ضياء الحاجرى هل فكرت ذات يوم وأنت تسير على ضفاف النيل أو على شاطئ البحر في الساحل الشمالي كم يبلغ سعر نسمات الهواء العليل التي تتنفسها؟ وبالمثل هل فكرت وأنت ترتشف كوبا من الماء البارد كم يبلغ سعره الحقيقي، وهل فكر المزارعون الذين يروون أراضيهم بطريقة الغمر في تقييم ثمن هذه المياه ؟.. وإذا افترضنا أن مجموعة من المليارديرات فكرت في شراء غابة في إفريقيا أو آسيا أو الأمازون أو شراء الأمطار التي تهطل بكثافة عليها، فكيف يمكن تقييم سعرها دون وجود آلية لتثمين هذه الموارد الطبيعية المجانية؟ مثل هذه الأسئلة الصعبة دارت في مخيلة مجموعة من البنوك الكبرى في العالم التي باتت تخشى من سوء استخدامها على النطاق العالمي، مما يهدد بنضوبها على المدى البعيد، وبالتالي تتوقف الأنشطة الاقتصادية التي تقوم على هذه الموارد والتي لا يتم تعويضها. وفكرت هذه البنوك وفي مقدمتها البنك الدولي في خطة للحفاظ على البيئة تقضي بحجب القروض التي تقدمها للشركات التي تعتمد أنشطتها الاقتصادية على الموارد الطبيعية لكوكب الأرض، ولكنها لا تعمل على المحافظة عليها، لتحقق ما أصبح يعرف باسم التنمية المستدامة التي تعني عدم استنزاف الموارد، فهذه الشركات في ظل النظام الاقتصادي السائد حاليا تفرط في استهلاك الموارد الطبيعية التي هي حق للأجيال المقبلة ويكون هدفها فقط تحقيق الأرباح، وغالبا ما تدمر البيئة دون أن تدفع الثمن. ومن هنا فكرت مجموعة البنوك في آلية للحد من هذا الإسراف على أن تبدأ بتحذير الشركات، ثم منع القروض التي تقدمها لها في حالة عدم إصلاح أساليبها التي تتسم بالجشع مع غياب الرؤية المستقبلية، وهذا القصور في الرؤية يهدد نشاط الشركات في حد ذاتها لأنه مع استنزاف الموارد الطبيعية يتوقف نشاطها الاقتصادي الذي يعتمد عليها. وأصدرت هذه البنوك إعلانا تضمن تعريفا لرأس المال الطبيعي لكوكب الأرض بأنه «الأصول الطبيعية للأرض التي تضم التربة والهواء والماء والحياة النباتية والحيوانية وخدمات النظام البيئي الناتج عنها والتي تجعل حياة البشر ممكنة»، وتشمل هذه الخدمات الطعام والمياه والصحة والطاقة وأمن المناخ، وقال الإعلان إن هذه الخدمات تبلغ قيمتها في العام الواحد عدة تريليونات من الدولارات، ومع ذلك لا يفكر أحد في إعطائها قيمتها الحقيقية، بل لا يكاد يشعر بوجودها أثناء استهلاكها اليومي بسبب وجودها بشكل متاح ومجاني في الطبيعة للجميع. وتريد مجموعة البنوك أن تدفع الشركات ثمن تلوث البيئة بفعل الصناعات المختلفة وأشدها تلويثا التعدين وكذلك الاستخدام المفرط في المياه، وهي تعتقد أن هذه الفكرة ستستغرق وقتا في التنفيذ حتى عام 2020. وفي تحذير جديد للبشرية من التعدي على البيئة ذكرت دراسة نشرتها مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية للدراسات الإستراتيجية أن من أهم التهديدات التي تواجه الأرض اليوم هو تدهور حالة المحيطات، حيث أدت الأنشطة البشرية خلال العقود الماضية إلى تغيير الكيمياء الأساسية للبحار بشكل أصبح يهدد بالعودة إلى حالة المياه العقيمة الموغلة في القدم قبل ظهور الحياة منذ مئات الملايين من الأعوام. وأوضحت الدراسة أن الحياة البحرية يتهددها الخطر حاليا بسبب التلوث والصيد الجائر وتدمير البيئة الطبيعية التي تعيش فيها الكائنات البحرية وتتكاثر، إلى جانب تناقص الأكسجين في المياه والتغيير المناخي الذي يؤثر بالسلب عليها وعلى غذائها، مما يهدد بانقراض الكائنات الكبيرة مثل الحيتان والقروش والأسماك كبيرة الحجم والسلاحف، لتسود الكائنات الصغيرة مثل قناديل البحر والديدان وغيرها، إلى جانب الميكروبات التي تسبب الأمراض، وهذا يؤدي إلى نقص الغذاء والوظائف وإلحاق الضرر بالصحة العامة. وأشارت الدراسة إلى أنه من أسباب تلوث مياه البحار تسرب البقع البترولية والمخلفات التي تندفع من خلال الأنهار مثل العبوات البلاستيكية وعلب المشروبات ومخلفات السفن، إلى جانب المواد الكيماوية التي تسمم المياه وتتراكم في أجسام الكائنات البحرية خصوصا المعادن الثقيلة مثل الزئبق والذي يطلق في الهواء مع احتراق الفحم، ثم يهبط إلى البحار مع الأمطار والمخصبات الزراعية الكيماوية التي تؤدي في النهاية إلى تدمير الأكسجين في البحار، مما يؤدي إلى ظهور ما يعرف باسم "المناطق الميتة". الصيد الجائر بدافع من الإقبال العالمي المتزايد على تناول المأكولات البحرية يؤدي أيضا إلى تناقص الأسماك، فمثلا في يناير 2013 تم بيع سمكة تونا ذات الزعانف الزرقاء يصل وزنها إلى 489 رطلا اصطيدت من المحيط الهادي في مزاد بطوكيو بسعر 1.7 مليون دولار، مما جعل لعاب شركات الصيد يسيل ويدفعها لتسيير رحلات طيران بالهليكوبتر لتمشيط المحيط بحثا عن هذه النوعية من الأسماك.