الممر المائي الأول والأهم في العالم لجميع الدول، يسمح بعبور السفن القادمة من البحر المتوسط وأوروبا وأمريكا للوصول إلى آسيا دون سلوك طريق رأس الرجاء الصالح الذي كان السبيل الوحيد في الماضي.. "قناة السويس"، هي ممر مائي اصطناعي يبلغ طوله 193 كم يربط بين بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط والسويس على البحر الأحمر، وتنقسم القناة إلى قسمين، شمالا وجنوبا، واستغرق بنائها 10 سنوات منذ 1859 حتى 1869. وتسير السفن في قناة السويس في اتجاه واحد ثم تتبعها السفن في الاتجاه المعاكس، وتوجد لتلك الغرض ثلاثة أماكن واسعة تستطيع السفن المرور فيها ذهابا وإيابا في نفس الوقت. في ذكرى الافتتاح الشعبي المهيب لقناة السويس.. نستعرض أهم المحطات التاريخية التي مرت بها القناة منذ نشأتها وحتى الآن. المحطة الأولى، بدأت بعد قيام الرحالة "فاسكو دي جاما" باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح لم تعد السفن القادمة تمر على مصر بل تدور حول قارة إفريقيا، وبعد ضمّ بريطانيا العظمى الهند إلى ممتلكاتها أصبح طريق رأس الرجاء الصالح حكرا على بريطانيا وحدها، لذلك فقد كان على فرنسا أن تفعل شيئا يعيد لها مجدها وهيبتها لذا ظهرت الحاجة لحفر قناة السويس، ولكن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل في ذلك الوقت بسبب وجود اعتقاد خاطئ بأن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من مياه البحر المتوسط. وفي عهد نابليون بونابرت وأثناء وجود الحملة الفرنسية في مصر، وتحديدا في 14 نوفمبر 1799م، بدأت المحطة الثانية، بعد أن كُلّف أحد المهندسين الفرنسيين ويدعى "لوبيير" بتشكيل لجنة لدراسة منطقة برزخ السويس لبيان جدوى حفر قناة اتصال بين البحرين، إلا أن التقرير الصادر عن لجنة "لوبيير" كان خاطئا وذكر أن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط بمقدار 30 قدم و 6 بوصات، إضافة إلى لوجود رواسب وطمي النيل مما أدى لتجاهل تلك الفكرة. لتأتي المحطة الثالثة، بعدما تولي محمد سعيد باشا حكم مصر في 14 يوليو 1854 ، حيث تمكن "مسيو دي لسبس" من الحصول على فرمان عثماني بعقد امتياز قناة السويس الأول وكان مكونا من 12 بندا، من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين، ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة، واعترضت إنجلترا بشدة على هذا المشروع خوفا على مصالحها في الهند. قام "دى لسبس"، بزيارة منطقة برزخ السويس في 10 يناير 1855، لبيان جدوى حفر القناة وتم إصدار تقرير في 20 مارس 1855 والذي أثبت سهولة إنشاء قناة تصل بين البحرين، وشكل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسين، ثم زارت اللجنة منطقة برزخ السويس وبورسعيد وصدر تقريرها في ديسمبر 1855، والذي أكد إمكانية شق القناة وأنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويان في المنسوب. وفي 25 أبريل 1859، أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر قناة السويس وضرب "مسيو دى لسبس" بيده أول معول في الأرض لإعلان إشارة البدء بحفر القناة بحضور 100 عامل من دمياط، ولكن لم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم بسبب معارضة إنجلترا والسلطان العثماني واستكمل الحفر في 30 نوفمبر 1859 وذلك بعد تدخل الامبراطورة أوجيني. وفي يوم 18 نوفمبر 1862 أقام "دي لسبس" احتفالا بمناسبة الانتهاء من حفر القناة البحرية المصغرة ووصول مياه البحر المتوسط إلى بحيرة التمساح، وأقيم الحفل في منطقة نفيشة، و في يناير 1863 تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر وتحمس للمشروع كثيرا لتبدأ محطة رابعة مع بداية حكم إسماعيل لمصر. واستمرت أعمال الحفر منذ تاريخ تولي الخديوي إسماعيل الحكم حتى يوم 15 أغسطس، الذي شهد ضربة الفأس الأخيرة في حفر القناة. ودعا الخديوي إسماعيل 16 نوفمبر 1869، لإقامة حفلا أسطوريا مهيب، بحضور أباطرة وملوك العالم وقريناتهم في مصر. ومرورا بالمحطات التاريخية التي شهدتها القناة، هناك 4 محطات رئيسية يجب التوقف عندها قليلا بداية من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتي وقتنا الحالي. ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتحديدا في السادس والعشرين من يوليو عام 1956تم تأميم القناة وأصبحت ملكا للحكومة المصرية بدلا من الفرنسية، وكان تأميم قناة السويس سببا لاندلاع حرب العدوان الثلاثي، والذي شنته بريطانياوفرنسا وإسرائيل على مصر. وبعد تأميم القناة، طرحت فكرة تنمية محور قناة السويس لكنها قوبلت بالرفض من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بسبب الصراع الذي تعرضت لها القناة منذ أن اتخذ قرار تأميم القناة والذي نتج عنه العدوان الثلاثي علي مصر، لينتهي "الناصر"، ولم تخرج الفكرة إلي النور حتي أًعيد طرح الفكرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1982من جديد ولم يكن الهدف اقتصاديًا هذه المرة ولكن بهدف الخروج من أزمة العدوان الإسرائيلي، كون القناة منطقة جاذبة للاستثمارات لها طابع خاص وجعل قناة السويس منطقة صناعية تجارية سياحية حرة، وعدم قصرها على مجرد ممر ملاحي لعبور السفن، لكن الفكرة باءت بالفشل مرة أخرى. وفي أوائل التسعينات، طفى على سطح المناقشات المشروع نفسه مرة أخرى في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بهدف زيادة تدفق السفن التي كانت تسير في قافلة الشمال والأخرى التي كانت تسير في قافلة الجنوب، حيث كانت فترات الانتظار للسفن طويلة جدًا على القناة، ولكنه لم يتحقق أيضا وكذلك في عهد الرئيس السابق محمد مرسي لم يتم أي انجازات بالمشروع. ووصلت القناة إلى محطته ما قبل النهائية وهي المرحلة الحالية حين أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أغسطس الماضي، بدء حفر قناة جديدة بطول 72 كيلو متر، ضمن مشروع لتنمية الممر الملاحي لقناة السويس، علي أن يكون تمويل تلك المشاريع مصريًا، تحت إشراف الجيش لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، بهدف تحويل المنطقة إلى مركز صناعي عالمي للإمداد والتموين في منطقة القناة، لتخرج بذلك هذه الفكرة إلي النور بعد سنوات من الظلام. وجاري انتظار اكتمال المرحلة الأخيرة والنهائية لواحد من أضخم مشروعات مصر على مر التاريخ، وأعظم الممرات الملاحية المائية بالعالم.