تقرير إيمان عمر الفاروق بالطابق السابع بإحدى البنايات القديمة بولاية ميريلاند الأمريكية يقبع لغز فيديوهات قاطعي الرءؤس والبغدادي وأسامة بن لادن، حيث مقر شركة "سايت" الأمريكية للاستخبارات، أول من يذيع تلك اللقطات ومنها تنتقل كالهشيم بالنار، وذلك عقب أن يتم إرسالها إلي البيت الأبيض أولا! فكيف يتسنى لتلك الشركة الحصول علي تلك الفيديوهات؟ وما حقيقة الدور الخفي لرئيستها ريتا كاتز اليهودية العراقية التي أعدم والدها بتهمة التجسس لصالح إسرائيل علي يد نظام البعث العراقي عام 1969وهربت مع أسرتها إلي إسرائيل؟ والخطير أن كثيرا من الزملاء بالصحافة المصرية يستشهدون بتصريحاتها ويستندون إليها كخبيرة بشئون الحركات الجهادية بأمريكا، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن تاريخها الزاخر بالتمويه والتستر والخداع الذي بلغ حد الظهور باسم مستعار وأنف وهمي بقنوات سي بي إس الإخبارية الأمريكية ! فعلي ما يبدو أن كل ما له صلة بتلك السيدة ما هو إلا وهم كبير. البداية كانت ملاحظة بالغة الأهمية بمقال للكاتب ريك جلادستون "بالنيويورك تايمز" بتاريخ 13 نوفمبر الجاري تلفت انتباهنا إلي تزامن عرض الفيديو الأخير لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" بذات اليوم الذي شهد جلسة عاصفة بالكونجرس الأمريكي لكبار القادة العسكريين، لعرض رؤيتهم لحدود التهديد الذي يمثله داعش للأمريكيين، وأعرب الكاتب عن دهشته من أن أحدا لا يعلم علي وجه الدقة متى تم تسجيل هذا الفيديو، لكن الغريب أن الموقع الخاص بشركة "سايت" كان أول من قام بعرضه، ويتساءل الكاتب عن علاقة "سايت" بفيديوهات داعش ولماذا دائما يكون موقعها أول من يبث تلك الفيديوهات؟ وكأن هناك شفرة خاصة بينهما أو أن "سايت" هي كلمة السر والكود السري لداعش! وتتضاعف شكوكنا عندما نطالع ما طرحه البروفيسور جيمس إف.تراسي – المتخصص بالإعلام و العلوم السياسية والمحاضر بعدد من جامعات ولاية فلوريدا – من تساؤلات تشكيك في الدور المريب لمجموعة "سايت" وقيام وسائل الإعلام العالمية بتداول الفيديوهات التي تبثها عبر موقعها الإلكتروني منذ منتصف أغسطس الماضي دون أن تُكلف نفسها عناء التأكد من مصداقيتها، وكيف يمكننا الاستناد إليها كمصدر موثوق به برغم تاريخها المريب؟ ويشكك تراسي في رواية ريتا كاتز التي أوردتها بكتابها الشهير "مطاردة إرهابي" وادعائها بأنه يمثل رحلة للغوص في أعماق الجماعات الجهادية بالأراضي الأمريكية عبر مغامرة لامرأة استطاعت اختراق هذا العالم وكشفت المستور، متنكرة بارتداء النقاب وإخفاء أدوات التسجيل الخاصة بها بثنايا خمارها، وهنا تثور حزمة تساؤلات مشروعة ومنطقية كيف تمكنت ريتا من ذلك برغم القيود والحدود الصارمة التي تفرضها تلك الجماعات السرية علي ذاتها واجتماعاتها الخاصة، التي تشهد فصلا تاما بين الجنسين، فضلا عن عدم تمكن أي شخص من الحضور دون التأكد من هويته، وإذا ما وضعنا في أذهاننا جميع الاعتبارات السابقة تصبح رواية ريتا غير موضع ثقة ، يضاف إلي ذلك أنها رفضت في البداية الإفصاح عن أنها مؤلفة الكتاب و طالبت دار "هربرت كولينز" الشهيرة بنسبه لكاتب رفض ذكر اسمه معللة ذلك لاعتبارات أمنية. ويستمر تراسي في فضح خيوط تلك الشبكة العنكبوتية المريبة، بإماطة اللثام عن أحد أهم أعضائها والمستشار الرئيسي الذي تعتمد عليه ريتا بشكل أساسي، وهو بروس هوفمان ذائع الصيت المدير السابق لمكتب مؤسسة راند الشهيرة بواشنطن . وفي عامي 2003 و2004 تلقت مجموعة"سايت" دعما ماديا من الإدارة الأمريكية، وكانت قد تعاقدت فور إنشائها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لتقديم الخدمات الاستشارية ولا يعلم أحد قيمة المبالغ التي تلقتها نظير تلك الخدمات.