المنتهية صلاحيته كرئيس للوزراء فى العراق - يتمسك حتى النهاية فى أن يكون آخر نسخة من سلالة أبناء نيرون المخلصين! يصم آذانه أمام دعوات كل الأحزاب والقوى – أيا كان انتماءها العرقى- وهى تطالبه بالرحيل بعد أن أصبح وجهاً مرفوضاً من كل التيارات الحاضرة فى المشهد العراقى . التصاعد الخطير الذى شغل الاهتمام العالمى والعربى بالأحداث التى تفجرت أخيرا فى العراق، لم يكن له وقع المفاجأة على الشعب العراقى، وهو يعيش على مدى ثمانى سنوات من حكم المالكى، كل التراكمات الكارثية من الفشل الأمنى والسياسى كنتيجة حتمية للتدمير الذى مارسه الغزو الأمريكى للعراق عام 2003.. وهو ما دفع تركيبة "الموزاييك" التى يتشكل منها الشعب العراقى نحو اختيارات أبعد ما تكون عن ديمقراطية الاختيار القائم على القناعة السياسية وعلى مخاطبة الوعى السياسى للناخب، وأوقعه فى جحيم الاختيارات القائمة على الولاء الدينى أو العرقى أو الطائفي. أمريكا اقتحمت عام 2003 شعب العراق دون عناء معرفة أى شىء عن تاريخه المعاصر.. شعب صبر على قمع فاشية سياسية قهرته عشرات السنين وأفقدته القدرة والرغبة على الممارسة السياسية، شعب غُيِبت عنه كل الحقائق حول ما يجرى فى بلده، يُقتل فى حروب، يُعانى من الفقر رغم انتمائه إلى أكثر البلاد ثراء بمواردها، كل هذا دون أن يعرف لماذا.. وإلى أين.. شعب فقد الثقة فى نظامى الحكم السابق والحالى، وفى أغلب القوى السياسية المحيطة به . المالكى يسعى الآن إلى تصدير مخاوف مبالغة للعالم عن مجموعة أفراد تحمل اسم «داعش» كى يظهر - محاولا إبقاء آخر ورقة التوت على حكمه المتهاوى - فى صورة المحارب للإرهاب.. الحقيقة - دون تهويل أو تهوين - أن ما أثير حول داعش إعلاميا لا يقترب من الدقة .. داعش ليست تنظيما عقائديا أو أيديولوجيا يجمع أو يوحّد أفراده على قناعة ممارسة الإرهاب.. هى مجموعة أفراد – عشيرة واحدة من عشائر العراق كفيلة بإبادتها- أقحمت نفسها على صرخة معارضة انطلقت منذ أعوام دون أن تحظى باهتمام عالمى، حتى بلغت أوجها بعد الانتخابات التى جرت الشهر الماضى لتشهد تمسك المالكى بمنصب رئاسة الوزارة لفترة ثالثة متحديا رفض الشارع العراقى له. داعش ليست سوى القمة الظاهرة للعالم من جبل الجليد، بينما تكمن دوافع الانفجار الحقيقية فى الكتلة الجليدية الهائلة التى تراكمت تحت المياه . على مدى سنين حكمه، لم يكتف المالكى- واقعيا - بعجزه عن إرساء نظام حكم قائم على أساس توافقى بين مختلف أطياف الشعب العراقى، لكنه وقف كحائط صد أمام كل المحاولات التى بذلتها القوى والأحزاب فى سبيل التوصل إلى صيغة تقوم على المشاركة الفعلية لا الوهمية.. بل إن المالكى استأثر بكل المناصب السيادية فى الدولة! لذا كان الصدام حتميا بين المالكى من جهة.. وكل أطياف الشعب العراقى من جهة أخرى، فى إطار مزاج عام تشكلت لديه - نتيجة تجارب تاريخية - «حساسية» مفرطة تجاه نموذج (الديكتاتور) . عجز المالكى امتد إلى رؤيته القاصرة فى المعالجة.. التعامل مع الإرهاب فى إطار الشق الأمنى يكون مجديا.. لكنه بالتأكيد سيضيف المزيد من الوقود إلى الموقف المشتعل سياسيا الآن فى العراق.. لذا يكمن الاتجاه الأقرب للمنطق فى الحلول السياسية.. والتى تتلخص فى ممارسة كل الضغوط العربية لإرغام المالكى – حتى لو كان عبر دولة الجوار التى تمتلك التأثير الأكبر على المالكى - على الابتعاد عن الساحة السياسية، مقابل تشكيل سريع لحكومة إنقاذ لإدارة الأزمة.. وهو الحل الوحيد لوقف موجة إرهاب قد تمتد تهديداتها إلى كل الدول التى تملك حدودا مشتركة مع العراق . *كاتبة عراقية