رانيا رفاعى هو واحد من عشرات الفرنسيين الذين شغفتهم مصر حبا، فأخرجت أجمل ما بداخلهم من فنون وآداب أبهروا بها العالم ... إلا أن تفاصيل علاقة الحب العجيبة التى ربطت الرسام والنحات الفرنسى جان ليون جيروم بمصر لها، تؤكد أن مصر هى منصة الحضارة الحقيقية من واقع قصة حياة واحد من أهم الفنانين فى العالم. وتتجدد ذكرى جيروم هذه الأيام، حيث إنه واحد ممن وجه لهم الخديو إسماعيل شخصيا دعوة لحضور حفل افتتاح قناة السويس فى 1869 . وقد قرر الخديوى توجيه الدعوة له بعدما أرسل له جيروم من باريس ألبوما يضم صورا لأعماله الفنية. وعلى الرغم من لحظة الانبهار التى تخطف عقول كل من يرى رسومات جيروم عن مصر، فإن حياة جيروم الفنية فى مبدئها لم تكن مبشرة بالخير . فقد سعى الرجل سعيا حثيثا لإثبات نفسه فنيا فانتقل من مدينة فيسول التى كان يعيش فيها إلى العاصمة باريس لإثبات وجوده بين كبار فنانيها، لكن وعلى الرغم من هذه الخطوة لم يكن جيروم قد أمسك بطرف الخيط بعد. فقرر السفر إلى إيطاليا لنقل معالمها الحضارية فى رسوماته وبألوانه. لكنه فشل أيضا . وقرر أن يحاول من جديد أن يتتبع خطوط الحضارة فى العالم لتساعده على الارتقاء بأعماله الفنية. فقام جيروم برحلة إلى تركيا فى عام 1845 . وهناك أيضا لم تجد روحه الفنية ما يشبعها لتستطيع بعد ذلك أن تقول ها أنا ذا . ومن تركيا اتجه جيروم إلى مصر، فانتفض بداخله الفنان . وامتلأت أوراقه بالرسومات الفنية من كل ما وقعت عليه عيناه من على الجدران فى الشوارع ومشاهد الناس فى الأسواق والمصلين وهم يركعون خلف الأئمة فى الجوامع ... و بمجرد رجوعه إلى بلاده بعد هذه الرحلة القصيرة، أرسل جيروم صور أعماله للخديو إسماعيل الذى التقط الرسالة بدوره ودعاه لحضور حفل افتتاح القناة. وبالفعل كانت رسومات جيروم خير توثيق للحفل التاريخى بأبهته وبهجته. ومن بين أهم اللوحات التى سجل فيها جيروم انطباعاته عن مصر، تلك التى رسم فيها نابليون بزيه العسكرى على حصانه الأبيض يقف أمام تمثال أبو الهول . وكأنه كان يبعث برسالة إلى قصر الإليزيه وإلى العالم بأسره أن لا قوة على الأرض يمكنها أن تقف فى وجه الحضارة . وقد راعى جيروم فى هذه الصورة بذكاء شديد فرق التناسب بين حجم تمثال أبى الهول وحجم نابليون على حصانه. كما أن اختياره لتمثال أبى الهول فى حد ذاته يحمل رمزا قويا جدا؛ حيث بنى هذا التمثال خصيصا ليكون حامى الحضارة الفرعونية العريقة من كل من يحاول المساس بها. ولولا فضل مصر على جيروم لما كان إلى الآن اسمه واحدا من أهم أسماء الفنانين الذين عبرت أعمالهم عن العشق الفرنسى لمصر وانطباعات المستشرقين عن الحياة فيها. بل اليوم يعلم جيدا كل من يطالع مبادئ تاريخ الفن التشكيلى أن جيروم هو صاحب المدرسة الأهم فى توثيق تاريخ مصر بالفرشاة والألوان.