بوادر حرب عالمية تلوح فى الأفق.. والصراع فى حلب يتحول إلى كراهية مقيتة تصب غضبها على المنطقة
الرئيس الروسى يعلنها صراحة الحرب على الإرهاب ستتصاعد والمجرمون سيشعرون بالفارق
الجريمة وقعت فى قلب العاصمة أنقرة، والضحية السفير الروسى لدى تركيا أندريه كارلوف، والقاتل فرد أمن فى مكافحة الشغب بتركيا، أما الثأر فسيبدأ أولاً من دماء السوريين الأبرياء، لينتقل إلى الكون الأعم والأشمل، مثلما حدث عقب اغتيال "الثور النمساوى" الأرشيدوق فرانز فرديناند فى العاصمة الصربية سراييفو، واندلعت بعده شرارة الحرب العالمية الأولى. لندع الردود الدبلوماسية، بين طرفى "الكارثة"، فالثأر سيكون أكثر دموية وأوسع نطاقًا من بلدى الضحية والجانى. وهذا ما نتعلمه من صفحات التاريخ المكتوبة بدماء أبرياء، وتطرح علينا سؤالًا غاية فى الصعوبة: هل ثمة تشابه بين حادثة اغتيال "الثور النمساوى" الأرشيدوق فرانز فرديناند فى العاصمة الصربية سراييفو، فى يونيو عام 1914، والدب الروسى الذى تم اغتياله فى العاصمة أنقرة الإثنين الماضى 20 ديسمبر 2016؟ فاغتيال الأرشيدوق كان سببًا فى إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى عام 1914. وفى الوقت الذى لا يمكن الجزم فيه بإجابة قاطعة، فإن ما نعرفه جيدًا عن طبيعة "الدب" أنه يكون فى أعنف حالاته، عندما يتعرض أولاده للهجوم. الصورة الحقيقية لروسيا فى عيون الأتراك، ليست عنوان ذلك المعرض الذى كان يحضر افتتاحه السفير الروسى فى تركيا أندريه كارلوف - 62 عامًا - وإنما تلك التى رسمها ميرت ألطنطاش، الضابط بقوات مكافحة الشغب بأنقرة -22 عامًا- بثمانى رصاصات صوبها إلى صدر السفير الروسى أثناء إلقاء كلمته فى افتتاح معرض مصور أنقرة بعنوان "روسيا كما يراها الأتراك". على المستوى الشعبى التركى رسم ألطنطاش، الصورة الحقيقية لروسيا فى عيون الأتراك، وهو يرتدى زيًا مدنيًا، ولم يتركها مبهمة كعادة مجرمى الحرب عندما يرسمون خرائطهم الدموية، وإنما شرحها بعبارة غاية فى الوضوح تكشف دافعه لاغتيال السفير الروسى، حين قال وهو يطلق رصاصه: "لا تنسوا حلب.. لا تنسوا سوريا.. كل شخص له يد فى هذا الظلم سيدفع الثمن.. ما لم تكن بلادنا فى أمان فإنكم أنتم أيضا لن تتذوقوه". كما تعزز تلك الصورة البغيضة لروسيا فى عيون الأتراك، إن حادث اغتيال السفير الروسى فى تركيا، جاء عقب أيام قليلة من اندلاع مظاهرات فى تركيا احتجاجًا على تعاون الحكومتين الروسية والتركية على الصعيد السياسى لعقد اتفاق وقف إطلاق نار فى حلب، حيث كان مقررا قبل اغتيال السفير الروسى فى تركيا، عقد اجتماع فى موسكو بين وزراء خارجية كل من روسيا، وتركيا، وإيران، بشأن الموقف فى سوريا، لكن يبدو أن الصراع السياسى بين الأقطاب الثلاثة بشأن مستقبل سوريا، سيتحول بعد اغتيال السفير الروسى إلى كراهية مقيتة، تصب جام غضبها على الأبرياء فى حلب، لتنقل إلى ما بعدها وقبلها.
