⢴ هشام الصافورى أثارت تصريحات الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، كثيرا من السخط داخل أروقة السياسيين ورجال الأزهر، وربما داخل مؤسسة الرئاسة نفسها، وكان جمعة قد أدلى بتصريحات قال فيها إن طاعة الرئيس واجبة ومعارضته عصيان لأوامر النبى وتعاليم القرآن، وأنه على الشباب طاعة الرئيس لأن الله هو من ولاه الرئاسة وليس صندوق الانتخابات.. وأن النبى أوصى بطاعة الحاكم حتى لو كان عبدا حبشيا. «الأهرام العربى» استطلعت آراء رجال الدين والسياسة حول تلك التصريحات التى وصفها البعض بأنها تستدعى فقه الاستبداد . د. عمار على حسن، الباحث السياسى يرى أن مثل هذا الكلام لا يفيد الرئيس، لكنه يضر على جمعة، ويفقده مصداقيته، لأن الناس لم تعد تصدق مثل هذا الخطاب، ولن تنساق خلفه، وواجب الرئاسة أن تلفت انتباه الجميع من خلال الاتصالات أو البيانات الرسمية، بعدم إسناد شرعية الرئيس إلى أى مسائل دينية، لكن إذا كان هذا الكلام يعجب الرئاسة، فهذا فى حقيقة الأمر خطر شديد، لأن مثل هذا الكلام سمعناه من مشايخ أيام مبارك، فهؤلاء هم أول من تخلوا عنه حين سقط، وشتموه وسبوه . وأضاف عمار أن الشيخ على جمعة قد فقد الكثير من قيمته ومن احترامه نتيجة آرائه المتضاربة والسطحية، والتى يغازل فيها السلطة السياسية بحثا عن منصب أو شيء من هذا القبيل، والبعض يخلط ما بين اتفاقنا جميعا على ضرورة التصدى للإرهاب، وللجماعات المتأسلمة التى تستغل الدين للوصول للسلطة، وبين نفاق السلطة الحالية بأى طريقة بحثا عن منافع، والشيخ على جمعة من الناس الذين يجيدون هذا الأمر. وتابع عمار: المؤسسة الدينية اعتادت نفاق الحكام، منذ معاوية بن أبى سفيان وحتى الآن، وكثير من الفقه والآراء التى يستند إليها هؤلاء فى طاعة ولى الأمر وتبجيله وتعظيمه، والصبر على مكارهه وظلمه، مستمدة من هذه الآراء التى أنتجت فى زمن القهر والملك العضوض، وكل أسانيد الشيوخ الذين ينافقون الحكام ترجع إلى هذا التراث، وبعضهم يتحدث بهذه الطريقة الآن بحثا عن مصلحة شخصية، وتزلفا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومغازلة أنصاره ومحبيه، وإذا نظرت إلى البيانات التى أصدرتها المؤسسة الدينية فى العقود الماضية نجد أنها طالما نافقت الحكام . وأضاف عمار أن التيارات الإسلامية التى تسعى للوصول للسلطة، تنافق من يصل منها إلى السلطة شأنها شأن هؤلاء، لأن الجميع يرجع إلى منبع واحد، إلى تراث فقهى نشأ تحت عين وبصر الحكام وبتمويلهم، لتبرير كل ما فعلوه فى الزمن الأول من الارتداد على الخلافة الراشدة، والسير إلى زمن الإمبراطوريات والملك القهرى أو الجبرى، وما يحدث الآن ليس مستغربا على الإطلاق، ويجب ألا تعطى هذه الآراء قيمة، ويجب على المؤسسات الدينية أن تتنصل منها، ويجب عليها أن تبتعد عن السياسة، سواء بنفاق الحاكم أو بمعارضته، لأن معارضة الحاكم يجب أن تنبع من إرادة شعبية مدنية تقول إن سبب المعارضة لا يعود إلى علاقته بالدين، لكن بسبب أدائه السياسى وإدارته للبلاد . أما د. آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر فقد اعتبرت هذا الكلام مستفز للغاية، لأن له تاريخاً ممقوتاً لدى الناس، مضيفة أنه لابد من الابتعاد عن هذه التشبيهات التى طالما أغرقنا فيها أصحاب التيارات الإسلامية، وطالبت نصير كل العلماء والمفكرين بتجنب هذه المبالغات وعدم استدعاء الدين فى الحديث عن الرئيس السيسى، لأنه بطبيعة الحال محبوب من الناس، وليست هناك أدنى ضرورة أن نمنحه هذه الألقاب والمزايا . وأضافت أنه لابد من التعامل مع السيسى على أنه رئيس دولة إذا أصاب نقول له أصبت، وإذا أخطأ نقول له أخطأت وننتقده بشكل إيجابى