لدينا أسوأ نظام تعليم بالعالم.. والوزارة تعلم الطالب ألا يفتح فمه ويطيع بلا تفكير
ما بين دموع فرح المتفوقين فى الثانوية العامة، ودموع حزن وأسى الراسبين وذويهم، غصة وألم فى قلوب 117 ألفا و654 أسرة أولادها رسبوا فى الثانوية العامة بملاحق أو راسبين تماماً، تعيش تلك الأسر أياما عصيبة كلها تعب وجهد ضائع وشجن وقلوب حزينة، ضاع حلمهم فى أن يبدأ هؤلاء الأبناء حياة جديدة يلتحقون فيها بكلية محترمة يتخرجون فيها على أمل أن يخففوا عنهم أعباء سنوات مضت، ويدخلون الفرح قلوبهم وبيوتهم، ولكنهم أفاقوا بجرح الحلم الأبيض، وضياع مئات الجنيهات صُرِفَت فى دروس خصوصية ومصاريف مدارس وملابس وغيرها من احتياجات يومية، بلا مقابل مادى أو معنوي. "الأهرام العربي" عاشت معهم كل هذه المعانى عن قرب، وعرضناها على مختصين فى علم الاجتماع والطب النفسي.. نقدمها لكم فى هذا التحقيق: البداية كانت مع طالب رفض ذكر اسمه وقال: أشعر بالضيق والظلم وأن مستقبلى يضيع.. واستكمل الحديث الطالب "محمد محمود" وأكد أن تسريب الامتحانات تسبب لنا فى القلق والتشتيت، ومع ذلك أجبت جيدًا عن جميع الأسئلة، وكنت أتمنى أن أحصل على درجات مناسبة للجهد الذى بذلته طوال العام وخصوصًا فترة الامتحانات، وكنت أحرم نفسى من الخروج مع أصحابى أو لعب الكرة، وأجبت جيدًا، لكننى فوجئت بالنتيجة الصادمة لى ولأهلى، إذ رسبت فى مادتى الفيزياء والكيمياء، فقدمت تظلماً لمراجعة درجاتي، على أمل أن آخذ حقى وألتحق بكلية مناسبة. أما الطالب "إسلام شمس" فقال: إن أحداث الامتحانات أثرت على أعصابه هو وزملائه، ويشعر بالظلم لأنه كان يجتهد طوال العام وجاء تسريب الامتحانات وغش البعض وحصل على أكثر من 90% فيما هو وزملاؤه الذين رفضوا الغش واعتمدوا على مجهودهم وأجابوا جيدًا فى الامتحانات وحصلوا على درجات أقل من "الغشاشين"، بالإضافة إلى رسوبه فى مادتى الفيزياء والكيمياء. واستكمل الحديث الطالب "محمد كرم" قائلاً بانفعال: كل الذين لعبوا ولم يذاكروا طول العام حصلوا على درجات فوق التسعين، والذين ذاكروا معظمهم رسبوا فى مادتى الفيزياء والكيمياء. فيما قال والد أحد الطلاب: ابنى حاصل على 98.9% ومع ذلك نزل فى مادة الفيزياء، مؤكدًا أن هناك أخطاء بشرية من الممكن أن تُصحح، أشعر بالأسى والألم على حال أولادنا المجتهدين، الذين رفضوا الغش وظلموا فى تقدير الدرجات ومن نظام التعليم الفاشل. وترى أم إحدى الطالبات رفضت ذكر اسمها، أن الوزارة ظلمت أولادنا وكل أهالى الطلبة والطالبات يشعرون بالظلم، ونتمنى أن يحس المسئولون بنا وبأولادنا وينصفونهم.. وتستكمل الحديث والدة طالبة سورية رفضت ذكر اسمها، قائلة: ابنتى تعبت طول السنة، وأن الظلم الذى صار أثر على نفسية ابنتي، وكنت متأكدة أنها ستحصل على أكثر من 90%، لدرجة أنى قدمت لها فى اختبار القدرات بكلية الفنون التطبيقية، وفوجئنا أنها حصلت على 76% فقط، وأشعر بالأسى والحصرة، لظلم ابنتى والمعاناة من تركنا بلدنا سوريا، حسبنا الله ونعم الوكيل. فيما وجدت طالبة رفضت ذكر اسمها تقف بجانب وتنظر بأسى لزملائها الواقفين ينتظرون دورهم للتقدم بالتظلم، فاقتربت منها وعرفت أنها حاصلة على 75.5% ومعها ملحقان فى الفيزياء والكيمياء، وسألتها لماذا لم تتقدمى بتظلم، فأجابت قائلة: أنا بالفعل كنت أنوى التقدم بطلب إعادة مراجعة درجاتي، لكن كثيرين قالوا لي: إنه لا فائدة من التظلم، لأن عمرهم ما هيطلعوا المصحح على خطأ .. واستكملت السيدة "نادية رمزي" والدة إحدى الطالبات قائلة: إن المصححين وزعوا الدرجات بعشوائية، بدليل أن عددا كبيرا نزل فى الكيمياء والفيزياء وبنفس الدرجات. وانضمت للحديث الطالبة "دينا خالد" وقالت بانفعال: أهلى صرفوا علىّ 20 ألف جنيه دروساً، وجاءت النتيجة بالرسوب فى مادتى الفيزياء والكمياء، رغم أنى كنت متأكدة أنى سأحصل على درجة عالية خصوصًا فى الفيزياء، لأنى أجبت جيدًا فى الامتحان.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. واستكملت السيدة "هدى" والدة إحدى الطالبات قائلة: أشعر بالحزن الشديد، لأن ابنتى وزميلاتها اجتهدن كثيرًا وتعبنا جدًا طوال العام وفى الامتحانات، ومع هذا حصلن على نفس الدرجات فى اللغة الإنجليزية والتاريخ، وذكرت أن ابنتها منهارة جدًا، وتغلق باب الغرفة على نفسها ولا تريد أن تخرج من البيت. وتؤكد السيدة "نرمين فكرى" والدة إحدى الطالبات أنها راجعت مع ابنتها نموذج الأسئلة فى كل مادة، وكانت إجاباتها صحيحة، وجاءت النتيجة ظالمة جدًا.. أم أخرى تقول: ابنتى تعبت طوال السنة، أشعر أن الذين تعبوا وذاكروا جيدًا هم أصحاب الدرجات الأقل، وتتمنى أن تخفض الدولة درجات التنسيق حتى يلتحق الطلاب بأى كلية، لأن الأسرة لا تحتمل مصاريف تعليم خاص يكفى إنفاقها 30 ألف جنيه فى دروس خصوصية.. أما الطالب "أحمد على" فقال بأسى: أشعر بالظلم واليأس والألم لأننى وكل زملائى فى القسم الأدبى نجحنا إلا أنا رسبت فى اللغة الألمانية، ولا أعرف السبب، لأنى أجبت جيدًا على جميع الأسئلة. وتؤكد السيدة "شمس ربيع" والدة الطالبة "عبير" أن ما تم فى الامتحانات والنتائج "مهازل"، وأنها كانت تحب البلد جدًا، الآن كرهتها.. عندما رأت الظلم يقع على ابنتها، التى رفضت تنزل وظلت بالمنزل مقهورة، لا تريد أن ترى أحدا أو تتحدث مع أحد، وأنها قالت لوالدتها: "ماما أنا كرهت البلد دي"، كانت تحلم تدخل كلية الصيدلة لكنها حصلت على 77% فقط، الوضع سيئ جدًا، كنت أنتظر ابنتى بعد الامتحان وأراجع معها، وقالت لى إن امتحان اللغة العربية سهل جدًا، المتخلف فيه ينقص 4 درجات فقط، ومع ذلك حصلت فيه على درجات أقل مما توقعته تمامًا، وأن مادة الفيزياء أسئلتها لم تأت من المنهج، عندما كانت تسمعها تقول لأحد عن نتيجتها "الحمد لله"، ترد عليها قائلة: بتحمدى ربنا على إيه؟ وأن ابنتها كانت ستكفر .. حسبنا الله ونعم الوكيل.. وأم أخرى تقول: ابنتى كانت تعيد السنة بثلاث مواد، وفوجئنا بنفس درجات العام الماضي، ولو كانت حصلت على صفر، كان الواحد يحس أن هناك فرقا، (اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والتاريخ)، وتقدمت بالتظلم لمادة واحدة لأنى ليس معى سوى مائة جنيه فقط، فلم أستطع دفع مائتى جنيه للتظلم فى المادتين الأخريين، البنت تشعر بالظلم الشديد، يا ريت المسئولين يحسوا بالناس، عايزة أصوت، أرمى نفسى تحت عربية.. ولم تستطع استكمال حديثها من البكاء. والتقطتنى أم أخرى لتقول: نفس الحالة لدينا جميعًا، مشاعر الحزن والألم والإحباط تملؤنا جميعًا، ابنتى ذاكرت جيدًا، وعندما ذهبت إلى المدرسة قال لى أحد المدرسين إن هذه أوامر؟ واستكملت الحديث أم طالبة كانت تنصت لحديثها: ربنا يعلم مدى التعب والقلق اللذين عشنا فيهما مع ابنتنا، كنت معها لحظة بلحظة فى مذاكرتها وسهرها الليالي، كنت منتظرة نتيجة ابنتى تفرحني، ما فيش رحمة من المسئولين، وعندما تقدمت بتظلم وجدت كثيرين مثلها، صرفنا آلاف الجنيهات وجاءت النتيجة موجعة لنا جميعًا، ابنى تعقد بعد أن رأى حال أخته، قال لى "إنه لا يريد استكمال تعليمه"، تعقد من البلد، وقال: قلت لك إن البلد زفت لم تصدقيني.. ورأيت فتاة تدعى"إنجي" طالبة تقف حزينة شاردة، اقتربت منها لمعرفة مشاعرها فقالت: أشعر بالظلم، وأسعى للحصول على حقى بتقديم تظلم وإعادة مراجعة مادة الفيزياء التى أجبت جيدًا بها رسبت فيها، المدرسون يتعاملون مع ورق الإجابات أنه شغل، وليس مستقبل طالب، بعد ما كان نفسى الالتحاق بكلية الطب، أصبحت نفسى أنجح وبس.. وتوجهنا بكل ردود الطلبة والطالبات وذويهم لتحليل مشاعرهم إلى د.زينب شاهين -أستاذ علم الاجتماع- التى قالت: مما لا شك فيه أن ما حدث أثناء امتحانات الثانوية العامة غير عادل وغير منطقي، وله تبعاته ليس على مستوى الطلبة فقط، ولكن على مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع؛ لأن الأسرة هى نواة المجتمع، فما حدث له مردود سيئ جدًا على الشباب، لعدم شعوره بالعدل والإنصاف، وستنعكس تلك النتيجة السيئة على المجتمع، لأنه عندما يكون هناك غياب للعدالة الاجتماعية والعدل والإنصاف، يصبح لدينا تفكك مجتمعي، فالبداية التفكك وعدم التماسك المجتمعى والعزلة. وقالت د.