فى خطوة اعتبرها البعض فجائية، وخلال جلسة يوم الاثنين الماضى، اجتمع مجلس النواب الليبى وصوت بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج للمرة الثانية، والمفاجأة ليست فى عدم منح حكومة الوفاق الثقة، لكنها فى أن الاجتماع وللمرة الأولى منذ 6 أشهر تم بحضور 101 عضو ليكتمل النصاب القانونى للتصويت. المرة الأولى التى رفض البرلمان الليبى إعطاء الثقة لحكومة السراج كانت فى 25 يناير الماضى، وطالبه بتغيير بعض أسماء الوزراء وتقليص الحقائب الوزارية من 30 وزارة، وتقدم المجلس الرئاسى بعد ذلك بحكومة جديدة من 18 حقيبة وزارية مع تحفظ على القطرانى وعمر الأسود، عضوى المجلس الرئاسى، ليستمر الجدل السياسى خلال سبعة أشهر لم يستطع خلالها مجلس النواب حسم موقفه من تلك الحكومة بسبب عدم اكتمال حضور الأعضاء للنصاب القانونى للتصويت، مما دعا المبعوث الأممى مارتن كوبلر للقفز على مخرجات الحوار السياسى الذى وقع بمدينة الصخيرات المغربية فى 26 ديسمبر من العام الماضى، والذى نص وأكد على حتمية حصول الحكومة المنبثقة من المجلس الرئاسى على الثقة من البرلمان قبل مباشرة مهامها، ليتقدم للأمم المتحدة لاعتماد حكومة الوفاق الليبية كممثل شرعى وحيد عن الدولة الليبية، واستمر الضغط الدولى باعتماد حكومة المجلس الرئاسى، وتم أيضا اعتماد وزرائها فى جامعة الدول العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالإجماع، وأعلنت الدول الغربية أن المجلس الرئاسى وحكومته هى من تمثل ليبيا، لتبدأ الولاياتالمتحدة مع بداية أغسطس، الإعلان رسميا بمشاركتها لقوات تابعة للمجلس الرئاسى فى محاربة الإرهاب بمدينة سرت التى يسيطر عليها تنظيم داعش، وبدأ المجتمع الدولى فى التعامل مع حكومة الوفاق بصيغة الأمر الواقع، مستندًا لتوقيع 101 نائب على مذكرة بتأييد حكومة السراج بدون تصويت رسمى داخل قبة البرلمان. ليفاجئ أعضاء البرلمان الليبى الجميع بعد عدد من الجلسات التشاورية غير المكتملة نصاب التصويت، أن رئيس المجلس يدعو لجلسة يوم الإثنين الماضى ويتم التصويت وترفض حكومة الوفاق، التى هى من الأساس مختلف عليها داخل أعضاء المجلس الرئاسى نفسه.. لتنتهى حالة الجمود السياسى الليبى، وتبدأ ليبيا مرحلة صراع سياسى جديد يطل بثلاثة سيناريوهات.
السيناريو الأول انصياع المجلس الرئاسى لقرار البرلمان، بعدم منح حكومته الثقة والعمل على إعادة تشكيل حكومة جديدة وفق طلبات مجلس النواب الجديدة والتى ذكرها النائب عز الدين قويرب، نقلا عما تلاه رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح فى جلسة البرلمان يوم الإثنين الماضى بطرح 6 ضوابط لتشكيل حكومة وفاق جديدة برئاسة فايز السراج وهى: 1 أن تكون حكومة مصغرة، أى حكومة أزمة من 8 إلى 12 وزارة فقط. 2 أن تطبق على أعضائها المعايير اللازمة لتولى الوظائف القيادية فى الدولة، وهى الخبرة، ونظافة اليد، والقدرة على العمل، وعدم وجود موانع قانونية. 3 أن يتم اختيار الحكومة بالتوافق بين جميع أعضاء المجلس الرئاسى، وفق المادة 3 من الاتفاق السياسى أى بموافقتهم جميعًا، وليس بالتصويت. 4 تعتبر هذه الفرصة الأخيرة للمجلس الرئاسى. 5 أن ترسل التشكيلة المقترحة الجديدة إلى مجلس النواب مرفقة بالسير الذاتية فى غضون عشرة أيام. 6 يطلب مجلس النواب عودة العضوين المقاطعين على القطرانى وعمر الأسود فورًا، للمشاركة فى تشكيل الحكومة وممارسة مهامهما. بجانب التأكيد على أن جميع القرارات واللوائح والإجراءات والبيانات كلها التى اتخذها المجلس الرئاسى فى السابق معدومة. وحتى الانتهاء من اتفاق أعضاء المجلس الرئاسى على حكومة بالإجماع، تباشر حكومة الثنى عملها كحكومة تسيير أعمال لحين منح الثقة للحكومة الجديدة، وهذا يتطلب تراجعًا لقرار المجتمع الدولى ممثلا فى الأممالمتحدة باعتبار حكومة الوفاق هى الممثل الوحيد للدولة الليبية.
السيناريو الثانى أن يفشل المجلس الرئاسى فى الوصول لصيغة توافقيه لتشكيل حكومة مصغرة بالإجماع خلال الفترة الزمنية الممنوحة له (عشرة أيام) حتى لو تم تجددها، ليقر فريق الحوار السياسى الذى وقع اتفاق الصخيرات على الرجوع للمسودة الرابعة من الاتفاق، وتعيين رئيس ونائبين فقط ويرشح أسماء أخرى خارج أعضاء المجلس الرئاسى الحاليين. وفى هذا السيناريو مؤشرات أن يكون النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبى، ورئيس فريق الحوار محمد أشعيب أحد أهم المرشحين لتولى رئيس المجلس الرئاسى، خصوصا أنه تردد كثيرا خلال آخر حوار عقد بالعاصمة التونسية من عدد من أطراف الحوار دعمهم لهذا الطرح.
السيناريو الثالث أن يرفض رئيس المجلس الرئاسى فايز السراج بدعم من مبعوث الأممالمتحدة مارتن كوبلر والدول الغربية قرار نواب البرلمان الليبى بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق ويشككوا فى قانونية التصويت، مما يزيد المشهد تعقيدا ويأخذ ليبيا لتناحر سياسى قد يمتد لمحاولات للتقسيم، أو تدخل عسكرى غربى مباشر لصالح سيطرة المجلس الرئاسى وحكومته على الحكم، لكنه يظل السيناريو الأبعد نظرا لحساسية المواطن الليبى تجاه أى تدخل أجنبى. وفى النهاية تبقى جميع السيناريوهات مفتوحة فى المشهد الليبى، فى الوقت الذى يأبى الجيش الليبى الانزلاق فى الصراع السياسى، ويركز على معركته ضد الإرهاب التى حقق فيها انتصارات وتقدمًا كبيرين فى الشرق الليبى بقيادة الفريق خليفة حفتر الذى رفض مقابلة مارتن كوبلر مبعوث الأممالمتحدة، ليؤكد أن الجيش خارج الصراع السياسى، وهو منوط بمحاربة الإرهاب وترك التفاوض السياسى الخاص بالقوات المسلحة فى يد القائد الأعلى للجيش المستشار عقيلة صالح بصفته رئيس مجلس النواب.