ولكنها سرعان ما تخلت عن وضعها كمؤسسة غير ربحية لتعتمد علي العائد المادي الذي تتحصل عليه من المشتركين سواء كانوا أفرادا أم شركات. ومن الأمور الخطيرة ذلك التصريح المنسوب إلي أحد أعضاء شركة "بلاك ووتر"الشهيرة سيئة السمعة في مجال الشركات الأمنية الخاصة والتي أدين أخيرا أربعة من أعضائها لجرائمهم بالعراق ضمن ما يُعرف بفضائح المرتزقة، صرح في عام 2005 قائلا " إن مجموعة سايت تُعد مصدرا لا يُقدر بثمن" ولنا هنا أيضا أن نتساءل عن طبيعة الخدمات التي قدمتها للمرتزقة والعلاقة المشبوة بينهما . وفي عام 2007 نشرت "الواشنطن بوست " تقريرا يفيد بقيام إحدي شركات الاستخبارات العاملة بمجال رصد وتحليل البيانات الخاصة بالجماعات الجهادية عبر الفضاء الإلكتروني وتدعي "سايت"، في الحصول علي فيديو جديد لأسامة بن لادن وفي نحو الساعة العاشرة من صباح يوم السابع من سبتمبر، أبلغت أثنين من كبار المسئولين بإدارة بوش الابن عنه وفي خلال 20 دقيقة فقط بدأت علي الفور الوكالات الأمنية تحميله من الموقع الخاص بالشركة المذكورة، ولم يكد يمضي اليوم إلا وكان ملء شاشات العالم بعدما عرف طريقه إليها من المكتب البيضاوي. والكارثة وفقا لتقرير"الواشنطن بوست" أن الفيديو المذكور تبين فيما بعد أنه مفبرك!ومن هنا يتضح لنا أن إدارة أوباما تسير علي ذات النهج بتوظيف مثل تلك الشركات لحرث الطريق أمام حربها الممتدة بسوريا والعراق، أو كما يحلو لهم أن يطلقوا عليها "حرب الأجيال"، فما مؤسسة "سايت" سوي أداة أو وسيلة بيد كبار القادة الأمريكيين لحشد الرأي العام و تعبئته لتأييد تلك الحرب. الوسطاء المشبوهون وتُجدر الإشارة إلي أن مجموعة "سايت" ليست الوحيدة التي تحتكر تلك المهمة فهناك مثلا شركة "إنتل سنتر" التي تمارس دورا مشابها لدور "سايت" وتُعد بمثابة الوسيط بين مؤسسة "السحاب" الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة ووسائل الإعلام أو علي نحو أكثر تفصيلا، كما يقول الصحفي جوزيف واتسون" تحصل الشركة علي الفيديوهات الخاصة بالتنظيم والشرائط وتقوم بإمداد وسائل الإعلام العالمية بها، والغريب بل المريب أنها في مرات عديدة أعلنت عن موعد بث فيديو جديد من قِبل التنظيم قبل أن يقوم التنظيم ذاته بالإفراج عنه وكأنها تقرأ في كف التنظيم !". شركة "إنتل سنتر" لا تقل خطورة عن "سايت" وربما يلفت نظرنا تخصصها بمنطقة الشرق الأوسط بالتحديد ويترأسها بين فينوكس – المدير السابق لوحدة الاستخبارات بشركة إنديفينس - والأخيرة أيضا كانت تهتم برصد ومتابعة بؤر الصراعات الملتهبة بالشرق الأوسط، وتتألف شركة "إنتل سنتر" من مجموعة شخصيات عسكرية عملت سابقا بوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية وهي جميعا شخصيات من الوزن الثقيل . وفي دراسة مهمة لمجموعة "ليفيزنيفيز" المتخصصة بأعمال الكمبيوتر والرأي العام تبين ضآلة الاهتمام الذي تحظي به تصريحات ريتا كاتز أو الأبحاث الصادرة عن مجموعتها من قِبل وسائل الإعلام الأمريكية علي مدار العامين الماضيين، حيث لم تسجل الدراسة سوي حوالي 317 قصة خبرية بالصحف الأمريكية استندت إلي معلومات صادرة عن مجموعة "سايت" وهو يُعد رقما متواضعا للغاية ويمثل تراجعا، حيث شهد عام 2006 ذروة الصعود الإعلامي لريتا، مسجلا ظهورها مرتين علي