عاشوا أياما و شهورا يحلمون بثقة الجماهير التى تحملهم فوق أجنحة البريق لمنصب رئيس الجمهورية، وكلما اقترب موعد الانتخابات واشتعلت المنافسة كبر الحلم وتضخم، بل زاد من ذلك التضخم نداء من حولهم لهم مسبوقا بلقب الرئيس، وبرغم يقينهم بأن نتيجة السباق ستخلص إلى واحد فقط، فإن الاستبعاد كان أشبه بالمفاجأة، استيقظوا على كابوسها المؤلم، ووقع خسارتها، وبرغم أن لكل واحد منهم برنامجا، رأى صاحبه أنه يميزه عن غيره، ورأى الخبراء من جانب آخر أن الاستفادة من طاقات الخاسرين وبرامجهم أو بعضها ضرورة إذا ما أخلصنا النية لخدمة بلدنا مصر، غير ذلك حاولنا معرفة خطط أصحاب الشأن لمستقبلهم بعد الاستبعاد فى جولة سباق الرئاسة الأولى. ما سبب تلك الحيرة التى وقع فيها الشارع المصرى بعد إعلان نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة؟ ألم يكن صعود الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة واستبعاد باقى المرشحين نتاج نحو 22 مليون صوت انتخابى تم فرزهم بكل شفافية وأمام مندوبى المرشحين؟ وأين باقى الكتلة الانتخابية التى تقدر بنحو 40 مليون صوت؟ لماذا لم تدل بصوتها؟ ولماذا تشارك الآن فى الانقسام الدائر حاليا بين مرشحى جولة الإعادة؟ هل لها الحق فى ذلك؟ وهل ستشارك فى جولة الإعادة لتحسم وتختار من تريده؟ وحتى لو شاركت فقد فات الأوان على معظمهم بعد أن خرج مرشحهم من الجولة الأولى. ولن ستذهب أصوات من خرجوا من الجولة الأولى أمثال عمرو موسى وحمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح التى تقدر بنحو 10 ملايين صوت؟ مما لاشك فيه أن هذه الأصوات ستكون الحصان الأسود الرابح لمن تنضم إليه لكن من مرشحى جولة الإعادة ستنضم إليه؟ بات الشعب المصرى أمام خيارين لا بديل عنهما للاختيار من بينهما رئيس للجمهورية ولن تجدى أو تنفع دعوات المقاطعة لأن الرئيس قادم قادم لا محالة. وقبل بدء جولة الإعادة ضعونا نلمس بأيدينا سبب تلك الحيرة التى وقعنا فيها، والتى لعب فيها الإعلام دورا كبيرا، كما لعبت استطلاعات الرأى دورا أخطر وأكبر، حيث كانت أغلبيتها تأتى بمرشحين خرجوا من الجولة الأولى، على رأس المتصدرين للسباق الرئاسى، وصدقها الكثيرون حتى جاءت النتيجة مخالفة لها، فأصابت الشارع بتلك الصدمة والحيرة. وما زاد من حيرة الناخب ذلك الدور الدعائى الذى قامت به بعض الفضائيات على حساب دورها الأساسى وهو توعية الناخبين، وهذا ما يؤكده تقرير لجنة متابعة ورصد وتقييم الدعاية الإعلامية والإعلانية بالانتخابات الرئاسية، والذى قال فيه رئيس اللجنة مجدى ضيف، إن التقرير رصد اهتمام العديد من القنوات الفضائية بالدور الدعائى لمرشحى الرئاسة، وتفاعلت فى الوقت نفسه عن القيام بتوعية وتنوير الناخبين، حتى يتم التصويت بناء على درجة معرفية أدق وأشمل عن المرشحين وقضايا الانتخابات. من هنا كانت الازدواجية والتداخل فى الأدوار والوظائف التى يقوم بها بعض الإعلاميين أحد أسباب الحيرة والانقسام الدائر حاليا بين مرشحى جولة الإعادة، حيث كشف التقرير عن شىء خطير، وهو أن بعض هؤلاء الإعلاميين كان من بين المجموعة التى تقوم بالتخطيط والتنفيذ للحملات الإعلامية والإعلانية لأحد المرشحين. هذا التداخل الإعلامى لعب دورا بارزا فى إصابة الكتلة الانتخابية بالصدمة، ولم يقل عنها خطورة استطلاعات الرأى والاستببانات التى ملأت معظم وسائل الإعلام، وصدقها الناخب، وبناء عليها كان يتوقع صعود أو هبوط مرشح معين، وهذا ما ألمح إليه التقرير أيضا، حيث أشار إلى أهمية الالتزام بالضوابط والقواعد الخاصة بنشر النتائج الخاصة باستطلاع الرأى العام فى الانتخابات فى وسائل الإعلام من حيث حجم العينة وأسلوب جمع البيانات ونسبة الخطأ ونوعية الأسئلة وهو ما لم يتحقق فى معظم استطلاعات الرأى، التى كان لها بالغ الأثر والتأثير على اتجاهات التصويت. ويجب ألا ننسى دور الشائعات وتأثيرها على الكتلة الانتخابية، فقبل أيام من انتخابات الرئاسة وأثناء أول يوم انتخابى أيضا، انطلقت شائعات قوية بأن عمرو موسى فى انتظار تنازل الفريق أحمد شفيق له وهو ما نفته حملته الأخيرة بشدة، والنتيجة أن موسى هو من خرج من السباق بعد الجولة الأولى. ونخرج من هذا كله بضرورة الابتعاد عن الفضائيات واستطلاعات الرأى والشائعات، فى جولة الإعادة، حتى لا تصدمنا النتيجة، مع ضرورة أن نضع فى اعتبارنا ونراقب بأعيننا أصوات المؤيدين لمن خرجوا من سباق الرئاسة لمن ستتجه؟ فوحدها قادرة على حسم السباق لصالح من تتبعه. فعلى سبيل المثال، إذا قلنا إن أصوات التيار الدينى من سلفيين وغيرهم، ممن أعطوا أبو الفتوح فى الجولة الأولى ذهبت لصالح الدكتور محمد مرسى، فهى كتلة انتخابية كبيرة لا يمكن الاستهانة بها، وغالبا ما سيكون ذلك. لكن تبقى أصوات الليبراليين الذى أعطوا عمرو موسى وحمدين صباحى وغيرهما، لغزا حتى الآن، فلا أحد يعرف إلى أين ستتجه، وهى كتلة ربما تكون أكبر من كتلة التيار الدينى، وعندما تعلن هذا الكتلة المرشح الذى ستدعمه، يصبح توقع من سيفوز فى الجولة الثانية أمرا متوقعا صحته بنسبة كبيرة. وفى حالة إحجام غالبية الكتلة الانتخابية عن التصويت فلا شىء يمكن توقعه، لكن فى النهاية كل لا يلومن إلا نفسه، ولا يحق لأحد بعد ذلك القول بأن الفائز غير متوقع.