أشرف بدر أفرغ عام 2013 كل ما فى جعبته من مآس، وقتل، وإرهاب، وشتات، وفوضى، وضن علينا بأيام معدودات من الفرح، والاستقرار، والأمن. ولأننا لسنا فى حاجة إلى "تقليب المواجع" وتذكر ما سعينا إلى نسيانه بسبب "تسونامى 2013" الذى جرف معه مئات الأرواح الطاهرة وآلاف المصابين برصاص الغدر، والخسة، الأمن والاستقرار وليصبح كما أطلقت عليه «الأهرام العربى» فى عددها الأول من يناير الماضى "عام الانقلاب الكبير". إن هذا العام من الوهم والتزوير قد حكم العديد من القضايا العربية، وتحكم بالعقليات المحيطة بها والمتعاطية معها، فى عهد عرف ب"التدخلات الخارجية العلنية عربياً، وإقليمياً، ودولياً"، ويظهر اللاعبون الخارجيون يخططون، وينظمون، ويمولون، ويقاتلون، ويشعلون المشهد العربى بثوراتهم المزيفة، وبدعم من مرتزقة، وعملاء من الداخل يتلونون بلون "البنكنوت" الذى يقبضونه من أسيادهم مع كل عملية إرهابية قذرة ينفذونها على أرض طعموا من خيراتها، وشربوا من أنهارها، وناموا تحت سقفها، وتعلموا بالمجان فى مدارسها، ونهلوا من دعمها، وفى النهاية باعوها، وباعوا شعبها بأبخس الأثمان لمشتر حاقد، وكافر بوطنه ودين وإيمان أوطاننا !! وبرغم تسليمنا بأنه «كذب المنجمون ولو صدقوا» وإن كل غيب هو صنيعة علام الغيوب، وأنه يصعب التنبؤ بما ستؤول الأوضاع إليه فى دول الربيع العربى، فإن مقدمات 2013 تنبئ بنتائج 2014، وهو ما دفع البعض للقول إن العام الجديد هو عام "الطوفان" أو عام "المصير" كما وصفه أستاذنا محمد حسنين هيكل وفقا لقراءته للمشهد الراهن الذى ينذر بإعصار مدمر فى منطقة الرمال المتحركة التى نعيش فيها. ولو ضربنا أمثلة لما يحدث على الساحة العربية لنستشرف المستقبل من خلالها، نجد على الساحة السورية " أكذوبة مؤتمر "جنيف 2" التى لن تحل مأساة الشعب الشقيق .. ولو كان المجتمع الدولى جادا حقاً فى الحل، فيجب أن يكون عبر قرار تحت الفصل السابع من مجلس الأمن يلزم بشار الطاغية بوقف إطلاق النار، والمجازر بحق شعبه، وسحب إيران وحزب الله مرتزقتهم وإرهابييهم من الأرض السورية، وفتح الممرات لإيصال المساعدات، والعمل على إعادة اللاجئين، والنازحين إلى ديارهم. وفى لبنان نذر الحرب الأهلية تتداعى مرة أخرى، مع اشتعال معركة التكفير، والتخوين بين حزب الله من جانب، وبقية الطوائف اللبنانية من جانب آخر. وفى اليمن تحول الشعار من "دعه يعمل .. دعه يمر" .. إلى "دعه يقتل .. دعه يرتزق". فالقاعدة استولت على الجنوب هناك، والوضع قابل للانفجار كل لحظة . أما السلام الفلسطينى – الإسرائيلى سيظل "الابن الضال" لأمريكا، والمنظمات الدولية .. والكل يمشى على نهج "خرج ولم يعد". وفى ليبيا: تسير الأمور باتجاه حرب الشوارع مثلما يحدث فى العراق.. بينما سيظل حزب الله اللبنانى سلاح "مساومة" لا "مقاومة"، لتحقيق مصالح إيران بالمنطقة، وتوسيع نفوذها وصولاً للحكم الاستعمارى الفارسى. والمستفيد من كل ذلك إسرائيل التى ستتبوأ مكانة كبرى بالمنطقة بعد ما