تحقيق زينب هاشم معاناة كبيرة يعيشها المهجرون الليبيون على أرض مصر، وهى المعاناة التى تبدأ بدخولهم إلى الحدود المصرية وعبر منافذ ومطارات أرض الكنانة، ومرورا باستخراج الإقامة وإيجاد السكن والتعليم والعلاج الصحى وجميع متطلبات المعيشة التى يحتاجها أى مواطن طبيعى فى أى دولة فى العالم، وربما زادت الأمور تعقيدا منذ تجاوزات واعتداءات جماعة داعش الإرهابية على المصريين وآخرهم واقعة ذبح 21 مسيحياً مصرياً على أرض ليبيا، وهو ما جعل الليبيين يشعرون أنهم محل شك وريبة من قبل السلطات المصرية، وانعكس ذلك بالسلب على حياة الليبيين فى بلد كانوا ومازالوا يعتبرونه الوطن الأم لكل الليبيين حتى مع ضياع حقوقهم. «مجلة الأهرام العربى» التقت عدداً من المهجرين الليبيين الذين يعانون ظلام الغربة وآلام التعقيد والروتين عبر سطورها التالية. كانت البداية مع رجل أعمال ليبى رفض ذكر اسمه، والذى تعرض لمأساة كبيرة عندما سافر إلى ألمانيا، ونظرا لظروف عمله اضطر للتأخير فى العودة إلى مصر وعند عودته رفضت السلطات المصرية دخوله البلد مرة أخرى بسبب انتهاء إقامته، وذلك على الرغم من أن أولاده يدرسون هنا فى المدارس المصرية لكنهم يجيزون الإقامة لكل عنصر داخل الأسرة على حدة، على حد قوله، ويستكمل الحديث قائلا: أصبحت التأشيرات فردية وليست على أساس لم شمل الأسرة الليبية، وأنا رجل أعمال لدى استثمارات خارجية فى عدد من الدول فكيف لى المعاملة بهذه الطريقة، خصوصا أنه وارد سفرى الدائم لبلدان خارجية حسب المهمة التى أقوم بها، ومن هنا لم يصبح أمامى سوى العودة إلى ليبيا مرة أخرى دائما للانتهاء من إجراءات الإقامة وغيرها من التفاصيل الأخري، هذا بخلاف عدم الاستقرار الذى عانيت منه فى التعامل مع الجوازات، وهذه المشكلة تتكرر كثيرا ويصبح ليس أمامى خيار إلا البقاء بعيدا عن أسرتى طويلا، مع العلم بأننا ليس باختيارنا تجديد الإقامة لفترات أكبر من المقررة التى تجيزها لنا السفارات، أى أننا مجبرون دائما على الترحال والإنفاق بلا داع على إجراءات لا تحترمنا ولا تعطى لنا الحق فى التعامل الآدمى فى مصر. ويستكمل الحديث فايز محمد، الصحفى والإعلامى الليبي، ما يحدث هنا فى مصر هو أنه يتم التعامل معنا وكأننا أغراب عن المجتمع المصرى متجاهلين تاريخ العلاقات المصرية الليبية وكيف كنا نعيش شعبا واحدا فى بلدين أى أن هناك عمقا اجتماعياً وتاريخيا كبيرا بين الشعب المصرى والليبى إلى أن اضطررنا للهجرة بسبب الحرب، وما قام به حلف الناتو، ومن هنا اختلفت المعاملة تماما وأصبحوا يتعاملون معنا نحن الليبيين المهجرين بشكل سيئ بدون سبب "عمال على بطال". ويضيف محمد: المشكلة الأساسية أن هناك دائما شكا من قبل المسئولين المصريين فى انتماءاتنا خصوصا بعد أحداث جماعة داعش ووقائعها المتتالية للقتل والتعذيب أصبحنا نحصد أخطاءهم ومصائبهم حتى تحولت الحال إلى جحيم، وكانت النتيجة أن هناك أكثر من مليون ليبى مهجرين منهم مائة ألف ليبى فى مصر والآن زادت النسبة بصورة أكبر، وذلك راجع لكون جماعة داعش موجودة وتقاتل تحت اسم الناتو، وقد استقبلت مصر والشعب المصرى الليبيين عبر عصورها الطويلة وكان إخواتنا المصريون يدخلون ليبيا بالبطاقة الشخصية وبمنتهى الانسياب فى الخروج والدخول، وكانت الحدود الغربية لمصر آمنة ومستقرة، والسوق الليبية تستقبل كل البضائع المصرية والعكس بالنسبة للبضائع الليبية أى أن العلاقة ليست وليدة اللحظة وكان