سيدة سورية تكشف سر اللون البرتقالى الذى كسا سماء المدينة
الأهالي: رأينا الموت تحت القصف الحكومى ونيران المسلحين
تبدو عملية البحث عن الحقيقة فى الأزمة السورية، واحدة من أصعب المهام التى يمكن أن تكلف بها، ففى ميادين الحرب تتوه الحقيقة وفى الصراعات الأهلية المسلحة الكل يدعى الحق . فى ظل الحروب تكثر الأقاويل وتنتشر الشائعات، كما تتواتر الروايات المختلفة التى يصعب التثبت من صحتها، عرضت علينا عشرات القصص من قلب حلب تجاهلناها جميعا لعدم قدرتنا على التأكد من صحتها، لم ننشر سوى ما تأكد وقوعه وما اتفق عليه الكثيرون، سعينا للحقيقة قدر المستطاع حتى لو نصل إليها كاملة فيكفينا شرف البحث عنها . بغض النظر عن توجهك السياسى وانتماءاتك ورؤيتك لما يحدث بسوريا لا يمكن أن تكون إنسانا دون أن تشعر بنوع من التعاطف تجاه ما يحدث فى مدينة حلب السورية وليس شرطا أن تكون سوريا أو عربيا أو حتى مسلما لتتعاطف مع حلب والمظاهرات التى خرجت فى العديد من المدن الأوروبية خير دليل على أن التضامن مع حلب الشهباء لا يحتاج سوى إنسان فقط بغض النظر عن دينه أو جنسه إنسان يؤمن بحق البشر فى الحياة. لم تغد حلب كما كانت قبل الحرب، فمبانيها الشاهقة قد تهدمت ومساجدها العامرة قد قصفت، وأسواقها قد هجرت، لم يتبق من حلب سوى الدم ورائحة الموت المنتشرة فى كل مكان . لن نتحدث بلسان سياسى بل سنترك المجال لأهل حلب ليحكوا لنا ما حدث فأهل حلب أدرى بشعابها. لم يكن الوصول لأهل حلب بالأمر السهل أو اليسير، الأمر تم عبر وسطاء كثيرين ومحاولات وتوسطات من أصدقاء سوريين بالقاهرة، أصعب من الوصول لأهل المدينة الحصول على ثقتهم من أجل الحديث مع «الأهرام العربي»، الجميع كان متخوفا، خصوصا بعد سيطرة قوات الجيش السورى على المدينة، الكل كان يخشى أن يعاقب على حديثه معنا، خصوصا أن النظام السورى قادر على معاقبة الجميع، كان تجهيل الأسماء شرط الجميع من أجل الحديث عن ساعات الموت التى عاشوها، بعد هذه التجربة نسأل الله أن يكون مع أهل حلب، فما أقسى أن يخير الإنسان بين أن يموت أو يعيش ميتا ينتظر الموت فى أى لحظة... لك الله يا حلب ...
بداية الأحداث تصاعدت الأحداث مع ارتفاع وتيرة القصف الروسى على أحياء حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة المسلحين، وذلك عقب انسحاب قطاع كبير من المسلحين بحلب الموالين لتركيا إلى الشمال السورى للانضمام لعملية درع الفرات التى أطلقها أردوغان ضد الأكراد . تسبب انسحاب الموالين لأردوغان فى تصدع قوة الفصائل المعارضة للنظام بحلب وحدثت خلافات كبيرة بينهم وأصيب الكثير منهم بحالة يأس دفعته لإلقاء السلاح، وتزامن ذلك مع تقدم كبير لقوات النظام والميليشيات الموالية له . ارتفعت وتيرة القصف الروسى السورى مع تقدم قوات الجيش السورى مدعومة بميليشيات حزب الله اللبنانى وحركة النجباء العراقية . كان يوم الإثنين 12 ديسمبر أشبه بيوم القيامة على أهالى حلب، فالقصف لم يتوقف لحظة والبراميل المتفجرة تطير فى الهواء من كل اتجاه الجميع كان ينتظر الموت فى هذا اليوم .
