السيسي يصدَّق على قانونين بشأن مجلسي النواب والشيوخ    1.71 تريليون جنيه ارتفاعا في صافي الأصول المحلية للقطاع المصرفي خلال 8 أشهر    تموين كفر الشيخ: توريد 261 ألف طن قمح حتى الآن    انطلاق المرحلة الثانية من الموجة 26 لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالمنيا    عمدة لوس أنجلوس تتهم إدارة ترامب باستخدام المدينة كحقل تجارب    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء جديدة لمناطق بشمال غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 102 طائرة مسيرة أوكرانية خلال فترة الليل    شوبير: ركلات ترجيح الأهلي وباتشوكا «ترفيهية»    المنوفية ترفع درجة الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة    الأرصاد: ارتفاع درجات الحرارة على أغلب مناطق الجمهورية حتى منتصف الأسبوع المقبل    رئيس بعثة الحج الرسمية يعلن موعد بدء تفويج حجاج القرعة من مكة المكرمة للمدينة المنورة    الحزن يخيم على بني زيد بأسيوط بعد غرق 5 أشخاص في النيل    السجن 3 سنوات للمتهم بإطلاق النار على مواطن وإصابته بالمقطم    بعد انضمام المشروع X.. ترتيب جديد لقائمة الأفلام الأعلى إيرادا في تاريخ السينما المصرية    أسماء جلال تنشر صورا جديدة لها من حفل زفاف أمينة خليل باليونان    «مش بتتنازل بسهولة».. 4 أبراج عنيدة يصعب إقناعهم    أجواء مبهجة وتزاحم جماهيري احتفالاً بعيد الأضحى المبارك ب"ثقافة الشرقية"    الصحة: استحداث عدد من الخدمات الطبية النوعية بمستشفيات التأمين الصحي خلال العقد الأخير    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في تصفيات كأس العالم 2026    رابطة الأندية تُخطر سيراميكا والبنك الأهلي باللجوء لوقت إضافي حال التعادل في نهائي كأس العاصمة    أبو مازن ل ماكرون: نؤيد نزع سلاح الفصائل الفلسطينية واستبعادها من حكم غزة    مباريات اليوم.. ختام المرحلة الثالثة بتصفيات آسيا للمونديال    ارتفاع الأسهم العالمية والدولار مع تقدم المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    وزير المالية يوجه بتسهيل الإجراءات الجمركية لضيوف الرحمن    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    كندا تتعهد برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي استجابة لضغوط "الناتو"    مستوطنون يقتحمون باحات "الأقصى" بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    حريق محدود في مخزن مواد غذائية بقسم أول سوهاج دون إصابات    كوارث الانقلاب اليومية ..إصابة 33 شخصا بتسمم غذائي بالمنيا وسقوط تروسيكل فى مياه النيل بأسيوط    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 2200 قضية «سرقة كهرباء وظواهر سلبية» خلال 24 ساعة    وزير الإسكان يتابع مشروعات المرافق بالعبور الجديدة والأراضي المضافة لها    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    الدبيس: أتمنى المشاركة أساسيا مع الأهلي في كأس العالم للأندية    في أولي حفلاته بعد الحج.. أحمد سعد يوجه رسالة لجمهوره| صور    10 يوليو.. بتر شو Better Show يعود بعرض "السنجة" على مسرح نهاد صليحة    اعلام إسرائيلي: ناشطو السفينة مادلين قيد الاعتقال في سجن الرملة    رئيس صندوق المأذونين الشرعيين يفجر مفاجأة حول زواج المصابين بمتلازمة داون    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    حسام عبد المجيد يخطر الزمالك بالاحتراف والنادى يخطط لمنع انتقاله للأهلى    محافظ أسيوط يشهد انطلاق تقنية طبية جديدة بوحدة المناظير بمستشفى المبرة    انتشار سريع وتحذيرات دولية.. ماذا تعرف عن متحور "نيمبوس"؟|فيديو    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية في حفلات عيد الأضحي 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    الخارجية الإيرانية: الجولة المقبلة من المحادثات مع واشنطن تُعقد الأحد في سلطنة عُمان    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنذر استقالات «نداء تونس» وفتح ملفات الاغتيالات السياسية بقرب غرق سفينة الحكم؟
نشر في الأهرام العربي يوم 24 - 11 - 2015

تولدت حالة الصراع والتوتر والتنافس الخفى منذ أشهر قليلة بين الدستوريين واليساريين بسبب خلافات داخلية
- العملية السياسية في تونس تسير بخطى متعثّرة وعملاقة في نفس الوقت
تأتي الرياح دائما بما لا تشتهي السفن، فما يسود في تونس من غموض أمني وسياسي أخيراً، نتيجة عودة الحديث عن سلسلة الاغتيالات السابقة التي عانت منها البلاد، وأخرى محتملة قد تحصل قريبا. وجاءت حادثة محاولة اغتيال النائب عن حزب «نداء تونس»، الحزب الحاكم في البلاد، رضا شرف الدين رئيس نادي النجم الساحلي، الأسبوع الماضي، على الرغم من رفع حالة الطوارئ، لتغذي حالة القلق العام، وتطرح مزيدا من التساؤلات حول هوية الأطراف التي تحاول النيل من استقرارالبلاد. كل ذلك أسهم بشكل أو بآخر في إفساد فرحة التونسيين بحصولهم علي جائزة نوبل، والتي جاءت بمثابة إقرار بنجاح الخيارات السياسية في تونس، وهي وإن كانت ممنوحة للمنظمات الأربع التي أسهمت في رعاية الحوارالوطني، فإنها في الحقيقة تكريم للشعب التونسي في مجمله.
