عرفه عبده على شهدت مدينة الإسكندرية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، عصرها الذهبى حيث ضمت المدينة العريقة أجناساً وجاليات متعددة متباينة فى أنماط التفكير الثقافى والاجتماعى، وجامعة لمختلف المستويات الاقتصادية . وكان من بين تلك الجاليات الجالية اليهودية التى فتحت المدينة لأعضائها ذراعيها، وأتاحت أن يمارسوا حياتهم وأنشطتهم التجارية والمالية، فبرز منهم عدد كبير من رجال المال والاقتصاد فى المدينة . فكانت المدينة أشبه ب «برج بابل» لليهود الذين لعبوا بمهارة دور الوساطة بين هذه الجاليات المتنوعة وبين أهل المدينة الوطنيين فاستفادوا كثيرا من القيام بهذا الدور، مما شجع الكثير من يهود الشتات إلى الاتجاة للإسكندرية للعمل بها، خصوصا بعد الطفرة التى حدثت فى التبادل التجارى بين الشرق والغرب، وزيادة الانتعاش الاقتصادى للمدينة فى نهاية القرن التاسع عشر، فاتجة إليها المزيد من يهود القاهرة، ومن تركيا والمغرب وإسبانيا، فاستقر بها نحو عشرة آلاف يهودى تدفعهم رغبة الكسب، مطمئنين إلى حماية القناصل لهم، أى أن العنصر اليهودى الوافد لم يأت باعتباره عنصرا يهوديا وإنما باعتباره عنصرا غربيا جاء مع التشكيل الاستعمارى الغربى . كما سنرى فى مقال الدكتور المسيرى، أسهم هذا فى تحويل اليهود إلى عنصر استيطانى وفصل أعضاء الجالية اليهودية عن المجتمع المصرى، بحيث أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الجاليات الأجنبية التى ظهرت فى مصر وتركزت فى الإسكندرية، وقامت بنهب البلاد واستغلال العباد . وتشتهر المدينة كمركز لفروع وعمليات البنوك العالمية، وكبرى بيوتات التجارة والمال، حتى إن بعض العائلات الثرية قد جعلت من المدينة «عالما صغيرا» تحكمة قوانينة الخاصة مثل عائلة «منشة» و «البارون زغيب» و «رولو» و«شبكة» من العائلات التى تحكمها نظم معقدة، تتوزع فيما بينها المكاسب والنفوذ على حد تعبير البروفيسور « دوبير ألبير » . وخلال الحرب العالمية الأولى تصاعد نجم العائلات اليهودية بالإسكندرية، وعلى الأخص عائلات : دى منشه، أجيون، جوهر، رولو .. التى تمتعت بالثروة والهيبة والنفوذ كالصفوة اليهودية فى القاهرة وأسرة «دى منشة» كانت بالطبع هى الأكثر شهرة، وهم من اليهود السفارديم، الذين نزحوا إلى مصر عن طريق فلسطين والمغرب خلال القرن الثامن عشر، مثل اسرتى : «قطاوى» و «موصيرى» . عرفة عبده على : مجلة الهلال، القاهرة، مايو 1997 . وعميد العائلة «يعقوب دى منشة» .. ولد بالقاهرة عام 1807، وتوفى بالإسكندرية عام 1887، بدأحياته بتجارة العملة صرافا بحارة اليهود بالقاهره، إلى أن أصبح: "صراف باشى" المدير المالى للخاصة الخديوية فى عهد إسماعيل باشا .. ويعقوب دى منشة هو أحد رجال المال والأعمال الأوائل فى مصر الحديثة الذين أدركوا قيمة الاستفادة من التجارة مع أوروبا، وأسس مع يعقوب قطاوى بيتا للتجارة والمال، وكانت للعائلة فروعا فى مانشيستر وليفربول ولندن وباريس ومارسيليا وإسطنبول . والبارون « ليفى دى منشة» ولد بالقاهرة عام 1840، درس فى إيطاليا وإنجلترا، عقب عودتة إلى الإسكندرية أسس شركة للصرافة فى عام 1868، تزوج «لولى