محمد عبد الحميد «اللهم اكفني شر الضرب ع القفا والقذف بالأحذية، وحنن قلب خصومي ليكتفوا بكلمات العتاب المهذبة»، هذا الدعاء بات لسان حال فريق من المصريين هذه الأيام بعد أن نحى البعض شرف الخصومة جانبا والتجأ إلى أساليب أخرى همجية لإظهار غضبهم ورفضهم لما يقوم به من يختلفون معهم سياسيا، لدرجة بات الإيذاء البدني أبرز جرائم المرحلة، وبات تكرار وقع مثل تلك الجرائم يكاد يفسد الصورة التي يتمناها كل مصري لوطنه في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو بترسيخ قيم الدولة الديمقراطية التي يمارس كل فرد فيها دوره ويعاقب وفقا للقانون إذا ما أخطا أو تجاوز. لم تكن واقعة اعتداء طالبات الإخوان على الدكتورة ليلى شكر أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر، أثناء محاولتها الدخول من بوابة كلية التجارة بسبب رفضها لتوجهاتهن السياسية الداعية منع الدراسة بجامعه الأزهر، إلا صورة مصغرة من ظاهرة الانتقام السياسي عبر الإيذاء البدنى الذي صار يفرض نفسه بقوة على مسرح الحياة السياسية في مصر خلال الفترة الأخيرة، فقد سبقتها وقائع عده أبرزها واقعة الصفعة على القفا التي نالها الناشط السياسي أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل أثناء تسليم نفسه إلى محكمة عابدين، بعد قرار ضبطه وإحضاره، وتسببت فى وقوع اشتباكات بين أنصاره وعدد من الجماهير التي وجدت عند باب المحكمة للتعبير عن رفضها لآراء ماهر السياسية الرافضة لقانون التظاهر، وهللت لما قام به الشاب الذي صفع ماهر وجرى وسارعت للذود عنه بعدما شرع أنصار ماهر في الإمساك به. كذلك تعرض الناشط السياسي أحمد دومة هو الآخر لموقف مشابه وقت وجوده أمام مبنى نيابة عابدين وذاد عنه بأن تعرض دومة لوابل من الشتائم والسباب من الجماهير الغاضبة التي احتشدت من حوله تريد الفتك به، وهى تصفه بالخائن والعميل بسبب آرائه السياسية التي ينتقد فيها الحكومة. الظاهرة التي أطلت برأسها في مصر على استحياء في سنوات ما قبل ثورة 25 يناير في واقعتين شهيرتين حدثتا داخل مجلس الشعب الأولى لزكى بدور وزير الداخلية الأسبق عام 1990 عندما تطاول على رموز المعارضة ونعتهم بأقذع الشتائم مما دفع بالنائب الوفدي طلعت رسلان إلى التشاجر معه وتبادلا الصفعات قبل أن يهم رسلان بخلع حذائه محاولا ضرب بدر به. والثانية عندما احتدم النقاش بين طلعت السادات مع أحمد عز، ووجد السادات أن عز يتعامل معه بعنجهية وتعال فما كان منه إلا أن هدده بالضرب بالحذاء على رأسه لتأديبه وهم أن يفعلها بعد أن خلع حذاءه قبل أن يمنعه بقية النواب، وظلت تلك الواقعتان مثالا للتندر على انفلات أعصاب السياسيين قبل أن تتفاقم وتصبح ظاهرة مرعبة عقب ثورة 25 يناير، وتزايد سطوة جماعة الإخوان عقب تولى مرسى حكم مصر، وما صاحب ذلك من تكرار جرائم اعتداء أفراد الإخوان على خصومهم بالضرب والإهانات، أبرزها الاعتداء على الناشطة السياسية شاهندة مقلد، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس اتحاد الفلاحين، بالضرب في أثناء مشاركتها بمظاهرة أمام قصر الاتحادية وكانت تهتف:"لا إله إلا الله.. الإخوان أعداء الله "عندما فوجئت بقيام عدد من شباب جماعة الإخوان بتكميم فمها، بالقوة وهم يصرخون: بس اسكتي، إلا أنها أبعدت يدهم عنها ونهرتهم مما استفزهم أكثر فسعوا لدفعها وصفعها لإسكات صوتها للأبد