مدبولي: نرحب بأي نقد موجه للأداء الحكومي.. وهناك من يتعمد اختلاق وقائع كاذبة    بروتوكول تعاون مُشترك بين غرفتي القاهرة والعربية البرازيلية    آخر تطورات سعر جرام الذهب بالصاغة اليوم الأحد    مساعد الرئيس الروسي: موسكو وواشنطن تعملان على صياغة ورقة واضحة البنود حول أوكرانيا    شوط أول سلبي بين برايتون ووست هام في الدوري الإنجليزي    بعد تألقه في كأس العرب .. توروب يتمسك بالتعاقد مع حامد حمدان نجم بتروجت فى ميركاتو الأهلى الشتوى    الحكومة تعلن عن منصة ذكاء اصطناعي جديدة لكشف الأخبار المفبركة خلال ثوان    مي عمر تكشف تفاصيل مسلسلها الجديد "الست موناليزا" في رمضان 2026    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    وزير الصحة: فيروس الأنفلونزا المنتشر هو «H1N1» ولا داعٍ للقلق    نائب وزير الصحة: لا يوجد متحورات جديدة لفيروس كورونا في مصر    منافس بيراميدز المحتمل - وصول بعثة فلامنجو إلى قطر لمواجهة كروز أزول    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    محافظة الجيزة: فتح حارة مرورية مغلقة بشارع البحر الأعظم تمهيدًا لفتح الطريق بالكامل    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    استشهاد طفلة فلسطينية بنيران جيش الاحتلال في مواصي رفح    مؤسستا ساويرس وعبلة للفنون تجددان شراكتهما لدعم المواهب المصرية الشابة    مى عمر: محمد سامى صاحبى والجمهور بيقف فى ضهرى لما بتحارب    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    الرقابة المالية تلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في وثائق صناديق الاستثمار المفتوحة بالأسهم    جمعية مرضى الكبد تنظم قافلة طبية للكشف المبكر عن أورام الكبد بأشمون الرمان    كشف ملابسات قيام جمعية خيرية بتوزيع رشاوى انتخابية على مواطنين بمصر القديمة    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    هيمنة عسكرية روسية.. الجيش الروسي يتحرك ويستهدف منشآت طاقة أوكرانية    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    حمزة عبدالكريم يقترب من برشلونة علي حساب البايرن وميلان .. اعرف الأسباب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    واحد من الناس يكشف كواليس أعمال الشريعي الموسيقي وسر خلافه مع الابنودي.. اليوم وغد    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية .. اعرف التفاصيل    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 70 ألفا و360 شهيدا    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    مرض غامض يمنع الشيخ طه الفشن من الكلام.. اعرف الحكاية    صادرات الغزل والمنسوجات تقترب من المليار دولار حتى أكتوبر 2025    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    خبر في الجول - عمر فرج يقرر فسخ تعاقده مع الزمالك    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    صحة سوهاج تتابع الانضباط وجودة الخدمات الطبية بمستشفى العسيرات المركزي    مصرع شابين وإصابة ثالث في تصادم مروع ببني سويف    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    محمد السيد يتوج بذهبية كأس العالم للسلاح بعد اكتساحه لاعب إسرائيل 15-5    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    23 ديسمبر، انطلاق المؤتمر الدولي الأول لتجارة عين شمس "الابتكار والتكنولوجيا المالية"    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    الأحد 7 ديسمبر 2025.. استقرار عام بأسعار أعلاف الدواجن مع تفاوت طفيف بين الشركات في أسوان    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنذر استقالات «نداء تونس» وفتح ملفات الاغتيالات السياسية بقرب غرق سفينة الحكم؟
نشر في الأهرام العربي يوم 24 - 11 - 2015

تولدت حالة الصراع والتوتر والتنافس الخفى منذ أشهر قليلة بين الدستوريين واليساريين بسبب خلافات داخلية
- العملية السياسية في تونس تسير بخطى متعثّرة وعملاقة في نفس الوقت
تأتي الرياح دائما بما لا تشتهي السفن، فما يسود في تونس من غموض أمني وسياسي أخيراً، نتيجة عودة الحديث عن سلسلة الاغتيالات السابقة التي عانت منها البلاد، وأخرى محتملة قد تحصل قريبا. وجاءت حادثة محاولة اغتيال النائب عن حزب «نداء تونس»، الحزب الحاكم في البلاد، رضا شرف الدين رئيس نادي النجم الساحلي، الأسبوع الماضي، على الرغم من رفع حالة الطوارئ، لتغذي حالة القلق العام، وتطرح مزيدا من التساؤلات حول هوية الأطراف التي تحاول النيل من استقرارالبلاد. كل ذلك أسهم بشكل أو بآخر في إفساد فرحة التونسيين بحصولهم علي جائزة نوبل، والتي جاءت بمثابة إقرار بنجاح الخيارات السياسية في تونس، وهي وإن كانت ممنوحة للمنظمات الأربع التي أسهمت في رعاية الحوارالوطني، فإنها في الحقيقة تكريم للشعب التونسي في مجمله.
