سهير عبدالحميد «لم يلعب طلاب دورا فى الحركة الوطنية مثل الدور الذى لعبه الطلبة فى مصر» هذا ما قاله المؤرخ الفرنسى والتر لاكير ..وهو ما تثبته دون عناء القراءة الأولية لسطور التاريخ دون تمحيص أو تدقيق، وهذه الحقيقة التاريخية تجعل من الصعب الاستجابة لتلك المطالب التى تعمل على منع الطلبة من ممارسة العمل السياسى، فطالما كان الطلبة هم المعين الأول للأحزاب السياسية والمنبع الرئيسى لتشكيل كوادرها.. لقد كانت الحركة الطلابية -تاريخيا - جزءا لا يتجزأ من الحركة السياسية وكان للطلاب دور فى إدارة قواعد اللعبة السياسية منذ استعان مصطفى كامل بطلبة المدارس لدعم الحركة الوطنية مؤسسا نادى المدارس العليا 1905 لتنمية الوعى السياسى للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطانى، وقام بعده محمد فريد برعاية الحركة الطلابية وتوظيفها لخدمة القضية الوطنية . وعندما انتفض الشعب المصرى عام 1919 كان الطلاب فى طليعة الثورة وجابوا قرى ونجوع مصر لجمع التوقيعات لتوكيل سعد زغلول للدفاع عن القضية المصرية فى مؤتمر الصلح بفرساى . وكان الطلاب وقود الانتفاضة الشهيرة عام 1935، والتى نجحت فى إعادة العمل بدستور 1923 ووصول الوفد إلى الحكم . وقد أدركت الأحزاب السياسية منذ الوهلة الولى أن نجاحها وشعبيتها مرهونان بالقدر الذى تجتذبه من طلاب الجامعات إضافة إلى العمال، فالفصيلان شكلا قوة ضاربة عبر فصول مختلفة من التاريخ فى مواجهة الاحتلال والفساد ..كما حدث عام 1946 التحمت الحركة الطلابية مع الحركة العمالية ودعا معا إلى إضراب فبراير 1946. الذى كان إحدى المحطات المهمة فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية حين خرج الشعب استجابة إلى تحالف الطلبة والعمال ووقعت المجزرة للطلبة المتظاهرين برصاص الاحتلال وواقعة فتح كوبرى عباس الشهيرة، حتى قررت الحركة الطلابية العالمية اعتبار يوم 21 فبراير يوم التضامن العالمى مع طلاب مصر تكريما لنضال الطلبة المصريين . هذا الدور المبكر والواضح للحركة الطلابية جعل من الحرم الجامعى منبرا مهما فى الحركة السياسة إلى جانب نقابة المحامين والحركة العمالية فى الكثير من فترات التاريخ المصرى، هو ما جعل نظام عبد الناصر يفكر فى حظر النشاط السياسى داخل الجامعة بحيث تصبح الجامعة حرما حصريا على منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكى العربى ...وعاشت الحركة الطلابية فترة سبات سياسى أسهمت فيه الإنجازات التى حققها جمال عبد الناصر على صعيد القضايا الاجتماعية من محاربة الإقطاع وإعادة توزيع الملكية الزراعية ..وكان النظام يحاول بعد أزمة مارس الشهيرة 1954 التضييق على اللوائح الطلابية وخرجت لائحة 1968 لتعطى مساحة للعمل الطلابى، لكن فى إطار الفكر الناصرى. وعادت الحركة الطلابية للاصطدام مع النظام فى عهد السادات أكثر من مرة بسبب تأجيل قرار الحرب مرات، وبسبب اتفاقية كامب ديفيد وبينهما كانت انتفاضة الخبز 1977 ... وكان على السادات التصرف بشكل يريحه من صداع الطلاب فألغى اللجنة السياسية فى الاتحادات الطلابية وحرم كل أشكال العمل السياسى داخل الجامعة ..وقد أجبر الطلاب السادات على إقرار لائحة 1976 التى اعتبرت العمل السياسى أحد أشكال العمل الطلابى المتاحة والتواصل مع المؤسسات السياسية خارج الجامعة أحد أهداف اتحاد الطلاب .ثم كانت لائحة 1979 المعروفة «بلائحة أمن الدولة» والتى تم تعديلها فيما بعد فى 2007 لفرض المزيد من القيود لكن الطلبة كانوا يتمردون على القيود متحدين خراطيم المياه وعصى الأمن المركزى .وكانت للحركة الطلابية هبتان فى 1998 للتنديد بالقصف الأمريكى للعراق وفى عام 2000 احتجاجا على اقتحام شارون للمسجد الاقصى . ومثلما كان الحرم الجامعى فى عهد عبد الناصر حكرا على منظمة الشباب ، كان أيضا فى عهد مبارك حكرا على نشاط الحزب الوطنى وجمعية المستقبل. وفى 25 يناير استرد الشباب دورهم التاريخى عندما خرجت المظاهرات بالملايين لإسقاط نظام مبارك إلى غير رجعة . هذا هو ما تقوله سطور التاريخ عن تاريخ الحركة الطلابية فى مصر.. وكيف كان الطلاب فصيلا أساسيا فى الحركة السياسية المصرية .. هذه المكانة هى ما جعلت رئيس اتحاد جامعة القاهرة عبد المنعم أبوالفتوح لا يأبه لشىء وهو يقف فى وجه السادات متهما المحيطين به بالنفاق، بدليل منع الشيخ الغزالى من الخطابة واعتقال طلاب لتظاهرهم فى الحرم الجامعى . وهى ما جعلت كمال خليل طالب الهندسة، يتعرض للاعتقال عشرات المرات وهو يدافع عن حقوق الفلاحين أو عمال الحديد والصلب ويتم وضعه بوصفه المتهم السادس فى انتفاضة الخبز . كان الطلاب فى مصر، كما كل الطلاب فى مشارق الأرض ومغاربها جزءا أصيلا من الحركة السياسية. فى أوروبا كان الطلبة هم من قاد الثورة العظيمة 1968 ضد السياسات اليمينية والتى اشتعل فتيلها فى فرنسا على يد الطالب «كون بانديت» وانتقلت إلى ألمانيا حيث قادها "رودى دوتشكه" وإلى إنجلترا حيث قادها «طارق على» الباكستانى الأصل . وفى إندونيسيا أسقط الطلبة حكومة سوهارتو 1998، وفى تشيكوسلوفاكيا قادت احتجاجات الطلاب إلى الثورة 1965 .. بعد هذا تبدو محاولة فض الاشتباك بين الحركة الطلابية والنشاط السياسى محاولة محكوم عليها بالفشل .. أما محاولات التقنين وضبط الإيقاع فهى ضرورة.