جاء إلى مصر بعد أن وجد نفسه معرضا للاغتيال ضمن خطة تصفية العقول العراقية حسب قوله، جاء لا يحمل معه سوى ذكرياته كإعلامي عبر مشوار يمتد لما يزيد على 40 عاما، قدم خلالها عشرات البرامج السياسية والثقافية والنوعية والدينية، وتولى مسئوليات إدارية عديدة، كان آخرها مدير إذاعة بغداد حتى يوم سقوط بغداد، وعلاوة على كونه خبيرا إعلاميا، ومن المفارقات الغريبة أنه عمل مع اثنين كانا الأكثر أثارة للجدل وهما محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي والمتحدث الرسمي لنظام صدام أيام الغزو الأمريكي للعراق، وكانت آخر كلماته أن الأمريكان ينتحرون الآن على أسوار بغداد «بعدها توارى عن الأنظار بعد سقوط العراق، حتى إن هناك من أطلق عليه لقب «مسيلمة الصحاف» تشبيها بمسيلمة الكذاب، أما الآخر فهو الإعلامي أحمد سعيد الذي كان يتولى مسئولية إذاعة صوت العرب، أهم محطة عربية أثناء النكسة وفيها أعلن النصر لمصر في 1967 بينما كانت الهزيمة تحيق بنا، إنه الإعلامي العراقي موفق السامرائي ومعه كان هذا الحوار: بداية .. لماذا اخترت مصر للإقامة فيها حاليا؟ لأنها بلد الأمن والآمان، وهي الأم والحبيبة، علاوة على أن أعشقها منذ سنوات طويلها، وقضيت فيها أياما لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، بداية من تدريبي بمعهد الإذاعة والتليفزيون، الذي نقلت تجربته للعراق فيما بعد، كما عملت مذيعا فى صوت العرب، أثناء حرب 1967، وأديت واجبي كأى مصرى، وشاركت في قراءة بلاغات الحرب، ثم عدت لأواصل عملي كمذيع في العراق. إذا تحدثنا عن رحلتك مع الإذاعة ماذا تقول عنها؟ لقد التحقت بالإذاعة عام 1961، وكنت وقتها طالبا فى الكلية، وواصلت العمل فيها بعد تخرجي، ثم عملت لفترة كمذيع في صوت العرب، وتحديدا في عام 1967 حيث شاركت في تقديم بيانات الحرب، ثم عدت للعراق لأواصل العمل، وتدرجت فى العمل الاذاعى حتى وصلت إلى درجة خبير إعلامى، بجانب مسئوليات عديدة كان آخرها رئيس إذاعة بغداد، ولآخر يوم ظللت أؤدي عملى وسط القذائف وطلقات المدافع وكان معي وقتها وزير الإعلام الأسبق محمد سعيد الصحاف، وكنا نتنقل معا بين إذاعات الطوارىء، لأننا كنا مستهدفين، ولا يمكن أن أنسى يوم توسد الصحاف حذاءه لينام عليه من شدة تعبه وإرهاقة. بذكر الصحاف ماذا تقول عنه؟ رجل محنك وشخصية إعلامية لا يعلى عليها، فقد بدأ كمدير لإذاعة القوات المسلحة، ثم انتقل للخارجية حيث عمل سفيرا، وبعدها أصبح وزيرا للخارجية، فوزير للإعلام ، وأنا أعمل معه منذ عمله بالإذاعة وظللت إلى جانبه حتى دخلت القوات الأمريكيةبغداد، وفي ليلة الاحتلال كنت معه نذيع بيانات الحرب والأناشيد الوطنية، من داخل إذاعات الطوارئ، التي كنت أول من اقترح تواجدها بعد زيارتي لفيتنام، وهناك تعرفت على مثل هذا الإذاعات وضرورة وجودها، وهو ما حدث وكان بالفعل لها دورها الكبير في الحرب وكان لدينا وقتها 10 إذاعات للطوارئ لم تستطع قوات الاحتلال أن تصل إلينا وكان يجن جنونها عندما تتوالى البلاغات التي نصدرها. ولكن بسبب هذه البلاغات اتهم بالكاذب وصفات كثيرة سلبية؟ أنا كنت معه منذ البداية وعشت معه ما حدث لحظة بلحظة، وشهادة للتاريخ، الرجل كان ينقل الواقع بكل أمانة وبكل صدق، وفقا للبيانات التي كانت تصله من القيادة العسكرية وبيانات كان يكتبها صدام بنفسه، مازلت أحتفظ ببعضها، وبالتالي فعلى المستوى المهني كان وزيرا ناجحا للإعلام، ومن خلال قربي منه أقول عنه إنه كان صادقا وأمينا ونظيفا ووطنيا و قوميا وليس كما يدعى عليه البعض بالكذب. وماذا تقول عن أحمد سعيد وقد وجهت له نفس الاتهامات بسبب بياناته في حرب 1967، وكنت أنت شاهدا عليه أيضا؟ وما الذي يمكن أن يفعله الإعلامي في الحرب، فلابد من استخدام حرب الدعاية الإعلامية المضادة، حتى تسهم في رفح الروح المعنوية للجنود وللشعب أيضا، لكنه إذا طبل للخسارة ونقل جوها فهو بذلك يسهم في سرعة انهزام جيشه وشعبه، الإعلام الإسرائيلي نفسه يفعل ذلك حتى إنه كان يذيع أخبارا تناقض الواقع تماما، لذلك أرى أن أحمد سعيد قد تعرض لظلم شديد بالهجوم الذي شنه الناس عليه، فقد كان من واجبه أن يؤجج المشاعر ويرفع المعنويات ولا يمكن أن نقول إنه ببياناته تسبب في خسارة المعركة العسكرية . مازلت تحتفظ بخطاب شكر موجه لك من الرئيس السابق صدام حسين فماذا عنه؟ هذا الخطاب كان بمثابة التقدير لدور الإذاعة، ولدوري كإعلامى، ظل يمارس عمله لسنوات طويلة، بدأت منذ عام 1961، وشاركت بصوتي فى كل المعارك والحروب التي خاضها العراق، وواصلت المسيرة حتى وصلت لمنصب رئيس إذاعة العراق وكذلك كخبير إعلامي. هل التقيت صدام؟ بالطبع، فقد كان يأتي لزيارتنا في مقر الإذاعة، وأذكر أنه في أول أيام حربنا مع أمريكا والمتحالفين معها، زارنا في إذاعة الطوارئ وكان مقرها تحت الأرض، وذلك لتشجيعنا حيث قال لنا «انتوا ناس شجعان»، كما أذكر في إحدى زياراته لنا في استديو الإذاعة وبعد مغادرته لنا وجدت المذيع المصري رشاد أدهم رحمه الله يقول لي "يبدو أن الرئيس يعرفك جيدا "، فضحكت وقلت له بالطبع فهو مستمع جيد للإذاعة. كيف ترى صدام؟ من ينتقد صدام عليه أن يأتي برئيس ليس له أخطاء، ثم من يعلم أن هذه الأخطاء لا يكمن خلفها أسرار لا يعرفها الآخرون، وهو يعشق مصر بصورة جعلته يصدر قرارا يقول فيه إن من يمد يده على أى مصري، فكأنه يمد يده على صدام حسين، علاوة على أنه لم يخن ولم يأت على دبابة الاحتلال. وما أبرز أخطائه من وجهة نظرك؟ غزو الكويت، وهو نفسه اعترف بذلك، وسبق أن صرح أن السفيرة الأمريكية أعطت له الضوء الأخضر لغزو الكويت، وفي زيارة له لنا ونحن في إذاعة الطوارئ فوجئنا به يقول " أنا هقولكم الحقيقة، إحنا ما كنا يوما من الأيام نفكر بغزو الكويت، فهم أولاد أعمامنا وإخوة لنا، ولا توجد مشكلة معهم سوى موضوع النفط وعدم دفعهم قيمة ما أخذوه، وأيضا أغضبني منهم بشدة ما وصلني من كلام يردده بعض الكويتيين، يسىء إلى سمعة المرأة العراقية ويجعل من قيمة الدينار العراقي ورقة لإشعال السيجارة أو منديلا للتمسح به "، وبرغم ذلك عندما اشتدت وطأة الحرب قال أنا مستعد للذهاب إلى الكويت لكي أعتذر لهم. كيف ترى المشهد العراقي حاليا؟ العراق ضحية محتل تآمر عليه، فقسم أهله، تنفيذا لمخطط قديم هدفه تقسيم العراق، ومن بعده باقي الأقطار العربية، خصوصا سوريا ومصر، وبالفعل تم تقسيم العراق وكذلك سوريا التي قسموا جيشها إلى نظامي وحر، ولا تزال الأيادي الخفية تلعب مع الاستعمار حتى لم يعد هناك بلد عربي مستقر، وبرغم ذلك فأنا كمواطن عربي لدي أمل كبير فى أمتنا العربية التي أصبحت تدرك ما يحيق بها، وأصبح الشعور العربي يتحسر على أيام عبد الناصر، وكل حلمه الآن أن يتوحد، ويكون لدينا جيش عربي واحد، وبالتالي فالأمل الوحيد في هذا الشعور العربي الذي بدأ يستيقظ وأصبح واعيا، ويسعي حاليا لأن يعود الجميع إلى البيت العربي. هل جاءتك تهديدات بالقتل؟ كنت على وشك الاغتيال، ولكن إرادة الله جعلتني أعلم بخبر قدوم من يريدون اغتيالي، فغادرت البيت مسرعا، وما إن وصلوا حتى أدركوا أني هربت عندما لم يجدوني وكان يتحدثون كما علمت بلكنة غير عربية، فأمسكوا بشعر ابنتي وضربوها كي تدلهم علي ، ولكنها أجابتهم بإجابات مضللة، في الوقت الذي كنت فيه في طريقي إلى سوريا ومنها جئت إلى مصر. وهل يمكن أن تنهض العراق مرة أخرى؟ ستنهض وسيخرج منها الاحتلال، والأمل كبير في المقاومة العراقية التي تعمل منذ أول يوم للاحتلال وأخبارها معروفة وأراها تتطور مع الوقت وقريبا سيتحقق النصر على يديها. إذا عدنا لعملك كمذيع، فما أهم اللقاءات التي أجريتها؟ لقد أجريت لقاءات لا حصر لها، ولكن بالطبع هناك لقاءات أعتز بها مع سيد مكاوي ولطفي الخولي وعبد الحليم حافظ وسيد النقشبندي ويسرا وأحمد زكي ومحمود ياسين وصلاح قابيل وصلاح أبو سيف وأبو دراع، والمطرب محمد عبد المطلب وأغلب المقرئين المصريين الذين كانوا يأتون لإحياء شهر رمضان. وما قصة تقديمك لإحدى حفلات أم كلثوم؟ أنا من عشاق أم كلثوم، وأثناء وجودى بالقاهرة ومع اقتراب موعد حفلتها الشهرية طلبت من المذيع أحمد سعيد أن يمنحني تذكرة لحضور هذا الحفل، فقال إن الحصول على تذكرة أمر صعب جدا لأن كل تذاكر الحفل نفدت، فاقترحت عليه أن أذهب مع فريق الإذاعة التي ستنقل الحفل، فإذا به يخبرني بأن أم كلثوم غاضبة على إذاعة صوت العرب بسبب إذاعة إحدى أغنياتها وبها خطأ فني مما جعلها تقرر عدم قيام الإذاعة بنقل حفلها، ولم يمض يومان حتى فوجئت بطلب استدعاء لي من أحمد سعيد، فذهبت إليه فأخبرني بأن أم كلثوم تراجعت ووافقت على نقل حفلتها، واشترط لكي أحضر الحفل أن أسهم في تقديمه مع العمالقة أحمد فراج وجلال معوض وأمين بسيوني، فوجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه، لأنه لا يصح أن ألقي كلمتى وأنا أقرأ من ورقة مكتوبة، فكل من قدموها من قبل يرتجلون، ولأن ذلك أمر صعب خصوصا أن الملايين في كل أنحاء العالم العربي ستكون آذانهم صوب الراديو، وأى خطأ سأقع فيه سيكتب نهايتي كمذيع خصوصا أني كنت في بدايتي، لذلك تمنيت أن يحدث شىء يمنعني من المشاركة، ولكن لم يحدث لذلك كنت في الساعة الثامنة موجودا في سينما قصر النيل، حيث حفل أم كلثوم، وما إن تقدم الإعلامي جلال معوض وتحدث حتى حمدت الله، وسرعان ما قدم زميله أمين بسيوني، هنا زادت دقات قلبي، خصوصا عندما دعاني لتقديم الحفل، ولأني عرفت قبل دقائق من بدء الحفل بأن أم كلثوم ستتغني بأغنية" راجعين بقوة السلاح "ثم أغنية "سلو قلبي" ، ارتجلت كلمة قمت بالربط بين ما ستغنيه وبين العروبة والقومية وضرورة تحرير فلسطين بقوة السلاح، ولاقت كلمتي إعجاب الحاضرين وكان التوفيق كبيرا، وأكاد أقول إنها كتبت شهادة ميلادي لأنها أعطتنى ثقة كبيرة في نفسي.