سماء برتقالية «ع .ف « من سكان حلب الغربية الخاضعة لقوات الحكومة السورية، روت ل«الأهرام العربي» تفاصيل ما حدث يوم الإثنين أو كما سمته يوم القيامة . قالت «القذائف كانت تأتى من كل الاتجاهات وبرغم أننا فى منطقة آمنة نوعا ما فإن السماء كانت تكتسى باللون البرتقالى من شدة القصف. وتضيف «لم يكن يوما عاديا فهو أشبه بيوم القيامة، كنا ننتظر الموت فى أى لحظة ، فالقصف لم يتوقف طول اليوم ولم نستطع فتح النوافذ من شدة الضربات الجوية، قضينا اليوم بأكمله داخل الممرات بعيدا عن أى منافذ . وأشارت إلى أن اتفاق إجلاء أهل حلب الذى تم التوقيع عليه مؤخراً، أنقذ المواطنين من مجزرة بشرية، على غرار ما شهدته مدينة سربنيتشا بالبوسنة فى التسعينيات . «محمود ع» ناشط سورى من ريف حلب يحكى ل»الأهرام العربي» تفاصيل ما حدث بحلب. وذكر الناشط أن قوات النظام وميليشيات متحالفة معه من إيران ولبنان والعراق تحت قيادة روسية، قاموا بعملية عسكرية ضخمة بعد أكثر من شهرين لحصار مدينة حلب التى بدأت تنهار بعد توقف خطوط الإمداد من الغذاء والأدوية، وبدأت الأحياء تسقط واحدا تلو الآخر، حتى انحسرت قوات المعارضة بحلب داخل مساحة أقل من 2 كيلو متر مربع . وأشار إلى أن أغلب السوريين الذين كانوا بمناطق سيطرة المعارضة مؤيدين للثورة ورافضين لنظام الأسد، وهؤلاء تم التنكيل بهم من قبل القوات الحكومية، وكان يتم القتل ليس على الهوية بل على أساس الشكل، فكل من تبدو عليه علامات التدين تتم تصفيته. ونقل عن من وصفهم بأغلب أهالى حلب ما حدث بيوم القيامة، مشيرا إلى أن الناس بحلب كانوا هائمين على وجوههم لا يعرفون أين يتوجهون، يهربون من عمليات القصف كأمواج من البشر يتوجهون هنا وهناك الكل يحاول الهروب من الموت لدرجة أن البعض هرب إلى الأحياء التى يسيطر عليها النظام. من جانب آخر كشف مصدر بغرب حلب ل»الأهرام العربي» أنه بعد دخول النظام لشرق حلب، التى كانت خاضعة للمسلحين ، منح المدنيين مهلة 30 ساعة للخروج من المدينة لمناطق النظام إلا أن المسلحين كانوا يطلقون النار على كل من حاول الاقتراب من الحاجز. السيدة وفاء .ب، قالت ل»الأهرام العربي» إن من يسمون أنفسهم بالثوار، قد أطلقوا عليها النار وهى قبل حاجز النظام بأمتار فى حى الشعار، مما أدى لإصابة نجلها وتهشم ركبته ولَم يستطع تكملة المشى، فحمله الأهالى إلى المستشفى وتم تركيب جهاز تثبيت للركبة.
الوضع الصحى «عيسى .ف» أحد أهالى شرق حلب تحدث عن صعوبة الأوضاع الصحية بالمدينة وعدم قدرة المستشفيات على علاج المصابين . وقال عيسى ل»الأهرام العربي» إن ابنه 13 عاما تعرض للإصابة فى انفجار تهشمت قدمه اليمين ومصاب بجروح شديدة، لكن المستشفى أجرى له إسعافات سريعة فقط، على أن يعود بعد أيام عندما يخلو مكان لإجراء عمليات لتركيب شرائح، وذلك برغم أنه يعانى من أشد الآلام . وأضاف: لا ألوم المستشفى الذى يعمل بأقصى طاقاته ولا يوجد مكان لأحد، فجميع المرضى يخرجون مهما كانت حالاتهم لحين موعد إجراء العملية الجراحية، مشيرا أنه يعانى من مرض القلب ويحتاج عملية وحالته خطيرة وولده المصاب كان عكازه ويعمل ليعيل باقى إخوته الخمسة. وبعث أحد المسعفين فى حلب رسالة على تطبيق واتساب للتراسل الفورى فحواها «هذه رسالة من شخص يقول الوداع، وقد يواجه الموت أو الاعتقال فى أى