عبد الرحيم رجب عزيزي القارئ من منا لا يغار على أهل بيته؟! زوجته أو بنته أو أمه أو أخته؟! فالغيرة صفة غريزية، تدل على الرجولة، ويقظة الضمير، ونبض القلب، فهي وسامُ شرفٍ على صدر كل رجل؛ ليكون من أصحاب الهيبة والعزة، فالغيرة كنزٌ ثمين، بها نُميز الرجل الحقيقي من أشباه الرجال، فالتحلِّي بها من كمال الرجولة، وبها تشعر المرأة بأنوثتها وقيمتها، ومكانتها عند الرجل، فالغيرة؛ هي القوة الرُّوحيّة التي ركَّبها الله تعالى في عباده لتُحمَى بها المحارم من كل غادرٍ وفاجر، فمتى وجدت الغيرة في الرجال رُزقت النساء العفاف، ولقد أعلى الإسلام من شأن هذا الخُلق الرفيع وأشاد بذكره حتى جعل الموت دفاعًا عنه جهادًا في سبيل الله؛ حيث قال النبي –صلوات الله وسلامه عليه-: "من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِل دون أهله فهو شهيد"، فالله تعالى يغار وغيرته أن تُنتَهك محارمه، يقول نبي الرحمة: "إن الله تعالى يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حَرَّم الله عليه". وإن من الغيرة ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الغيرة ما يحب الله -عز وجل- ومنها ما يبغض الله -عز وجل-،... فأما الغيرة التي يحب الله -عز وجل- فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله -عز وجل- فالغيرة في غير ريبة..."، فالغيرة في الريبة: وهي أن يغار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلًا محرمًا؛ فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله، والغيرة في غير ريبة: نحو أن يغار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها، وكذلك سائر محارمه؛ فإن هذا مما يبغضه الله تعالى؛ لأنَّه مما أحلَّه الله تعالى فالواجب علينا الرضى به؛ فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حميِّة الجاهلية على ما شرعه الله لنا، ومن أئمتنا من نزع الدين نزعًا ممن لا يغار، فيقول ابن القيم: "إنّ أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكَّن، فكان الهلاك". وليس من الغريب أن تغار الزوجة على زوجها، فقد غارت أم المؤمنين عائشة، على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهي تروي لنا، وتقول: "ما غِرتُ على نساء النبي إلا على خديجة، وإني لم أدركها!، قالت: وكان رسول الله إذا ذبح الشاة، فيقول: أرسلوها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إني رُزقتُ حبها". وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشدَّ الناس غَيرةً على محارمهم، وأكثرهم حفظًا لأعراضهم، وخيرُ مثالٍ على ذلك ما قاله الصحابي الجليل سعد بن عبادة عندما نزل قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً" النور: 4، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "إن دخل أحدكم على أهله، ووجد ما يريبه أَشهد أربعًا"، فقام سعد بن عبادة متأثرًا، فقال: يا رسول الله، أأدخُل على أهلي، فأجد ما يريبني، أنتَظِر حتى أُشهد أربعًا؟! لا والذي بعثك بالحق، إن رأيتُ ما يريبني في أهلي لأطيحنَّ بالرأس عن الجسد، ولأضربنَّ بالسيف غير مُصفِحٍ، وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء!!، وفي رواية: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟!"، قالوا: يا رسول الله، لا تلمه؛ فإنه رجلٌ غيور، والله ما تزوَّج فينا قط إلا عذراء، ولا طلَّق امرأة له فاجترأ رجلٌ منَّا أن يتزوَّجها من شدة غَيرته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أتَعجَبُون من غَيرة سعد؟! والله أنا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَر مني". فهذه هي الغيرة، غيرة الإسلام على المحارم والأعراض؛ ومما يُروَى في ذلك أن عليًّا بن أبي طالب دخل على زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، فوجَدَها تَستاكُ؛ أي: تستعمل السواك، فقال ممازحًا وكأن السواك رجلٌ يخاطبه: ظَفِرْتَ يَا عُودَ الأَرَاكِ بِثَغْرِهَا مَا خِفْتَ يَا عُودَ الأَرَاكِ أَرَاكَا لَوْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ قَتَلْتُكَ مَا فَازَ مِنِّي يَا سُوَاكُ سِوَاكَا وهذا من شدة غيرته على السيدة فاطمة. وأما أسباب ضعف الغيرة فهي كثيرة، نذكر منها: · ضعف الإيمان؛ لأن المسلم كلما ضَعُف إيمانه ضَعُفت غيرته. · التقليد الأعمى للثقافات الأخرى والتي لا تُعبِّر عن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا . · ضعف شخصية الرجل؛ لأنه من الواجب عليه تقويم نسائه وإرشادهم. · جهل بعض المسلمين بأحكام الدين الحنيف. · صدور بعض الفتاوى المتساهلة من المحسوبين على أهل العلم فاتخذتها النساء ذريعة في بعض أمورها تخفيفًا وتسهيلًا. كيف أكون غيورًا؟ يمكن أن تنمَّى الغيرة بأمور كثيرة ومنها: · الرجوع إلى قيم ديننا الحنيف وغرسها في نفوس الناس. · غرس هذا الخلق في الأطفال وتربيتهم عليه منذ الصغر. · التأكيد على قوامة الرجل ودوره في المجتمع. · تعظيم قدر الأعراض، وبيان خطورة ضياعها. · الابتعاد عن أسباب ضعف الغيرة، كالاختلاط بالثقافات الأخرى المغايرة لعاداتنا وتقاليدنا. فوائد الغيرة.. · هي من الخصال التي يحبها الله تعالى. · الغيرة دليل على كمال الإيمان بالله. · الغيرة من الأسباب التي تدفع المنكر. · الغيرة تُطهِّر المجتمع من الرذائل. · الغيرة تكون سببًا لصون الأعراض.