الأقل شهريا بكل من "الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز" فيما هبط المؤشر منذ ذلك الحين لتراجع مصداقيتها ونادرا ما تلجأ إليه الصحافة العالمية اليوم. ولكن ريتا تحاول دائما الإيحاء بخلاف ذلك، بل إنها قالت لمحرر مجلة "ذا نيو يوركر" الشهيرة في لقاء مطول أجراه معها ونشره بتقرير مثير أشبه بقصص "أجاثا كريستي" البوليسية، إنها تبادر بالاتصال ببعض الشخصيات المهمة بإدارة الرئيس الأمريكي أوباما لتخبرهم ببعض المعلومات التي تري أنهم يجب أن يكونوا علي إلمام بها وإلا ربما تحدث كوارث يصعب احتواؤها. ريتا شخصية مثيرة للجدل قصيرة القامة، سمراء ذات بشرة داكنة اللون عيناها عسليتان مخادعتان تعكسان ملامحها الشخصية العصبية التي لا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي للحظة، وتتحدث بسرعة فائقة ولمدي طويل قد يصل إلي نحو عشر دقائق متصلة دون توقف وينطلق لسانها بالعربية بطلاقة، فهي من مواليد مدينة البصرة بجنوب العراق عام 1963 بأسرة يهودية شديدة الثراء، ذائعة الصيت حيث كان والدها رجل أعمال. وفي أعقاب نكسة 1967 وجهت إلي والدها تهمة التجسس لحساب إسرائيل وتمت إدانته عام 1969 في محكمة عسكرية مع ثمانية يهود آخرين وخمسة من غير اليهود تم إعدامهم شنقا بأحد ميادين بغداد الرئيسية في مشهد ضم نحو نصف مليون عراقي، وتم وضع باقي أفراد الأسرة قيد الإقامة الجبرية ولكن استطاعت والدة ريتا تخدير الحراس والهروب بأطفالها الثلاثة من خلال خدعة، حيث تظاهرت بكونها زوجة لواء عراقي كانت تعرف زوجته بصوتها المنخفض فقامت بتقليدها وتمكنت من الوصول إلي إيران ومنها إلي إسرائيل، حيث حطت الأسرة الرحال بمدينة "بات يام" الساحلية .ولعل تلك التجربة انطبعت بذاكراتها فمضت حياتها بدروب التخفي والهروب والخداع أو ربما ورثت جينات والدتها وتفوقت عليها! التحقت ريتا بالجيش الإسرائيلي ودرست فيما بعد العلوم السياسية والتاريخ وتلقت بعض الدراسات الخاصة بالشرق الأوسط بجامعة "تل أبيب" وهي تعد من الصهاينة المتعصبين، حيث تقول دائما عن نفسها إنها طالما كانت تؤمن بأن اليهود قطعة حية من إسرائيل وهي قطعة منهم يستحيل استئصالها! ولكن إيمانها بتلك المقولة لم يصمد علي أرض الواقع فبعدما تزوجت من طبيب حصل علي درجة الزمالة لإجراء البحوث بعلم الغدد الصماء بالمعاهد الوطنية للصحة الأمريكية عام 1997 وانتقلوا إلى واشنطن مع أطفالهما الثلاثة، حيث لم تكن قد أنجبت طفلها الرابع بعد، وتعطيها تفاصيل سيرة حياة والدها، وهروبها من العراق، وتعليمها في إسرائيل في نظر البعض في المجتمع الأمريكي طابعا خاصا يؤهلها لما قامت وتقوم به، حيث يري بيتر بروست الضابط المتقاعد "بالسي آي إيه" أن تلك النشأة منحتها طابعا فريدا . وعملت ريتا في بداية إقامتها بالولاياتالمتحدة، كمساعد في محل لبيع الهدايا في إحدى الضواحي إلي أن شاهدت إعلانا لمساعد بأحد المراكز البحثية يتحدث العربية، فتقدمت بطلب للحصول على وظيفة والتحقت بها بالفعل، وكانت بما يسمي "مشروع التحقيق" الذي يديره ستيفن إيمرسون، وهو مراسل صحفي سابق. أصبح معروفا على نطاق واسع في أعقاب تفجير أوكلاهوما سيتي 1995، عندما ظهر كخبير على شبكة سي بي إس نيوز، قائلا: إن الهجوم كان من عمل الإسلاميين. واتضح فيما بعد أن تيموثي ماكفي كان هو المسئول عنه. وبدأت رحلتها بالعمل السري بادعاء أو تحت غطاء الاقتراب من الجماعات الجهادية، وحاولت في البداية بشتى الطرق الاقتراب من الجالية الإسلامية بالولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث دأبت علي حضور التجمعات الخاصة بتلقي التبرعات لمعرفة مصادر تمويلهم، وقامت بزيارة المساجد بل والمشاركة في التظاهرات المؤيدة لفلسطين والمنددة بجرائم إسرائيل وهتفت معهم ! كل ذلك علي سبيل التمويه، وأضحت تستهلك في تلك المغامرات الحقيرة وقتا طويلا وتغيب عن منزلها بالأيام وتكتفي بمحادثة زوجها هاتفيا لتخبره أنها في مهمة عمل لا تستطيع الإفصاح عنها لدرجة أنه شك في وجود علاقة غرامية لها! وفي يوليو من عام2002 قامت بالتعاون مع زميلها وصديقها جوزيف ديفون بتأسيس مركز "سايت "بتمويل من مختلف وكالات الأمن الفيدرالية الأمريكية وعدد من الجمعيات الخاصة ورجال الأعمال، وكان الهدف الرئيسي المعلن هو رصد ومتابعة وتحليل سجلات الشركات، تقارير الائتمان ,استمارات الضرائب، أشرطة الفيديو ومواقع الإنترنت التابعة للجماعات الإسلامية. وتستيقظ ريتا في السادسة صباحا وتترك جهاز الكميوتر الشخصي مفتوحا حتي عندما يكون لديها ضيوف فإنها تخبئه بطاولة المطبخ لتتابع التطورات وتنفق يوميا ساعات طويلة لمعرفة كلمة السر الخاصة بغرف الدردشة التابعة لمواقع الجماعات الإسلامية، وتسجيل ما يدور بينهم من أحاديث سياسية، وتقوم علي الفور بالتعاون مع فريقها الخاص بترجمة المحتوي والمضمون وإرسال تقرير واف عبر البريد الإلكتروني لنحو 100 مشترك في خدمة موقع مجموعتها أغلبهم من أقطاب الإدارة الأمريكية، ووسائل الإعلام وبعض الشركات الأمنية. وقد شاركت مع سلطات التحقيق فيما يزيد على 12 قضية ضد مسلمين بأمريكا، ويعتمد عليها عدد من كبار الضباط والمستشارين الأمريكيين بالعراق، وينتظرون رسائلها الإلكترونية إلي حد بعيد، ولعل هذا ما رشحها للصعود إلي سطح الساحة الإعلامية بالتزامن مع الحرب ضد داعش، فضلا عن معرفتها بالواقع العراقي وكيف يفكر العرب علي حد قولها. ومن المحطات الخطيرة بتاريخها حصولها علي تريليون دولار للمشاركة بدعوي قضائية كاذبة مغرضة كانت تسعي لإدانة المملكة العربية السعودية وعدد من رجال الأعمال السعوديين بتهمة التورط بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. الكاتب الأمريكي الكبير ريتشارد كلارك أشاد بجهودها وتعاونها مع سلطات مكتب التحقيقات الفيدرالي هي وزميلها ستيفين إيمرسون بكتابه الشهير "ضد كل الأعداء" حيث ورد به ما نصه " أنها كانت ترسل بشكل شبه يومي سيلا من التقارير والمعلومات للبيت الأبيض بشأن تنظيم القاعدة". وفي حركة مسرحية رخيصة وغريبة ظهرت في مايو 2003 علي شبكة قنوات "سي بي إس" الإخبارية لتسويق كتابها "مطاردة إرهابي" متنكرة باسم مستعار، حيث قدمت نفسها باسم سارة وقامت بتركيب أنف وهمي لإخفاء ملامحها. وفي يناير 2007 قامت الرابطة الوطنية من النساء الأمريكيات المسلمات بتقديم شكوى رسمية لدى وزارة العدل الأمريكية قسم الحقوق المدنية والقسم الجنائي وذلك بتهمة أنه نتيجة معلومات مضللة وكاذبة مقدمة إلى الوكالات الأمريكية، ووسائل الإعلام، والهيئات الحكومية المختلفة، أدت إلى خلق بيئة في الولاياتالمتحدة عدائية تجاه المسلمين، مما أدى إلى حرمانهم من الحقوق و الحريات العامة واعتقال العديد منهم بتهم جزافية. وفي دعوي قضائية واحدة تمت إقامتها من رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي ضد ريتا كاتز عام 2005 حصل علي حكم قضائي بإدانتها وتغريمها 41000 دولار عام 2009، ولكن علي الساحة السياسية لاتزال ريتا تكسب العديد من القضايا والأشرطة الزائفة مثل أنفها وبرغم أنف الجميع.