لتوضيح مواطن الضعف ومواطن القوة، وعلى الجميع أن يتكلم باللغة الاجتماعية والفكرية، وليس بلغة استدعاء الآيات والأحاديث النبوية، ويجب أن نتجنب ذلك تماما إلا فى حالة التأكيد على قضية ما من المنظور الشرعى . أما الحديث عن طاعة الحاكم وعدم معارضته وعصيانه حتى لو جلد ظهرك وأخذ مالك فتقول د. آمنة نصير أن هذا هو كلام السلفيين فى فترة مبارك، وهذا ما نأخذه عليهم إلى هذا اليوم، أما إذا كانت الثورة على الحاكم ستؤدى إلى فتنة يغرق فيها المجتمع، فهنا دفع الفتنة مقدم على الإصلاح المنشود، وإذا كان الحاكم ظالما نرده عن ظلمه بكل الوسائل بعيدا عن الفتن وإراقة الدماء . من جانبه قال د. يسرى العزباوى، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات، المشكلة أن بعض الناس تفعل أشياء غير مطلوبة منها، وللأسف بعض رجال الدين يقومون بذلك أيضا. وأكد العزباوى أن مثل هذه الآراء تأتى بنتيجة عكسية والناس لا تأخذ بها على الإطلاق، بل إن هذا الكلام يشوه صورة الرئيس ويشوه صورة قائله، وبالتأكيد الرئيس السيسى لم يطلب من على جمعة أن يقول مثل هذا الكلام وبالتاكيد هو يرفض هذا الكلام، لكنه لن يخرج ليرد عن كل من يتحدث عنه بهذا الشكل، وأضاف أنه سيتم استغلال هذا الكلام من قبل المتربصين بالرئيس ومن قبل من لديهم تحفظات على حكم السيسى، وسيقولون أن الرئيس يريد ذلك وموافق عليه حتى يظل فى السلطة ، لكن الحقيقة أن هذا الكلام هو مزيد من اقحام الدين فى السياسة، وهذا عكس ما طالبت به الثورة، وهذه الآراء تكرس لحكم سلطوى، وضد أى عملية تحول ديمقراطى حقيقى، لأنه لا يوجد نظام واحد فى العالم بدون معارضه. وتابع العزباوى لو كان كلام على جمعه له سند شرعى أو دينى لما خرجنا على مبارك الذى جاء عبر صناديق الانتخاب، وشيخ الأزهر نفسه فيما بعد أحل الخروج على الحاكم اذا كان فاسدا وظالما، وهذا الكلام أيضا فيه توجيه لعملية الانتخاب وهذا أمر مرفوض، وكنا نعيب ذلك على التيار الدينى، لكن الآن التيار المدنى يمارس نفس الأساليب من استخدام الدين، وتوزيع للزيت والسكر، نحن نريد عملية إجرائية انتخابية حقيقية بعيدا عن استغلال الدين . ومن ناحيته أعرب عصام محيى الدين، أمين عام حزب "التحرير المصرى " الصوفى عن تعجبه من تصريحات د. على جمعة، لأنه كان قبل ذلك يحارب إضفاء الإخوان القدسية على قادتهم، معتبرا أن هذه التصريحات تضرب الرئيس السيسى فى مقتل، لأن مشكلة السيسى فى إعادة بناء الدولة مشكلة داخلية وخارجية، والملعب الداخلى أصبح مليئا بالعملاء، وعندما أقول إن من يعارض السيسى يعارض الرسول، أرجو أن توضح لى من المخاطب بهذا الكلام؟ هناك أربع شرائح فى المجتمع ستسمع هذا الكلام، منهم شريحتين فى المنطقة الدافئة، وشريحة متطرفة شمالا وأخرى متطرفة يمينا، فهناك من هو ضد السيسى فى المطلق ويتمنى عدم وجوده فى السلطة، ويردد دائما مقولة يسقط حكم العسكر وهى شريحة غير مؤثرة، وهناك من يقدس السيسى ولا يرى له أى أخطاء، وهناك المنطقة الوسط وفيها المثقفون والمحبون لمصر، وهم فريقين، فريق يحب السيسى ويتمنى وجوده فى السلطة، لكن حبه لمصر أكبر، وفريق لا يحب السيسى ولكن لا يرى إسقاط النظام، والمعارضة ستنشأ رضينا أم أبينا، لأننا الآن نبنى دولة ديمقراطية حديثة، وفى هذه الدولة الحديثة لا معنى لتصريحات مثل تصريحات د.على جمعة، وأعتقد أنه كان حسن النية، وقد يكون الباعث فيه قدر من الخيرية، حتى يقتل الفتنة فى مهدها، لما قد يتصوره من مؤامرات تحاك ضد مصر فى شخص السيسى، لكن بالتأكيد المعالجة خاطئة، لأن استخدام الدين أو المناصب الدينية لا يرضى الله ولا رسوله، وسقطة على جمعة أنه نزل إلى الملعب السياسى .