التقصير المصرى أطلق يد إسرائيل فى دول حوض النيل - نظرية المؤامرة بريئة من توتر العلاقات بين القاهرةوالخرطوم - الخرطوم تدعم إثيوبيا فى قضية «سد النهضة» تملقا للغرب وكوسيلة ضغط على مصر من أجل «حلايب وشلاتين» - افتتاح طريق القسطل بين البلدين خطوة فى طريق الألف ميل - 220 مليون فدان تملكها السودان قابلة للزراعة كفيلة بحل الأزمة الغذائية فى مصر والعالم العربي - دمرنا شركات عديدة كانت تسوق إنتاجها فى إفريقيا ففقدنا علاقاتنا بدول القارة لا يمكن اختزال العلاقة بين مصر والسودان فى مجرد جوار جغرافى والاشتراك فى ممر مائى واحد، فهناك تاريخ مشترك وتلاحم شعبى نما عبر عصور طوال. حتى إن ظهرت على السطح العديد من القضايا التى يبدو أنها عكرت صفو تلك العلاقات ..فهى قد تبدو مجرد زوبعة فى فنجان، لكن هذا لا ينفى ضرورة وجود محاولات جادة من أجل التوصل إلى حلول ترضى الطرفين لاسيما فيما يخص قضية سد النهضة فهي من أهم وأخطر المشاكل التى لا يمكن التغافل عنها، لأنها تمثل قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر . هذا ما أكده سفير مصر السابق فى السودان محمد الشاذلى خلال حواره معنا حول التاريخ المصرى السودانى المشترك وأهم القضايا التى تشغل البلدين حاليا .. وذلك عبر السطور التالية: كيف تقيم العلاقات المصرية - السودانية تاريخيا؟ هى علاقات مركبة ولها بعد تاريخى، ولا ننس أن الدولتين كانتا حتى عام 1965 دولة واحدة. ناهيك عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التى تربط البلدين عبر عصور وفى الوقت الحالى لا أرى أن العلاقات من الناحية السياسية على المستوى المطلوب والملائم لعراقة العلاقات، وأكثر ما يقلقنى هو موقف السودان تجاه سد النهضة، فهى لا تقف معنا موقف الصديق رغم أنها قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر. أشرت أكثر من مرة إلى أن السودان هو المنقذ لمصر من الأزمة الغذائية ..كيف ترى السبيل إلى تحقيق ذلك؟ السودان ليس المنقذ الغذائى لمصر وحدها. بل هى السلة الغذائية للعالم العربي كله، فتوفير الغذاء يمثل أضعف حلقة لدى الشعوب العربية، لاسيما أنهم يستوردون 70% مما يحتاجون إليه .فى حين يمكنهم الاستفادة من ثروات السودان من الأراضى الخصبة والثروة الحيوانية. إذ يوجد بها 150مليون رأس ماشية، وهو ما يكفى حاجة العالم العربى كله ويزيد. أما عن الأراضى الزراعية، فيوجد بالسودان 220 مليون فدان قابلة للزراعة، لو استغلتها مصر، ستنعم البلدان بخير لا يمكن أن نتخيله، لكن السودان تحتاج إلى بنية تحتية لدعم الزراعة مثل إنشاء محطات رفع مياه وطرق وصوامع للتخزين وسكك حديد للنقل وأثناء حكم النميرى، تأسست شركة للتكامل الزراعى المصرى السودانى للاستفادة من 170 ألف فدان وحتى الآن لم يزرع منها سوى خمسة آلاف، لأن هذه الأراضى فى منطقة مائية على الحدود الإثيوبية لا توجد بها طرق وعند نزول الأمطار يصعب الوصول إليها لذلك إذا رغبنا فى العمل بالسودان بشكل جدى نحتاج إلى شركات عملاقة فى كل المجالات لدعم هذا الوجود المصرى ولا يكفى شراء أراض فقط لأنه مشروع غير قابل للتطبيق . من الواضح أن العلاقات بين مصر والسودان غير متوافقة فى الوقت الحالى ..