ربما كانت الثورة التونسية، أحد أكثر التحولات السياسية نجاحا في المنطقة العربية، ولم يكن لهذا النجاح ليتحقق، لولا عوامل كثيرة أسهمت في صناعة المشهد السياسي، ومجاوزة جملة من الصعوبات، وحالات الارتداد التي عرفها المسار الانتقالي في البلاد. ما جرى في تونس من خطوات فعلية نحو ترسيخ شكل ديمقراطي للممارسة السياسية في البلاد، وعلى الرغم مما بذلته وتبذله الدول الداعمة للثورات المضادة، وامتداداتها المحلية من جهد للالتفاف على هذا المسار، فإنه يمكننا القول، إنه كان صعبا استنساخ النماذج الانقلابية وتعميم الفوضى ونقلها إلى تونس، لعوامل كثيرة، أقلها الخصوصيات التي تميز البنية المجتمعية، والهيكل السياسي القائم في كل بلد، والملابسات الداخلية والتجاذبات الإيديولوجية التي تتشكل من خلالها المجتمعات.
وكان الإعلامي معز بن غربية (مذيع ومنتج تليفزيوني تونسي، كان يقدم برنامج التاسعة مساء في التونسية ومالك شركة «في برود» للإنتاج. وهومواليد مدينة بنزرت. وفي عام 2015 أصبح مالك قناة التاسعة وهي قناته الخاصة الجديدة و لقيت الكثير من الترحيب من قبل التونسيين)، هدد بكشف حقيقة اغتيال كل من شكري بلعيد والبراهمي وفوزي بن مراد وطارق المكي وسقراط الشارني. وبأن المحرضين علي القتل، موجودون اليوم داخل البلاد في أحزاب سياسية، كما يأكد بأن لديه جميع المعطيات والأسماء وأرقام الهواتف.
فقد فاجأ الجميع، عندما أعلن من سويسرا، أنه يملك معلومات عن أهم الجرائم المدفونة في الصندوق الأسود، ومن بينها تصفية كل من زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين، شكري بلعيد والنائب عن حزب «التيار الشعبي»، محمد البراهمي، مؤكداً، في الوقت نفسه أنه كان مستهدفاً خلال الأيام الأخيرة. وانتقد بن غربية، الحكومة ووزارة الداخلية اللتين لم تأخذا كلامه على محمل الجد، إذ تم إطلاق سراح الأشخاص الليبيين الثلاثة الذين توجهت إليهم شكوك بن غربية. وذكر أيضا، أن المعلومات التي تخص اغتيال بلعيد، والتي أثارت غضبا شعبيا واسعا في الثاني من فبراير 2012 الماضي، وحتى اليوم مازالت مجهولة، بالإضافة إلى شخصيات سياسية أخرى مثل النائب محمد البراهمي، الذي اغتيل في25 يوليو 2013 الماضي، والمحامي فوزي بن مراد، الذي توفي إثر سكتة قلبية، والسياسي طارق المكي، توفي أيضا إثر سكتة قلبية، والأمني سقراط الشارني، الذي قتل من قبل جماعة إرهابية.
وتابع، أن تبرئة الليبيين الذين حاولوا اغتياله الأسبوع الماضي، هو إجراء مشبوه، مضيفا أنه حصل بطرقه على أرقام الليبيين الثلاثة المتورطين في محاولة اغتياله، والاتصالات التي قاموا بها مع العديد من الأطراف من تونس ومن مخابرات أجنبية. وأشار إلى أيادي مافيا السياسة والمال التي تسيطر على البلاد، وأنه سينشر فيديو جديدا في حالة تواصلت التهديدات ضده، وسيوضح من خلاله كل المعطيات بالأسماء والأرقام، عن الأطراف المتورطة في عمليات الاغتيال في تونس.
هذه التصريحات فجرت جدلا إعلاميا وسياسيا واسعا، وتتواصل تداعياتها ويتم ترويجها في مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية، المحلية منها والعربية. وسط دعوات للحكومة وتحديدا للنائب العام، بفتح تحقيق عاجل حول ما ورد في الفيديو، باعتبار أنها يمكن أن تؤثر على الوضع التونسي المتسم بحالة من التوتر، على خلفية العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد أخيرا.
