هشام الصافورى - بعد الانتهاء من المراحل الانتخابية الثلاث، وحصول حزبى الحرية والعدالة الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وحزب النور السلفى على النصيب الأكبر من المقاعد داخل البرلمان، انتابت بعض القوى السياسية المحسوبة على التيار الليبرالى، موجة من التخوفات حول مصير الدولة المدنية فى ظل تلك النتائج المخيبة لآمالهم، وبدأوا حملة شرسة عبر الفضائيات للتخويف من حكم الإسلاميين، عن طريق استدعاء بعض المشاهد القديمة، خصوصا تلك الصورة للرجل ذى الأذن المقطوعة، وصور بعض الأضرحة المتهدمة، والكنائس المحترقة، وتهديد النساء غير المحجبات بإلقاء ماء النار على وجوههن. وعلى أقصى اليمين من الطرف الآخر للمعادلة كانت قيادات حزبى الحرية والعدالة والنور السلفى تدافع عن وجهة نظرهم، وإرسال مجموعة من التطمينات للشعب المصرى، معربين عن أسفهم للطريقة التى يتعامل بها البعض مع الديمقراطية، والانقلاب عليها، لأنها لم تأت بهم. وإذا كان عبدالمنعم الشحات، القيادى السلفى المعروف، أكثر من تعرض للهجوم من قبل أصحاب التيار الليبرالى بسبب بعض التصريحات المنسوبة إليه، فإن صبحى صالح، القيادى الإخوانى قد تعرض هو الآخر لموجة من الانتقادات الشديدة، بسبب بعض مواقفه السياسية تصريحاته العنترية، بحسب تعبير القوى الليبرالية. ومع بداية العام الجديد وإرهاصات تكوين الدولة الحديثة فى مصر، نفى عبدالمنعم الشحات تهمة الإرهاب و التطرف التى يحاول البعض إلصاقها بالتيار السلفى، مؤكدا أن الدعوة السلفية تؤمن يقينا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وشدد الشحات على عدم التعرض لغير المسلمين، ولا للعصاة من المسلمين فى حياتهم أو طرقاتهم بأى نوع من أنواع الأذى، مستنكرا أن يكون العنف أسلوبا دعويا شرعيا، ونفى تماما أن يكون إلقاء ماء النار على وجه المتبرجات هو منهج التيار السلفى. وتساءل الشحات: إذا كان السلفيون لم يعتدوا على ضريح واحد فى الماضى، فلماذا يعتدون عليها الآن؟! وإذا كان هناك نهى عن الصلاة بالمساجد التى بها أضرحة، فهذا لا يعنى هدمها. وقال: إن السلفيين يحترمون الحضارة الفرعونية كحقبة من تاريخ مصر، فيها كثير من الثراء، لكنهم يرفضون فى نفس الوقت دعوات العودة إليها كهوية للدولة المصرية. أما صبحى صالح، فأكد أن الشعب المصرى صاحب ثورة الخامس والعشرين من يناير كان لديه من الوعى والثقافة ما يميز به بين الخبيث والطيب، وظهر ذلك واضحا فى اختيارات الشعب التى لم تتأثر بتلك الحروب المحمومة على الإخوان المسلمين، وعلى التيار الإسلامى، وذهب الشعب المصرى بكل أطيافه وفئاته ليضع ثقته فينا، عبر صناديق الانتخاب، وعبر الإرادة الحرة غير الموجهة. وعن التخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة، نفى صالح أن يكون هناك إجبار للناس فى عقائدهم أو تدخل فى عباداتهم، لكن دورنا يقف عند الإيضاح والإرشاد والتبيين، وأكد صالح أن أولويات الحزب فى هذه المرحلة هو بناء دولة مصر القوية الحديثة، التى تستمد قوانينها وتشريعاتها من مبادئ الشريعة الإسلامية الحنيفة، والتى تسمح لغير المسلمين بالتحاكم إلى شرائعهم فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية. وأعرب عن حزنه الشديد لمن يريدون حصر الشريعة الإسلامية فى قضية الحدود، فالشريعة أعم وأشمل وأكبر من قضية الحدود مع الإيمان التام بضرورة تطبيق هذه الحدود بشكل تدريجى بعد توفير حد الكفاف وحد الأمان للناس، وبعدها نتكلم عن الحدود. وعن محاولة البعض للتخويف من الإسلاميين بحجة أنهم سيهدمون قطاع السياحة وسيحرمون البلد من ملايين الدولارات يقول صالح: لدينا برنامج متكامل للنهوض بالسياحة فى كل قطاعاتها، ولدينا تصور سيزيد من دخل السياحة إلى أضعاف ما هو موجود الآن، وأن العاملين بالسياحة لن يضار منهم أحد بسبب الإسلاميين. أما حصر قضية السياحة فى شرب الخمر وارتداء البكينى فهذا أمر سخيف، لا يستحق الرد عليه، لأن السائح لم يأت إلى مصر لمجرد شرب الخمر وارتداء البكينى، وإذا كنا نحن كمسلمين نحترم قوانين وأعراف البلاد الأخرى التى نذهب إليها، فعلى السائح أيضا أن يحترم قوانينا وأعرافنا عندما يأتى إلينا، وإذا أراد أن يشرب الخمر فليفعل ذلك فى غرفته وليأت بها بمعرفته، لأننا لن نقدم إليه الخمر، وإذا تمسك بالبكينى، فيكون ذلك على الشواطئ والأماكن الخاصة به. أما الدكتور أحمد خليل، المتحدث الرسمى باسم الكتلة البرلمانية لحزب النور فيقول: نحن حرمنا من كل صور التعبير عن الرأى، لذلك يجب أن يكون واضحا أننا الآن وفى عصر الحرية نؤكد للجميع أننا ضد أن يحتكر أحد الدين، وأن يقول أحد إنه المتحدث الأوحد باسم الدين، لكن فى نفس الوقت لا ينبغى أن يكون الدين مرمى لكل السهام، وعلى شعبنا أن يعلم أننا ضد الدولة الثيوقراطية الدينية التى يحكم فيها الحاكم باسم الله، لكننا مع الدولة المدنية الحديثة ذات المرجعية الإسلامية ونحن كسلفيين فصيل من هذا الوطن، ونريد أن نأخذ فرصتنا التى حرمنا منها، للتعبير عن آرائنا، ولعرض برامجنا. وعن الذين يخوفون الناس من تطبيق الحدود يقول د. أحمد: لماذا الإصرار على وضع زوم كبير على الحدود وكأنها هى كل الشريعة؟ ولماذا لا ننظر إلى الإسلام نظرة شاملة؟ وأكد د. أحمد أن حزب النور لا يطالب بإلغاء السياحة الشاطئية التى تمثل 70% من السياحة فى مصر، لكن حزب النور سيسعى إلى مضاعفة الدخل الذى يأتى منها عن طريق برامج وآليات كما هو موجود فى تركيا فيما يعرف بالسياحة الحلال. وقال د. أحمد إن حزب النور لن يتسبب لمصر فى دخول حروب مع أى دولة، وإنهم ملتزمون بالاتفاقيات الدولية مع المطالبة بتعديل بعض البنود الجائرة فيها. وطالب بالبر والقسط إلى الأقباط وزيارتهم عند مرضهم والتواصل معهم، وليس فقط التعايش السلمى معهم. وعن ترويج البعض للتخوف من وصول الإسلاميين للسلطة بسبب الخوف من التضييق على المرأة وحجب حريتها فى العمل، وفى إبداء الرأى تؤكد الدكتورة منال أبوالحسن، أمينة المرأة بحزب الحرية والعدالة، أن الشعب غير متخوف من وصول الإسلاميين للسلطة، لأن الشعب هو من اختار الإسلاميين، والناس هم إخواننا وزملاؤنا وجيراننا، والشعب المصرى بمسلميه وأقباطه متدين بطبعه وملتزم بالأخلاق العامة، والمرأة المسلمة محتشمة بطبيعتها، ولا يمكن أن نفرض عليها ولا على غيرها من غير