دبلوماسية الغضب تركيا التى تعرضت لعقوبات روسية بسيطة بعد إسقاط مقاتلتها سوخوى 24 من قبل الدفاع الجوى التركى 24 نوفمبر 2015، من بينها تجميد رحلات السياح الروس إلى تركيا، والمطالبة باعتذار رسمى، تسعى جاهدة وعلى جميع المستويات الدبلوماسية، أن تمتص غضب الدب الروسى، مؤكدة أن الحادث لن يؤثر على علاقات "الصداقة" مع روسيا، والعمل على محاسبة الجهات التى تقف خلفه، وألمح أحد مسؤليها إن ثمة دلائل قوية للغاية على أن المسلح ينتمى لشبكة فتح الله جولن، الذى تقول أنقرة إنه كان وراء الانقلاب الفاشل فى 15 يوليو الماضى. كما أكدت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة لن تسمح لحادث إطلاق النار بأن يخيم على الصداقة التركية الروسية، معبرة عن حزنها العميق وإدانتها للهجوم الإرهابى الخسيس، كما أن السفير الروسى أندريه كارلوف، قام بأعمال ناجحة خلال الفترة العصيبة التى مرت بها علاقات البلدين، واستطاع كسب تقدير واحترام أركان الدولة التركية على الصعيدين الشخصى والدبلوماسى.
الدب يفك لجامه وفى المقابل جاءت ردود الفعل الروسية "دبلوماسية" إلى حد كبير، لا تعبر عن حقيقة الترتيبات التى سيتخذها "الدب الروسى الأكبر"، ثأرا لدماء سفيره، فالخارجية الروسية وصفت اغتيال سفيرها فعلا إرهابيًا، وهو وصف يحمل أكثر من معنى حيال اتخاذ إجراءات رد الفعل، وقالت أيضًا إن القضية ستطرح على أعضاء مجلس الأمن الدولى، الذى تشكل فيه ضلعًا من أضلاع "الفيتو" أى حق الاعتراض على أى قرار يقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب، والذى يمنح للأضلاع الخمسة دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وهم: روسيا، والصينوبريطانيا وفرنسا وأمريكا، مما يشير إلى روسيا ستسعى باتجاه تدويل القضية عالميًا لاتخاذ قرارات بعقوبات دولية على تركيا، ترضى روسيا كامل الرضى وتدعم موقفها فى سوريا، بمزيد من الصواريخ التى ستسقط على رؤوس الأبرياء، وهو أمر مستبعد فى ظل عدد الضحايا الأبرياء الذين يسقطون كل يومى فى حلب. وفى حال عدم حصول روسيا من المجتمع الدولى على ما يضمد جرحها الغائر، سيفك الدب الروسى لجامه ويتصرف تصرف الدبة الأم حين تدافع عن صغارها، حتى إن كان الضحية صاحبها. لنترك التصريحات الدبلوماسية جانبًا، ولنقلب قليلا فى صفحات التاريخ على ردود أفعال مشابهة، والتى يجبرنا على قراءتها فى ذلك التوقيت الحساس للغاية، تصريحات الدب الروسى الأكبر الرئيس فلادمير بوتين، الذى قال إن قتل السفير الروسى فى تركيا "عمل استفزازى، وإن المحققين الروس فتحوا تحقيقًا جنائيًا فى الحادث وسيتوجهون إلى تركيا، لأن موسكو تريد ضمانات من تركيا بشأن سلامة الدبلوماسيين الروس. والأخطر فيما قاله، إن الحرب على الإرهاب ستتصاعد بعد قتل السفير والمجرمون سيشعرون بالفارق.
الأرشيدوق النمساوى جملة فارقة فى تاريخ ما سيأتى بعدها من أحداث ستكون وبالاً ليس على سوريا والحرب على الإرهاب، وإنما على المنطقة بكاملها، حيث يذكر اغتيال السفير الروسى بأنقرة باغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، وريث العرش وولى العهد النمساوى أثناء زيارته للعاصمة الصربية سراييفو، حيث لم يكن محبوبا على الصعيد الشخصى أو السياسى، وبرغم عنقه التى تشبه عنق الثور، وشاربيه الضخمين أكثر من المعتاد، ولسانه السليط، فإنه لقى مصرعه على يد الصربى جافريلو برينسيب فى 28 يونيو عام 1914، وأشعلت تلك الحادثة فتيل الحرب العالمية الأولى، عندما أعلنت الإمبراطورية النمساوية - المجرية الحرب على مملكة صربيا وبعدها تخندق حلفاء الطرفين وبدأت الحرب. ومن ردود الأفعال العالمية على حادث اغتيال السفير الروسى أندريه كارلوف، يمكننا معرفة حلفاء، ودول المحور الحرب العالمية المقبلة، والتى فى حال اندلاعها ستنتهى بما انتهت بما انتهت إليه سابقتها، وهو تقسيم دول المحور. فقد جاءت الردود - بالنسبة لروسيا - أكثر برودة من ثلج القطبين، فالمتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربى علق على الحادث قائلا:"نحن ندين فعل العنف هذا أيا كان مصدره"، واكتفى بوصف اغتيال السفير حادثة عنف. بينما وصفته بريطانيا ب"الجريمة الخسيسة والهجوم الجبان.
