د.ياسر ثابت في اللحظة التي تعرض فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك، لحالة إعياء في 27 إبريل 2014، خلال جلسة محاكمته بتهمة قتل المتظاهرين، تداعت إلى الأذهان حكايات أخرى عن الحالة الصحية لمبارك وأزماته الصحية المختلفة. فالرجل الذي يحمل على كتفيه عمره المديد الذي تجاوز السادسة والثمانين، تعرض لأزمات صحية أثارت تساؤلاتٍ عدة. بعد ثورة 25 يناير 2011، تحول مرض مبارك إلى حلقات مسلسل مكسيكي. ولعل إحدى حلقات مرض مبارك تعود إلى يوم الثلاثاء الموافق 12 إبريل 2011، حين قالت مصادر أمنية لوكالة الأنباء الفرنسية إن الرئيس مبارك، أدخِل بعد ظهر ذلك اليوم مستشفى شرم الشيخ الدولي بجنوب سيناء. في اليوم التالي، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن مصدر في مستشفى شرم الشيخ قوله إن الحالة الصحية لمبارك «غير مستقرة». وأضاف المصدر نفسه أن مبارك «موجود حاليًا بجناح بالدور الثالث بالمستشفى، ويوجد بالدور غرفة عناية مركزة». وتابع قائلاً: إن «الحالة الصحية للرئيس السابق أصبحت غير مستقرة الآن وهو تحت الملاحظة، بعد أن كانت مستقرة خلال الساعات السابقة». وأكد أن «الفريق الطبي المعالج يتابع حالته الصحية عن كثب». وما إلا ساعات حتى أعلن كبير الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي، د.السباعي أحمد السباعي، أن الحالة الصحية لمبارك، أصبحت مستقرة بعد تلقيه العلاج اللازم، ووضعه داخل العناية الفائقة بمستشفى شرم الشيخ الدولي، مشيرًا إلى أن ضغط الدم بالنسبة له أصبح في معدلاته الطبيعية (130 / 80)، وأن النبض انتظم عند 65. ووسط جدل حول سبب عدم تنفيذ قرار النائب العام بشأن نقل مبارك من شرم الشيخ إلى أحد المستشفيات العسكرية في القاهرة، خرج كبير الأطباء الشرعيين، د. السباعي أحمد السباعي، في 20 إبريل بتصريح قال فيه، إن مبارك يعاني من «ارتجاج أذيني بالقلب»، موضحًا أن نقله من مستشفى شرم الشيخ يحتاج إلى طائرة مجهزة طبيًا أو سيارة إسعاف مجهزة لمثل هذه الحالات. قبل ذلك بيوم واحد، قال كبير الأطباء الشرعيين إنه علم من الأطباء القائمين على علاج مبارك، أنه يتناول أدوية لعلاج مرض النقرس، وأدوية خاصة بالقلب والضغط وتجلط الدم، وذلك عندما توَّجه للكشف عليه لتحديد مدى قدرته على الخضوع للتحقيق يوم 12 إبريل 2011. ويعد النقرس من الأمراض المزمنة، وهو التهاب حاد في المفاصل ينتج عن ترسب حمض «البوليك»، وسُمّي قديمًا ب «داء الملوك» لارتباطه بتناول اللحوم بصورة مفرطة. وبخصوص ما قيل عن إصابة مبارك بالسرطان، قال د. السباعي إنه «من خلال قيامي بالكشف على جسد الرئيس السابق وجدت آثار العمليات الجراحية التي أجريت له في ألمانيا، وأرجح أنه أصيب بالسرطان فعلاً، لكنه من النوع الذي يمكن السيطرة عليه من خلال الجراحة وبعض جلسات العلاج الإشعاعي». وقبل بدء محاكمة مبارك ونجليه في 3 أغسطس 2011، بتهمة قتل متظاهرين وإساءة استغلال السلطة، خرج علينا فريد الديب، محامي مبارك بتصريحٍ قال فيه إن موكله يعاني السرطان، مستشهدًا بتقرير طبي تم إعداده لتقييم مدى أهلية مبارك للمثول أمام المحكمة. وأضاف الديب أن «مبارك يعاني سرطان المعدة، والورم ينتشر في جسمه». وقال الديب إن حديثه عن سوء صحة مبارك ليس جديدًا، لكن المهم الآن أن حالته ساءت بشكل كبير في الفترة الأخيرة. وأكد