويات العمل الوطني في هذه المرحلة. ويخطئ من يظن أن تصميم وتطبيق سياسة سكانية حكيمة ومتلائمة مع أوضاع المجتمع وقيمه كاف وحده لعلاج المشكلة. إنه شرط ضروري للعلاج ولكنه غير كاف فالامر اصبح يتطلب الي جانب ذلك تعميق وعي الناس بأهمية إقبالهم الطوعي علي تنظيم أسرهم بما يتيح لهم حياة أكثر رقيا ومعيشة أكثر جودة.