المفترض أن يكون من الطبيعى أن تستقبل مصر الليبيين وتكون إجراءات الإقامة ميسورة، وأن تكون هناك تسهيلات فى التحاق أبنائنا للمدارس المصرية، والتى استقبلت الليبيين فى بادئ الأمر بسهولة ويسر، لكن بعد التهديدات الأخيرة أصبحت وزارة الخارجية وكذلك الهجرة والجوازات بها نوع من الصرامة، ونحن نتفهم طبيعة الإجراءات الأمنية والتى نعطى فيها كل الحق لمصر فى أن تؤمن حدودها، وكلها إجراءات مفهومة ومقدرة ومهمة، ولكن ما يحدث فى الفترة الأخيرة هو أن هناك نوعا من التعطيل فى إجراءات الإقامة وملفات الجوازات لكل الليبيين، وأصبح خبراء الأمن القومى فى محاولات دائمة لتصعيب الإجراءات على المهجرين الأصليين الموجودين على أرض مصر منذ عام 2011 . ويمضى محمد فى الحديث قائلا: الشكوك حول الليبيين أثارت حفيظة الدولة المصرية بشكل لافت للأنظار، وكان من المفترض أن يعودوا لأرشيف الجوازات خاصة لمن يملكون رصيداً من السنوات فى العيش على أرض مصر حتى تكون هناك مرونة فى الإجراءات وفى التعامل بشكل عام. ويلتقط أطراف الحديث سيد عبدالله قائلا: نعيش هذه المعاناة ونحن مجبرون على الاستمرار والعيش، فلا بديل لنا سوى الامتثال والخضوع لكل القوانين والإجراءات المعقدة، وأنا شخصيا لدى معاناة أيضا مع أولادى بداخل المدارس، وهى دلالة أخرى على اختلاف التعامل مع الليبيين حاليا عما قبل فكان الطالب الليبى يحصل على الإقامة لمدة سنة كاملة وهى مدة الدراسة لعام دراسى واحد، والآن أصبحت تمنح لمدة ثلاثة شهور فقط وبعدها تجدد، وهو أمر متعب ومرهق ماديا وإجرائيا جدا ومن الصعب على الطالب أن يترك دراسته من أجل السفر لتجديد الإقامة والحصول على الأوراق الرسمية المطلوبة لإفادة المسئولين المصريين، هذا بالإضافة لشعور الطالب ومعه الأسرة بعدم الاستقرار النفسى بداخل البلد، وهى المشكلة التى نواجهها جميعا، لكن للطلبة هموم الدراسة أيضا وكان من المفترض ألا تتأثر الإجراءات كما لم تتأثر معاملة الإخوة المصريين لنا، وذلك لأنهم متفهمون طوال الوقت أننا ضحايا، لكن تأثرت كل دول الجوار بسبب حالة الفوضى التى تعيشها الدولة الليبية الآن، وتأثرت معها الإجراءات التضييقية من الإخوان فى الجوازات والهجرة وكان من المفترض أن نحظى باستثناء، خصوصا أن الموجودين فى مصر من الليبيين لم يسببوا للمصريين أو الموجودين بداخل مصر أى اختراق أمنى لأى من الأحداث التفجيرية التى يعيشها كثير من المصريين نتيجة الفوضى والمؤامرة عليها. ويتحدث المهجر الليبى أحمد عبد الله عن المشكلات التى تواجهه فى حياته بسبب تعقيدات الروتين والأمن فى مصر والحديث على لسانه قائلا: لدينا إشكاليات كثيرة مرتبطة بوجودنا فى مصر من جهة ومع سلطاتنا فى ليبيا من جهة أخري، وهذه الإشكاليات الخاصة بالإقامة والصحة العلاجية وكثير من سبل العيش أبسطها أننا الآن لا نملك ماديا ما يكفل لنا العيش، ومرتباتنا موقوفة وحياتنا غير معترف بها من المفوضية العليا للأمم المتحدة التى لم تقدم لنا أية مساعدات نحن المهجرين الليبيين ولو قارننا بين أوضاعنا أسوة بالسوريين نجد أننا لا نحظى بأى رعاية لا فى الصحة أو التعليم، وهو الأمر الخاص بمليونى مهجر خارج ليبيا موجودين فى كل دول العالم تقريبا، ولا سيما أننا هنا فى مصر نجد مشكلة كبيرة بسبب الإقامة وهو ما يجعلنا فى مواجهة مع السلطات المصرية وذلك على الرغم من أنه كانت هناك اتفاقيات كبرى بين مصر وليبيا بعدم وجود تأشيرة للدخول إلى أى