إسرائيل اغتالت الوسيط الدولى الكونت برنادوت لأنه أقر بضم منطقة النقب للأراضي العربية
الكتابات الإسرائيلية تعترف باحتلالها ومخطوطات المقريزى والمسعودى والقلقشندى وابن الحكم تؤكد مصريتها
دفن متعمد للقضية من الحكومات المصرية المتعاقبة خوفا من الضغط الشعبي للمطالبة باستردادها
معروف بدأبه وصبره وقوة تحمله البحثية في العثور على مراجع ومصادر نادرة لإثبات نظرياته التاريخية وطني حتى النخاع ولطالما حلم كغيره من أبناء الشعب المصري باستعادة مدينة أم الرشراش من الاحتلال الصهيوني، لكنه لم يكتف بالحلم، فقد قرر الاعتكاف لفترة، لإثبات مصرية مدينة «إيلات» الإسرائيلية، وخرج بعدها بالعمل البحثي الوحيد الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ( أم رشراش، أو أم الرشراش أو أيله) هي مدينة مصرية في الأساس احتلتها إسرائيل، في العاشر من مارس للعام 1949. وقد صدرت الدراسة عن دار الشروق عام 2013 بعنوان :» لكي لا ننسى .. أم الرشراش أرض مصرية».
وإيمانًا بأهمية القضية، واستكمالاً لملف «الأهرام العربي» المنشور في العدد 1001، بتاريخ 11 يونيو من العام الجاري حول «أم الرشراش» ، نجري الحوار المهم والثري مع الباحث الأستاذ فتحي عبد العليم، الباحث في العلوم السياسية، الذي يقدم مؤلفا موثقا بالأدلة والمستندات والوثائق، يثبت أن مدينة «أم الرشراش» مصرية.. وإليكم نص الحوار ..
ما الذي دفعك لفتح هذا الملف الذي تم تناسيه طويلا؟
حقيقة الأمر أنني أمثل أبناء جيلي من أبناء الشعب المصري، تعلمت في مدارس الدولة وجامعاتها، وظللت لفترة طويلة لا أعرف شيئًا عن أم الرشراش، ولكن بحكم اطلاعي واهتماماتي بقضايا الأمة العربية والقضية الفلسطينية، عرفت تباعًا على مدار سنوات بقضية أم الرشراش وحقيقة ميناء إيلات الإسرائيلي، ومن خلال عملي بالأبحاث والدراسات السياسية، اتضحت لي خطورة هذا المكان بالنسبة لإسرائيل وللعرب كمفتاح من مفاتيح الإستراتيجية، فقررت أن أقوم بجهد متواضع أقدم فيه للقاريء العربي حقيقة هذه القضية الخطيرة والمهمة لنا كأمة عربية.
هل واجهت مشاكل أمنية؟
الكتاب عبارة عن عمل بحثي مجرد، وذلك كله لإبراء الذمة أمام المولى عز وجل.
إلى أي مدى واجهت صعوبة في العثور على مصادر ومراجع؟
قصة إعداد الكتاب كانت في غاية الغرابة، فقد واجهت مواقف غير مسبوقة، لأي كاتب أو باحث، وتتمثل في عدم وجود أي كتاب أو غلاف لمرجع يتحدث عن هذا الموضوع بشكل مباشر، وطفت على المكتبات وعلى الشبكة العنكبوتية فلم أجد كتابًا يغطي هذا الموضوع المهم والحيوي بالنسبة لمصر، ونصحني كثير من أصدقائي الباحثين بترك الفكرة لعدم توافر مراجع، وفكرت أكثر من مرة بترك هذا الأمر، ولكن الغريب أن الفكرة كانت تلحَّ عليَّ دومًا، وفي بعض الأحيان كنت أستيقظ من النوم فأجد الفكرة تضرب في رأسي.
وفي شهر رمضان من العام قبل الماضي دعوت المولى عز وجل أن يوفقني في هذا البحث، وبدأت الأمور تتيسر تباعًا، فقد عرفت أن هناك قراراً من مجلس الأمن يطالب إسرائيل بالأراضي التي احتلتها في العام 1949، ومن ضمنها مدينة أم الرشراش، وبحثت في الاتفاقات الدولية الخاصة بالحدود الشرقية للدولة المصرية، مثل اتفاقية 1906، والفرمانات السلطانية للدولة العثمانية السابقة لها، في الوقت نفسه وقعت تحت يدي كتابات مهمة، من بينها كتاب للدكتور محمد عمارة بعنوان «الوعي بالتاريخ يصنع التاريخ «، وكتاب للدكتور يونان لبيب رزق عن قضية طابا، واطلعت على مذكرات القادة الإسرائيليين، وبالتحديد ديفيد بن جوريون، فاكتملت لديَّ المادة العلمية بشكل لم أكن أتوقعه، واستطعت أن أنجز هذا الكتاب في فترة وجيزة أيضًا.
