إذا كان ملايين المصريين قد اصطفوا فى الطوابير لفترات طويلة وفى أجواء شديدة الحرارة حرصا على ممارسة حقهم الدستورى فى اختيار رئيس مصر المقبل، والمشاركة فى تحديد مستقبل بلادهم، فإن ملايين العرب الآخرين من المحيط إلى الخليج يحبسون أنفاسهم ويترقبون من يكون رئيس مصر المقبل والسياسات والتوجهات التى سيلتزم بها وينفذها فى المرحلة المقبلة. فمصر هى رمانة الميزان وهى الدور والثقل، وهى بوصلة تحديد الاتجاه إما إلى الأمام أو إلى الخلف .. إما الانطلاق إلى المستقبل أو البقاء أسرى للماضى .. فلا حديث فى الدول العربية اليوم إلا عن الانتخابات المصرية، وإلى أين تتجه مصر فى الأيام المقبلة، فمصر لا تبحر وحدها بل يشاركها ملايين آخرون فى الإبحار، فإذا نجت سفينتها نجوا، وإذا تعثرت لا قدر الله، فإن الخسارة لن تطالها وحدها، بل ستمتد إلى الجميع. وفى منطقة الخليج تحديدا، يظل الدور المصرى مؤثرا ومرتقبا، فوجوده يمثل صمام الأمان، وغيابه تجسدت نتائجه فيما تشهده المنطقة حاليا من محاولات إيرانية للتغول على حساب دول المنطقة، ومحاولاتها المستمرة والمستميتة لفرض أجنداتها، والتدخل فى شئون هذه الدول، بل والمطالبة بتبعية بعضها كنموذج البحرين، وعدم التنازل عن احتلالها للجزر كنموذج الإمارات. وكما ترى مصادر بحرينية فإن استعادة مصر لدورها العربى المؤثر، باعتبارها قوة إقليمية كبرى سيصب فى مصلحة العرب جميعا ودول الخليج على وجه التحديد، خصوصا فى ظل ما تشهده المنطقة حاليا من توتر وأطماع إيرانية ومحاولات طهران المستمرة لإثارة النزاعات وتأجيج الصراعات والتدخل الفج فى شئون دول المنطقة وإطلاق المزاعم والادعاءات بأن البحرين محافظة إيرانية، وأن الجزر الإماراتية هى جزر إيرانية، فضلا عما تسببت فيه من السياسات الإيرانية من تدخلات دول كبرى فى المنطقة وانعكاس ذلك على فقدان الأمن والاستقرار منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى الآن. وتؤكد هذه المصادر أن التجربة التى مرت بها المنطقة فى أعقاب توقيع اتفاقيات كامب دافيد والخطأ التاريخى بقطع العلاقات مع مصر ومحاولات البعض عزل مصر عن محيطها العربي، قد أكدت فشل من يراهنون على استبدال أو الاستغناء عن الدور المصرى فى المنطقة، ففى ظل الغياب المؤقت لهذا الدور منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية الثمانينات، نشبت الحرب العراقية الإيرانية، وتأثرت كل دول المنطقة بتداعياتها. وفى المقابل كان لعودة مصر إلى محيطها العربى دور كبير ومؤثر فى إفشال احتلال الكويت والتمسك بالحفاظ على استقلال وسيادة كل دولة عضو فى الجامعة العربية. ومن جانبه يقول الدبلوماسى المصرى المخضرم وسفير مصر السابق فى موسكو الدكتور رضا شحاتة، إن العرب فى منطقة الخليج يعلقون آمالا عريضة على استعادة مصر لثقلها ودورها الريادي، وينظرون إليها باعتبارها « الضمان الإستراتيجى » للأمن والاستقرار فى منطقة الخليج، ويؤكد أن هذا ليس رأى القادة فى دول الخليج وحدهم، وإنما هو ما يتحدث به ويعبر عنه رجل الشارع العادى ناهيك ، عن النخبة فى تلك المجتمعات العربية. ويرى د. شحاتة أن الخليجيين يربطون مستقبل المنطقة العربية كلها بمستقبل مصر، ويرون أن التغيرات المقبلة، والتحول المرتقب فى سياسة مصر الخارجية سيؤثر على المنطقة، مشيرا فى هذا السياق إلى أن التقديرات الإسرائيلية بدورها، تعتقد أن التحول الذى ستشهده مصر، وحتى فى أقل مستوياته أو أشكاله سيؤثر عليها وعلى المنطقة بأكملها. ويشير الدبلوماسى المصرى إلى أن ما تشهده حاليا دول الخليج العربى التى تعيش فى منطقة «شبه ملتهبة» يجعل قادتها وشعوبها يتطلعون إلى مصر، ويأملون أن تخرج مصر من الفترة العصيبة التى تمر بها فى أسرع وقت ممكن، وأن تستعيد القاهرة دورها القيادى كى يعود إلى تلك المنطقة أمنها واستقرارها، وأن يتحقق التوازن المطلوب فى مواجهة قوى أخرى تسعى للهيمنة والسيطرة.