تقرير إيمان عمر الفاروق الضجة التي أثارها مشروع القرار الذي اعتمدته أخيرا اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ليست سوي زوبعة في فنجان، وعرض ليس الأول من نوعه، لكنه معاد جري التعامل معه من منظور ضيق، وفق الصيغ التحليلية الخاصة بتفاعلات الساحة السياسية المصرية، قام بتفريغه من أبعاده الحقيقية الأكثر التحاما بتجاذب وسجال الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، والتنافس فيما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فضلا عن كونه حلقة تعمل علي تكريس الإسلاموفوبيا بأمريكا. ومن ثم يمكننا القول إنه للاستهلاك المحلي بالداخل الأمريكي، ولا يعبر عن تغير جذري في السياسية الأمريكية تجاه ملف الإخوان فضلا عن أنه مجرد مشروع قانون يلحق بقائمة سابقة لقرارات مماثلة في " ثلاجة " الكونجرس. التناطح بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومحاولات الابتزاز السياسي عبر ورقة "الإخوان" يفصح عن ذاته، عبر الهوية الجمهورية للنائب الذي تقدم به، ألا وهو تيد كروز، النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماريو دياز بالارت، الذي ترأس الجلسة الساخنة باللجنة القضائية هو الجمهوري أيضا بوب جود ليت، فيما انطلقت سهام النقد من حناجر النواب الديمقراطين، وكأننا أمام مناظرة بأحد المجمعات الانتخابية ليتحول "الإخوان" إلي وقودها، وكان أول من أشعل الفتيل النائب الديمقراطي عن ولاية متشيجن جون كونيرز، محاولا حشد باقي النواب عن الحزب الديمقراطي للحاق به في معارضة مشروع القرار المذكور، مستندا في معارضته إلي عدم عقد جلسات استماع قبل عرض القرار للتصويت باللجنة القضائية، للوقوف علي عواقبه الدبلوماسية الخطيرة، وتعقيداته في مجال السياسة الخارجية دون أن يمر بعملية تقييم ومراجعة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية أو الاستخبارات. والتقطت خيط الحديث النائبة الديمقراطية أيضا عن ولاية تكساس تشيلا جاكسون لي، معربة عن تخوفها من العواقب التي قد تترتب علي مثل هذا القرار، بتنامي العداء لأمريكا، عبر تسويق صورة توحي بمعاداتها للإسلام، نظرا لما قد يستتبعه إدراج الإخوان كجماعة من إجراءات قد يراها البعض تصاعد لوتيرة الإسلامفوبيا، وبالتالي فإن كل من وزارة الخارجية والاستخبارات هما الجهتان الأكثر قدرة علي تقدير هذا الأمر وكان الأحري أن يناط بهما ذلك. ويري عدد من الخبراء أن هذا القرار أقرب إلي نوع من المزايدة السياسية، ومحاولة من الجانب الجمهوري لكسب الرأي العام بوصفهم الأكثر حرصا علي الأمن القومي الأمريكي، حيث يري منجي داهودي – الباحث بمركز الإسلام والديمقراطية، وهو مركز بحثي أمريكي يهتم بحركات الإسلام السياسي – أن نغمة المعركة الانتخابية كان لها رنين في أجواء جلسة التصويت علي القرار، عبر محاولة إحراج الإدارة الأمريكية وتغذية الاعتقاد لدي الناخبين، بأنها غافلة عن التهديدات التي تحيق بأمن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ثم ضرب التيار الديمقراطي، وهو ما أضحي بمثابة خطا عاما ثابتا في السياسات الخاصة بالحزب الجمهوري. وعزفا علي ذات النغمة تري د.نورهان الشيخ – أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة – "أن مشروع القرار الخاص باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية باللجنة القضائية بالكونجرس الأمريكي، يرتبط بالدرجة الأولي بالعملية الانتخابية، والسباق الرئاسي الحالي، والتنافسية ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فالتركيز علي أن تنظيم الإخوان جماعة إرهابية ما هو سوي محاولة لتوجيه صفعة لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، والمرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة الأمريكية علي وجه الخصوص، بوصفها شكلت عصب الاتصالات الأمريكية بجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي يمكننا فهم ما يجري في إطار