منذ عشرات السنوات، اعتاد أهالى مدن القناة "الإسماعيلية وبورسعيد والسويس"، حرق دمى " اللنبى" التى تمثل شخصيات مكروهة شعبيًا فى كل عام. وتعود فكرة حرق الدمى إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، بعد أن تم استدعاء المندوب السامى البريطانى اللورد الإنجليزى " اللنبى" المسئول حينها عن القوات البريطانية فى منطقة القناة وقت الاستعمار الإنجليزى لمصر، حيث كان هذا الجنرال من أكثر المتشددين الاستعماريين فى المنطقة، واشتهر بسوء معاملته للمصريين، كما كانت سمعته تسبقه بما فعله مع أهل الشام وشيوخ القدس، عندما كان قائدًا لحملة بلاده هناك. كما كان "اللنبى" يعتبر مصر مستعمرة بريطانيا العظمى ويرفض أى طلب لاستقلالها، بل كان لا يتورع فى إطلاق الرصاص على كل من يخالف أوامره أو ينادى بالحرية، ومن ذلك الوقت وحتى عصرنا هذا يقوم أبناء القناة بحرق دمى تمثل الشخصيات التى يكرهونها باعتبارها تمثل رمزا للشر والبطش الذى يعانى منه المصريون. كانت البداية مع ثورة 1919 عندما ثار المصريون ضد الاحتلال الإنجليزى وأحرقوا منشآت الجيش الإنجليزى، فما كان من الجنرال الإنجليزى " اللنبى"، إلا أن ألقى القبض على زعيم الثورة سعد زغلول وقرر نفيه وآخرين للخارج عن طريق ميناء بورسعيد، فكان رد أهالى المدينة سريعا لوداعه، فمنعهم " بوليس المحافظة" بأوامر من "اللنبى" ولكن ثوار بورسعيد حينها أصروا على العبور من الحصار بقيادة الشيخ يوسف أبو العيلة أمام الجامع التوفيقى والقمص ديمترى يوسف راعى كنيسة العذراء، واشتبكوا مع الإنجليز وبوليس القناة وسقط 7 شهداء ومئات المصابين فى يوم الجمعة 21 مارس 1919. وعقب أحداث ثورة " 1919"، جاء موسم الخماسين فربط أهالى مدن القناة أحداث العنف بالعادة اليونانية فصنعوا دمية كبيرة من القش حاولوا أن تكون قريبة الشبه من "اللنبى"، وحاولوا حرقها إلا أن القوات البريطانية اعترضتهم فعادوا فجر اليوم التالى وحرقوها بشارع محمد على الذى يفصل بين الحى العربى والأفرنجى ببورسعيد، وبعد ذلك قررت بريطانيا مغادرة اللنبى إلى بلاده فى 25 يونيو 1925 من ميناء بورسعيد وكان البورسعيدية فى انتظاره حتى يودعونه. وبالفعل كان وداع البورسعيدية ل" اللنبى" من نوع خاص حيث جهز له مواطنو المدينة الباسلة تحديدًا دمية كبيرة جدا مكتوب عليها اسمه وترتدى زيه العسكرى ورتبته العسكرية، وتم حرقها وتعالت ألسنة النار وتواكب ذلك مع ليلة يوم شم النسيم، والدمية لم تكن تعبيرا فقط عن أشخاص هم الأسوأ إنما أيضا تعبير عن سلوكيات غير مقبولة فى المجتمع مثل التدخين والإدمان والاحتكار والأمية وجميع السلوكيات المرفوضة. وعادة حرق الدمى موجودة لدى شعوب أخرى ففى حوض المتوسط نجدها فى إسبانيا، ونجدها فى اليونان، وإنْ اتخذت فى الدولتين منحى دينيًا، فارتبطت فى إسبانيا باحتفالات القديس " سان خوسيه"، واستهدفت بالأساس طرح الشر عن الجماعة الشعبية هناك و طرد الأرواح الشريرة، أما فى اليونان فقد ارتبطت بعيد قيامة المسيح لدى الطائفة الأرثوذكسية، والدمية عندهم من قماش مملوء بالقش وتسمى جوداس Jodas ، وطقوس حرقها تتصل بواقعة صلب المسيح بمساعدة من يهوذا الأسقربوطى. أما صناعة الدمية فى مصر، فتقوم على تجميع القش ونشارة الأخشاب ومن ثم كسوتها بملابس الشخصية الحقيقية، يتم صنع الرأس من القماش والأزرار، ويقوم مواطنو مدن القناة فى هذا التوقيت من كل عام بإقامة مسابقة تخصص فيها جائزة لأفضل زفة لحرق الدمية على أن تكون المسابقة مشروطة بالاستغناء عن المواد المطاطية فى الحريق، كما أن عملية الحرق تقام فى منطقة حدائق الملاحة بعيدا عن شبكات الغاز الطبيعى والتكدس العمرانى. جدير بالذكر أن هذه الاحتفالات توقفت لمدة 12 عاما خوفا من الحرائق بعد توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، ومع مرور الأعوام تطورت العادة من حرق "اللنبى" إلى حرق دمية لكل طاغية على مدار العام وتجسيد شخصيته فى دمية كبيرة، وسط حشود هائلة من أهالى المدينة وعلى مدار العامين الماضيين تم تجسيد عرائس لرموز الفساد وعلى رأسها الرئيس السابق حسنى مبارك ورموز نظامه الفاسد. وتطور الأمر مع أهالى مدن القناة، ليقوموا بحرق دمية للطاغية معمر القذافى الزعيم الليبى السابق كرمز من رموز الفساد والبطش، وفى شم النسيم هذا العام، أعد الإسماعيلاوية والبورسعيدية فى أول عهد لولاية جماعة الإخوان المسلمين، دميتين إحداهما لمحمد بديع مرشد الجماعة والثانية لرئيس الجمهورية محمد مرسى، بالإضافة إلى ثالثة خاصة بخيرت الشاطر، كرموز للديكتاتورية والتحكم وإشعال النيران فيهما إحراقها دليل على غضبهم من الإخوان ومن نظام الحكم الحالى فى مصر.