البلدين لكلا الشعبين ولا بالإقامة، وكان الليبى أو المصرى فى مصر أو ليبيا يعيش ويتعامل مع أى بلد من الاثنين بحال المواطن الأصلى المقيم بها والمنتمى إليها، لكن الآن أصبح الأمر مختلفا فنعانى بشدة بسبب الإقامة وكانت تمنح من قبل لأى أسرة بها طلبة يدرس سواء بالمدرسة أو الجامعة، لكن الآن نحن بحاجة لاستصدار الأوراق الرسمية مرتين أو ثلاثا خلال السنة وكنا متضررين، خصوصا أن هذه الأوراق كانت مرتبطة أيضا بصلاحية الجواز، وزاد الأمر تعقيدا هذه الشهور الأخيرة، وذلك لأن السلطات أصبحت لا تجدد جواز السفر ألا لشهرين أو ثلاثة فقط، وهناك مشكلة أخرى تواجه الطلاب الحاصلين على ثانوية عامة أو المنقولين من كلية لأخرى لأنهم تواجههم صعوبة أكبر ويطلب منهم إثباتات أكثر بكثير وهناك طلاب لم يستكملوا دراساتهم لأكثر من ثلاث سنوات فى المدارس والجامعات المصرية، وهذه المشكلات قديمة وتحتاج لوقفة من السلطات المصرية، ونحن سبق أن تكلمنا مع حقوق الإنسان والمفوضية السامية ولم نصل لأى نتيجة، لأنهم لا يعترفون بنا لكوننا مهجرين، وذلك فى الوقت الذى توجد نصوص بمعاملات الليبيين مثل المصريين، ولكن للأسف لا يتحقق ذلك على أرض الواقع. ويضيف عبدالله قائلا: هذا بالإضافة أيضا لرخص القيادة المنتهية والتى من المفترض تجديدها فهى مشكلة أخرى فى منتهى التعقيد، وهو ما عانيت منه بشكل شخصى لأننى أتيت إلى مصر بسيارتى وعندما انتهت مدة الترخيص لم أتمكن من تجديدها ولم يكن أمامى حل آخر سوى العودة للحدود الليبية مرة أخري، وكان بإمكاننا تجديد الرخصة والحصول على الخدمة برسوم معينة من خلال شباك خاص تخصصه لنا السلطات المصرية فى أى جهة حكومية سنتعامل معها بشكل دوري، وذلك أسوة بالسوريين وهى كل مطالبنا خصوصا، أننا الآن وأتحدث عن الليبيين المهجرين، أعدادنا كبيرة ونعانى مشاكل خاصة جدا وهناك تصريحات أخرى ومشكلات أعقد مثل محاولة الحصول على تأشيرة للسفر لأى دولة أخري، فهذا أمر محال وهناك آخرون يحصلون عليها بمنتهى السهولة مثل الإقامة أيضا التى قد تمنح لهم بدون صعوبات، أى أن جميع توجهاتنا الرسمية الخاصة بالتعامل مع الدولة المصرية بها مشكلات غاية فى الصعوبة، لا سيما فى محاولة فتح حساب بأى البنوك المصرية. ويحكى فيصل محمود عن مأساة أخرى وهى فى التعامل مع السفارة الليبية والحديث على لسانه قائلا: فى حياتى لم أر مثل هذا التعقيد الذى نعيشه الآن على الأراضى المصرية وكانت الإقامة تمنح من قبل عندما يشترى الليبى عقارا مصريا مالكا أو يكون هناك طلبة يدرسون بالمدارس أو الجامعات له أو عقد إيجار معتمد فى الشهر العقارى وكل هذا فعلته وحصلت على إقامة لمدة سنة فقط، وكان المفترض أن يجددوا لى الإقامة بدون العودة إلى الأراضى الليبية، لكن ذلك لم يحدث وهناك مشكلات أكبر لعدد من الليبيين الذين لا يوجد لديهم أولاد، وبالتالى يستثنون من تصريح الدراسة ولا يصبح لديه خيارات أخرى سوى العيش فى مصر بلا إقامة، لأن معاناتنا لا تقتصر فقط على التعامل مع السلطات المصرية، ولكننا نعانى أيضا مع السلطات الليبية، وفى بعض الأحيان لا يوافقون على تسجيل المواليد الجدد باعتبارنا تاركين البلد ومهجرين، وذلك لأسباب سياسية ويجد الليبى المهجر نفسه يدور فى دائرة مفرغة وحتى الآن لم تحل أزمة جوازات السفر، والتى تمنح التأشيرة والسفارة الليبية لا ترغب فى التجديد لمواطن ليبى لا يعمل فى ليبيا، وبرغم معاناتنا لا نجد آذانا صاغية من الجامعة