التنافس الانتخابي باعتباره العامل الأبرز الذي يقف خلف هذا القرار كخطوة تهدف إلي تشويه صورة الحزب الديمقراطي وتسويق فكرة أنه يقيم علاقات وتفاهمات مع جماعة إرهابية متطرفة تمهيدا للإجهاز عليه وضرب القاعدة الشعبية لهيلاري كلينتون ". وتضيف د. نورهان قائلة: "ينبغي علينا توخي الحذر في استقبال هذا القرار فهو مجرد مشروع قانون تقدمت به لجنة قضائية، غير مؤثر علي المسار الفعلي، نظرا لأنه لم يتم التصويت عليه في الكونجرس بمجلسيه، ولم يحظ بتصديق الرئيس، فنحن أمام حالة جدال داخل أروقة الكونجرس. ويحضرني في هذا المقام النموذج البريطاني في التعاطي مع ملف الإخوان حيث تم فتح تحقيق وتشكيل لجنة أعدت تقريراً أدان جماعة الإخوان، وبرغم ذلك تم حفظ التحقيق، ولم يتم أخذ أية خطوات فعلية حتى الآن، وهو ما يرجع إلي النفوذ الذي تتمتع به جماعة الإخوان في بريطانيا، ومن المعروف أن كل من بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا، هم أكثر الدول ذات الوجود الإخواني المؤثر". أبعاد خطيرة وإشكاليات متعددة تمثل محددات للموقف الأمريكي من جماعة الإخوان طرحها الأستاذ عمرو عبد العاطي – الخبير في السياسات الأمريكية بالمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية – قائلا: "بداية مشروع القرار المذكور لا يمثل سابقة أولي من نوعها، فهناك مشاريع قرارات مماثلة تم التقدم بها إلي بعض اللجان بالكونجرس لعل أشهرها مشروع القرار الذي تقدمت به النائبة الجمهورية ميشيل باشمان في 2014، لتسمية جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية. وهناك محاولات مشابهة أغلب من يقوم بتحريكها الجمهوريون والجماعات المناهضة للإسلام. أما بشأن القرار الذي نحن بصدد الحديث عنه، فتلك مجرد مرحلة ابتدائية لا تترتب عليها آثار قانونية، ولا بد أن تستتبعها إجراءات متعددة لتصبح قانونا، بإجراء التصويت عليه في مجلس النواب أولا، ثم الشيوخ، ثم يقوم الرئيس بالتصديق عليه، وفي حال عدم استيفاء المرحلة الأخيرة برفض الرئيس له، يتم عرضه مرة أخري إلي الكونجرس الذي يقوم بدوره بعقد جلسة مشتركة، لإعادة إجراء عملية التصويت مرة أخري، فإذا حظي بموافقة بنسبة الثلثين يتم تمريره ليصبح قانونا ". وحول مصير هذا القرار يري الأستاذ عمرو عبد العاطي "أنه لن يشهد أيه تطورات في المسار القانوني، وهو ما يرجع إلي حزمة من العوامل، أبرزها أن قطاعاً عريضاً من أعضاء الكونجرس وشرائح مختلفة من الرأي العام الأمريكي تتبني منظوراً فكرياً يعتبر الإخوان جماعة سلمية، وهو ما ينعكس في افتتاحيات كبريات الصحف الأمريكية في تعاطيها مع ملف الإخوان، إنطلاقا من كونها تمثل الإسلام المعتدل، يمكن الاعتماد عليه لمواجهة الجماعات الإسلامية المتشددة، وذلك استنادا إلي غياب مكون العنف بالخطاب الرسمي لجماعة الإخوان، والأهم مما سبق أنه حتي اليوم لم يحدث أن قام التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن المنظمات الإرهابية في العالم بتسمية جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية، مما يؤشر إلي الرؤية الرسمية الأمريكية لجماعة الإخوان بوصفها تجسيدا للإسلام المعتدل الذي يطرح بديلا لموازنة الجماعات المتشددة كالقاعدة وداعش. وهنا تقفز معضلة أمام الإدارة الأمريكية عن كيفية تعاملها مع الفروع الأخرى للجماعة بالأردن والجزائر مثلا، وباقي الجماعات التي تتبع ذات المنطلقات الفكرية في حال إدراج الإخوان علي قائمة الجماعات الإرهابية. وأخيرا يبرز هاجس الخوف لدي الولاياتالمتحدةالأمريكية، النابع من خبراتها في التعامل مع الثورة الإيرانية، بحيث تخشي تبني القواعد الشعبية المؤيدة للجماعة نهجا معاديا لها، في حال إدانتها رسميا بالإرهاب. ويمكن تفسير مشروع القرار الأخير في ضوء الإطار الفكري المتشدد للجمهوريين القائم علي الربط بين الإسلام والعمليات الإرهابية علي نحو ما تجلي في تصريحات دونالد ترامب المعادية للمسلمين من قبل دونالد ترامب ".