أحمد إبراهيم عامر بنغازى شرارة وعاصمة الثورة الليبية، وثانى أكبر المدن الليبية بعد العاصمة طرابلس وعاصمة الشرق الليبى . قديما" كان اسمها "يوسبيريديس" فى الفترة من (525 ق. م إلى 515 ق . م ) وتعنى "حدائق التفاح الذهبي" ولهذا الاسم مدلول عند الأغريق، فأصل الاسم "هيسبيريدس" فى الميثولوجيا اليونانية، بمعنى الحوريات اللائى لجأن إلى حديقة غناء. وتحول اسمها إلى برنيق عام 96 قبل الميلاد وسميت بهذا الاسم المشتق من اسم الأميرة "برنيكى" زوجة بطليموس الثالث، حيث أصبحت تابعة للحكم الرومانى لتبدأ المبانى فى التشيد بالمدينة وزينت أرضيات تلك المبانى بالفسيفساء الرائعة، وكان أشهرها فسيفساء الفصول الأربعة. وفى بداية القرن الرابع الميلادى وتحديدا أوائل العصر البيزنطى أصبح سكانها يدينون المسيحية . بعد الفتح الإسلامى لمصر على يد عمرو بن العاص زحف غربا مرورا بالمدينة التى أصبحت تسمى برقة. وعاودت المدينة الظهور من جديد فى أواسط القرن الخامس الميلادي، ومن بين من أسهموا فى ظهورها التجار القادمون إليها من إقليم طرابلس وأطلق عليها فى عام 1450 بنغازى نسبة إلى ولى صالح كان يعرف باسم «سيدى غازى» كان ضريحه فوق ربوة داخل مقبرة «سيدى خريبيش» القائمة حتى الآن . ومرت السنوات على هذه المدينة التى اشتهرت بطيب وكرم شعبها وترحابه بكل عابر سبيل، وجاء غزو العثمانيين لمدينة بنغازى فى القرن السادس عشر ومرت المدينة بالعهود العثمانية المتعاقبة العهد العثمانى الأول 1638 –1711 م، ثم مرحلة العهد القرمانلى 1711 –1835م ومن أبرز المعالم التى شيدت حينه (جامع العقيب) وأشير إلى المدينة آنذاك على أنها عاصمة إقليم برقة فى إشارة صريحة لتزعم مدينة بنغازى مدن الإقليم وصولا "إلى العهد العثمانى الثانى 1835 – 1911، حيث شهد ذلك العهد إقامة المدارس الملحقة بالمساجد وتقسيم الأحياء، وكانت فى تلك الفترة من أهم مراكز حجيج المغرب العربى فى طريقهم إلى الأرضى المقدسة، ويعتبر طريق الحج الشمالى الذى يتفرع منه عدد من الطرق لتشتهر باسم "رباية الذايح" أى مأوى من لا مأوى له وذلك لكرم أهلها، وأصبحت بنغازى ولاية عثمانية بحد ذاتها أطلق عليها (بنغازى متصرفيلك) شهدت المدينة آنذاك نهضة ففى العام 1889 م أنشأ رشيد باشا قصر البركة العسكرى الذى يتسع لإيواء 5000 جندى ويحوى مسجدا وسوقا وساحة للتدريب لا يزال قائما" إلى الآن وهو من معالم المدينة، كذلك أنشأ أول خط سكة حديدية يصل بين رصيف الميناء والبركة عام 1894 لنقل الملاحات، فقد اشتهرت بنغازى أيضا" بأنها مدينة الملح كذلك إنشاء "مبنى البلدية "الذى يتوسط المدينة وأحد معالمها حتى الآن، وفى 1908 أنشأ بنك روما فرعا له بالمدينة وكان بداية توافد الإيطاليين إليها واستمر حكم الأتراك للمدينة حتى تم الغزو الإيطالى للبلاد فى 1911 م، وتنازل العثمانيين عن ليبيا لإيطاليا من خلال معاهدة أوشى . لتشهد بنغازى العهد الإيطالى، الذى تبرز ملامحه واضحة فى بنيان وسط المدينة لتلد فارسها ومجاهدها عمر المختار ويسطر هو ورفاقة صفحات البطولة ومقاومة الاحتلال، لتصبح هذه المدينة مركز مقاومة الظلم والوقوف له ووثق التاريخ لها ذلك من العهد العثمانى إلى الإيطالى، وخلال حكم معمر القذافى إلى أن كانت البداية منها لثورة فبراير ليلة الخامس عشر منه العام 2011 وكانت حاضنة لثورة الشعب . فبعد نضال المختار ورفاقة وتخلصهم من الاحتلال الإيطالى كانت بنغازى عاصمة لإقليم برقة شرق الصحراء الليبية وأعلنت الدولة الليبية الموحدة بثلاثة أقاليم (برقة شرقا وطرابلس غربا وفزان جنوبا) كمملكة ليبية وصدر دستورها عام 1951. وتتسم المدينة بمنارتها الشهيرة على البحر وبمعالم تاريخية تدل على الحقب المتلاحقة عليها، بالإضافة إلى جامع العقيب وقصر البركة وميدان البلدية توجد الكاتدرائية الكاثوليكية وتقع بوسط المدينة، وهى أكبر كاتدرائية بشمال المغرب العربى. من معالم بنغازى السياحية "نهر