العربية ولا من الأممالمتحدة فكلهم لا يعترفون بوجودنا ونحن لدينا مطالب كثيرة خاصة بمشروع العلاج بجانب التأشيرة وترخيص السيارة، وكل ما نحلم به هو إيجاد صيغة للتنسق مع السلطات المصرية لتسهيل الإجراءات الرسمية لليبيين على أرض مصر وحل مشكلاتهم وذلك على سبيل التنظيم وليس إلا. ويتحدث د. عبد الرؤوف بيلاح المهندس وأستاذ الجامعة قائلا: مشاكل الليبيين على الأراضى المصرية تبدأ منذ الدخول من المنافذ والمطارات المصرية، وهذه العرقلة فى الدخول سواء بالنسبة للوضع الأمنى الذى يؤمن الجالية الليبية ويساعدهم فى حل مشاكل المعيشة والأكل والشرب والتعليم وأنا أعتبر مشكلتى نموذجا لكل الليبيين الذين يعيشون فى مصر ويعانون مع السفارة الليبية والتى من المفترض أنها المعنية بالليبيين والتى لا تتعامل بشكل رسمى خاصة فيما يتعلق بالأوراق الرسمية والإدارة والجوازات والجنسية والهجرة، ومع العلم بأنه فى بعض الأحيان قد تتوافر المقومات الأساسية والتى على أساسها تسهل الأمور مثلما يكون لدى سجل تجارى لأى شركة مثلا لأنه ليس من حقى الحصول على الإقامة بشكل دائم أو مؤقت لفترة طويلة، وقد طالبنا ببطاقات تعطى للسلطات المصرية الأمان من جانبنا كجزء لحل المشكلة وإيجاد بديل لكل الأمور التى تثير الدربكة فلا يمكن لأحد أن يتخيل أننا لابد من العودة كل 6 أشهر إلى الحدود فى السلوم خصوصا أن هذه الحدود مغلقة ولا نستطيع الدخول أو الخروج للبلد، وهذا الوضع لأغلب الليبيين وهو ما يكلفنا كثيرا من المصروفات التى قد تصبح عبئا مضافا لعبء المعيشة، خصوصا أن هناك 10% من الليبيين حياتهم المادية ممتازة والباقى ليبيون بسطاء لا يملكون ماديا ما يمكنهم من الإيفاء بكل هذه النفقات على فترات لا تتجاوز الشهور المعدودة، هذا بخلاف أن هناك مستشفيات رسمية لليبيين لا يتم فيها استقبال الليبيين وحتى مع تدخل السفارة والتى من المفترض أنها ممثلة للحكومة. وعن محاولات السفارة وطرق تعاملها مع هذه المشكلات يضيف بيلاح: الحكومة التى تسيطر على ليبيا منذ عام 2011 أى ما بعد الثورة تتعامل معنا على أننا فلول ومطلوب القبض علينا، ونحن مجموعة من الليبيين المهجرين يتعدى عددنا المليون ونصف من شعب قوامه ستة ملايين ونحن مطلوبون للموت والقتل والتعذيب من داعش وأنصار الشريعة وغيرهم من الجماعات الإرهابية الأخرى وهذا ما يجعلنا نعيش فى وضع مأساوى فى المعيشة اليومية المطلوبة من كل ليبى أمام الحكومة المصرية، وقد سبق أن أعددنا فيلما وثائقيا يتناول كل مشكلاتنا وأحداثنا المؤسفة لكثير من الطلاب الليبيين الذين يسكنون المقابر ويعيشون حياة فى منتهى الصعوبة. ويختم الحديث د.محمد مسعود، الحاصل على دكتوراة فى الاجتماع ويعمل فى مركز الدراسات الاجتماعية بالحديث قائلا: للأسف غياب التنسيق والتجاهل لكل المحتاجين من الليبين والذين كان أغلبهم من المهجرين الذين كانوا ضد الناتو، ويأتى فى غير صالحنا أن أغلب المصالح فى مصر لا يمكن أن تتم أو تسير إجراءاتها إلا بورقة من السفارة الليبية، والسفارة للأسف تمارس ابتزاز الليبيين فى مصر، وكذلك المعاملة الإدارية فحتى فى حالة توفير وإصدار الإقامات فالسفارة أيضا لا تعترف بهم وأذكر أننا عندما قررنا الحضور والعيش على أرض مصر استندنا لمقولة عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما قال سيروا لمصر، والآن نحن لا نجد حلا لمشكلاتنا ولا نرى بديلا ولا نعرف ماذا نفعل وقد ضاقت بنا السبل.