المسلمات أى شىء، لكن واجبنا هو النصح والإرشاد فقط لأن العلاقة بين الإنسان وربه لا يمكن أن يفرضها أى إنسان على الآخر، فالمرأة لها كامل حريتها وإرادتها، ولن يفرض عليها زى معين، ولم نعرف ذلك فى التاريخ الإسلامى، بل إن سيدنا عمر قال لصحابته الذين اشتكوا من نساء الشام بأنهن متبرجات، قال لهم: غضوا أبصاركم. وتؤكد د. منال أن الإخوان طيلة عمرهم كانوا فى النقابات ولم يفرضوا شيئا على أحد. وأنها لم تأمر طالبة عندها فى يوم من الأيام بارتداء الحجاب، والشريعة الإسلامية تكفل للمرأة أخذ كل حقوقها من خلال العطاء وليس الأخذ فقط، والإخوان سيضربون المثل فى التفانى فى العمل من أجل نهضة مصر. وأبدت استغرابها من الذين يتحدثون عن عمل المرأة ورأى الإسلاميين فى ذلك، فالمرأة عاملة منذ عهد الصحابة، والنساء العاملات يفقن عدد الرجال العاملين، وأوائل الثانوية من البنات، والمرأة تعمل وهى متعلمة وتعمل وهى غير متعلمة، ولا خوف على المرأة فى ظل الحكم الإسلامى. ويكمل الدكتور حلمى الجزار، القيادى الإخوانى، وعضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة ويقول: أنا لا أريد أن أخاطب الناس الذين انتخبونا لأنهم ليسوا خائفين منا، لكن سأخاطب الذين لم ينتخبونا وسأقول لهم: أنتم إخواننا وزملاؤنا فى العمل وجيراننا، فلا تخافوا منا، ولا تلتفتوا إلى من يحاول إخافتكم منا، فنحن منكم ولكم، ولن نفرض عليكم آراءنا ووجهات نظرنا، لأننا نؤمن يقينا أن للإنسان الحرية فى الإيمان والحرية فى عدم الإيمان «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وهذا فى العقيدة، فما بالنا بالأمور الأخرى، لذلك فنحن لن نفرض زيا معينا على المرأة ، ولن نجبرها على ارتداء الحجاب، لكن دورنا سيقتصر على الإيضاح والتبيين. وعن التخوف من إلغاء السياحة وحرمان مصر من ملايين الدولارات، شدد د. حلمى على أنهم يشاركون فى السياحة الداخلية بأنفسهم وبأبنائهم وبأسرهم، لأنها مصدر رئيسى للدخل القومى، وتستوعب كثيراً من العمالة المصرية، لهذا فعلينا التوسع فى السياحة العلاجية والثقافية وسياحة المؤتمرات. وأكد د. الجزار أنهم ليسوا ضد السياحة الشاطئية، لأن الحجاب الذى انتشر على الشواطئ لم ينتشر بقرار، وكذلك بعض الأمور التى تحدث على الشواطئ لن تمنع بقرار، لأننا إذا فهمنا الدين فهما صحيحا فلن نحتاج إلى قرارات سلطوية. وعن قضية الأقباط يقول د. الجزار: هم جزء من نسيج هذا الوطن، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم، وحقوق المواطنة تجمع بيننا ولا سبيل لعزل أو إقصاء أى طرف مهما كان مختلفا معنا، وللأقباط الحرية الكاملة فى التحاكم إلى شرائعهم فى الأحوال الشخصية والحصول على المناصب سيكون بالكفاءة أولا، ولن يتم التفريق بين الناس بسبب الدين أو العرق أو اللون. وناشد د. الجزار وسائل الإعلام بالترفع عن الصغائر، والاهتمام بالأمور الكبرى والحيوية، لأننا أمام مشروع وطنى قومى كبير لبناء مصر، وهذا يحتاج إلى تضافر كل الجهود. وأبدى احترامه لكل الأقلام الشريفة التى تعمل على بناء الوطن، وأكد أن الإخوان المسلمين ليسوا ضد الفن والإبداع وحرية الرأي و التعبير.