حوار – جيهان محمود بساطتها وثقافتها العميقة وجرأتها وطيبتها تنعكس على كتابتها وقصصها وحكاياتها، تخلق البهجة فى الجمع الذى توجد فيه.. إنها "سعاد سليمان" صاحبة المواقف النبيلة، التى تسشفها مع أول قصة تقرأها لها، فهى مهمومة بالبسطاء ومشاكلهم، منذ صدور أول مجموعة قصصية لها "هكذا ببساطة" عام 2001، ثم بعد مجموعتها "الراقص" عام 2007، وأيضًا روايتيها "غير المباح "2005"، و"آخر المحظيات" 2014. ثم اختمت العام المنصرم بمجموعة "شهوة الملايكة"، أسلوبها يجبرك على أن تكمل قراءة قصصها إلى النهاية، لتناولها الحياة الواقعية بفن وإبداع خاصّين بها، تسعى للبحث والمعرفة طوال الوقت، ليس بحكم عملها فى الإعداد بالقناة الثقافية التى أحبتها بصدق فكان نتاجه حب زملائها الذين سيكرمونها فى معرض القاهرة للكتاب المقبل.. مع "سعاد سليمان" جاء هذا الحوار: لماذا اخترت "شهوة الملايكة" عنوانًا للمجموعة؟ هذا عنوان إحدى قصص المجموعة، ووجدت أنه جذاب، فمن حق الأديب أن يختار عنوانًا جذابًا لكتاباته، حتى يضمن إثارة الدهشة ويحقق الجاذبية، التى تضمن بيع الكتاب أو على الأقل سهولة الترويج له، أعلم أن العنوان صادم ويثير الكثير من الدهشة والتساؤل: هل للملائكة شهوة، ومن يعترض عليه أن يقرأ أولاً ثم يحكم على ما قرأ. ألم تخشين أن يثير عليك بعض المتشددين؟ بالطبع أخشى، لكن محاولتى صدمة المجتمع وتحقيق "إفاقة" ما بعد الصدمة شجعنى على ذلك، وقد وصلتنى شتائم بالفعل وهجوم وتكفير على صفحات التواصل "الفيس بوك"، من نوعية أننى أُسيء إلى نواميس الله التى خلقها، وأجعل للملائكة شهوة، ومنها أننا "الكاتبات" نريدها إباحية، ولا نكتفى بما ننشره من فسق وفجور، ونقحم الملائكة، ولكن من يهاجمون كعادتهم لم يقرأوا، ولم يمنحوا أنفسهم الفرصة للمعرفة، هم فقط استفزهم العنوان دون معرفة المغزى أو القصة التى تحمل هذا العنوان، والقصة ببساطة تحاول إصلاح بعض المفاهيم الشعبية عند بعض الفئات التى تفتقد التعليم والثقافة، فتتخيل أن للملائكة "شهوة"، وذلك من خلال "أم" شعبية تنهر ابنتها، وتجبرها على ألا يظهر من جسدها أى شيء، حتى لو كان "كعب رجلها" أثناء الصلاة، حتى لا تثير "شهوة الملايكة" الذين يقفون على كتفيها يكتبون حسناتها وسيئاتها، وتحاول الابنة تصحيح مفاهيم الأم، بأن الملائكة كائنات نورانية بلا شهوة. لماذا جاء العنوان "شهوة الملايكة" بالعامية وليس بالفصحى "الملائكة"؟ لأن الطبقات الشعبية فى مصر لا تستطيع نطق كلمة "الملائكة" كما ينطقها المتعلمون والطبقات الأكثر ثقافة ووعيًا، وبما أن المعتقد شعبى بحت، فقد اخترت "الملايكة" لتتناسب مع طبيعة المعتقد، والطبقة الشعبية التى تعتقده، وأن الهمزة على نبرة "ئ" فى الملائكة تفرق ما بين عالَمين بينهما فروق شاسعة فى المكان والطبقة الاجتماعية والثقافية والتعليمية. فى هذه المجموعة مزْج بين القصة والأقصوصة والومضة.. لماذا فضلت الكتابة باللغة العربية الفصحى فى القصة الأقل سطورًا؟ أؤمن أن كل نص يختار اللغة التى يُكتب بها، وربما لحاجة اللغة العامية إلى الشرح، وقدرة الفصحى على التكثيف بأقل الكلمات وأكثر المعاني. تميزت "الومضة" التى لا تتعدى السطرين بأنها أقرب إلى الحكمة.. كيف تحقق لك ذلك؟ بالتأكيد لديّ موروث ضخم من الحكم والأمثال، ليس بحكم الموروث الثقافى المصرى الذى نحمله جميعا، لكن موروثا آخر يخص الحياة التى عشتها والمواقف والحكايات التى سمعتها، أو كنت شاهدًا عليها، وهذا المزج الإنسانى يتحول داخلى إلى قناعات، تخرج بما يشبه الحكمة أو القصة أو العبرة أو العظة، لا أعرف لها تسمية، ولكنها موجودة دائما، ربما أحمل المزيد منها، وربما أنتج أكثر من هذه النوعية، وربما اكتفى بهذا القدر. فى أغلب قصصك تجمعين بين اللهجة الصعيدية والقاهرية.. ألا تستطعين الفكاك منها واتخاذ لهجة واحدة؟ التنوع يصنع حيوية الكتابة، وكلما تعددت عوالم الكاتب وثقافته، والموورث الشعبى الذى ينهل منه، زاد النبع الذى يغرف منه، وتنوع المنتج الذى يكتبه، والصعيد جزء من تكويني، والإسكندرية عشت بها ثلاثين عامًا، فرأيتها غير ما يراها أهلها، قارنت بين عالمى الأصلى وهذا العالم الذى يمثل جزءًا مني، فكانت النتيجة عالما يخصنى وحدي، لا أستطيع أن أعتبره مزدوجا، رغم أنه جغرافيا مزدوجة، لكنه يُشكل وحدة واحدة داخلي، تداخلت الأنسجة، فأصبح كيانًا واحدًا، كما أفدت جدًا من إقامتى فى القاهرة، وإن لم تكن حتى الآن قوية التأثير على روحى مثلما للصعيد والإسكندرية. فى بعض القصص تتناولين أحداثا تكاد تكون وقعت لك شخصيًا.. إلى أى مدى يستعين الكاتب بتجاربه الذاتية؟ - بالتأكيد بعض القصص تحمل الذاتية، لكنها ليست ذاتية على الإطلاق، دائما ما ألتقط شيئًا من داخل ذاتى وعند الكتابة أنسى تماما أننى البطل الأصلي، وأتعامل مع القصة بمنطق الفن، والكاتب دائمًا أبدًا يستعين بتجاربه الذاتية، المحك أو الحكم على هذا الذاتي، هو كيف نطوّعه لنصنع منه فنًا، وعندما يخرج منا يخرج من إطار الذاتية إلى القارئ، فلا يجب أن يأخذ ما أكتبه باعتباره تجربتى الشخصية. تتمتعين بأسلوب الحكى السلس الشيق.. كيف اكتسبت ذلك؟ أعتقد أننى تربيت على أسلوب الحكي، أبى كان حكاء مبهرًا، فى طفولتى كانت السيرة الهلالية حاضرة بقوة فى بيتنا، كان لدينا راديو صغير لا نستعمله إلا يوما واحدا فى الأسبوع حتى لا تنفد البطارية، ويأتى أبى مبكرا، وتعد أمى الشاى ونتحلق حول الراديو نستمع إلى "جابر أبو حسين" و"عبد الرحمن الأبنودي" فى إذاعة صوت العرب، ورغم صِغر سنى (ست سنوات تقريبًا) كنت أفهم إعجاب أبى بما يقال، ويردد وراء الأبنودي: "قول يا عم جابر"، أعتقد أن الحكاية تسللت إلى روحى فى هذه السن، ومن بعدها عشقت حكايات "شفيقة ومتولي" بصوت الريس "حفنى أحمد حسن"، وكل القصص الشعبية التى كنت أسمعها، سواء فى الأفراح أو الراديو أو مع ظهور "الكاسيت"، وطبعا "الصعايدة" لا يسمعون سوى محمد طه "شفيقة ومتولي"، و"السيرة الهلالية"، وهكذا تكوّن لدى المنتج النهائى لهذه الثقافة. مارست العمل الصحفى فى عدة صحف ومجلات وكانت تجربة ناجحة ومختلفة.. لماذا لم تستمري؟ صحيح، لكن كنت كتبت أربع قصص فقط، وعرضتهم على بعض أصدقائي، وبالمصادفة على بعض النقاد، ووجدت اهتماما وجدلاً وأسئلة عن كيفية قدرتى على كتابة هذه القصص، وكنت مندهشة من هذا الاستقبال الحافل لأربع قصص فقط، وأذكر أن الدكتور عبد القادر القط -رحمه الله- سألنى هل هذه أول كتابة لك؟ فقلت: نعم، قال لي: مستحيل، أنت تكتبين منذ وقت طويل وهذا نتاج وليس بداية، وظل يستجوبنى عن كيفية رؤيتى للغرفة التى كتبت عنها فى قصة "الغرفة تتسع لأطفال كثيرين"، وعندما لمح خوفي، قال لي: القصة رائعة ولا يكتبها إلا شخص لديه موهبة ورؤية، ونصحنى ألا أترك الكتابة الإبداعية أبدًا، وجاء قرار ترك الصحافة والاهتمام بالإبداع بعد نصيحة، وربما توبيخ وتقريع من صديقى الشاعر "أسامة عفيفي" الذى قال لى إن تاريخى الحقيقى الذى سيبقي، هو هذه القصص الجميلة، بعدها بدقيقة واحدة اتخذت قرارًا، وانتصرت للإبداع، الذى منحنى ما لم تستطع الصحافة أن تحققه لي. ماذا عن تحويل روايتك "آخر المحظيات" إلى فيلم سينمائي؟ وهل توافقين إذا ما غيّر المخرج فى محتوى الرواية؟ توقفت كل المفاوضات والاتفاقيات نظرا للظرف الصعب الذى تمر به السينما، وبما أن لغة السينما تختلف عن لغة الرواية أعتقد أن من حق المخرج وكاتب السيناريو أن يغير وفق ما يريد، فهذا وسيط آخر ولغة أخرى، وأرفض أن أكتب سيناريوهات أعمالي، لأنى سأظل محصورة فى وجهة نظري، لذا أتمنى أن يكتب السيناريو لروايتى "آخر المحظيات" سيناريست يضيف إليها أبعادا جديدة، ولا ينتقص من الأفكار التى تتبناها الرواية. ماذا أفادك العمل بالإعداد التليفزيونى فى كتاباتك؟ أفادنى فى البحث، خاصة أن معظم برامجى تعتمد على البحث كمادة أساسية والمادة العلمية جزء من عملي، وأفادنى ذلك فى الاهتمام بهذا الجانب البحثي، وأن "أذاكر" المادة العلمية لموضوعاتي، سواء فى الروايات أو القصص. لماذا لم تستمرِى فى كتابة الشعر.. خصوصًا أن لك تجارب شعرية؟ تخلصت من الشعر بمجرد تخرجى من الجامعة، وجدت أنه لا يناسب روحي، وكان مرحلة بدأت فى المرحلة الابتدائية، انتهت بالتخرج فى الجامعة، ووجدت أن القصة والرواية أكثر مناسبة لطبيعتي، كما كتابة المسرح تطاردنى وما زلت أهرب منها. من تستشرين فيما تكتبين؟ وهل تأخذين برأيه؟ أستشير الكثيرين من أطياف وأعمار مختلفة، فأول من يقرأ لى أو أسمعه ما كتبت وأستفيد من كونه "موسيقيا" ابنى "أحمد السيد"، وبحاسته الموسيقية ينبهنى إلى أى خلل فى إيقاع الجملة، ثم صديقتى الشاعرة "بهية طلب"، والدكتور محمد عمران أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون، ولا أستطيع أن أسلم أى كتاب للنشر بدون موافقته، بعد قراءة مستفيضة ولمرات عديدة، وصديقى الأديب والكاتب الصحفى "سامح الأسواني" و"وسيمة الخطيب" صديقتى الناقدة اللاذعة والتى لا ترحم. ماذا تكتبين الآن؟ عندى مشروع لكتابة ثلاثية عن حياة الصعايدة فى الإسكندرية، سأبدأها بمذاكرات أبى، وأتمنى أن أبدأ فيها قريبًا.