ما أهم المعلومات التى أوردتها فى مؤلفك لإثبات مصرية المدينة؟
بداية، فإنه طوال التاريخ القديم لمصر لم يحدث على الإطلاق أي نوع من الانقطاع التاريخي بين سيناء ووادي النيل، كما أن أسماء المدينة كلها ( العقبة، أيلة، مجدو، النقب، الكرك ) كلها أسماء منقوشة على جدران المعابد المصرية القديمة، واسم «أم الرشراش» كان لقبيلة عربية سكنت المدينة، وكل الخرائط الموجودة تثبت أن المدينة مصرية مائة بالمائة؟ فضلاً عن أن تاريخ بني إسرائيل مجرد تاريخ عابر، وسطر في السجل التاريخي لشعوب وبلدان المنطقة، كما أن الشخص العابر لطريق ما لا يحق له ادعاء ملكية هذا الطريق! بالإضافة إلى ذلك كله، فإن مخطوطات أعلام التاريخى العربي والإسلامي يثبتوا مصرية بلدة «أم الرشراش»، منهم ابن الحكم، والمسعودي، وابن خردذابة، والقضاعي، والمقريزي، والقلقشندي.
وهناك حاليا شخصية جديرة بالاحترام، وهي المستشار حسن أحمد عمر، خبير القانون الدولي، يرى من جانبه أن مصر لم توقع أي اتفاق بخصوص أم الرشراش، ما يعني أن الباب ما زال مفتوحًا أمام المطالبة بالمدينة!
تحدثت عن طابا، وأذكر أن الدكتور أسامة الباز قد حذر المفاوضين الإسرائيليين من وجوب عودة طابا وإلا سوف نتحدث عن مصرية أم الرشراش بالوثائق والمستندات؟
اطلعت على هذا الموقف الجريء للدكتور الباز، رحمة الله عليه، ويبدو أنه من وجهة نظري كان أمرًا استثنائيًا كنوع من الضغط أو رد الفعل لتعنت ما من الجانب الإسرائيلي، ولكن الاتجاه العام للدولة المصرية من العام منذ 1949 وحتى الآن، وعبر جميع الأنظمة المتعاقبة هو دفن هذه القضية المهمة والتعتيم عليها، بدليل أن عامة الشعب المصري وكثيراً من المتعلمين وقد يكون المثقفون يجهلونها.
لكن لماذا في رأيكم يتم دفن الحديث عن المدينة المصرية ؟
لقد أشرت في مقدمة الكتاب إلى أن تجاهل القضية أمر غريب، وبرغم موقع المدينة الإستراتيجي وما تمثله من خطورة على الأمن القومي المصري باعتبارها أحد مفاتيح الإستراتيجية، فإنه لا حديث عنها طوال عقود طويلة، برغم وجود جامعات ومراكز بحثية ووزارات للتربية والتعليم والثقافة والإعلام، ولكن لم تعقد ندوة واحدة عنها، ولم ينشر عنها أي كتاب أو مؤلف، أو عمل فني أو تليفزيوني، وهو نوع من الدفن المتعمد كما ذكرت آنفًا. ويبدو أن الحكومات المصرية المتعاقبة بعد حرب 1948 لم تشأ أن تجعل هذه القضية حية ومكشوفة للرأي العام حتى لا يمثل ذلك ضغطًا شعبيًا أو جماهيريًا على تلك الحكومات.
برغم هذا الدفن المتعمد، فإن كل الكتابات الإسرائيلية عن المدينة تعترف باحتلالها في العاشر من مارس للعام 1949، فما تعليقكم؟
هذا من عجائب الأمور، لأن مذكرات بن جوريون (يوميات الحرب 1948)، تحدثت بالتفصيل عن عملية احتلال «أم الرشراش»، وذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أيضا، الميزانية العسكرية المخصصة لهذه العملية، وقد أوردتها بالتفصيل في ملحق كتابي هذا.
