د. جهاد عودة أثار قرار السعودية إعفاء رئيس المخابرات العامة الأمير بندر بن سلطان من منصبه وتعيين نائبه يوسف بن على الإدريسى محله الثلاثاء الماضى، الكثير من الجدل برغم تأكيد بيان للقصر الملكى بالرياض على أن هذه الإقالة جاءت بناء على طلب من الأمير بندر .. فالأمير بندر هو مهندس السياسة السعودية فى سوريا، وكان هو الشخص المسئول عن توفير المساعدات للجماعات المسلحة فى سوريا .. وكان بندر قد سبق له أن حذر من تحول كبير فى السياسة السعودية بعيدا عن واشنطن بعدما تراجع أوباما عن ضرب دمشق .. لكن القصة الكاملة تستدعى استعادة المشهد حين توليه منصبه . فى 19 يوليو 2012 صدر مرسوما ملكيا بإعفاء الأمير مقرن من منصبه وتعيينه مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين وتعيين الأمير بندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات العامة، بالإضافة إلى منصبه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني. وفى 23 فبراير 2014 نقل عن جريدة «وول ستريت جورنال» خبر تدهور فى صحة بندر بن سلطان ونقله إلى الولاياتالمتحدة، ونقله قبل أسابيع على متن طائرة خاصة لتلقى العلاج. وقالت الصحيفة الأمريكية: «إن بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية وأمين عام مجلس الأمن الوطني، يخضع منذ أقل من شهرين لعلاج فى الولاياتالمتحدة. وأخيرا أجرى عملية جراحية، كما أنه يعانى حالات إغماء وارتفاع حاد فى نسبة السكر بالدم، إضافة لتشخيص طبى يتحدث عن إصابته باكتئاب نفسي. وكانت قد قالت مصادر دبلوماسية غريبة أن السلطات السعودية قد نقلت ملف المخابرات السعودية إلى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية الحالى الذى يشكل مع متعب بن عبد الله بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطنى والتويجرى، رئيس مكتب الملك ثلاثيا مضادا لبندر بن سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل. كان تعيين الأمير بندر بن سلطان، كرئيس للمخابرات السعودية، مؤشرا على توجه جديد بشأن السياسة الخارجية الجديدة التى تتجه إليها المملكة العربية، وسط الاضطرابات التى تموج بها المنطقة. ورأى البعض أن قرار الملك «عبد الله» بتعيين ابن الأمير الراحل «سلطان» فى هذا المنصب، إنما هو محاولة من العاهل السعودى لإعادة التوازن داخل العائلة الحاكمة، بعد وفاة كل من ولى العهد السابقين وزير الدفاع الأمير سلطان ووزير الداخلية القوى الأمير «نايف بن عبد العزيز»، اللذين كانا يعتبران أكثر تشددا. وأشارت صحيفة الفايننشيال تايمز إلى أنه بالنسبة للخارج، فإن تعيين الأمير بندر يسلط الضوء على تطلع المملكة نحو سياسة أكثر حزما فى المنطقة، والمهم توثيق التعاون مع الولاياتالمتحدة بعد فترة من التوتر الناجم عن استجابة واشنطن للربيع العربى وتخليها عن حلفائها الرئيسيين بالمنطقة وأبرزهم الرئيس السابق حسنى مبارك. ويرتبط «بندر» بعلاقة أسطورية بواشنطن، وقد كان مقربا جدا من عائلة الرئيس «جورج بوش» وعلاقة خاصة بالرئيس الأب حتى أنه كان معروفا ب»بندر بوش». وفيما يتعلق بالأزمة السورية توقعت الصحيفة البريطانية أنه بالنسبة للرئيس «بشار الأسد»، فإن تعميق التحالف الأمريكى السعودى لن يسفر سوى عن المتاعب، فواحدة من أسباب تعميق التعاون بين البلدين اليوم هو العمل على تسريع رحيل النظام السوري. ويعرف الأمير «بندر» فى منطقة الشرق الأوسط وأمريكا بصفته السفير السعودى الذى خدم فى واشنطن على مدار 22 عاما، وعمل كلاعب أساسى فى الدعم السعودى - الأمريكى لجماعات المجاهدين الذين طردوا قوات السوفيت من أفغانستان فى الثمانينيات. وبينما تدعم الرياض حركات التمرد السوريا المسلحة، علنا، وتمد العصابات المسلحة بالمال والسلاح، فإن الصحيفة تحذر المملكة بضرورة تجنب ذات الخطأ الذى اقترفته فى أفغانستان، حيث أصبحت بعض الجماعات التى أمدتها بالسلاح لها قدرة على شق عصا الطاعة على المملكة وأمريكا