ربما كانت الثورة التونسية، أحد أكثر التحولات السياسية نجاحا في المنطقة العربية، ولم يكن لهذا النجاح ليتحقق، لولا عوامل كثيرة أسهمت في صناعة المشهد السياسي، ومجاوزة جملة من الصعوبات، وحالات الارتداد التي عرفها المسار الانتقالي في البلاد. ما جرى في تونس من خطوات فعلية نحو ترسيخ شكل ديمقراطي للممارسة السياسية في البلاد، وعلى الرغم مما بذلته وتبذله الدول الداعمة للثورات المضادة، وامتداداتها المحلية من جهد للالتفاف على هذا المسار، فإنه يمكننا القول، إنه كان صعبا استنساخ النماذج الانقلابية وتعميم الفوضى ونقلها إلى تونس، لعوامل كثيرة، أقلها الخصوصيات التي تميز البنية المجتمعية، والهيكل السياسي القائم في كل بلد، والملابسات الداخلية والتجاذبات الإيديولوجية التي تتشكل من خلالها المجتمعات.
وكان الإعلامي معز بن غربية (مذيع ومنتج تليفزيوني تونسي، كان يقدم برنامج التاسعة مساء في التونسية ومالك شركة «في برود» للإنتاج. وهومواليد مدينة بنزرت. وفي عام 2015 أصبح مالك قناة التاسعة وهي قناته الخاصة الجديدة و لقيت الكثير من الترحيب من قبل التونسيين)، هدد بكشف حقيقة اغتيال كل من شكري بلعيد والبراهمي وفوزي بن مراد وطارق المكي وسقراط الشارني. وبأن المحرضين علي القتل، موجودون اليوم داخل البلاد في أحزاب سياسية، كما يأكد بأن لديه جميع المعطيات والأسماء وأرقام الهواتف.
فقد فاجأ الجميع، عندما أعلن من سويسرا، أنه يملك معلومات عن أهم الجرائم المدفونة في الصندوق الأسود، ومن بينها تصفية كل من زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين، شكري بلعيد والنائب عن حزب «التيار الشعبي»، محمد البراهمي، مؤكداً، في الوقت نفسه أنه كان مستهدفاً خلال الأيام الأخيرة. وانتقد بن غربية، الحكومة ووزارة الداخلية اللتين لم تأخذا كلامه على محمل الجد، إذ تم إطلاق سراح الأشخاص الليبيين الثلاثة الذين توجهت إليهم شكوك بن غربية. وذكر أيضا، أن المعلومات التي تخص اغتيال بلعيد، والتي أثارت غضبا شعبيا واسعا في الثاني من فبراير 2012 الماضي، وحتى اليوم مازالت مجهولة، بالإضافة إلى شخصيات سياسية أخرى مثل النائب محمد البراهمي، الذي اغتيل في25 يوليو 2013 الماضي، والمحامي فوزي بن مراد، الذي توفي إثر سكتة قلبية، والسياسي طارق المكي، توفي أيضا إثر سكتة قلبية، والأمني سقراط الشارني، الذي قتل من قبل جماعة إرهابية.
وتابع، أن تبرئة الليبيين الذين حاولوا اغتياله الأسبوع الماضي، هو إجراء مشبوه، مضيفا أنه حصل بطرقه على أرقام الليبيين الثلاثة المتورطين في محاولة اغتياله، والاتصالات التي قاموا بها مع العديد من الأطراف من تونس ومن مخابرات أجنبية. وأشار إلى أيادي مافيا السياسة والمال التي تسيطر على البلاد، وأنه سينشر فيديو جديدا في حالة تواصلت التهديدات ضده، وسيوضح من خلاله كل المعطيات بالأسماء والأرقام، عن الأطراف المتورطة في عمليات الاغتيال في تونس.
هذه التصريحات فجرت جدلا إعلاميا وسياسيا واسعا، وتتواصل تداعياتها ويتم ترويجها في مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية، المحلية منها والعربية. وسط دعوات للحكومة وتحديدا للنائب العام، بفتح تحقيق عاجل حول ما ورد في الفيديو، باعتبار أنها يمكن أن تؤثر على الوضع التونسي المتسم بحالة من التوتر، على خلفية العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد أخيرا.