هل يمكن استرداد المدينة المصرية من قبضة الكيان الصهيوني؟
الأمر في النهاية أمر قوة ومواجهة مع الكيان الصهيوني، وفي الظروف الحالية وبالحسابات السياسية والعسكرية، والظروف الإقليمية والدولية غير مطروح هذا الأمر، ولكن القضية متروكة للأجيال المقبلة!
رغم اعترافك بوجود وثائق وأدلة تثبت مصرية المدينة، لماذا التراجع إذن؟
القانون والتحكيم الدوليان قد تكون مجرد نصوص وأحكام على الورق، فى حين أن مبدأ القوة هو الذي يحسم الكثير من القضايا والخلافات في العلاقات الدولية!
على الجانب الآخر، إسرائيل توسَّع من ميناء إيلات وتعمل على إقامة مشاريع اقتصادية فيها، فإلى أي حد تمثل المدينة أهمية للكيان الصهيوني؟
بن جوريون قال يومًا «إيلات هي مسألة حياة أو موت لإسرائيل»، كما أن كثيراً من أبناء الشارعين، المصري والعربي، لا يعرف أن حروب مصر كلها كانت بسبب هذه المنطقة الحيوية من الشرق الأوسط، ففي عام 1948 أرغمت الدولة المصرية على ترك «أم الرشراش» لأن القوات الصهيونية توغلت حتى مدينة العريش شمالاً، وتم ضرب القصور الملكية في بعض المحافظات المصرية، كما أن حرب 1956 (العدوان الثلاثي) كانت السبب المباشر لدخول إسرائيل الحرب بجوار إنجلترا وفرنسا، آنذاك، هو فك الحصار المفروض على خليج العقبة، بدعوى أن بناء ميناء إيلات الإسرائيلي تم تدشينه وتجهيزه للملاحة الدولية وبات معطلاً، بعد منع مصر من دخول أو مرور السفن في خليج العقبة، لذلك شاركت تل أبيب في تلك الحرب، واحتلت شبه جزيرة سيناء لعدة أشهر كاملة، حتى تم استعادتها في مارس من العام التالي 1957، بعد اشتراط إسرائيل وجود قوات طوارئ دولية لضمان حرية الملاحة في الخليج والسماح للسفن بالوصول لميناء إيلات، والأمر نفسه وقع فى عام 1967. كل ذلك يبين خطورة وأهمية مدينة إيلات للكيان الصهيوني، فالمسألة ليست مسألة قانون دولي أو تحكيم دولي، ويمكن أن يكون هذا الأمر مقبولاً لمدينة مثل طابا، لكن الأمر مختلف مع أم الرشراش.
أعتقد أن إسرائيل اغتالت الكونت برنادوت لهذا الأمر؟
حتى يبقى احتلال المدينة تحت السيطرة الإسرائيلية؛ لأن برنادوت كان الوسيط الدولي للمفاوضات العربية الإسرائيلية، وأقر بضم منطقة النقب ككل للأراضي العربية، فاغتالته عصابة الهاجاناه الصهيوني، حتى لا تبقى «أم الرشراش» مدينة مصرية!
لماذا لا تثير مصر قضية «أم الرشراش» في المحافل الدولية على غرار قضية طابا؟
يتعلق الأمر بالإرادة السياسية للدولة المصرية، فالمعروف أن السياسة هي قراءة حيوية للواقع والتعامل معه بشكل جيد وعالي الكفاءة، واعتقادي أن قضية «أم الرشراش» المصرية يمكن أن تكون ورقة ضغط سياسية يتم إشهارها في مواقف وأوقات معينة دون اللجوء للحلول العسكرية إذا كانت الظروف لا تسمح بذلك، فمثلا مسألة التفكير في مشروع قناة سويس موازية للحالية هو أمر يمثل خطورة إستراتيجية على مصر، ويمكن إشهار ورقة الضغط في هذه الحالة، ويمكن مقارنة هذا الأمر بملف سد النهضة الإثيوبي، ومعروف أن أديس أبابا لم تكن تجرؤ على بناء السد بدون ضمانات إسرائيلية وتشجيع وتمويل صهيونيين أيضا، وهو أمر لا يخفي على أحد، فيما يمكن استغلال ورقة «أم الرشراش» في هذا الحالة، ولكن القضية ترجع إلى إرادة سياسية وحسن تعامل مع الواقع الذي يخدم المصالح القومية المصرية.