وقت.. محاصرون من جميع الجهات والموت يأتى من السماء فى البراميل، تذكروا ما كان عندكم فى حلب. كانت هناك مدينة اسمها حلب محاها العالم من الخريطة ومن التاريخ». إبراهيم أبو ليث، المسئول بوحدة الدفاع المدنى المعروفة بالخوذ البيضاء، وصف الوضع بحلب فى تغريدة قائلا «آلاتنا ومعداتنا كلها معطلة. لم يبق لدينا شيء. نعمل بأيدينا لإخراج الناس من تحت الأنقاض». وكتب الدفاع المدنى على حسابه على تويتر أنه لم يعد بوسعه إحصاء القتلى. وقال المسعف فى رسالته: إن الناس حتى المطلوبين منهم للنظام بدأوا يفرون إلى المناطق الحكومية من شدة القصف والجوع والبرد والإصابات التى لا تعالج، بالإضافة إلى الجثث الملقاة فى الشوارع، مشيرا أن الطائرات والمدفعية تضرب بشدة الأماكن التى يتجمع فيها المدنيون. «أحمد ح» أحد سكان حلب، قال ل»الأهرام العربي» إن المناطق المحاصرة بحلب ما فيها مستشفيات غير بعض النقاط الطبية الموجودة تحت الأرض هربا من القصف . وأضاف: لا يوجد علاج بهذه النقاط يعنى الجريح لا يتلقى العلاج اللازم لعدم وجود معدات أو أدوية كافية، فمهما كانت درجة الإصابة لا يوجد سوى مضاد حيوى أو معقم عادى . وحول الوضع الاقتصادى، أشار أحمد إلى أن حلب أصابها الجوع بسبب الحصار، واستغل بعض التجار الوضع فى تخزين المواد الغذائية لرفع أسعارها، مشيرا إلى أن كيلو اللحم وصل لأكثر من 50 دولارا، كما ارتفعت أسعار السجائر من 100 ليرة إلى أكثر من 9000 . «ناهد . ع « إحدى نساء شرق حلب قالت ل»الأهرام العربي»: إن الخراب أصاب مدينة حلب بشكل كامل، مشيرة إلى أن قوات النظام ألقت على بيتها بحى الفردوس برميلا من المتفجرات، فاختفى من على وجه الأرض، ولم يبق منه سوى حفرة لأمتار فى عمق الأرض، كما أن الحى الذى كانت تقطنه سابقاً لم يبق فيه أى شخص، فضلا عن أن بيوتا كثيرة للجيران طالها الخراب وتمت سرقتها من عصابات التعفيش.
أرقام مرعبة فى تقرير لها مطع ديسمبر الجارى كشفت منظمة الأممالمتحدة ، أن القتال فى سوريا تسبب فى وجود 2.8 مليون سورى يعانون إعاقة جسدية دائمة. وأكد التقرير الصادر عن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، حول احتياجات الشعب السورى لعام 2017 ” تعرض 30 ألف إنسان فى سوريا شهريا لصدمة نفسية جراء الصراع، ومعاناة 2.8 مليون شخص من إعاقة جسدية دائمة. وكشف التقرير عن مجموعة من الأرقام المرعبة حول الواقع السورى المأسوي، حيث قال إن 2.9 مليون طفل سورى تحت سن الخامسة وعوا الحياة فى ظل الصراع الدائر بالبلاد. ووجود سبعة ملايين طفل فقير، ومليون و75 ألف طفل حرموا من التعليم. وتوقع اضطرار مليون و400 ألف طفل للانقطاع عن التعليم. وإغلاق ثلث مدارس البلاد لأبوابها، وفقا لوكالة «الأناضول». ولفت التقرير الأممى إلى وجود 13.5 مليون إنسان بحاجة للمساعدات فى سوريا، 5.8 مليون منهم من الأطفال، ووجود مليون شخص تحت الحصار، وعيش 3.9 مليون شخص فى مناطق يصعب الوصول إليها، واضطرار 6.3 مليون شخص لترك منازله والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سوريا. وأكد اضطرار نصف السوريين لترك منازلهم منذ بدء الاشتباكات فى البلاد. وأن 85 بالمائة من الشعب السورى يعيش ضمن خط الفقر. وحاجة 4.3 مليون شخص للإيواء، فيما وصل عدد اللاجئين السوريين فى تركيا إلى مليونين و740 ألف لاجئ.