رشا عامر برز اسمه أخيرا على السطح بعدما اتهمه رئيس السلفيين الجهاديين الأردنيين الشيخ محمد الشلبى المعروف ب»أبو سياف» بأنه يقف وراء إعدام الطيار الأردنى معاذ الكساسبة حرقا على يد تنظيم داعش . إنه عزة إبراهيم الدورى، الذراع اليمنى للرئيس الراحل صدام حسين، وأحد أهم كبار الشخصيات العراقية الباقية من النظام القديم والتى لا تزال حرة برغم حكم الإعدام الصادر ضده وبرغم أنه مختبئ منذ قرابة اثنى عشر عاما فإنه مازال يعمل، بل إنه يرفض فكرة التعامل معه على أنه هارب أو مطارد، فهو يجسد عنصر التمرد العراقى. وربما لهذا السبب ظل يمثل كابوسا حقيقيا للجيش الأمريكى بل ولحكومة نورى المالكى. وصفوه بأنه مراوغ هذا المواطن التكريتى صديق الطفولة لصدام حسين والذى أصبح أحد الوجوه الرئيسية فى الأساطير العراقية، وكذلك فى الشائعات الصحفية التى لا تكف عن نشر أخبار موته أو القبض عليه. يقال إنه موجود فى الموصل شمال العراق وأحيانا فى البصرةجنوبالعراق وتذهب الأسطورة إلى القول بأنه يذهب دوما إلى قبر صدام حسين بتكريت. وبرغم أن القليل من هذه المعلومات يمكن أن تقود إليه حيا أو ميتا، مما يعنى مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار إلا أن شيئا قد حدث بل إنه لم يعاقب أصلا وذلك بسبب نفوذه القوى بين الفصائل المختلفة من المقاومة العراقية، وبرغم هذا فإنه ظل أصم تجاه نداءات القاعدة مكتفيا برسائله للشعب العراقى ليظل خطابه «منفردا وبعثيا « إلى أقصى حد. ويظل عزة إبراهيم صامدا وسط السقوط المدوى لبقية أصدقائه من رجالات صدام حسين على يد الولاياتالمتحدة. نعود لرئيس السلفيين الجهاديين الأردنيين الشيخ محمد الشلبى، والذى استنكر الطريقة البشعة التى تم بها إعدام الطيار دون أن يستنكر فكرة الإعدام نفسها! وقد نشرت مجلة "فرانس تى فى إنفو" الفرنسية تصريحات الشيخ محمد الشلبى التى يتهم فيها عناصر من ضباط صدام حسين القدامى بأنهم هم الذين تسللوا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وأنهم هم الجناة الحقيقيون فى عملية الاغتيال. ووصف الشيخ محمد الشلبى بأنه لا توجد كلمات قوية بما يكفى لإدانة حرق الطيار الأردنى حتى الموت على يد داعش وعلى يد عزة إبراهيم الذى يبلغ ثمن رأسه 10 ملايين دولار، بعدما أصبح الورقة الرابحة والنادرة فى نفس الوقت بعد حرب الخليج عام 2003. لم يعبأ الشيخ محمد الشلبى كثيرا بفكرة الإعدام التى يتبناها تنظيم داعش، فكل ما اهتم به هو تبرير فكرة القتل، مؤكدا أن زعيم الدولة الإسلامية من حقه أن يفعل ما يراه تجاه مسجونيه سواء قتلهم أو شنقهم أو إطلاق سراحهم ! ولكن هذا لا يعطيه الحق فى إعدامهم بهذه الطريقة البربرية، لأن هذا يعطى صورة سيئة عن الإسلام ويظهر المسلمين كأنهم حيوانات شرسة. فقضية الإعدام ليست هى المهمة ولكنها الطريقة التى يتم بها الإعدام. وفى إطار تبرئته لداعش سعى الشلبى إلى إلقاء التهمة على عزة إبراهيم الدورى متهما معه الضباط البعثيين الأعضاء فى مجلس الشورى، وهو برلمان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". مؤكدا فى نفس الوقت أن رئيس هذا المجلس التابع لداعش والذى يتولى أمر التفاوض والتشاور هو عزة إبراهيم، المستشار السابق لصدام حسين ولا أحد غيره، وبناء عليه فلابد أن يكون هو الذى ارتكب هذا الفعل البربرى لأن قادة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذين يسيرون على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقترفوا مثل هذا الفعل. لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يواجه عزة إبراهيم اتهامات من هذا النوع، فلقد سبق واتهمه الجنرال جورج كايسى، قائد القوات الأمريكية فى العراق هو ومسئولين فى النظام البعثى العراقى السابق بقيادة وتمويل عمليات المقاومة فى العراق انطلاقا من سوريا. وأشار كايسى إلى أن عزة إبراهيم الدورى أكبر مسئولى النظام العراقى السابق، الذى مازال هاربا يقوم برحلات بين سورياوالعراق، حيث تفصلهما حدود طويلة يصعب مراقبتها. وصرح كايسى فى مؤتمر صحفى بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) فى واشنطن بأنه توجد معلومات جيدة تفيد بأن عددا من كبار المسئولين البعثيين السابقين ينشطون انطلاقا من سوريا ولا يتعرضون