أحمد سعد الدين عندما تولى الخديو إسماعيل حكم مصر كان لديه حلم بإقامة دولة حديثة، أشبه بفرنسا التى أتم تعليمه بها، لذلك أمر بتحويل بركة الأزبكية إلى حديقة على غرار حديقة «لوكسمبورج» بباريس، واستورد لها أنواعا نادرة من الأشجار وأسند مهمة الإشراف على إنشاء الحديقة إلى مفتش المزارع الخديوية الأميرية، وتم افتتاحها عام 1872 وعلى مقربة منها أنشأ الخديو إسماعيل "المسرح الكوميدي" الذى يشبه "الكوميدى فرنسيس" والذى يضىء ليالى العاصمة باريس، وفكر فى إنشاء دار الأوبرا الملكية عام 1869 بجوار الحديقة وأعدها لاستقبال ضيوف العالم فى افتتاح قناة السويس، وأنشأ بها مسرحا صغيرا 1870 - 1919 والذى شغلته فرقة يعقوب صنوع رائد المسرح المصرى، وكان بمثابة أول مسرح وطنى ليقابل مسارح الطبقة الأرستقراطية وكان مقصدا للأجانب لتقديم عروضهم عليه عند زيارتهم مصر، شهد هذا المسرح عام 1885 أول موسم مسرحى لفرقة أبو خليل القبانى بالقاهرة، كما قدمت فرقة إسكندر فرح وبطلها سلامة حجازى أشهر أعمالها من عام 1891 إلى 1905. وكان عام 1905 هو أول موسم لفرقة الشيخ سلامة حجازي. وفيما بعد تزايدت الدعوة لإنشاء مسرح وطنى وسط مطالبات بخروج قوات الاحتلال الإنجليزى عن مصر بعد الحرب العالمية الأولى، وبالفعل يتأسس «المسرح الوطني» عام 1921 فى مبنى «تياترو» الخديو بحديقة الأزبكية، حيث بدأ فى عرض أربع مسرحيات يومية، وفى عام 1935 أنشئت الفرقة القومية المصرية بقيادة الشاعر خليل مطران لتقديم عروضها على خشبة المسرح الوطني، وتم حلها فى عام 1942 لتقديمها أعمالا ضد الاحتلال. بقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 التى طردت الاستعمار، وأنهت الحكم الملكى فى البلاد، تحوَّل اسمه إلى "المسرح القومي"، وتأسست به فرقتان مسرحيتان هما "الفرقة القومية المصرية"، و"فرقة المسرح المصرى الحديث" فى وقت شهد فيه المسرح رواجا غير مسبوق بفضل كوكبة من الكتاب المسرحيين والمبدعين الذين دشنوا مرحلة جادة وجديدة فى تاريخ المسرح المصرى أبدعها زخم الخمسينيات والحلم الثوري، وكان من بينهم يوسف إدريس، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ولطفى الخولي، ومن المخرجين عبد الرحيم الزرقاني، وسعد أردش، ونبيل الألفي، وكرم مطاوع، وتألق عمالقة تمثيل المسرح على خشبته، وفى مقدمتهم سيدة المسرح العربى الفنانة سميحة أيوب، وعبد الله غيث، وحمدى غيث، وشفيق نور الدين، وحمدى أحمد، وغيرهم. وفى السنوات الأخيرة شهدت عروض المسرح القومى إقبالا جماهيريا عبر مشاركة فنانين كبار فى عروضه التى يبرز منها مسرحية "أهلا يا بكوات" بطولة حسين فهمى وعزت العلايلي، ومسرحية "الملك لير" بطولة الفنان يحيى الفخرانى. تجديدات المسرح القومى هناك مرحلتان مهمتان فى المسار المعمارى للمسرح القومي، فالتجديد الأول عام 1960 نتج عن بناء مسرح 26 يوليو والقاهرة للعرائس أمام المدخل الرئيسى للمسرح القومي، مما أدى إلى تصغير حجمه ومساحة حديقته، وتم عمل تجديد شامل له اعتبره الخبراء غير صالح لأداء وظيفته القومية نظرا لصغر حجمه ومساحة منصة التمثيل التى لا تصلح لاحتواء العروض الكبيرة والمجاميع، حيث تم تحويل مدخله ليكون من ميدان العتبة وتوسعة المنصة فى الاتجاهات الثلاثة وعمل غرف للممثلين، أما التجديد الثانى فتم عام 1983 نظرا للأخطاء التى وقعت فى التجديد الأول، حيث فقد إطلالته على حديقة الأزبكية، وتم إهمال مدخل المسرح الذى تعد واجهته الجزء الفنى المميز له بحيث أصبحت محصورة على منور صغير بين مسرحى القاهرة للعرائس والطليعة، وتم تعديل المدخل ليكون من شارع البوستة، وللأسف قام المصمم الهندسى بتجديد واجهة الفناء دون مراعاة للطابع الأصلى للمبني، مما أدى إلى فقدان الصورة الأصلية لمبنى المسرح، كما شمل التجديد الغرف الداخلية وصالة الجمهور واستحدثت التجاليد الخشبية للحوائط فكانت مشوهة للطراز الأصلي. حريق المسرح القومى عام 2008 مساء يوم 27 سبتمبر 2008 فى وقت كان يسود فيه الهدوء التام مع استعداد المصريين لتناول طعام الإفطار بعد غروب الشمس، شب حريق فى صالة العرض بالمسرح القومى وحاولت إدارة الدفاع المدنى السيطرة على الحريق، لكن النيران قد أتت عليه بالكامل، وهو ما استوجب إعادة بنائه من جديد وحرص القائمون على إعادة إنشائه إلى العودة للطراز القديم الذى أنشئ عليه عام 1921 وخلال الساعات الأخيرة من عام 2014 تم افتتاح المسرح من جديد بإقامة عرض "بحلم يا مصر" تأليف نعمان عاشور، وإخراج عصام السيد، وبطولة على الحجار ومروة ناجى.