لعب الجميع لصالحها فى مباراة "الفوضى .. بلا نهاية"، وخسروا كلهم بلا شرف، لتصبح الفائز الأول وتتحول إلى "قوة نووية ونفطية" والبقية تأتى من خذلان القوى الظلامية التى تضرب الجيش والشرطة والاقتصاد فى مصر وسوريا والعراق. أما فى مصر فالوضع محزن، ومخيب، والصدور مملوءة بالكبت، والضجر، والخوف من الغد، وهو ما نقلناه عبر ملفنا فى هذا العدد السنوى، الذى احتل «الشعب المصرى» الصدارة ليكون بجدارة "شخصية عام 2013 " ونقلنا فيه تخوفات وآمال وطموحات أبنائه فى عام 2014 . وبرغم سقوط آخر أوراق التوت، وتعرية عورات «الجماعة» المحظورة التى أرادت أن يكون الدين تابعاً لا متبوعاً، وحاول أنصارها إعادة رئيسهم المعزول إلى قصر الاتحادية على دبابة أمريكية، مثلما جاء أحمد الجلبى يحمل فى يده اليمنى علم العراق وفى اليسرى علم أمريكا، فما كان من المقاومة العراقية الباسلة إلا أن أطاحت به إلى "مزبلة التاريخ". لن يتحرر الوطن بهؤلاء ولن ينتصر الإسلام بهم .. فالبذور الملوثة تنتج ثمارا موبوءة، ومن شرب ماء الغدر والخداع، لن يتطهر إلا إذا استحم بماء المروءة والشرف، والتاريخ لن يفتح صفحاته إلا للأتقياء الأنقياء فقط . إن تغيير الواقع السياسى لا يتم بالقفز على ما هو واقع، بل يتم بالتدرج والانتقال بما هو كائن إلى ما ينبغى أن يكون، وأن ما تحتاجه مصر ليس النفخ فى نيران الطائفية، ونشر التطرف وأجواء الكراهية أو توتير الأجواء بين مكونات المجتمع، بل إشاعة ثقافة التسامح وروح التعايش، واحترام التنوع الثقافى والدينى، وتشكيل حكومة قوية تعبر بشعبها المحن والمؤامرات الخارجية ويتولى رئاستها رجل دولة من أمثال عمرو موسى. ومع أن هذه الصورة لمصر والربيع العربى تبدو اليوم سوداء، إلا أننى على يقين بأن الضوء سيكون بنهاية النفق الذى نأمل ألا يكون طويلاً، وأسوق فى هذا السياق، قصة الإنسان مع الأمل الذى يمكنك أنت أن تصنعه لنفسك وللآخرين...فيحكى أن طفلة مريضة سألت أختها الكبرى، وهى ممددة على فراشها تراقب شجرة بالقرب من نافذتها: كم ورقة باقية على الشجرة؟ فأجابت الأخت بعين ملؤها الدمع : لماذا تسألين يا حبيبتي؟ أجابت الطفلة المريضة: لأنى أعلم أن أيامى ستنتهى مع وقوع آخر ورقة! ردت الأخت وهى تبتسم : إذن حتى ذلك الحين سنستمتع بحياتنا ونعيش أياماً جميلة.. مرت الأيام .. وتساقطت الأوراق تباعاً ..وبقيت ورقة واحدة...ظلت الطفلة المريضة تراقبها ظناً منها أنه فى اليوم الذى ستسقط فيه هذه الورقة سينهى المرض حياتها. انقضى الخريف .. وبعده الشتاء .. ومرت السنة.. ولم تسقط الورقة.. والفتاة سعيدة مع أختها.. وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد، حتى شفيت تماماً ...فكان أول ما فعلته أنها ذهبت لترى معجزة الورقة التى لم تسقط.. فوجدتها ورقة بلاستيكية ثبتتها أختها على الشجرة. إن ورقة شجر مع كثير من الحب تصنع الأمل، وهو ما دعانا إليه الله تعالى فى قوله: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ».