فى صدر صفحتها الأولى نشرت الأهرام فى عددها الصادر فى 4 مايو 1881 سيرة ذاتية تفصيلية للمسيو فردينان دى ليسبس الشهير بحسب وصف الجريدة آنذاك، ولعل جميع المصادر العربية التاريخية العربية منها أو الغربية أجمعت أن شهرة دى ليسبس وسبب تخليد اسمه، إنما يرجع إلى ارتباطه بمشروع قناة السويس التى ارتبطت فى أذهان المصريين بتاريخ طويل من النضال امتد لما يزيد على 3860 عاما منذ تنفيذ نسختها الأولى قناة سنوسرت الثالث عام 1850 ق.م والتى عرفت باسم قناة سيزوستريس (الاسم اليونانى لسنوسرت)، والتى نحتفل هذه الأيام بمرور 155 عاما على بدء حفرها. وفكرة إنشاء قناة لربط البحرين الأحمر والأبيض فكرة قديمة كما بينا فبعد عقود تعرضت قناة سنوسرت للردم، ثم أعيد حفرها إبّان الفتح الإسلامى لمصر فى عهد عمرو بن العاص عام 640 م وسميت بخليج أمير المؤمنين، وكان يتم نقل خراج مصر لمقر الخلافة فى الحجاز عبرها، إلا أنها ردمت بعد ذلك بأمر الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور منعاً لأى إمدادات من مصر إلى أهالى مكة والمدينة الثائرين ضد حكم العباسيين، إلى أن تولى محمد على حكم مصر عام 1805، وهو نفس العام الذى شهد ميلاد دليسبس فى فرساى بفرنسا. وأثناء حكم محمد على باشا لمصر كان مسيو ميمو، قنصل فرنسا بمصر ونائبه «فردينان دى ليسبس»، وفى عام 1833 جاء أصحاب سان سيمون الفرنسى الاشتراكى إلى مصر لإنشاء قناة السويس ولاقا حفاوة بالغة من دى ليسبس وعرضا الفكرة على محمد على باشا، إلا أنه فضل إنشاء القناطر الخيرية على النيل لمنع إهدار مائة فى البحر، لم يكن هذا هو السبب الوحيد لرفض محمد على للمشروع فى حد ذاته ، وإنما كان فى منح شركة أجنبية امتياز الحفر والانتفاع به، وهو ما عبر عنه القنصل الفرنسى فى القاهرة مسيو بارو بقوله: إن محمد على لن يرضى أبداً بمنح شركة أجنبية امتياز حفر هذه القناة وبالتالى لن يسمح مهما كان الثمن لهذه الشركة بالانتفاع بالقناة. ومع تولى محمد سعيد باشا حكم مصر فى 14 يوليو1854 تمكن دى ليسبس من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الأول، وكان مكونا من 12 بنداً كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين، ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ افتتاح القناة، وفى الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858 تم الاكتتاب فى أسهم شركة قناة السويس، حيث بلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب نحو 400 ألف سهم، بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد. في 25 أبريل 1859 أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر قناة السويس، إلا أنه سرعان ما توقف الحفر بسبب معارضة إنجلترا والدولة العثمانية، إلا أنه سرعان ما استؤنف في 30 نوفمبر 1859 بعد تدخل الإمبراطورة أوجينى لدى السلطان العثماني. وفى 16/11/1869 أقيم حفل افتتاح القناة، ودعا فيه الخديو إسماعيل حاكم مصر آنذاك عددا من أباطرة وملوك العالم، كان من ضمنهم الإمبراطورة أوجيني، إمبراطورة فرنسا، حيث وصفت الحفل فى برقية لها للإمبراطور نابليون الثالث، بأنه كان احتفالا ضخما لم تر مثله فى حياتها. ومع بدء العمل بالقناة بدأ عدد السفن التى تعبر القناة فى الارتفاع وبلغت عام 1892 نحو 327 سفينة، ودفعت رسوم مرور بلغت 6.395.805 فرنكات. ومع مرور الوقت بدأت شركة قناة السويس برئاسة الكونت دى روفيل، فى تخفيض رسوم مرور السفن فى القناة عام 1893، ما أدى إلى ازدياد عدد السفن التى تمر فى اليوم الواحد، حتى وصل إلى 17 سفينة. ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، قامت شركة قناة السويس بعقد اتفاق وقعت عليه كل من إنجلترا، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا وإسبانيا، حيث تقرر حياد القناة وأنه لا يجوز للبواخر أن تقوم بعمل حربى فى القناة أو على جوانبها أو مينائها عند المدخلين، ولا ينزل من البواخر ولا يصعد إليها جنود ولا ذخائر ولا معدات حرب. وفى عام 1956 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر، تأميم شركة قناة السويس، لتصبح شركة مساهمة مصرية، وأضحت كلماته «باسم الأمة.. تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا على إدارتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يمتلكونه من أسهم وحصص" باقية فى أذهان المصريين حتى الآن. وترتب على هذا القرار الذى صدر قبل 12 عاما فقط انتهاء امتياز حفر القناة رد فعل عنيف من بريطانيا التى أعلنت احتجاجها على التأميم، فقامت بتجميد أرصدة مصر لديها، لتقوم مصر بمقاضاة بريطانيا أمام محكمة العدل الدولية، وأعلن عبد الناصر تحميل كل من بريطانياوفرنسا مسئولية تعطيل الملاحة فى القناة. وجاء رد فعل الدولتين بمعاونة إسرائيل مجسدا فى العدوان الثلاثى على مصر فى يونيو 1967م، لتغلق القناة أمام الملاحة الدولية لمدة 8 سنوات، حتى جاء يوم 5 يونيو 1975م حين أعلن الرئيس أنور السادات إعادة فتح قناة السويس للملاحة العالمية، وبدأت الاحتفالات بهذا الحدث بتوقيع وثيقة تسليم القناة إلى الإدارة المدنية، بعد أن ظلت طوال فترة إغلاقها تحت إشراف القوات المسلحة المصرية التى حققت فى 6 أكتوبر 1973 انتصارها العظيم بعبور القناة.. وتمر السنون ليأتى يوم 6 أغسطس 2014 الذى أعن فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوقيع وثيقة تنفيذ توسعات قناة السويس التى عرفت باسم قناة السويس الثانية، لتكون قناة موازية للقناة الأولى الأصلية، ويتم - بحسب المستهدف - تحويل المنطقة من مجرد معبر مائى تجارى إلى مركز صناعى عالمى لإمداد وتموين النقل والتجارة.. ويعود ارتباط القناة بوجدان الشعب المصرى كمشروع قومى جديد، يأمل المصريون أن يكون تعبيرا مباشرا عن ثورتيهم وممرا للعبور للمستقبل المنشود.