وفاء فراج يتميز المصريون بسمات حب الحياة، حيث تظهر جلية فى مظاهر الاحتفال والترفيه والمرح فى مناسبتهم العديدة، ومن أهم تلك المناسبات التى ينفرد بها المصريون عن غيرهم من دون العالم فى احتفالاتهم بأعياد الربيع، خصوصا أن تلك السمات ولدت مع الشخصية المصرية منذ بدء الدولة وتظهر فى تاريخهم ونقوشهم على مر العصور، وبرغم أن للربيع ويوم شم النسيم طابعا خاصا ويحتفل به الجميع، لكن يختلف المصريون أنفسهم فى شكل الاحتفال، فتتغير مظاهرالاحتفال من الصعيد للدلتا فى أشياء وتتفق فى أشياء أخرى. حيث تختلف احتفالات شم النسيم فى محافظات مدن القناة الثلاث: «السويس – الإسماعيلية – بورسعيد» عن باقى المحافظات فى بعض العادات والتقاليد التى ترتبط بتراث وتاريخ المحافظات، حيث تبرز احتفالات «السمسمية » وحرق «اللمبى» فى هذه الاحتفالات كعادات خاصة فى هذا اليوم، بينما تتشارك مدن القناة مع باقى محافظات الجمهورية فى «الفسيخ والرنجة» والتنزه بالحدائق العامة والمصايف. وقد بدأت تلك المظاهر فى مدينة بورسعيد والتى صدرتها لباقى مدن القناة خصوصا طقس حرق دمية (اللمبى) ليلة شم النسيم للاحتفال، والتى تعتبر محاكمة شعبية لكل ظالم أو جبار من خلال حرق تلك الدمية التى تطوف شوارع المدينة إلى أن يتم حرقها، وبعد ذلك تبدأ الاحتفالات على أنغام السمسمية والفرق الشعبية وحتى شروق الشمس موعد الانطلاق إلى شاطئ البحر والحدائق. ويسرد تاريخ هذه الطقوس المؤرخ البورسعيدى (ضياء الدين القاضى) قائلا: إن هذه الطقوس وصلت إلى بورسعيد مع بدء حفر قناة السويس فى 25 إبريل 1859، حيث كانت مجموعات من اليونانيين يشاركون المصريين حفر قناة السويس، وكان المصريون يشاركون اليونانيين الاحتفالات بشم النسيم، كما كانوا يشاركونهم عادة يونانية يحرقون فيها دمية مصنوعة من القش تسمى «جوادس» ترمز عندهم لإله الشر والعنف. مستكملا القصة قائلا: إنه عندما ألقى اللورد اللمبى القبض على سعد زغلول عقب اندلاع ثورة 1919 وقرر نفيه وآخرين للخارج عن طريق ميناء بورسعيد، خرج أهل المدينة لوداعه فمنعهم بوليس المحافظة بأوامر من اللمبى.. ولكن أصر الثوار البورسعيديون على العبور من الحصار بقيادة الشيخ يوسف أبو العيلة إمام الجامع التوفيقى، والقمص ديمترى يوسف، راعى كنيسة العذراء واشتبكوا مع الإنجليز وبوليس القناة وسقط يومها 7 شهداء ومئات من المصابين، وكان ذلك يوم الجمعة 21 مارس 1919 . وأضاف القاضى: أنه أعقب تلك الأحداث موسم الخماسين، فربط أهل المدينة أحداث العنف بالعادة اليونانية، فصنعوا دمية كبيرة من القش حاولوا أن تكون قريبة الشبه من اللمبى، وحاولوا حرقها واعترضهم الإنجليز، فعادوا فجر اليوم التالى وحرقوها بشارع محمد على الذى يفصل بين الحى العربى والإفرنجى (العرب والشرق حاليا)، بعد ذلك قررت بريطانيا مغادرة اللمبى إلى بلاده فى 25 يونيو 1925 من ميناء بورسعيد أيضا، وكان البورسعيدية فى انتظاره حتى يودعوه.. وبالفعل كان وداعا من نوع خاص، حيث جهز له البورسعيدية دمية كبيرة جدا مكتوبا عليها اسمه وترتدى زيه العسكرى ورتبته العسكرية، وتم حرقها وتعالت ألسنة النار لدرجة تأكيد من رافقوا اللمبى لدى وداعه بالميناء على أنه شاهدها هو وزوجته قبل مغادرته الميناء. مشيرا إلى أنه من وقتها أصبحت عادة سنوية ببورسعيد، حيث تجتهد مجموعات من الشباب وتتسابق فى الحصول على قطع الأخشاب القديمة والأقفاص الخشبية حتى تعظم من نيران حرق اللمبى، ويتجمع الأهالى فجر يوم الأحد لمشاهدة حرق اللمبى بعد الطواف به فى بعض الحوارى والشوارع الجانبية، وتتبارى كل مجموعة فى صنع أكبر دمية وزفها فى عربات كارو، وتنطلق مجموعات السمسمية والبمبوطية للرقص على الأنغام الشعبية ومواويل البطولات البورسعيدية والمقاومة الشريفة التى ضحت بحياتها فداء لوطنها.. وخلال السنوات قد تطورت العادة من حرق اللمبى إلى حرق كل طاغية يتزامن فعله الظالم بالعرب أو المسلمين فى العالم، ومنها خلال السنوات الماضية بعد ثورة يناير يتم حرق دمى لعدد من الوزراء بليمان طرة ومنهم (مبارك ونظيف والعادلى والشريف وعزمى وسرور وعز)، ودمى أخرى تمثل «مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر». ومن ناحيته طور الفكرة الفنان البورسعيدى (محسن خضير)، إلى إنشاء مسرح اللمبى الشعبى، لتكون مجسدة لأهم قضايا العام، الذى أكد أن الفكرة ترجمة لفكرة «اللمبى الشعبى» والذى يعرف باسم «الأليمبى» الذى يعلق على النوافذ وبالأخص فى الأحياء الشعبية وبيوت الخشب القديمة بحى العرب الشهير. وأشار خضير قائلاً: «جاءت الفكرة مع بداية ملاحظتى انتشار فن صناعة رءوس التماثيل الفرعونية المذهبة المنحوتة المصنوعة خشبيا بشارع الحسين، والتى تلقى إقبالا من السائحين، وبالفعل فكرت فى العمل فى هذا الفن عن طريق استخدام قطع الأخشاب المتناثرة من البيوت القديمة ثم نحتها على شكل وجه فرعونى وإدخالها فرنا لتأخذ درجة حرارة معينة ثم تغطيتها بماء الذهب. مضيفا أن فكرة مسرح اللمبى جاء مطورا للعروسة اللمبى الشعبية البدائية البسيطة من الورق وقصاقيص القماش إلى عرائس مصنعة بالحديد سهلة الطى تعلق على مسرح يحمل شكلاً للسياسة الكوميدية، التى تطرح أهم المشاكل والقضايا التى تعانى منها المحافظة وكمتنفس لأهل بورسعيد، كما تصدرت صور الزعيمين ناصر والسادات معشوقى بورسعيد المسرح الذى يروى القصة لكفاح شعب يتوسطهما صور لرموز وشهداء بورسعيد على مر العصور، بينهم جواد حسنى، كما خرجت العرائس لتحكى قصص المؤامرة والانفلات الأمنى ومشروع النهضة وغيرها مما يدور فى طرقات الشارع البورسعيدى.