يأتي كل ذلك، وسط تصاعد حدة الصراعات داخل حزب «نداء تونس»، وتبادل الاتهامات بين جناحيه الرئيسيين، كما جاءت استقالة الوزير لزهر العكرمي، المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، لتزيد من حدة الأجواء السائدة. ولا يعود ذلك فقط إلى الحديث عن انتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة، وإنما الكشف أيضا عن عدم رضا جزء من قيادات الحزب الحاكم، عن أداء حكومة الحبيب الصيد. فاللمرة الأولى يظهر التصدع السياسي بهذا الوضوح، في الحزب الحاكم في البلاد، فقد أثارت استقالة 32 نائباً برلمانياً من الحزب، الذي يتمتع بأغلبية برلمانية ويقود الائتلاف الحكومي في البلاد، جدلا سياسيا لم يهدأ، وسط مخاوف من تفكك الحزب. تأتي الاستقالة الجماعية «ردا على المحاولات المتكررة لمجموعة تحاول فرض سلطتها على هياكله، وهو أمر مرفوض كليا» بحسب تصريح بشرى بلحاج النائبة البرلمانية المستقيلة من « النداء»، في إشارة إلى حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي، الذي يقود المعسكر المعارض للأمانة العامة للحزب بزعامة محسن المرزوقي.
وتولدت حالة الصراع والتوتر والتنافس الخفي منذ أشهر قليلة، بين الدستوريين واليساريين، بسبب خلافات داخلية تعلق بعضها بالهيكل التنظيمي «للنداء»، التي يرى أعضاء المكتب السياسي، أنها من مهام القيادة السياسية، وليس من حق نجل رئيس الدولة وضع يده عليها أوعقد اجتماعات باسمها. وكان حافظ السبسي، قد صرح إثر صعود محسن مرزوق للأمانة العامة، بعدم قانونية المكتب السياسي وطالب بحله وإلغائه. وفي آخر تصريحاته قال السبسي الابن، «من الناحية القانونية يعد المكتب السياسي كأنه منحل وملغى باعتبار التفويض الذي تأسس بموجبه مشروطا من حيث الموضوع، وبضرورة تنظيمه المؤتمر، مبينا أن المكتب ابتعد كليا عن إطارات الحركة وقواعدها»، كما نفى السبسي الابن، أي خلاف داخل «النداء» بقوله: «لا يوجد صراع بالمعنى السائد للكلمة، ولكن هناك تباينا في المواقف بسبب عجز المكتب السياسي على القيام بوظيفته»، ويرى سياسيون ومحللون، أن الرغبة الشديدة في الخلافة وملىء الفراغ، الذي يحدث في قصر قرطاج، أصبحت دافعا يشجع قيادات «النداء»، على الاستفراد بسلطة القرار في الحزب والاستيلاء على مفاصل القوة فيه، من أجل التمكن من السلطة التي يرى أنصار نجل الرئيس أن المكتب السياسي، قد فرط فيها من خلال تنازله عن تشكيل الحكومة، وابتعاده عن الوعود التي قطعها لناخبيه.
إن فهم حقيقة ما يحدث داخل حزب «نداء تونس»، مدخل ضروري لفهم الوضع السياسي الوطني ومآلاته المرتقبة. فالأزمة المعلنة داخل الحزب الأكبر في الائتلاف الحاكم، هي الآن بصدد رسم ملامح مستقبل المشهد الحزبي، ومستقبل التوازنات السياسية التي تمخّضت عنها أوّل انتخابات تشريعية ورئاسية في تاريخ البلاد الحديث، ومستقبل مؤسسات الحكم الوليدة (رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان)، والأهم من هذا كله مستقبل علاقة المجتمع بالدولة والديمقراطية الجديدة والسياسة عموما.
العملية السياسية في تونس، تسير بخطى متعثّرة وعملاقة في نفس الوقت. فبعد ثورة «نموذج» في السلمية والامتداد الشعبي والوطني (شملت كل طبقات المجتمع وجهات البلاد)، نجحت البلاد في إنجاز دستور يؤطّر العملية الديمقراطية، برغم عمق الانقسامات الاجتماعية والجهوية والإيديولوجية، وبرغم حدّة التجاذبات السياسية بين مشاريع لها امتداداتها ورهاناتها الإقليمية والدولية. ونجحت في إنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية، بعد إشرافها على هاوية الفوضى ودخول عامل «الإرهاب» أو»العنف السياسي»، كفاعل أساسي ورئيسي محليا وإقليميا ودوليا، وفي هذا السياق التأسيسي الهشّ والملغوم، ها هو الحزب الأكبر في تونس، يمرّ بتحوّلات حقيقية، ستترك حتما آثارها على مستقبل السياسة في البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.