ريم عزمى فيلم « فندق بودابست الكبير The Grand Budapest Hotel» هو فيلم عجيب وخفيف الدم وملىء بالممثلين، ولا شك أن شخصية «مصطفى» فريدة من نوعها وهو يستحق كل الجوائز التى فاز بها. إنه فيلم ساخر وفلسفى ينسج قصة فى مدينة خيالية ويحمل المغامرة التى تستهدف بدورها رسالة انتقاد ضد النازية والشيوعية والإمبريالية، وعرض لأول مرة فى افتتاح مهرجان برلين السينمائى الرابع والستين فى فبراير 2014 وحقق شهرة كبيرة فى ترشيحات جوائز أوسكار فى فبراير 2015. أغلب المشاهد تدور فى فندق فاخر فى مدينة زبروفكا، وهى مزيج من من شرق أوروبا ووسطها، ويمكننا أن نستنتج أنها النمسا، حيث جبال الألب ذات الطبيعة السياحية والتى تتخذ صورا جميلة حسب تغير الفصول، لا سيما فى الشتاء عندما تكسوها الثلوج بالأبيض! لذا يبدو المشهد فنيا جدا وكأننا نستعرض كتابا للقصص المصورة غنى بالرسوم المزركشة أو لوحة من الفسيفساء تحمل مساحات مقسمة لألوان عديدة. ثراء فنى الفيلم من كتابة وإخراج الأمريكى ويس أندرسون وهو انتاج أمريكى وألمانى وإنجليزى مشترك وتكلف 26 مليون دولار وهى ميزانية تعتبر متواضعة بالنسبة لهوليوود، وحقق أرباحا نحو 175 مليون دولار، وبطولة الإنجليزى المتميز رالف فاينس فى دور السيد جوستاف، وكان من المفترض أن يقوم بالدور النجم الأمريكى جونى ديب، ويقوم بدور السيد مصطفى فى كبره الأمريكى الذى ولد لأب سورى آشورى مسيحى وأم إيطالية إف. موراى إبراهام، ويقوم بدوره فى صغره الممثل الأمريكى الذى ينحدر من أصل جواتيمالى تونى ريفولورى، ثم نفاجأ بكم كبير من النجوم أصحاب الثقل وهم: الأمريكيون إدوارد نورتون وسيرشا رونان وأدريان برودى وويلم دافو وجيف جولدبلام وهارفى كيتيل وبيل موراى وجيسون شوارتزمان وأوين ويلسون، والإنجليز جيود لو وتيلدا سوينتون وتوم ويلكنسون، والفرنسيان ماتيو أمالريك وليا سيدو. ولاقى الفيلم إشادة من النقاد حول العالم واعتبروه من أفضل ما أنتج فى عامِ 2014، ورُشح لنيل أربع جوائز الكرة الذهبية، وحاز على جائزة أفضل فيلم كوميدى.لترشُّحه لنيلِ 9 جوائز أوسكار فى حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والثمانين، ونافس الفيلم الفائز بجائزة أحسن فيلم وهو "الرجل الطائر"، وفاز بأربع جوائز فى الموسيقى التصويرية والديكور والأزياء والمكياج وتصفيف الشعر. مغامرات لا نهائية وتذكرنا أجواء الفيلم بمفهوم "السرنديبية" التى تعنى "حادث سعيد" أو "مفاجأة سارة"، عند العثور على شيء جيد أو مفيد دون قصد بعد مواقف مضنية أو رغم حماقة الأبطال! وقيل إن الجذور تعود لأسطورة فارسية اسمها "الأمراء الثلاثة من سرنديب"، حيث كانوا يكتشفون العديد من الأشياء دون قصد خلال رحلة مليئة بالمغامرات.والسرنديبية هى اسم مشتق من سرنديب، وهو الاسم العربى القديم لسريلانكا.كذلك رواية "كانديد" أو الساذج وهى فلسفية خيالية من أشهر روايات الأديب الفرنسى فولتير كتبها عام 1759 عن البطل الساذج الذى يقع فى مواقف لها العجب، لكنه ينجو فى كل مرة!كما تشبه عبثيته العنف فى أفلام المخرج الأمريكى كوينتن تارانتينو مثل جزئى "اقتل بيل"، بالإضافة للغرائب السيريالية التى تذكرنا بأفلام المخرج الأمريكى تيم بيرتون مثل سلسلة "باتمان".وسبق وأن قدم مخرج الفيلم ذاته ويس أندرسون تجربة مخففة من هذا العمل فى فيلم سابق بعنوان "شركة دارجيلنج المحدودة" وشارك معه ثلاثة من الأبطال أيضا أدريان برودى وجيسون شوارتزمان وأوين ويلسون.واستوحى المخرج القصة من الأعمال الأدبية للكاتب النمساوى الراحل شتيفان تسفايج، وهو أديب نمساوى يهودى ومن أبرز كتّاب أوروبا فى بدايات القرن العشرين واشتهر بدراساته المسهبة التى تتناول حياة المشاهير مثل ليو تولستوى ومارى - أنطوانيت، فيتناول الشخصية بحيادية ويكشف حقيقتها كما هى دون رتوش كما كتب العديد من المسرحيات والروايات والمقالات، وحصل على الجنسية البريطانية بعد تولى النازيين للسلطة فى ألمانيا وعاش متنقلا فى أمريكا الجنوبية منذ عام 1940، ووصف نفسه بأنه كان "يهوديا بالمصادفة"، واشتهر بانتقاده للنازية، وترجمت له عدة كتب للعربية، وبسبب حساسيته المفرطة وكراهيته للعالم بسبب فظائع الحرب انتحر مع زوجته فى عام 1942 فى البرازيل! الإرث الغامض تم تصوير الفيلم فى مقاطعة ساكسونيا فى ألمانيا وهو يعتمد على الموسيقى بشكل كبير فى التأثير، وهى من تأليف الفرنسى أليكسندر ديبلا ومنها مقتطفات من موسيقات شعبية روسية، ويبدأ فى سنة 1968 حيث يمتلك السيد مصطفى فندقا قديما بائسا بعدما ولت أيام مجده، ويرغب أحد النزلاء فى معرفة كيف امتلكه ليكتب كتابا عنه؟ فيتقابلا على العشاء ونعود للوراء ليحكى السيد مصطفى الأحداث التى تدور بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ومقسمة لخمسة فصول عن السيد جوستاف الذى اتهم فى جريمة قتل السيدة الأرستقراطية الثرية مدام دى، ويحاول الاستعانة بمساعده زيرو مصطفى وهو نفسه السيد مصطفى فى صغره لكى يتمكن من تبرئة نفسه من هذه الجريمة التى لم يتركبها، وهو من نوعية الأفلام التى تحتاج لتركيز عال للإلمام بالتفاصيل المعقدة. الفصل الأول تبدأ القصة عندما كان الفندق عظيما، حيث يعمل زيرو مصطفى فى صغره كصبى على البوابة، ونعرف أنه اكتسب اسم الشهرة زيرو أى صفر نظرا لأنه وحيد وليس لديه عائلة، ويتعرف على السيد جوستاف الذى يعتبر مدير الفندق، ونفهم أن السيد جوستاف يتفانى فى الاعتناء بالزبونات المسنات الثريات، وتتوطد علاقته كثيرا بواحدة منهن ألا وهى سيلين فيلنوف أو مدام دى. الفصل الثانى تندلع الحرب وفى نفس اليوم الذى تموت مدام دى فيحزم السيد جوستاف أمتعته ويذهب مع زيرو مصطفى على الفور لتوديعها لآخر مرة وتبدو الأجواء مقلقة خصوصا مع اجتماع كل العائلة، ويسمع أنها كتبت له فى ملحق وصيتها لوحة "الفتى مع التفاحة" التى لا تقدر بثمن، وهى لفنان عصر النهضة يوهانس فان هويتل (وفى الحقيقة هى لوحها وهمية استوحاها الفنان البريطانى مايكل تايلور من أعمال مختلفة من أجل الفيلم)..ويغضب هذا الأمر عائلتها الكبيرة ولا سيما ابنها ديمترى، وخوفا من تطور الأحداث يقرر السيد جوستاف بمساعدة زيرو مصطفى سرقة اللوحة، وقام الخادم سيرج إكس بلفها ووضع رسالة سرية معها، ثم عاد السيد جوستاف وزيرو مصطفى مباشرة إلى الفندق ووضعها فى الخزينة. وخلال رحلة العودة يتفق السيد جوستاف مع زيرو مصطفى على جعله الوريث الشرعى له فى حالة وفاته.وتتعقد الأحداث بعدما يدلى سيرج إكس بشهادة زور تدين السيد جوستاف ويتم توجيه الاتهام له بقتل مدام دى وإلقاء القبض عليه! الفصل الثالث ينجح السيد جوستاف فى الهرب بالتعاون مع زملائه وبمساعدة زيرو مصطفى وصديقته الجميلة أجاثا حيثِ يرسلان له أدوات مخبأة فى قالب الحلوى الشهير الذى يصنعه محل ميندلز التى تعمل فيه، لتسهيل حفر نفق. الفصل الرابع بعد سلسلة من المطاردات يعرف السيد جوستاف أن سيرج إكس هوالشخص الوحيد الذى يعلم سرا عن وصية ثانية كتبتها مدام دى فى حال تعرضت للقتل وأنه نسخ هذه الوصية، وما إن يعثر السيد جوستاف على سيرج إكس فى دير فوق قمة الجبل وأثناء حديث الأخير معه وقبل أن يكمل كلامه يقتله أحد المجرمين المأجورين، ويتعرض السيد جوستاف نفسه لمحاولة القتل لكن يقوم بإنقاذه زيرو مصطفى. الفصل الخامس توشك حرب جديدة على الاندلاع، والجيش يسيطر على الفندق وحوله لثكنة عسكرية ومازال السيد جوستاف مطاردا.وعندما يصل للفندق انفطر قلبه على حاله. ويطلب من أجاثا أن تذهب وتحضر اللوحة بحجة أنها توصل الحلوى، لكن الأمر ينكشف لأن ديمترى ابن مدام دى يظهر ويبدأ فى إطلاق النار وتحدث فوضى عارمة فى الفندق، لكن فى هذه الأثناء تظهر الرسالة المخفية التى تبرىء السيد جوستاف ويتضح أن مدام دى هى مالكة الفندق وأنها أوصت به إلى السيد جوستاف، ثم تتوالى الأحداث بشكل طريف. نحن نحتاج لتأمل الأحداث مرة أخرى فهى تتحدث عن الصداقة والإخلاص والمصادفة والميراث، وهو الفيلم ملىء بالرمزية عن الأيدلوجيات وأن فى النهاية أصبح الفندق ملكا لرجل مسلم ربما استهان به الجميع فى البداية وهو الوحيد الذى بقى بعدما هلكوا جميعا!