الديب أنه تقدم بطلب إلى النائب العام، في 16 يونيو 2011، قال فيه إن «الحالة الصحية لموكلي غاية في السوء وتنذر بخطر إذا لم يتابعه الدكتور ماركس بوشلر، الأستاذ بالمستشفى الألماني الذي أجرى فيه مبارك عملية جراحية في 6 مارس 2010، واستأصل فيها الاثني عشر بالكامل وجزءًا من البنكرياس والقناة المرارية بعد أن ثبت وجود ورم خبيث». وأوضح الديب أن تلك الحالة تتسبب في مضاعفات للقلب، وتعرضه للجلطات. في المقابل، استنكر د. أشرف حاتم، وزير الصحة، الأخبار المتداولة عن صحة مبارك، متسائلاً: «من أين تصدر تلك الأخبار؟». واستبعد مصدرٌ طبي مسئول بمستشفى شرم الشيخ الدولي أن يكون مبارك، مصابًا بسرطان المعدة. وفي ألمانيا، أعلن مستشفى هايدلبرج الجامعي، أن الجراح ماركوس بوشلر، الذي أجرى عملية جراحية سابقة لمبارك، مستعدٌ، بشكل مبدئي، لمعالجته. غير أن الديب عاد ليقول إن الطبيب الألماني تلقى تهديدات بالقتل من شخصيات مجهولة، من خلال رسائل تلقاها على عنوانه بمستشفى هايدلبرج، جاء فيها أنه «سيُذبح إذا حضر لعلاج مبارك». وأوضح أن هذه الرسائل جعلت الطبيب الألماني بوشلر يخشى الحضور لمتابعة حالة مبارك، وهو ما أدى إلى الاستعانة بالدكتور ياسر عبدالقادر، أستاذ الأورام بكلية طب جامعة القاهرة. انتهى الأمر بحضور مبارك جلسات محاكمته على سرير طبي داخل قفص الاتهام بدءًا من 3 أغسطس 2011. وفي الجلسة الأولى لمحاكمته، نُقِلَ على متن طائرة «ساشن» كبيرة مجهزة طبيًا من مطار شرم الشيخ إلى مطار ألماظة العسكري شرق القاهرة، ثم نُقِلَ على متن طائرة إسعاف «مي 17» مجهزة طبيًا إلى مقر أكاديمية الشرطة، حيث انطلقت المحاكمة . بعدها، نُقِلَ مبارك إلى المركز الطبي العالمي الواقع على طريق مصر- الإسماعيلية الصحراوي. وبعد أيام من صدور حُكم على مبارك بالسجن المؤبد في قضية قتل المتظاهرين، تدهورت حالته الصحية، وقالت مصادر بقطاع السجون إنها تراوحت بين الغيبوبة والإفاقة، وتعرض لحالات إغماء متكررة، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي 5 مرات، في 6 يونيو 2012، وإنه دخل مرحلة الخطر، لدرجة أن نجله جمال انفعل على أحد الضباط وصرخ: «بابا تعبان»، وحمّل مصلحة السجون المسئولية في حالة وفاته. مع تسارع وتيرة الأحداث، نُقِلَ مبارك من سجن مزرعة طرة، مساء 19 يونيو 2012، بعد أن شهدت حالته الصحية تدهورًا مفاجئًا وسريعًا، بلغ ذروته بإعلان وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية نقلاً عن مصادر طبية مسئولة، أن مبارك توفي إكلينيكيًا عقب نقله إلى مستشفى المعادي العسكري بعد إصابته بجلطة في المخ وتوقف قلبه عن النبض. وأضافت الوكالة أنه تم إخضاعه لجهاز الصدمات الكهربائية، لكنه لم يستجب. وسادت أجواء من الغموض عقب إعلان النبأ، فيما نقلت وكالة رويترز عن مصدر عسكري أن مبارك غائب عن الوعي ومتصل بجهاز تنفس ولم يمت إكلينيكيًا، كما نقلت عن مصدر أمني قوله إنه «مازال من المبكر القول إنه توفي إكلينيكيًا». أما وكالة الأنباء الفرنسية فقد نقلت عن مصدر طبي قوله: إن مبارك في غيبوبة وتم وضعه على جهاز تنفس صناعي. وتبين لاحقًا أن تدهورًا مفاجئًا حدث في صحة مبارك، إثر سقوطه في حمام غرفة الرعاية الفائقة داخل مستشفى سجن المزرعة. كان التقرير الذي أعده الفريق الطبي، صباح ذلك اليوم، أكد أن حالته مستقرة، إلا أن «الحالة الصحية لمبارك تدهورت، عقب سقوطه في حمام غرفة الرعاية الفائقة، وأصيب بجرح قطعي في الرأس، ما دفع إدارة السجون إلى استدعاء الدكتور سيد عبدالحفيظ، والدكتور أمين محمد، الطبيبين المعالجين له في المركز الطبي العالمي، لمتابعة حالته، بعد محاولة أطباء السجون إسعافه. وحسب تلك الرواية، فإن علاء وجمال سمعا صوت ارتطام في دورة المياه، داخل غرفة الرعاية الفائقة، عقب توصيله إلى الحمام، وأنهما أسرعا بالدخول واستدعاء الأطباء بعد إصابته بجرح قطعي بالرأس، وتدخل الأطباء بإيقاف الدماء التي سالت منه، وتبين توقف الشريان الثبتي عن ضخ الدماء، وهو الشريان المسئول عن توصيل الدماء إلى المخ، ليحاول الأطباء إجراء إسعافات أولية عن طريق منحه أدوية وعقاقير، فيما تبين إصابته بجلطة. وأوصت اللجنة الطبية، بضرورة نقله إلى المستشفى العسكري في المعادي. وفور وصوله أدخل غرفة الرعاية الحرجة لإسعافه. وتحدثت مصادر طبية من داخل مستشفى المعادي العسكري أن مبارك أجرى عملية إذابة جلطة في المخ، وأخرى لإذابة جلطة في القلب عقب نقله من مستشفى السجن، كما خضع لفحص بالأشعة على المخ «رنين مغناطيسي»، على أن يجري حقنه تحت الجلد كل 12 ساعة، كإجراء طبي تحفظي لعدم الإصابة بجلطات في المستقبل، خصوصاً أنه سبق تعرضه لجلطة أثناء وجوده في السجن. وأكد التقرير الطبي عن حالته الصحية أن مبارك يعاني متاعب في الكُلى، ونصح التقرير بإجراء التحاليل بشكل دوري مع زيادة في نسبة السوائل التي يتناولها. وأوصى التقرير الطبي بضرورة منح مبارك أدوية من شأنها زيادة نسبة السيولة، كما أوصى بضرورة مرور طبيب من الأمراض الصدرية بشكل دوري للكشف عليه، خصوصاً بعد إجرائه عملية بذل للمياه على الرئتين، وأرجع التقرير وجود ماء على الرئة إلى عدم كفاءة عضلة القلب، والمعاناة المستمرة خلال الفترة الأخيرة إلى التذبذب الأذيني . وانتهى الأمر بإعادة مبارك إلى مستشفى سجن طرة، مساء 16 يوليو 2012، بعد أن قرر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود نقله من مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، إلى مستشفى السجن، بعد تحسن حالته الصحية. غير أن صحة مبارك ظلت محل اهتمام وسائل الإعلام، التي تحدثت أكثر من مرة عن سقوطه داخل حمام محبسه بمستشفى سجن طرة. وعقب سقوطه المتكرر، تقرر نقل مبارك إلى مستشفى المعادي العسكري؛ لإجراء أشعة مقطعية على الركبة والمخ، قبل إعادته مرة أخرى إلى محبسه . وسرعان ما قرر النائب العام المستشار طلعت إبراهيم نقل مبارك إلى مستشفى المعادي العسكري، لتلقي العلاج. المفارقة أن الرئيسين حسني مبارك ومحمد مرسي، كانا موجودين في المستشفى نفسه، لسببين مختلفين، في منتصف يناير 2013. فقد فوجئ الرئيس - حينذاك- محمد مرسي بسؤال من مراسل قناة «سكاي نيوز عربية» محمود التميمي، أثناء زيارته لمصابي قطار البدرشين في مستشفى المعادي العسكري، حيث قال التميمي للرئيس مرسي «سؤال إنساني وليس سياسيًا.. هل شعرت بأي رغبة إنسانية وأنت في المستشفى لزيارة الرئيس المصري السابق حسني مبارك؟». سادت حالة من الارتباك بسبب السؤال، قبل أن يجيب مرسي قائلاً «أنا هنا من أجل المصابين، لن يشغلني شيء عن المصابين، وأتمنى أن يقوموا بالسلامة» . إن قصة مرض مبارك تشبه إلى حد كبير قصة مرض السفاح «شارون» الذى ظل فى غيبوبة لأكثر من 8 سنوات.