بغدادلى » التى أنجبت له ولدا واحدا «جاك إيلى» وخمس بنات، حيث كان الحرص على الارتباط بأقوى العائلات اليهودية برباط الزواج ! إستير تزوجت « الفرد إسمعلوم » لويز تزوجت «ألبرت إسمعلوم» شارلوت تزوجت «إيزاك بولاسكو» جان تزوجت « فيلكس جرين » ديانا تزوجت « موريس قطاوى » وبتشجيع من الخديو إسماعيل وبتدخل من شقيقة الأمير مصطفى فاضل، تجاوز ليفى دى منشة الصعوبات ليؤسس " البنك العثمانى المصرى " عام 1872، وكان لهذا البنك دور بارز فى عمليات إقراض الخديو بفوائد باهظة! وظل يتمتع بالحماية النمساوية حتى توفى عام 1902 . أما ولده البارون " جاك إيلى دى منشة" فقد ولد فى 26 أغسطس عام 1872، وتلقى علومه فى فيينا وباريس، وعقب عودته أشركه والده فى إدارة بعض أعماله وممتلكاته التى كان من بينها 12 ألف فدان مخصصة لزراعة القطن، فأدار شركة للعقارات ووكالة صحفية باسم " المصريون الأحرار "! وكان عضوا بارزا بعدد من الجمعيات اليهودية، واشتهرت عنه هوايته فى تربية خيول السباق وتزوج من " جابرييل " ابنة موريس أجيون أحد كبار رجال المال بالإسكندرية .. وفى بداية عام 1909 حصل على عضوية أرقى الأندية الأرستقراطية " نادى محمد على " .. وقد لعب دورا مهما فى تنمية التجارة المصرية النمساوية، لينعم عليه الإمبراطور «فرانسيس جوزيف» بلقب البارون ومنحه الجنسية النمساوية . ويبرز اسم " جاك بيهور دى منشة " 1850 1916 الذى بدأ نشاطه فى بورصة القطن وتجارة السكر وكان يمتلك الكثير من الأسهم العقارية فى الدلتا وصعيد مصر .. تولى رئاسة مجلس الطائفة بالإسكندرية عام 1890 .. وشقيقة " فيلكس بيهور دى منشة " 1865 1943، درس فى فيينا، وكان أبرز وأنشط مؤيدى الحركة الصهيونية فى مصر، بتشجيع من زوجته الثانية " روزيت " .. كما كان صديقا لحاييم وايزمان، ورأس اللجنة الصهيونية المصرية التى تأسست عام 1918، وفى عام 1920 كان ممثلا للصهيونية المصرية فى المؤتمر الصهيونى العالمى بلندن، وكذلك فى مؤتمر كارلسباد عام 1921 . وتمتعت عائلة منشة بنفوذ سياسى واقتصادى، وأسهمت فى إنشاء عدد من المؤسسات الاجتماعية اليهودية المهمه، كما أسس الأخوة جاك وفيلكس وألفرد مستشفى منشة عام 1890، الذى حاز شهرة فى خدمة المرضى اليهود، كما أسست العائلة مدرسة مشتركة عام 1907، وبالتنسيق مع رابطة " بناى بريث " أسست الاتحاد اليهودى للتعليم، وخلال بضع سنوات افتتحت مدرسة ثانوية وليسيه الاتحاد اليهودى بحى مكرم بك، ثم مدرسة " ابن ميمون " الثانوية عام 1943 . وقد سيطرت عائلة منشة على مجلس الطائفة «المنتخب» بالإسكندرية واشتهر عن جاك بيهور دى منشة الذى رأس الطائفة لأكثر من ربع قرن تشددة واستبداده وانفراده بالرأى .. وكان أعضاء المجلس ممن ارتبطوا به بعلاقات القربى أو بالزواج أو ينتمون إلى دائرة الأصدقاء المقربين .. حتى أطلق علية «مجلس العائلة»!! وخلفة فى رئاسة مجلس الطائفة بالإسكندرية: «إدجار سوارس» 1914 1917 و «فيلكس بك طوبى» 1917 1925 و«ألفرد تيلش» 1925 1926 و «فيلكس دى منشة» 1926 1934 و «روبرت رولو» 1934 1948 و «إدوين جوهر» 1948 1956 . ومن أعضاء المجلس البارزين الذين حظوا برضاء عائلة منشة وكان لهم