وتبنى سياسات خاصة بها مضادة للرياض وواشنطن. وكانت الإستراتيجية السعودية تعمل على ضم سوريا إلى معسكر السلفيين . لكن الذى لم ينتبه الية سعودية بندر او ربما قد قلل من اهميته هو فاعلية السلفية السوريا فى تهديد الأمن القومى الروسى. وتمت صياغة الموقف الدفاعى الروسى فى إطار وجوب الدعم الروسى العسكرى والدبلوماسى لسوريا . وهذا تم فى سياق وجود القاعدة العسكرية الروسية فى ميناء طرطوس السوري، بيع أسلحة للجيش السوري، منطقة الشرق الأوسط وسوريا. فى الواقع أهم الأسباب لدعم روسيا للرئيس بشار الأسد تعود جذوره إلى القلق الروسى العميق من انتشار الإسلام السلفى –الوهابى ووصوله إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة والقوقاز وآسيا المركزية والجمهوريات المسلمة فى روسيا. روسيا لا تعتبر نفسها متحدة مع سوريا بل تنظر إليها باعتبارها هدفاً كما أن استقرارها وأمنها مثل سوريا يتهدده خطر الإرهابيين السلفيين المدعومين من الغرب. إن القلق الروسى من الإسلام السلفي-الوهابى ونفوذ السعودية فى آسيا المركزية والقوقاز والجمهوريات الروسية المسلمة يرسم شكل التعاطى الروسى مع تحولات المنطقة خاصةً الأزمة السوريا. بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وانتشار الفوضى والاضطرابات فى الجمهوريات المستقلة حديثاً، تهيأت الأجواء لتغلغل القوى الدولية والإقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية فى هذه المناطق. وتحرك المجاهدون المتطرفون من أفغانستان والوهابيون السعوديون والمجموعات الإسلامية الأخرى من باكستان وتركيا والدول الأخرى باتجاه المناطق ذات الأغلبية المسلمة فى الاتحاد السوفيتى السابق، من بين هذه المجموعات حركة «فتح الله كولن» الحركة التركية المنظمة وأكثر الجماعات الإسلامية تنظيماً. لهذه الحركة تأثير واضح على سياسات أردوغان، وبسبب تنظيمها ووضعها لأهداف محددة استطاعت النجاح أكثر من بقية الجماعات الإسلامية الأخرى فى الجمهوريات السوفيتية السابقة ، (حيث يمتد البيت التركى أى الثقافة واللغة التركية إلى قلب مناطق تقرب إلى حدود الصين). فمشروع السلفية الجهادية هو زعزعة استقرار روسيا. استغل الناشطون السلفيون من مؤيدى استخدام العنف حالة عدم الاستقرار والفوضى المنتشرة فى بعض الدول العربية مثل سوريا، وسعوا لنشر معتقداتهم والترويج لها حتى ولو بالعنف . أدان الروس الدول العربية - خصوصا قطر والسعودية - لتدخلها فى شئونهم الداخلية وشكل لهم هذا الأمر قلقا كبيرا جداً، وهو السبب الرئيسى فى تدنى حجم العلاقات التجارية بين روسيا والدول العربية الخليجية. روسيا عازمة بكامل قوتها على منع انتصار السلفيين فى سوريا. زاد من الأمر، أنه بعد انتهاء الحرب الباردة (1991) كانت الجمهوريات الروسية المسلمة والجمهوريات السوفيتية السابقة كأوزبكستان وقرقيزستان وحتى الولايات المسلمة كولاية «سين كيانغ» فى الصين هدفاً للعمليات الاستخباراتية وعمليات التخريب المختلفة التى تقوم بها أمريكا وحلف الناتو. تخطط واشنطن من خلال التلاعب بالمجموعات المتطرفة وتحريضها على نشر الفوضى فى المناطق المسلمة فى الصين وآسيا المركزية والجمهوريات الروسية المسلمة تخطط للتحكم بأوضاع هذه المنطقة وإعداد الأجواء للتدخل والوجود الأمريكى فيها لإخراجها من دائرة السيطرة الروسية باستخدام نشاط المنظمات والمؤسسات غير الحكومية فى هذه المناطق. وفى الوقت الراهن يُعمل على هذا الهدف بوضوح فى سوريا من خلال مواجهة الحكومة السوريا، أدرك المسئولون الروس جيداً الارتباط بين التيارات الإسلامية المتطرفة الموجودة فى آسيا المركزية وسوريا وبين الدعم الأمريكى لهذه التيارات . واحد من أهم القيادات السلفية السوريا المرتبطة بالأمير بندر هو زهران علوش من مواليد دوما بريف دمشق عام 1970، متزوج من 3 نساء وله 10 أولاد، التحق بكلية الشريعة فى جامعة دمشق، ثم أكمل الدراسة فى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فى كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، ونقل أفكار محمد بن عبد الوهاب عبر الخطابة فى المساجد، وكان قبل اندلاع الأحداث يعمل فى مجال المقاولات، حيث أسس شركة للخدمات المساندة للإعمار. وبعد عودته من السعودية فى العام 2009، عمل على تشكيل خلايا سلفية مسلحة فى دوما، حيث ألقى القبض عليه، ليتم الإفراج عنه فى العام 2011 بموجب عفو رئاسى أصدره الرئيس بشار الأسد، بعد اندلاع الأحداث بأشهر ... عفو كان بادرة حسن نية من القيادة السوريا، لإعادة دمج أصحاب الأفكار التكفيرية فى المجتمع السوري، وللم شمل الجميع تحت راية الدولة. غير أن علوش كما آخرين ممن أطلق سراحهم، عمدوا فور خروجهم من السجن إلى تأسيس كتائب مسلحة، فكانت «سرية الإسلام» من إنشاء زهران علوش، ثم تطورت إلى أن صارت «لواء الإسلام»، وانتقل من نشر الفكر الوهابى فى الخطابة إلى الميدانى عبر السلاح. وذاع صيت لواء علوش فى ريف دمشق، نظرا لامتلاكه أفضل المعدات والتجهيزات التقنية والعسكرية من بين كل الجماعات المسلحة فى سوريا، وألقيت على عاتقه «المهمة المستحيلة» بالسيطرة على دمشق، بحسب تقارير أمنية وإعلامية عديدة. الضربات التى تلقتها الجماعات المسلحة فى ريف دمشق خصوصاً لواء الاسلام، دفعت به إلى إعادة تجديد نفسه، فجمع تحت رايته كتائب قاربت الخمسين، ممن لا صيت لهم فى المعارك، وغير معروفين فى الحسابات العسكرية، ما يشير بنظر متابعين للشأن السورى إلى أن ما سمى بجيش الإسلام ما هو إلا نسخة منقحة عن لواء الإسلام، كما كان الأخير نسخة عن سرية الإسلام. إلا أن الإعلان عن تسمية جديدة لتشكيل زهران علوش العسكرى لا يغير فى الحسابات العسكرية بشيء ، فهو عازم على محاربة الجماعات المسلحة، موحدة كانت أو متشرذمة، والمعركة فى ريف دمشق كما تؤكد مصادر الجيش السورى ، لا تخضع للحسابات السياسية، فهى مستمرة حتى طرد جميع المسلحين من المنطقة، أو إلقاء إسلحتهم والعودة إلى كنف الدولة. والدولة التى يقاتل من أجلها الجيش ليست كما دولة زهران علوش، فهذا القائد يريد «خلافة إسلامية أموية «، كما صرح فى مناسبات عديدة، وهو يحمل فكرا تكفيرياً، لا يقل حدة عما تعتقد به القاعدة، وهنا شدد الخبير شعيب على أن معظم الجماعات المسلحة تعتنق فكرا تكفيرياً، وتتبع بمعظمها لتنظيم القاعدة، غير أنها اختلفت فى الميدان، لحسابات مصلحية تتعلق بالسيطرة ومناطق النفود والسلطة. والسعودية فى سبيل الاحتفاظ بدور لها فى الأحداث السورية، تحاول الإمساك بما أمكن بمفاصل المسلحين، من خلال دعمهم بالمال والسلاح، وحتى بالرجال، وهنا كشف الخبير فى الحركات الإسلامية على أن الولاياتالمتحدة وبتنسيق مع بندر بن سلطان أطلقت سراح العديد من المعتقلين فى جوانتانامو، معظمهم من اليمن والسعودية وبقية دول الخليج ، ليقاتلوا تحت عنوان «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، أو ما بات يعرف اختصارا ب «داعش». معلومات صحفية أشارت إلى أن شخصيات قبلية سعودية أجرت اتصالات نيابة عن المخابرات السعودية، مع جماعات سلفية مختلفة فى الأسابيع الأخيرة، وعرضت دعمها مالياً، مقابل تكوين جبهة موحدة لمنع حلفاء القاعدة من توسيع وجودهم حول العاصمة. فالإستراتيجية السعودية فى الوقت الحالى هى «تقديم الدعم المالى مقابل الولاء والبقاء بعيدا عن القاعدة»، فيما ذكر دبلوماسيون أنه ما كان لمثل هذا التحالف (جيش الإسلام) أن يقام دون مباركة الرياض. اسم «لواء الإسلام» ظهر أخيرا فى استخدام الكيماوى فى الغوطة الشرقية، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن هذا اللواء هو من استخدم الكيماوى وضرب به المدنيين، لوقف تقدم الجيش السورى فى تلك الليلة، 21 أغسطس الماضي، فى وقت ذكرت مصادر دبلوماسية روسية أن العمل الإجرامى فى الغوطة الشرقية، نفذته جماعة خاصة أرسلها إلى سوريا سعوديون من الأراضى الأردنية، وهى كانت تعمل فى سوريا تحت جناح مجموعة» لواء الإسلام».