فكيف يمكن تحقيق هذا التعاون الزراعى؟ العلاقة بين البلدين يحميها التاريخ الطويل بينهما. فضلا عن مشاعر الحب القوية بين الشعبين ولكن المشكلة تكمن في عدم تقدير الموقف بشكل جاد، لذا يجب أن يكون هناك جهد إعلامى وثقافى واقتصادى لدعم البلدين، لأن الجهود التى تبذل وبصفة خاصة من مصر ليست على المستوى المطلوب .فأين زيارات وزراء الزراعة والثقافة والإعلام إلى الخرطوم لتدعيم العلاقات بين البلدين! فأثناء وجودى فى الخرطوم قام وزير الزراعة المصرى بزيارة للسودان فإذا بوزير الزراعة السودانى يخبرنى أنها الزيارة الأولى لوزير زراعة مصرى منذ نحو عشرين عاما. ولم هذا الجفاء فى رأيك؟ ظلت مصر لسنوات طوال تعطى الأولوية للعلاقات المصرية مع دول الشمال دون الجنوب. ونحن الآن ندفع ثمن ذلك رغم أهمية هذه العلاقات مع الدول الإفريقية بشكل عام . وكيف ترى رد الفعل السودانى؟ هناك من يروج لفكرة أننا نتعالى على السودان وهذه النظرة تحتاج إلى جهد مصرى للقضاء عليها. وللأسف نحن فى مصر ندعم هذه الرؤية لا سيما إعلاميا، برغم أنه أثناء حرب الاستنزاف كانت هناك قوة سودانية تقاتل على قناة السويس، هذا فضلا عن إرسالنا طلاب الكلية الحربية إلى الخرطوم خلال هذه الفترة. بالإضافة إلى وجود المئات من مهندسى الرى المصريين عملوا هناك وغيرهم من الطلاب السودانيين يدرسون فى مصر، لذا فالعلاقات مترابطة ولكن هناك أمورا بسيطة نسىء بها للسودانيين. على سبيل المثال كانت الإذاعة المصرية تبث محطة إذاعية بعنوان «ركن السودان» كان لها تأثير كبير على الإخوة السودانيين. ولكن لبعض القرارات غير المدروسة تم إلغاؤها ففقدنا الكثير من روابط التواصل بيننا وبينهم . ولماذا تجدد الحديث عن حلايب والشلاتين الآن من الجانب السودانى؟ الكلام عن حلايب والشلاتين قديم، والرئيس السودانى يكرره دائما، فكلما اشتد عليه الضغط الخارجى، ارتفعت وتيرة المزايدات الداخلية حتى يعمل على تعبئة الرأى العام الداخلى . رئيس الجمهورية كان فى زيارة قريبة للسودان.. لم لم يطرح هذا الموضوع للنقاش؟ هذه مشاكل عميقة من الصعب أن تحل فى زيارة واحدة وتحتاج إلى جهد إعلامى وثقافى وفنى واقتصادى وتعليمى. وما أهم نتائج الزيارة؟ افتتاح طريق القسطل بين البلدين وهو مجرد خطوة فى مشوار الألف ميل. ما الذى تنتظره مصر من الحكومة السودانية على طريق تحسين العلاقات بين البلدين ؟ نحتاج إلى موقف واضح وإيجابى تجاه قضية سد النهضة، هذا فضلا عن التكامل فى المجال الزراعى والأمن الغذائى والمجال الأمنى لمنع عبور عناصر غير مرغوب فيها عبر الحدود، وهذا الأمر تحديدا لصالح البلدين . بم تفسر التعنت السودانى تجاه سد النهضة؟ مصر الدولة الوحيدة التى تقوم 80% من الحياة فيها على نهر النيل. بينما تعيش سائر دول حوض النيل ومنها السودان على مياه المطر، أعتقد أن الخرطوم تناور بتحالفها مع إثيوبيا لكسب أرضية لدى الغرب، وهذا للأسف قصر نظر شديد، لأن العالم الغربى أخذ موقفا شديدا من السودان بسبب البشير، وما يحدث فى دارفور وجنوب السودان. وبالتالى أمن السودان متعلق بأمن مصر وليس العكس . من جانب آخر تستغل الخرطوم سد النهضة كورقة ضغط للتأثير على مصر فى العديد من القضايا ومن بينها حلايب والشلاتين . لكن عليها أن تدرك أن قضية المياه موضوع حيوى لمصر لا يحتمل اللعب فيه بأى شكل من الأشكال. وفى النهاية إذا ازداد الوضع سوءا بما يسىء للعلاقات بين البلدين، ستجد الخرطوم نفسها بعد فترة بلا صديق. فإثيوبيا لن تكون حليفا لها لأن لها هى الأخرى أطماعا فى السودان. كما أنها دعمت كل الحركات المعادية لها خصوصا أثناء حربها مع الجنوب . يلاحظ أن علاقات مصر بشمال السودان أكثر منها توطدا عن جنوبها؟ منذ الانفصال، وهناك علاقات قوية مع الجنوب فمصر تقوم بالعديد من المشروعات وقدمنا لهم بعض المنح. والآن للأسف الجنوب دخل فى دوامة من العنف، فعندما انفصل الجنوب كانت ذريعته أن شمال السودان يعاملهم على أنهم أفارقة وينظرون إليهم نظرة عنصرية، لكن بعد الانفصال نرى الجنوب يلجأ إلى التعاون مع إسرائيل، بل سعى لعمل سفارة فى القدس، وهو ما يدعونا إلى التساؤل: كيف تشكو من العنصرية وتتعاون مع الدولة الأكثر عنصرية فى العالم! هذا فضلا عن أن الخلافات الحالية بين سلفاكير ومشار أساسها عنصرى، لأن الأول من قبيلة الدنكا، والثانى من نوير، وكلاهما يحارب الآخر على أساس قبلى. هل يمكن أن يكون لمصر دور سياسى لإيقاف هذه الصراعات؟ الدور لن يتأتى إلا إذا توفرت إرادة الفرقاء، وطالما ليست لديهم الرغبة للمصالحة، لن يصلح أى تدخل ونحن حاليا على اتصال مع كلا الطرفين ولكننا ننتظر . ألا تتفق معى أن إسرائيل أطلقت يدها فى دول حوض النيل لا سيما إثيوبيا؟ مما لاشك فيه أن هذا حدث بسبب تقصير من مصر. وللأسف ما يتردد حاليا عن وجود خبراء رى من إسرائيل يسهمون فى بناء سد النهضة موضوع مثير للسخرية، لأن إسرائيل لم تبن أبدا سدا مقارنة بتاريخ مصر الطويل فى مجال الرى وصناعة السدود، كان من الضرورى أن نكون نحن الرواد فيها. والكارثة الأكبر هى لجوء الدول الثلاث إلى شركات استشارية خارجية لتحديد مصير حياة الدول بعد بناء السد . هل الوضع المتوتر بين مصر والسودان يعود لضغوط سياسية خارجية؟ هناك خلل ما فى الفكر السياسى لدى القادة السودانيين وأنا ضد أى اتهام بأن الخارج يقف خلف هذا الوضع. هل ترى أن توتر العلاقات السياسية بين البلدين انتقل تأثيره إلى الشعبين؟ الجفوة بين الحكومات من الممكن أن تزول عندما تتغير الحكومات، ولكن يجب الحفاظ على المودة بين الشعوب. المشكلة أننا أحرقنا كل الأدوات اللازمة لإقامة علاقات مع دول إفريقيا. فدمرنا شركة النصر للسيارات وشركة الكراكات والشركة العربية للملاحة، وجميعها كان يتم تسويق إنتاجها فى القارة السمراء . هل تكرار مشاكل الصيادين يعود إلى توتر العلاقات؟ فى الكثير من الأحيان يتخذ موضوع القبض عليهم كورقة ضغط للحصول على بعض الصلاحيات، وهناك أشياء تقنن دوليا، ولكن بشكل عام كل ذلك نتيجة لتوتر العلاقات بين البلدين.