حوار : هاني بدر الدين اللواء سيد غنيم، أحد الذين خدموا بالقوات المسلحة، وشاءت الظروف أن يزامل ويعمل تحت قيادة المشير عبد الفتاح السيسي لعدة مرات خلال سنوات خدمته الطويلة قبل أن يتقاعد غنيم عام 2012، بعدما كان شاهدا على ثورة 25 يناير 2011 وعلى دور القوات المسلحة خلال الثورة وما بعدها، حتى تنحي مبارك، واستلام المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة، والذي أجري استفتاء على التعديلات الدستورية، وبعدها أجريت الانتخابات البرلمانية والتي كانت آخر الأحداث السياسية التي كان شاهدا فيها على العصر، حيث تقاعد قبيل انتخابات الرئاسة. أسئلة واستفسارات كثيرة كانت لدي قبل اللقاء، عن السيسي وحقيقته، هل فعلا هو بالصورة التي رأيناه عليها منذ توليه منصب وزير الدفاع خلفا للمشير حسين طنطاوي؟ وهل فعلا الرجل يتحدث بهذه الطريقة التي تجعل البعض لا يقتنع به فحسب بل ويحبه وبشدة، وكيف كان يعيش السيسي طوال الفترة السابقة؟ وما أحلامه ومشاكله؟ وكيف يقضي يومه؟ وما ملامح شخصيته؟ ومن يحب من المطربين؟ وهل يعشق كرة القدم مثل المشير طنطاوي الذي كان زملكاويا متعصبا؟ أم أن الكرة ليست ضمن اهتماماته؟ وهل هو فعلا إنسان عاطفي ومشاعره فياضة أم عنيف وقاسي القلب؟ باختصار، كنت أبحث عن إجابة سؤال كبير هو: من السيسي؟ أبدأ معك بالشائعات التى أطلقتها جماعة الإخوان بأن «السيسى» إخواني الهوى.. كيف كنت ترى ذلك؟ فعلا كان يُقال عن المشير السيسي إن له ميولا إخوانية، وكنت أتعجب بشدة من هذا القول العارى عن الصحة والمنطق، أنا أعرفه جيدا، حيث خدمت معه مرات عدة خلال مدة خدمتى بالقوات وبما يقرب من ثلاثين عاما، وكنت بالطبع أنفى تلك التراهات.. فالسيسي رجلٌ متدين بطبيعته، ويداوم على صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكنا نحب أن نصوم معه، وحكي لي في ذات المرات عن والده التاجر الذي كان ميسور الحال في خان الخليلي، والذي تعرض لمحاولات تقرب من جماعات دينية وقد يكون الإخوان منها، ولكنه كان يتجنبهم بفطنة، وأوضح أنه يحب أن يكون متدينا دون أى انتماءات.. ولعلمكم فإننا كنا نلجأ للمشير السيسي لنسمع منه رأيه الديني في بعض القضايا التي نحتاج استشارة فيها.. وبمنتهى الأمانة فإنني بعد الاستغناء عن خدمات المشير طنطاوي، اتضحت لي الصورة وعندئذ احترمته للغاية، فقد كنت أرى أن هناك نية لإشعال الأوضاع وأعتقد الإخوان أن السيسى سيكون رجلهم فى المرحلة الجديدة وكأنه يعتبر تدينه وسيلة انتفاع مثلهم ولكنه كان رجلا بمعنى الكلمة كما أراه دائما. من هو قدوة السيسي.. السادات أم ناصر؟ من خلال معرفتي به، فإن قدوته هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. فوالدتي كانت تنسى أسماء أصدقائي ومعارفى، وكانت تميزهم بعلامات عندما يتصلون بى.. وكانت تقول عن أحدهم والذى كان اتصل بى مرات "زميلك اللي مشغل قرآن اتصل بيك" فكانت تميز هذا الرجل بالذات بتلاوة القرآن بجواره.. هذا الرجل كان الرائد أركان حرب عبدالفتاح السيسى والذى كان دائما ما يستمع للقرآن الكريم في منزله وفى مكتبه وحتى فى سيارته "السيات" الصغيرة.. وسأحكي لك قصة أخرى توضح لك آراءه.. في إحدى المرات كنا في شهر رمضان عام 1990، وكان يذاع مسلسل "رأفت الهجان"، وكان هناك حديث يدور مع ضباط قسم العمليات الذى كان يرأسه وكنت من المشاركين فى الحوار وتطرق إلى المسلسل، فسألنا: إيه رأيكم في رأفت الهجان؟