الليثى "أو (نهر النسيان) الذى ورد ذكره فى الأساطير اليونانية الموجود فى منطقة بوعطنى إلى الشرق من بنغازى وإلى الشرق منها أيضا مدينة طلميثة الأثرية، ولأن بنغازى عاصمة الشرق الليبى فتعتبر مركز مرور بمطارها أو من خلالها إلى الجبل الأخضر الرائع الخضرة والبهاء. بالمدينة أقدم جامعة فى ليبيا أسست بمرسوم ملكى عام 1955 باسم الجامعة الليبية، وقد كانت قبلا بقصر المنار الملكى الذى هو أحد معالم المدينة الثقافية للمدينة. تعتبر بنغازى العاصمة الثقافية لليبيا فأغلب النخب الثقافية والفنية والريادية التى أسست للفن والثقافة وقادت الحراك الاجتماعى هم من أبنائها، وفى وسطها تجد بيت المدينة الثقافى المبنى على الطراز العثمانى والذى يشهد عديد اللقاءات الشعرية والأدبية بها أيضا" المسرح الشعبى ومسرح السنابل للطفل وتوجد بالمدينة دار الكتب الوطنية. وتظهر المواهب الإبداعية من فنون صحفية وفنية وتنجب مدينة بنغازى أهم رواد للحركة الثقافية الليبية والعربية خلال فترة الخمسينيات والستينيات من بداية القرن الماضى . ولقربها من مصر، وتبلغ المسافة بينها وبين القاهرة 1200كيلو متر، أى ما يوازى نفس المسافة بينها وبين الغرب الليبى فارتبط أبناؤها بمصر بشكل كبير، لنجد نسب الزواج والمصاهرة أدت الآن لوجود نحو مليون ليبى أمهاتهم مصرية، وحصلت بنغازى على النصيب الأكبر من هذه المصاهرة حتى إنك نادرا ما تجد أسرة أو عائلة ليس بها شخص متزوج من مصر . بنغازى مدينة الثورة دائما بلد المختار كتبت تاريخ النضال منذ الاحتلال الإيطالى وخرج منها بيان الضباط الوحدويين عام 1969 بقيادة الملازم معمر القذافى لتخرج عليه بعد 42 عاما من حكمه الفاشى الديكتاتورى لليبيا، وخلال الأربعة عقود كان القذافى يعلم أن مكمن الحكم لن يدوم إلا بتهميش هذه المدينة ومحاولة لتقزيم أبنائها وكسر الحركة الثقافية والطلابية لتشهد المدينة أول مظاهرات ضد حكم القذافى عام 1976 بما عرفت وقتها بمظاهرات الطلبة ليتم قتل المئات واعتقال وسجن الآلاف من طلبة جامعة بنغازى ومنذ هذه الواقعة والقذافى يخضع مدينة بنغازى لمحاولة ممنهجة للتهميش والفقر والتضييق على أبنائها. لتنتفض المدينة محملة بنسمات ثورات الربيع العربى الآتية من الغرب (تونس) ومن الشرق (مصر) لتعلن بدء أحداث ثورة 17 فبراير بها فهبت مدينة بنغازى ضد الظلم، وبدأت أولى الوقفات الاحتجاجية لأمهات معتقلين تم قتلهم بسجن بوسليم فى 17 فبراير 1996 وتم اعتقال أحد محاميهم صباح 15 فبراير 2011 لتخرج أمهات المعتقلين القتلى فى مظاهرة أمام مدرية أمن بنغازى تليها مظاهرة شبابية بميدان الشجرة، ليلحق بها بعض رجال ليبيا ممن كانوا مسجونين فى أحداث الطلبة عام 1976 وخرجوا بعد سنوات تصل إلى عشر وأكثر ليتلاحم الجميع ويرتفع سقف المطالب حتى سمع العالم أصوات أبناء بنغازى وهو يردد يسقط الطاغية.. يسقط القذافى ويردد وراءه جميع أبناء مدن ليبيا، لكنها كانت ثورة مختلفة فجرها هذا المعتوه المتجبر "القذافى" بوحشيته وقسوته من ثورة سلمية لحرب تحرير، فحاول أن يدك المدن بأسلحة كتائبة ووصف الثائرين بالجرذان ليحمل الشعب السلاح وبمساعدة ضربات جوية لحلف الناتو تنجح ثورة فبراير ويقتل القذافى. ولكنها كباقى ثورات الربيع العربى كانت قوتها فى شعبها ولكن بدون رأس يقود ومرجعية تخطط ما بعد نجاح الثورة، فوجدت هى أيضا من يسطو عليها ويحاول سرقة الثورة من شعبها لتمر مدينة بنغازى الشرارة الأولى للثورة أسوأ فترات منذ بنائها. فنجد الآن الاغتيالات والتفجيرات كل يوم والجماعات الإرهابية المتشددة تستبيح أحياءها، لكنها كما سطرت بطولات أبنائها فى التاريخ تحاول الآن جاهدة أن تحارب الإرهاب بكل ما أوتى لها من قوة، ولم يخف شعبها وخرج مرات ومرات ومازال فى مظاهرات ضد الإرهاب وميليشياته المسلحة وأبناؤها ورجال الجيش الليبى يخوضون الأرض حربا ضروس لإرجاع مدينة بنغازى لسابق عهدها مدينة السلام والمحبة.