الشجرة بجذورها الممتدة وساقها الشامخة دائما أقوى وأبقى من أوراقها الصغيرة التى تنبت على مدار الأيام والشهور والمواسم ثم تسقط.. وفى تاريخ الزمن تبدو الشعوب مثل جذور الأشجار الراسخة هى الأساس والنواة التى تنشأ منها الحياة وتتكون حولها الحضارات والتاريخ.. ويبدو الحاكم أيضا مثل نبتة صغيرة فى أحد فروع الشجرة الوارفة، قد لا يكون أجملها ولا أينعها ولا أكثرها خضرة ونضارة لكنه جزء من الكل الكبير ولن تموت الشجرة أو تذبل بظهور هذه النبتة أو بذبولها، لأن الأصل راسخ وممتد عبر الزمن.. العجيب أن ترى الناس هنا يخشون مجىء حاكم ما فى حين أنه إن كان ثمة من يخشى من شىء فهو الحاكم الذى لن يستطيع أن يقضى على شجرة منحته الحياة وكانت سببا فى ظهوره البراق فوق أحد الفروع البعيدة.. الثورة التى صنعها الشعب فى مواجهة النظام الطاغى هى بمثابة تحذير دائم وأبدى لكل حاكم قد تسول له نفسه أن يستبد أو يطغى لأنه فى النهاية مثل ورقة الشجر ستسقط، أما الناس والشوارع والحارات والأزقة والجدران والأشجار والطرقات والبيوت والبحيرات والأنهار هى الأبقى والأقوى والأرسخ.. الأشخاص عابرون فى تاريخ الوطن، وإن كان ثمة درس أول للثورة فهو موجه للشعوب نفسها لا للحكام.. الدرس الذى يترك رسالة عميقة الأثر للشعب أنه هو من يملك وهو من يقرر ومن يولى ومن يعزل ومن يأمر.. الشعوب فى كل بلاد الدنيا هى التى تصنع الحضارات والتقدم.. أحيانا يأتى حاكم ملهم لشعبه فيترك ذكرى على مدار التاريخ، ويأتى آخر لا يتوازى مع عظمة وعبقرية شعبه فيرحل فى طى النسيان.. لكن يظل الحاكم فردا واحدا مثل ورقة نبتت فى شجرة الوطن الكبيرة وقد تذبل الأوراق سريعا ولكن تبقى الجذور طويلا.