زينب شاهين: إن الشعور بالظلم قاسٍ جدًا، لكن أيضًا المشكلة هى وضع الشباب فى مواقف غير سليمة، لأن الآن المصادفة هى التى جعلت شخصا ما يتبوأ منصبا أو مركزا، المصادفة هى التى جعلت زميله فى منصب، وهو ذاكر واجتهد، فلم تعد هناك توأمة، أو ما يسمى تسكين الطالب المناسب بالدرجة المناسبة، وتوزيع الدرجات "اعتباطًا"، ووضع طلبة من الأوائل اعتباطًا، ليس بهم أحد يستحق الدرجة، لأنهم جعلوا الطالب يعيد الامتحان مرة ثانية، فلم يكن على درجة جيدة، طالب كان يذاكر جيدًا، وبذل كل جهده، وعندما أعاد الامتحان ثانية، لم يكن لديه الجلد أو الصبر، حتى يحصل على الدرجات المرتفعة، إذ كانت النتيجة مصحوبة بعوامل كثيرة، مما أدى فى نهاية الأمر إلى غياب التكافؤ وغياب العدل، ووضع الطالب الفاشل فى المكان الجيد والعكس. وتلفت الانتباه إلى أن شخصية الإنسان لا تتكون ما بين يوم وليلة، وإن كان سيتأثر بالظلم الذى وقع عليه والتخبط الذى حدث، وسنجد الطالب يؤمن بأن مقولة: "من جد وجد" ليس لها وجود على أرض الواقع. فيما يرى د.هاشم بحرى – طب نفسي- أن الكارثة التى حدثت من تسريب الامتحانات، أن الدولة لا تستطيع حماية الامتحانات، وأن لدينا نظاما تعليميا يعتبره من أسوأ نظم التعليم فى العالم، لأنه يعتمد على الحفظ والتلقين، فإذا كان لدينا تعليم "نقدي" يعتمد على التفكير هنا إذا تسرب الامتحان ليس له قيمة، حتى وإن استعان الطالب بالكتاب المفتوح أثناء الامتحانات أيضًا لا قيمة له، إذ لا بد أن يكون الطالب ذاكر جيدًا، والفكرة أن هناك العديد من الأزمات ليس واحدة، لأن التعليم فاشل، وهذه أول مشكلة، ونظام الامتحانات فاشل، والطالب الذى أتته فرصة للغش وغش، والطالب الذى لم يعرف يستغل هذه الفرصة، هذا هو ال"زعلان". ويذكر د.هاشم بحرى أن التعليم الفاشل أفسد سلوك الطلاب، ومن ذاكر وحصل على مجموع ما فهذا هو مستواه، ومن لم يعرف أن يغش، فالحمد لله أنه تربى "كويس" ولديه خُلُق. ويرى أن نظام التعليم غير صالح، والطالب مجبر عليه وضاغط على نفسه، ويحدث تسريب ثم إعادة وتأجيل بعض المواد، وفوق كل ذلك يفاجأ بأن شخصا أقل منه فى الجهد حصل على مجموع أعلى منه، وكأنه سرق مجهود السنة كلها، فهنا يشعر الطالب بالألم الشديد والظلم. وحول تأثير كل ذلك على شخصية الطالب يقول د. بحري: إن الأب والأم لا شك أنهما القدوة له، وأيضًا المجتمع والبيئة التى يعيش فيها لها تأثير مباشر فى شخصيته وسلوكياته، فيتخانق مع كل أشكال السلطة الحاكمة، ويصبح ضد المجتمع. ويلفت د.بحرى الانتباه إلى أن وزارة التربية والتعليم أكبر مورد للإرهاب فى العالم، لأنها تعلم الطالب ألا يفتح فمه ويطيع بلا تفكير، وعند موقف مثل الذى حدث هذا العام فى الثانوية العامة أصبح يشعر بالظلم وعدم العدل، وأن القدوة التى أخذها كمثال له ليست قدوة جيدة، وبالتالى لن يفيد مجتمعه مستقبلاً. ويؤكد أنه لن ينصلح حال هؤلاء الطلاب إلا بتغيير نظام التعليم فى مصر، سواء فى التعليم الأساسى أم الجامعى أم ما بعده، منوهًا إلى أن طالب الدكتوراه إذا قال كلمة غير التى يريدها المشرف لا يوافق له على الرسالة المقدمة، ماذا أكثر من ذلك؟ ممنوع تبدى رأيك .. كارثة..