نشاط ونفوذ فى مجالات التجارة وأعمال البورصة والبنوك والصناعة والمهن الحرة، خصوصا المحاماة والطب: روبرت وإبرام وماكس رولو، ورافائيل توريل، وإدوين وجاك جوهر، وجوزيف إيلى دى بتشيوتو، وفيلكس بك بادوا، وأجيون، وتيلش وهذه نبذة سريعة عن كل منهم : إدوين جوهر: ولد عام 1875، كان من أهم المصدرين بالإسكندرية، كما كان عضوا بمجالس أكثر من شركة لتجارة الأخشاب، تلقى علومه بسويسرا وتزوج من عائلة " بيجا " .. تولى رئاسة محفل "إلياهو هانبى " وشغل لعدة سنوات منصب نائب رئيس الطائفة، حتى تولى رئاستها بالفعل فى الفترة 1948 1956 . جاك جوهر: ولد عام 1887، تلقى تعليمة فى إيطاليا، وخلال الحرب العالمية الأولى كان ضابطا بالجيش البريطانى برتبة " كولونيل " .. اقترن ب "هيلين عدس " . وكانت أسرتها من أشهر وأغنى العائلات اليهودية فى مصر .. ارتبط بصداقة وطيدة مع الملك فؤاد ثم الملك فاروق.. كما كان نائبا لرئيس المنظمة اليهودية العالمية " المكابى " .. ونائبا لرئيس نادى السيارات الملكى . جوزيف إيلى دى بتشيوتو: كان عضوا بمجلس الطائفة، كما كان له نشاط سياسى من خلال حزب الوفد حتى أصبح عضوا بمجلس الشيوخ عام 1924، رأس محفل "الياهو هانبى " فى الفترة من 1917 1925 ورأس لجنة المدارس بالإسكندرية، وعمل نائبا لرئيس اللجنة الصهيونية عام 1918 . رافائيل توريل: رجل أعمال بارز انتخب عضوا بمجلس الطائفه، وهو من عائلة تركز نشاطها فى تصدير القطن، وكانت تمتلك نحو خمسة آلاف فدان عام 1930، وفى نهاية نفس السنة عمل سكرتيرا متطوعا بمجلس الطائفة، ولأكثر من ثلاثين عاما كان عضوا بالمجلس البلدى لمدينة الإسكندرية . ألفرد نسيم كوهين: ولد بتونس عام 1881، بدأ حياته مدرسا بمدرسة الأليانس الإسرائيلى العالمى بالإسكندرية .. ثم اتجه إلى المضاربة فى البورصة، وأسس مع حاييم بيريز وأوفاديا سالم " شركة التسليفات التجارية " وفروعها بالقاهرة ولندن والسودان . حاييم درة: ولد بدمشق عام 1898، ثم هاجر إلى مصر فى العشرينيات من هذا القرن، واستقر بالإسكندرية حتى أصبح واحدا من ملوك تجارة المنسوجات . ماركو نادلر : من أشهر رجال الصناعة الأثرياء، وهو صاحب مصانع الحلوى الشهيرة باسمه حتى اليوم. د. هيرمان شلزنجر : هاجر إلى مصر من رومانيا عام 1907، اشتهر كطبيب، ولفترة طويلة كان عضوا بمجلس الطائفة، كما أسهم بدور فاعل فى دعم نشاط الحركة الصهيونية بالإسكندرية . موسى بك ديشى: السكرتير المالى بوزارة الداخلية، ولد فى 8 أكتوبر عام 1891 بالقاهرة، شغل منصب المراقب العم لمجلس بلدى الإسكندرية، والمدير العام المساعد لشركة السكر المصريه، اقترن ب«سوزان اسمعلون» مواليد 1914 ابنة ماكس إسمعلون، وكان موسى بك مقيما فى 29 ش الصالح أيوب بالزمالك، ابنه الوحيد "سمير إيلى كلود" ! ولد فى 9 يناير 1942. فيلكس بن زاقين : أشهر محام يهودى بالإسكندرية، كان معروفا بنشاطه الصهيونى، ومع ذلك كلفة النقراشى باشا بتشكيل لجنة تمثل يهود مصر للسفر إلى أمريكا والتباحث مع زعماء اليهود حول إنشاء "دولة فيدرالية" للعرب واليهود فى فلسطين، لكن زعماء الطائفة فى القاهرةوالإسكندرية نصحوه بالابتعاد عن مثل هذه الموضوعات!