، كنا ضباط شبابا ونتحدث عن اعتبار أنه بطل ودونجوان، فسألنا: هل إرضاء ربنا بالنتائج أم بالأسلوب أيضا؟.. فرد قائلاً : يا سيد هل إنت مؤمن بالميكيافيلية والغاية تبرر الوسيلة؟ يعني لو إنت عايز تخدم بلدك وربنا ينصرك تفعل أى شىء مهما كان لتحقيق ذلك؟! أنا لست مقتنعا بذلك".. كانت تلك كلماته.. لعلمكم السيسي شخصية بسيطة وهادئة جدا. سيدات مصر كانت أحد أسباب نجاح الاستفتاء.. كيف نجح السيسي في إقناع السيدات بالذهاب للاستفتاء؟ السيسي لديه القدرة على التواصل مع الآخرين وقدرة على إقناعهم، ويعرف جيدا اختيار أسلوب الحوار، كما أنه "إنسان ودود" بطبيعته، سأحكي لك واقعة حدثت أمامي ورأيته فيها يبكي، فى نوفمبر 2002عندما كان قائد لواء مشاة بسيناء كنت يوما عنده فى المكتب، وحضر أحد الضباط الزائرين الذين جاءوا لإجراء أمور ما، وطلب منه الضابط استخدام تليفون مكتبه للاطمئنان على زوجته التي كانت وضعت مولودهما، وفي أثناء مكالمة الضابط مع زوجته سمعناه ينفعل حزينا ويحال تهدئة زوجته، وفهمنا من كلامه أن الطفل ولد مصابا بعرض (متلازمة داون - أو ما يعرف ب العته المنغولي)، وطبعا هذا عرض لا شفاء منه، فنظرت باتجاه العميد السيسي، فوجدته يبكي ودموعه تنساب على خديه، حيث تأثر للغاية بتلك الواقعة، وهذا هو طبعه، بكي تأثرا لحزن وصدمة أحد الضباط فى مرض ابنته، وهو أول مرة يعرف هذا الضابط أساسا، ولكنه إنسان طيب وودود ويتسم بدرجة عالية من الإنسانية والاهتمام بأمور الغير. كل إنسان لديه مشاكل وأحلام.. ما مشاكل وأحلام السيسي كما عرفته؟ السيسي لم نسمعه يوما يشتكي من شىء خاص أبدا، أما أحلامه فكل ما أستطيع أن أقوله إنه يحدثك وهو يفكر في خطوتين للأمام.. السيسي في الوحدة العسكرية كان إما فى مكتبه أو بالمسجد أو يمارس الرياضة البدنية خصوصا تمارين الكفاءة البدنية، أو بيقرأ سور القرآن أو الكتب والصحف.. وكانت لديه القدرة على اختيار ما يؤهله جيدا فلم يكن عشوائيا فى اختيار ما يقرأه أو يتحدث فيه. ما هواياته.. هل السيسي يحب كرة القدم أو الاستماع للموسيقي والأغاني؟ لم أسمعه يوما يتحدث عن المسرح أو التليفزيون، ولم أسمعه يوما يتحدث عن كرة القدم أو الأهلي والزمالك، أولا هو يواظب على مطالعة الصحف، كما أنه يستعد دائما للخطوة المقبلة، فعندما يكون مسافرا لبعثة خارجية مثلا تراه يحاول الاطلاع على تفاصيل تلك الدولة ويبحث وراء مراجعها الدراسية حتى يأتى بها، حدث ذلك أمامى عندما كان مرشحا لحضور دورة أركان حرب فى البرازيل والذى تغير القرار لتكون فى تركيا ثم تعدل القرار مرة أخيرة لتكون فى إنجلترا. وأؤكد لك أن حب الناس لهذا الرجل ليس من فراغ، هناك من يصر على كراهية السيسي، وكلامى هذا ليس لدفعهم أو إقناعهم بمحبته، ليس هناك إنسان محبوب من الجميع إذا تعارض المصالح ولكنى رأيت بنفسى كيف أحبه كثيرا الغالب الأعظم لمن حوله.. هذا الرجل تعرض للكثير ولكن دائما ما "ربنا ساعده». كيف ترى الاستقبال الروسى الحافل لوزير الدفاع المصرى؟ أرى أن استقبال روسيا الحافل لوزير الدفاع المصرى بهذا الأسلوب ليس بسبب مكاسبهم المنتظرة من تجارة السلاح أو لاستبدالهم دور أمريكا فى ذلك كما يتوقع الكثيرون، فروسيا وأوروبا الشرقية ما زالت تتعامل مع مصر فى هذا الشأن، كما أنهم يعلمون جيدا أنه من المستحيل وقف مصر التعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بسهولة لأسباب عدة أبسطها ضرورة استكمال عقود صيانة الأسلحة الموجودة حاليا القروض والمعونات المرتبطة بها، فضلا عن تأكدها من اهتمام مصر بسياسة تنوع مصادر الأسلحة، ولكن السبب الحقيقى فى استقبالهم بهذه الصورة كان لشخص عبدالفتاح السيسى لما قام به بالفعل، ولتقديراتهم لدوره المستقبلى بعد شبه تأكدهم من قبوله الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فالسيسى بالفعل قد أنقذهم من مخطط لم يكن لهم مفر منه بسهولة وهو "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذى كان هدفه الأكبر الإكمال على تضاؤل بل وشلل الدور الروسى والصينى فى المنطقة من إيران وأفغانستان شرقا وحتى المغرب وموريتانيا غربا ومن تركيا شمالا وحتى السودان والصومال ووصولا لجيبوتى جنوبا.. فقد نجح السيسى فى الوقت المناسب فى قطع رأس أهم أداة لتحقيق هذا المشروع الشيطانى وهى الإخوان أو كما وصفوه (الإسلام السياسى).. كما أنهم ينتظرون منه الاستمرار فى تعظيم الدور المصرى فى منطقة الشرق الأوسط لتقليص الدور الإسرائيلى والتركى فى المنطقة، مما يساعد على استعادة التوازن وعدم الهيمنة المطلقة من قطب واحد. كيف ترى 25 يناير.. هل هي ثورة أم مؤامرة.. أم مزيج بينهما؟ مصر كانت فوق بركان مستعد للانفجار فى أى وقت خصوصا بعد تأكد فكرة توريث الحكم والسياسات الأمنية الحادة، وأى عمل ثورى فى الدول التى لم تعتد الديمقراطية عادة ما تجد فيه أربعة أطراف أساسية متمثلين فى الجهة المخططة، وهى المستفيد الأول من الثورات وقد أتضح لنا الآن وباعتراف "كوندليزا رايس" ومدير المخابرات المركزية الأمريكية أنفسهم بأنهم كانوا يخططون للثورة فى مصر منذ عام 2004 بل وقاموا بتدريب الطرف الثانى وهو أيضا مستفيد من الثورة وهم القادة والمحركون على تنفيذها، ثم يأتى الطرف الثالث المستفيد أيضا والذى جزء كبير منهم يشكل الجماعات والحركات الثورية، وأخيرا يأتى الثائرون عن حق وهم ثائرون من متاعبهم وبواعز من ضمائرهم نزلوا الشوارع لمجرد أن سنحت الفرصة لهم للتعبير عما بداخلهم من ظلم تحملوه كثيرا ولذا هم الطرف الوحيد الذى يمكن أن تعتبرهم غير مستفيدين، ويجب أن نعلم أن سوء نوايا المخططين والقادة والمحركين لا تلغى حسن نوايا المنفذين .. وأن من كان العمل ضدهم ليسوا بريئين من تهمهم أو مَعصومين.. ومن ثم يمكننا اعتبار ثورة 25 يناير مزيجاً من المؤامرة والثورة الحقيقية. الانتخابات الرئاسية جاءت بعد خروجك من القوات المسلحة.. كيف رأيتها؟ حضرت الانتخابات الرئاسية في مصر، وشاركت في الجولة الثانية من الانتخابات، وبعدها سافرت للعمل كمستشار للسياسات والتخطيط الإستراتيجى لإحدى المجموعات التجارية الكبرى بدولة الإمارات، وبعد فترة بسيطة جدا من تولي مرسي، بدا من الواضح أن قراراته لا تصدر عنه أو عن مستشاريه قرارات دون أى دراسة، وتلاحظ ذلك مرارا وتكرارا من القرارات الخاطئة العديدة التى اتخذها ثم رجع فيها.