يأتي كل ذلك، وسط تصاعد حدة الصراعات داخل حزب «نداء تونس»، وتبادل الاتهامات بين جناحيه الرئيسيين، كما جاءت استقالة الوزير لزهر العكرمي، المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، لتزيد من حدة الأجواء السائدة. ولا يعود ذلك فقط إلى الحديث عن انتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة، وإنما الكشف أيضا عن عدم رضا جزء من قيادات الحزب الحاكم، عن أداء حكومة الحبيب الصيد. فاللمرة الأولى يظهر التصدع السياسي بهذا الوضوح، في الحزب الحاكم في البلاد، فقد أثارت استقالة 32 نائباً برلمانياً من الحزب، الذي يتمتع بأغلبية برلمانية ويقود الائتلاف الحكومي في البلاد، جدلا سياسيا لم يهدأ، وسط مخاوف من تفكك الحزب. تأتي الاستقالة الجماعية «ردا على المحاولات المتكررة لمجموعة تحاول فرض سلطتها على هياكله، وهو أمر مرفوض كليا» بحسب تصريح بشرى بلحاج النائبة البرلمانية المستقيلة من « النداء»، في إشارة إلى حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي، الذي يقود المعسكر المعارض للأمانة العامة للحزب بزعامة محسن المرزوقي.
وتولدت حالة الصراع والتوتر والتنافس الخفي منذ أشهر قليلة، بين الدستوريين واليساريين، بسبب خلافات داخلية تعلق بعضها بالهيكل التنظيمي «للنداء»، التي يرى أعضاء المكتب السياسي، أنها من مهام القيادة السياسية، وليس من حق نجل رئيس الدولة وضع يده عليها أوعقد اجتماعات باسمها. وكان حافظ السبسي، قد صرح إثر صعود محسن مرزوق للأمانة العامة، بعدم قانونية المكتب السياسي وطالب بحله وإلغائه. وفي آخر تصريحاته قال السبسي الابن، «من الناحية القانونية يعد المكتب السياسي كأنه منحل وملغى باعتبار التفويض الذي تأسس بموجبه مشروطا من حيث الموضوع، وبضرورة تنظيمه المؤتمر، مبينا أن المكتب ابتعد كليا عن إطارات الحركة وقواعدها»، كما نفى السبسي الابن، أي خلاف داخل «النداء» بقوله: «لا يوجد صراع بالمعنى السائد للكلمة، ولكن هناك تباينا في المواقف بسبب عجز المكتب السياسي على القيام بوظيفته»، ويرى سياسيون ومحللون، أن الرغبة الشديدة في الخلافة وملىء الفراغ، الذي يحدث في قصر قرطاج، أصبحت دافعا يشجع قيادات «النداء»، على الاستفراد بسلطة القرار في الحزب والاستيلاء على مفاصل القوة فيه، من أجل التمكن من السلطة التي يرى أنصار نجل الرئيس أن المكتب السياسي، قد فرط فيها من خلال تنازله عن تشكيل الحكومة، وابتعاده عن الوعود التي قطعها لناخبيه.
إن فهم حقيقة ما يحدث داخل حزب «نداء تونس»، مدخل ضروري لفهم الوضع السياسي الوطني ومآلاته المرتقبة. فالأزمة المعلنة داخل الحزب الأكبر في الائتلاف الحاكم، هي الآن بصدد رسم ملامح مستقبل المشهد الحزبي، ومستقبل التوازنات السياسية التي تمخّضت عنها أوّل انتخابات تشريعية ورئاسية في تاريخ البلاد الحديث، ومستقبل مؤسسات الحكم الوليدة (رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان)، والأهم من هذا كله مستقبل علاقة المجتمع بالدولة والديمقراطية الجديدة والسياسة عموما.
العملية السياسية في تونس، تسير بخطى متعثّرة وعملاقة في نفس الوقت. فبعد ثورة «نموذج» في السلمية والامتداد الشعبي والوطني (شملت كل طبقات المجتمع وجهات البلاد)، نجحت البلاد في إنجاز دستور يؤطّر العملية الديمقراطية، برغم عمق الانقسامات الاجتماعية والجهوية والإيديولوجية، وبرغم حدّة التجاذبات السياسية بين مشاريع لها امتداداتها ورهاناتها الإقليمية والدولية. ونجحت في إنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية، بعد إشرافها على هاوية الفوضى ودخول عامل «الإرهاب» أو»العنف السياسي»، كفاعل أساسي ورئيسي محليا وإقليميا ودوليا، وفي هذا السياق التأسيسي الهشّ والملغوم، ها هو الحزب الأكبر في تونس، يمرّ بتحوّلات حقيقية، ستترك حتما آثارها على مستقبل السياسة في البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.