قبل أن يتدخل عدد من المتظاهرين لإنقاذها وإخراجها حية من المكان، كما قام بلطجية الإخوان فى نفس اليوم أيضا بضرب، زوجة وابنة الإعلامى محمود سعد والذي روى لمشاهدي برنامجه تفاصيل ما حدث لزوجته الصحفية نجلاء بدير وابنته مي أمام قصر الاتحادية، وكيف لم يتوقف الإخوان عن سبهما بأقذع الشتائم. كما تعرض السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، لصفعة على قفاه في أثناء سيره بصحبة عدد من حراسه ومرافقيه بميدان التحرير فى مظاهرة رافضة للإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسى، الواقعة التي تم تصويرها فيديو والترويج لها عبر شبكة الإنترنت من مجهولين كما لو كان الأمر مرتبا من خصوم البدوي للنيل من كرامته، بينت كيف كان البدوي، يسير في ميدان التحرير وحوله رجاله ومناصروه وبعض المشاركين في المليونية، وأحدهم يسأله:"إيه رأيك في الميدان بدون الإخوان يا ريس"، فيجيب البدوي: "جميل".. فإن الجميع فوجئ بشخص مجهول ملثم ينهال على البدوي بصفعة على "قفاه"، بقوة ما دعا البدوي لأن يلتفت وراءه بسرعة، ولكن كان الشخص المجهول قد فر مسرعا. وبعدها بأيام أعلن البدوي أنه ورجاله تمكنوا من التوصل لهوية الشاب الذي ضربه على قفاه والجهة التي دفعته، لذلك، وكم الأموال التي دفعوها له، لافتا النظر أن هذا الشاب استخدم للانتقام السياسي منه..وهناك واقعة تعدى عدد من المتظاهرين المنتمين لجماعة الإخوان أمام مسجد رابعة العدوية على عضو مجلس الشعب السابق محمد أبو حامد بالصفع والضرب المبرح، وذلك أثناء مروره بسيارته بمدينة نصر مما تسبب في إصابته بإصابات خطيرة وتم نقله على إثرها إلى مستشفى المهندسين بعد تحطم سيارته.كما تعرض أبو العز الحريري، القيادي بحزب التحالف الشعبي، وزوجته للاعتداء البدنى وتم تحطيم سيارته وإصابته في وجهه بآلة حادة، وذلك من بعض بلطجية الإخوان أمام مقر الجماعة بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية، واتهم الحريري المهندس على عبد الفتاح، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وصابر أبو الفتوح، عضو الحرية والعدالة، بتحريض شباب الإخوان على الاعتداء عليه، كما قام بلطجية الإخوان بالتعدي على المهندس حمدي الفخرانى، عضو مجلس الشعب، بالضرب والركل بالأحذية وتمزيق ملابسه أثناء نظر الدعوى التي كان تقدم بها الفخرانى لوقف قرار مرسى بعودة مجلس الشعب المنحل للعمل، وقد حرر الفخرانى محضرا ضد مرسى، بتهمة تحريض أنصاره على التعدي عليه، وكذلك واقعة الناشطة السياسية ميرفت موسى التى تعرضت للاعتداء بالركل والصفعات من قبل شاب إخوانى يدعى ياسر محمد أمام مكتب الإرشاد بمنطقة المقطم عندما كانت بصحبة بعض الفتيات والشباب يرسمون صور "جرافيتي" تعبر عن رفضهم لحكم الإخوان واستبدادهم، وهناك واقعة الاعتداء على النساء المعتصمات في محيط وزارة الثقافة من بلطجية يقودهم أحمد المغير، وهو شاب ضخم الجثة اشتهر بأنه "فتوة "خيرت الشاطر والمتخصص في حشد البلطجية لمواجهة أى تظاهره يقوم بها النشطاء ضد حكم مرسى أو التنديد بفساد الإخوان إلا أن النساء في ذلك اليوم تصدوا لهم وقامت إحداهن وتدعى رشا العزب بصفع المغير على قفاه..