ماهر زهدى فى واحدة من المرات التى احتفلت فيها الصحافة بيوم مولدها، وفى ظل منحها المزيد من الألقاب وكلمات الإطراء والتمجيد، علقت قائلة: «ما فائدة اللقب إذا كان العمل الذى قدمته رديئا أو دون المستوى، الألقاب لا تبقى فى الذاكرة، لكن الأعمال هى التى تخلد اسم الفنان وتحفظه». هى فاتن حمامة.. التى عندما فكرت فى الكتابة عنها، رحت أولا أبحث عن لقب جديد يمكن أن أطلقه عليها، خصوصاً أن لقب «سيدة الشاشة العربية» لم يعد كافيا لها بعد كل هذه الرحلة، حيث ظل ملازما لها ما يزيد على 60 عاما، منذ أن نالته عام 1953، مع فيلم "موعد مع الحياة" الذى لاقى نجاحا جماهيريا كبيرا، كتب وقتها الصحفى "فوميل لبيب" مقالا أشاد فيه بالفيلم بوجه عام، وبأداء فاتن حمامة على وجه الخصوص، واصفاً إياها بأنها "سيدة الشاشة العربية" على الرغم من أنها لم تتجاوز الثلاثين من عمرها آنذاك، فإن إعجاب الجماهير والنقاد بها كنموذج اقترب كثيرا من قلوبهم، وجعلهم يتمسكون باللقب الذى رأوه مناسباً لها وتستحقه. هى معادلة نجاح مركبة وغير مفهومة.. فنانة قادرة على الدخول إلى كل القلوب، كما استطاعت أن تدخل إلى كل أدوارها ببراعة، طفلة أو فتاة أو سيدة، ثرية أو فقيرة، باكية كثيرا، ضاحكة أحيانا، راضية مستكينة بعض الوقت، ثائرة متمردة أغلب الوقت، لديها قدرة على العطاء لا مثيل لها، فما قدمته للفن لم يقدمه أحد مثلها. لذا كان السؤال الأهم الذى ألح على رأسى كثيرا، وأنا أعيد مشاهدة بعض أعمالها، استعدادا للكتابة عنها، هو: كيف تسنى لهذه الفنانة أن تحيا إلى الآن فى أذهان الجماهير بنفس التوقد الذى كانت عليه فى بدايتها، التى مر عليها ما يقرب من 70 عاما؟ الإجابة أتت على لسان فاتن نفسها، عندما قالت فى إحدى المرات: "هناك كابوس يراودنى كلما اقترب عرض فيلم جديد لي، حيث أرى نفسى وقد دخلت إلى السينما فوجدتها خالية تماماً من الجمهور، لهذا لم أكن أطمئن حتى أشاهد ردود أفعال الجمهور فى قاعة العرض". هذه التركيبة كان خوفها من الفشل، يدفعها دائما إلى التجويد، والتفكير فى الجديد الذى ستقدمه إلى جمهورها دائما، ما جعلها تجيد فن الإجادة نفسه. شخصية ثرية، رقيقة المشاعر، شديدة الحساسية، تحب الكلمة الناعمة، وتعشق الأصول التى تربت عليها، تجيد فنى "الإتيكيت والبروتوكول"، لكن على الرغم من ذلك كله، فإنها فى لحظة يمكن أن تتحول إلى الحاكمة بأمرها فى البلاتوه، بالحق، دون أن تجور على حقوق الآخرين أو تجرح مشاعرهم، لكنها لا تسمح بالتهاون أو الاستسهال، مثلما فعلت عندما كانت تصور فيلم "حبيبتي" عام 1974، مع المخرج هنرى بركات، وكان يشاركها البطولة الفنان محمود ياسين، ومعهما مجموعة من الفنانين العرب، لينا باتع، آمال عفيش، هانى الروماني، سمير أبو سعيد، ولم يعجبها أداء بعض من كانوا أمامها فى المشهد، فاستأذنت بأدب شديد، من المخرج بركات وزملائها فى المشهد، أن تستريح قليلا لأنها مجهدة، وظن الجميع أنها مجهدة بالفعل، فانزوت خلف الكاميرا فى أحد أركان البلاتوه، وهى تهدف ألا تستنفد إحساسها وطاقتها فى التكرار، فيما راح المخرج بركات يواصل تكرار أداء المشهد مع الفنانين الذين يؤدونه لمدة ساعتين متواصلتين، دون كلل أو ملل من الانتظار، وعندما رضيت تماما عن الأداء طلبت من المخرج العودة لتصوير المشهد. إذا كانت فاتن حمامة قد نالت لقب "سيدة الشاشة العربية" ولم تكن قدمت بعد ربع أعمالها للسينما المصرية، إذن ما اللقب الذى يستحق أن يلازمها بعد كل هذا التاريخ وهذا العطاء؟! سؤال طرحته على عدد من الصحفيين والنقاد والفنانين والمهتمين بالسينما، فانهالت اقتراحات بألقاب وكلمات مديح، لكنى وجدتها جميعا يمكن أن تطلق على الغالبية العظمى من الفنانين الذين عاصروها، بل اكتشفت أن هناك من فنانى الجيل التالى لها، واللاحق عليهم، قد "منحوا أنفسهم" العديد من الألقاب وكلمات التفخيم والتضخيم، التى يصعب معها أن تضع فاتن حمامة فى نفس "الكفة" لتتساوى الرءوس. والألقاب. لذا لم نجد هناك أفضل من أن يكون اسمها هو لقب التكريم الذى تستحق أن يطلق عليها، وذكره مجردا يكفى أن يتساوى مع أهم الألقاب فى تاريخ السينما العالمية، وأرفع الأوسمة الفنية.. "فاتن حمامة".. وجه القمر.