إعلان صريح بينما أعلنت ألمانيا بوضوح أنها تقف مع تركيا فى قتالها ضد الإرهاب، دون إشارة واضحة إلى موقفها من اغتيال السفير الروسى لدى تركيا. وبنفس الهدوء جاء رد الفعل الفرنسى على لسان الفرنسى فرانسوا هولاند الذى قال: ندين بشدة حادث الاغتيال. بينما جاء رد الفعل المصرى واضحًا على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد قائلا: مصر تدين بأشد وأقسى العبارات حادث اغتيال سفير روسيا الاتحادية أندرية كارلوف بالعاصمة التركية أنقرة فى عملية إرهابية نكراء، وتؤكد وقوفها وتضامنها مع روسيا الاتحادية فى تلك المحنة الإنسانية، ودعمها للجهود الروسية وكل جهد دولى صادق يستهدف دحر الإرهاب واجتثاثه من جذوره. وعلى غرار ما تعودنا عليه جاء رد فعل الأممالمتحدة التى شجبت الحادث، وقالت على لسان الناطق باسمها ستيفان دوجاريك "ليس ثمة أى مبرر للهجوم على السفير".
قاتل من قلب الأمن ميرت ألطنطاش، الذي قتل السفير الروسي لدى تركيا، أندريه كارلوف، ب 8 رصاصات الرصاص، هو عنصر من القوة الخاصة في شرطة العاصمة التركية، من مواليد 1994، على حسب معلومات وزارة الداخلية التركية. كما كان يصرخ أثناء عملية الاغتيال: «لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا»، وقال أيضا «كل شخص له يد في هذا الظلم سيدفع الثمن». وأعلن أنه لن يخرج من القاعة «إلا ميتا»، وقال صارخا: «ما لم تكن بلادنا في أمان فإنكم أنتم أيضا لن تتذوّقوه». كما أردته عناصر الأمن على قتلا، مما يغلق الباب أمام معرفة تفاصيل أخرى كثيرة حول دوافعه، وهل من أحد وراءه دفعه لارتكاب تلك الجريمة. أطلق ألطنطاش الرصاص على السفير الروسى، وهو يرتدي ملابس مدنية مسافة قريبة أثناء إلقائه كلمة في معرض للصور الفوتوغرافية في جاليري في أنقرة بعنوان «روسيا فى عيون الأتراك».
الضحية سفير روسى يعد السفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف من أقدم الدبلوماسيين المخضرمين الروس، حيث انخرط في السلك الدبلوماسي منذ عام 1976 لصالح الاتحاد السوفيتي، وتنقل بين مناصب وسفارات عدة قبل أن يلقى مصرعه مساء اليوم الإثنين بالرصاص في أنقرة. ولد كارلوف في موسكو عام 1954، وتخرج عام 1976 فى معهد العلاقات الدولية في موسكو، وانخرط منذ ذلك الوقت في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، كما درس أيضا في الأكاديمية الدبلوماسية وتخرج فيها عام 1992. عمل سفيرا للاتحاد السوفيتي في كوريا الشمالية بين عامي 1976 و1981، ومرة أخرى بين عامي 1984 و1990، وعندما سقط الاتحاد السوفيتي تولى منصب سفارة روسيا الاتحادية في البلد نفسه بين عامي 1992 و1997، ثم أصبح سفيرا لدى الصين بين عامي 2001 و2006. وفي عام 2007 شغل كارلوف منصب مساعد المدير العام لشئون القنصليات في وزارة الخارجية الروسية، وأصبح المدير العام للقسم نفسه خلال الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2013، ثم شغل منصب سفير روسيا لدى تركيا، بدءا من يوليو/تموز 2013، وهو يجيد اللغتين الإنجليزية والكورية.