ازدادت ظاهرة أكثر بعد ثورة 30 يونيو وعزل مرسى وجماعته من حكم مصر مما زاد من همجية الإخوان وسعيهم للانتقام من خصومهم في أى مناسبة بالضرب، أبرزها واقعة قيام عدد من طلاب جامعة القاهرة المنتمين للجماعة بمحاولة التعدي على مفتي الجمهورية السابق د. على جمعة خلال حضوره مناقشة رسالة دكتوراه لأحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، حيث قام الطلاب بمهاجمته بألفاظ نابية قبل أن يحاولوا الوصول لمكان وجوده على المنصة لضربه انتقاما لآرائه التي باركت ثورة 30 يونيو وخلع مرسى عن الحكم وفض اعتصام رابعة العدوية، فإن أفراد الأمن الإداري بالجامعة حالوا بينهم وبينه. كما قام الإخوان بالاعتداء على الروائي علاء الأسواني وقتما كان يعرض روايته "نادى السيارات" بمقر معهد العالم العربي بباريس وفوجئ بعدة أشخاص يطالبونه بالتحدث عن الوضع السياسي الحالي فى مصر، وهم يهتفون ضد القوات المسلحة فرد عليهم الأسواني "يسقط حكم المرشد"، وهو ما دفع ببعض من أنصار مرسى إلى محاولة التعدي عليه بالأيدى، أيضا تعرض خالد داود الأمين العام لحزب "الدستور" والمتحدث السابق باسم "جبهة الإنقاذ الوطني" لاعتداء همجي من الإخوان بسبب مواقفه السياسية، ففي أثناء قيادته لسيارته عند قصر العيني متوجها لحي المقطم، فوجىء بعدد من شباب الإخوان يهاجمونه عند كوبري أبو الريش ويجبرونه على التوقف بسيارته ويخرجونه منها وقاموا بتحطيمها والاعتداء عليه بالصفع والركل وأسقطوه أرضا، وقاموا بطعنه بأسلحة بيضاء، ما أدى إلى إصابته بجراح غائرة بالوجه وحدوث قطع بأحد أوتار يده، كما اعتدى شباب الإخوان أيضا على امرأة عجوز تدعى أم أشرف كانت تقف أمام البوابة الرئيسة لأكاديمية الشرطة يوم الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى، السيدة العجوز التي تجاوزت الستين كانت ترفع صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وتهتف مطالبة بإعدام مرسى وهو ما استفز أحد شباب الإخوان وقام بصفعها على وجهها! من جهته يرى مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق، أن الظاهرة في مجملها نوع من الإرهاب بغرض قمع الآخر ودفعه للإذعان والخضوع عبر ترهيبه بالإيذاء البدنى وهى سلوكيات مرفوضة، لافتا النظر أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل على إرهاب المجتمع المصري وتخريب الدولة وتوسيع دائرة الشغب بكل الطرق المتاحة بما في ذلك استغلال الفتيات لإرهاب هيئة التدريس بالجامعات والتعدي عليهم لإجبارهم على الخضوع لمخطط الجماعة المحظورة في وقف الدراسة والسكوت عن تخريب المجتمع، مشددا على أهمية أن تقابل الحكومة مثل تلك التصرفات بحزم وشدة وإلا لجأت القوى السياسية الأخرى إلى استعمال نفس الأساليب الهمجية للرد على اعتداءات الإخوان، وهو ما يحول مصر إلى دولة فوضى وينذر بالخراب. وبدوره يرى الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، أن الوقت قد حان لأن تتصدى الدولة بحسم لمثل تلك التصرفات الإجرامية التي يمارسها البعض ضد من يختلفون معهم سياسيا، سواء كانوا نساء أم رجالا، فليس من المعقول أن تقف الدولة مكتوفة الأيدى في ظل تلك الانتهاكات التي تكررت كثيرا في الفترة الأخيرة بصورة تثير القلق على مستقبل مصر كدولة ديمقراطية تتقبل القوى السياسية الاختلاف في الرؤى والأفكار وتحولها إلى مجتمع غاب ينتهك فيه القانون وتسود لغة العنف والغوغائية، لافتا النظر أن القانون إذا ما طبق بحسم سيكون رادعا على كل من تسول له نفسه أن يرتكب مثل تلك الحماقات أو يحرض عليها