للمساءلة من جانب السلطات السورية. وأضاف أن هؤلاء المسئولين يقودون ويمولون المقاومة فى العراق وأنه من الضرورى أن يتوقف ذلك. ربما لا يعرف أحد أن عزة إبراهيم المعروف باسم الشيطان الأحمر ذى التسع أرواح، كان قد أجرى حوارا مكتوبا مع مجلة "إفريقيا آسيا" الفرنسية عام 2014 هاجم فيه الإعلام الذى شوه تصريحاته فيما يخص رأيه فى القاعدة، حيث قال إن أعضاء القاعدة هم إخوة فى الجهاد، شريطة أن يكفوا عن مهاجمة المدنيين والجيش والشرطة، وأن يركزوا جهودهم ضد المحتلين وأتباعهم، خصوصا إيران التى وصفها بأنها العدو الأول، خصوصا ما يسمون أنفسهم بحراس الثورة الإيرانية، فالمقاومة هى حق مقدس أيا كان العدو سواء كان أمريكيا أم إيرانيا أم بريطانيا. فهى لا تقتل المدنيين ولا تهاجم المقاهى وأماكن العبادة والأسواق والملاعب، فهى تميز بين الإرهاب والمقاومة، لأن لديها خطة عمل واضحة مثل ضوء النهار.. مؤكدا أنه لا يجب تصديق كل ما يقال باسم تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد العراق والشام لأنها غالبا تكون وسيلة للخداع من قبل وسائل الإعلام فقط على حد تعبيره. لم يدخر النائب السابق لصدام حسين جهدا فى إدانة قتل الأبرياء والمدنيين لأنها تتعارض مع الشرائع السماوية فى نفس الوقت الذى اتهم فيه الميليشيات المرتبطة بالولاياتالمتحدةوإيران بأنها هى التى تقف وراء قتل الشيعة حتى لو أعلنوا أنهم ينتمون إلى القاعدة أو الدولة الإسلامية. ووصف عزة بأن المقاومة الدائرة فى كل من الرمادى والخالدية والفلوجة قد تسببت فى تركيع الغرب الذى تم إلحاق خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة به. كما كشفت للعالم أكاذيب الدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. كان عزة إبراهيم قد أرسل رسالة إلى الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند بمناسبة العيد الوطنى لفرنسا يذكره فيها بالصداقة الوثيقة التى تجمع بين البلدين، فى إشارة لوجوب اتخاذ فرنسا موقف منفصل عن الولاياتالمتحدة، مقترحا عليه إجراء حوار بين حزب البعث وأعضائه فى المقاومة مع حكومات كل من فرنساوبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا، وذلك قبل أن يوجه رسائل إلى رؤساء هذه الدول ورؤساء وزرائها يشرح فيها التواطؤ الأمريكى - الإيرانى على العراق لحساب مصالحهم الخاصة. وربما ما يزيد من وطأة الاتهامات الموجهة لعزة إبراهيم، خصوصا فيما يتعلق بداعش هو تعاونه مع الجهاديين فى العراق للإطاحة بنظام نورى المالكى، فهذا الشيطان الأحمر على حد تعبير الصحف الفرنسية يتواجد فى مقدمة المقاتلين السنة الذين يعملون مؤقتا تحت رايات داعش السوداء حيث يلعب دورا رئيسيا بقيادته لجيشه المسمى "الجيش النقشبندى" والذى انضم فى البداية إلى مقاتلى أبوبكر البغدادى مع العديد من قيادات صدام حسين. وهذا بالطبع ليس بالمسألة العويصة على شخصية مثل عزة إبراهيم الذى كان يقود العراق قبل 2003 بمساعدة أحد عشر شخصا غيره وفق ما صرحت به المخابرات الأمريكية، والذى كان واحدا من القلائل الناجين من انقلاب 1968 الذى أتى بحزب البعث إلى صدراة الحكم فى بغداد. فهذا العجوز المولود عام 1942 فى تكريت مسقط رأس صدام حسين يعود إليه قمع الشيعة فى الجنوب والأكراد فى الشمال، بيد أن مرض سرطان الدم الذى يعانى منه منذ سنوات جعله كلما ختفى عن الأنظار بعض الوقت يتصور الجميع أنه مات إلا أنه يفاجئهم بظهوره فجأة . ولعل أبرز هذه الإطلالات تلك التى ظهر فيها عام 2013 فى شريط فيديو على موقع يوتيوب مرتديا زيه العسكرى، بينما ترفرف الأعلام الوطنية خلفه مطالبا بسقوط النظام الحالى. والسؤال الذى يطرح نفسه هو كيف لشخص مثل عزة إبراهيم الذى كان يوما ما عضوا بارزا فى حزب البعث العلمانى القومى أن يصبح اليوم حليفا لتنظيم مثل داعش؟ ولكن الإجابة ببساطة هى الكراهية المشتركة بينهما لنورى المالكى فى نفس الوقت الذى يشعر فيه بالحنين إلى النظام القديم، بينما يطمح الآخر إلى حلم الخلافة الإسلامية. وفى العام الذى تم فيه إعدام صدام حسين أنشأ عزة إبراهيم القيادة العليا للجهاد والتحرير وائتلاف الحركات المعادية للوجود الأمريكى والنفوذ الشيعى، فضلا عن ميليشيا مكونة من عدة آلاف من العراقيين ليكونوا جيش النقشبندية.