عادل أبوطالب مع تطورات الأوضاع التى شهدتها دول الربيع العربى وعلى رأسها مصر كانت جامعة الدول العربية حاضرا للمشهد فى واحدة من أهم صورة فى مؤتمر آليات العدالة الانتقالية بدول الربيع العربى الذى انعقد بمقر الجامعة أخيرا ليطرح تصوراته حول آليات هذه العدالة التى تعد عنصرا أساسيا من عناصر التحول الديمقراطى فى هذه الدول. أولى هذه الآليات كان التناول للقضية فى مفهومها وهو ما أكد د. أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى، الخبير فى حفظ السلام، فى قوله بأنه لا مصالحة، ولا إعادة للسلم والأمن الأهلى بدون عدالة انتقالية. وشدد د. سلامة على ضرورة التشبت بآليات العدالة الانتقالية فى دول الربيع العربى، حتى يتسنى الخروج إلى السلام المجتمعى. وضرب المثال بالوضع فى ليبيا والتي نبشت القبور وأخرجت الموتى، حيث تم استخراج ما يزيد على 1200 جثة إبان العهد السابق، وذلك من أجل تحقيق آليات العدالة الانتقالية. أما فارس عمران، فقد أشار إلى أن هناك إشكالية فى التعامل مع تقصى الحقائق، مشيرا إلى أنها لا تعنى التحقيق، ولكنها تعنى البحث ومتابعة الحقائق. وأوضح أن تقصى الحقائق منصوص عليه فى كل الدساتير المصرية بدءا من دستور 23 وحتى دستور 71، وتناوله أيضا دستور 2012 المعطل، وأن غالبية دساتير الدول العربية وضعت اهتمامات بتقصى الحقائق فى مختلف جهات الدولة تنفيذية وقضائية. وبدوره أشار المستشار أحمد عبدالمجيد على أن الحق فى معرفة الحقيقة كإحدى آليات العدالة الانتقالية معترف بعد فى العديد من الاتفاقيات الدولية منها البروتوكول الملحق فى اتفاقية جينيف 1949، مؤكدا أن الحق فى معرفة الحقيقة هو حق لأسر الضحايا فى معرفة الحقيقة فى فترات العدالة الانتقالية، وحق المجتمع فى معرفة الحقيقة فى هذه الفترات. وتحدث عبد المجيد عن التحديات الكبرى التى تواجه دول الربيع العربى والتي من بينها الاضطرابات السياسية،ضعف المجتمع المدنى، ونقص الموارد وغيرها. وشدد عبدالمجيد فى كلمته خلال الجلسة الأولى بالمؤتمر على ضرورة تبنى إستراتيجية عربية شاملة لتطبيق آليات العدالة الاجتماعية، وضرورة أن تصنع كل دولة آلية شاملة لتطبيق آليات العدالة الانتقالية، مع التأكيد أن العدالة لا تتم إلا عبر قضاء محايد. فيما أكد المستشار على عوض صالح المستشار الدستورى لرئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور على آلية أكثر أهمية، وهى أن عملية العدالة الانتقالية بعد ثورة 30 يونيو اتخذت مسارا جديا ومهما باتخاذ خطوات فعلية نحو تحقيقها بداية من إنشاء وزارة للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والعمال حاليا على إنشاء مفوضية العدالة الانتقالية التى تجسد الجوانب القانونية والفنية تحت إشراف مباشر من رئاسة الجمهورية . المستشار على عوض اعتبر أنه على الرغم من عدم اتخاذ خطوات معلنة ومنظمة لتحقيق العدالة الانتقالية بعد ثورة يناير، فإنه جرى اتخاذ عدة خطوات يمكن إدراجها تحت مسمى العدالة الانتقالية مثل تقديم رئيس الدولة وكبار معاونيه للمحاكمة، لكن هذه المحاكمات لم تشمل الجرائم التى ارتكتب خلال فترة حكمهم، بل اقتصرت على أحداث ثورة يناير . مستشار رئيس الجمهورية شدد على أن العدالة الانتقالية ضرورة لا غنى عنها لتحقيق السلم الاجتماعى فى مصر والدول العربية التى شهدت تغيرات جذرية وان تكون هذه العدالة «ليست انتقامية ولا انتقائية» بل تهدف لتهيئة المناخ اللازم لانتقال المجتمع من حالةالاحتقان والصراع التى يعيشها حاليا، وهو المفهوم الذى تتبناه القيادة المصرية الحالية لتحقيق العدالة الانتقالية مع تنظيم الإخوان. وتناول المستشار على عوض صالح عددا من التجارب الدولية فى تحقيق هذه العدالة الانتقالية منها على سبيل المثال تجربة جنوب إفريقيا التى تتبلورت حول مبدأ أن لا حل مسلح يمكن أن ينهى النزاع وأن الحل السلمى هوالحل الأمثل ممع ضرورة عدم حصول أى طرف على100 فى المائه مما يريد . مشيرا إلى أن آليات العدالة الانتقالية فى هذه الدول شملت تشكيل لجان تقصى حقائق، رفع الدعاوى القضائية ، وتخصيص برامج للتعويض المادى والمعنوى للمتضرين، وإصلاح المؤسسات الشرطية التى استخدمت كآليات للقمع، وإنشاء المتاحف والأماكن التذكارية لتخليد ذكرى الجرائم ورفع الوعى بجرائم الماضى لتجنب تكرارها فى المستقبل . أحمد البرعى وزير التضامن الاجتماعى قال: إن ما جرى من أحداث أعقبت الثورات فى دول الربيع العربى نقلنا من الربيع إلى الخريف، فصرنا نعيش خريفا قاحلا، مؤكدا أن ما جرى فى هذه الدول «أنه ولا دولة من هذه الدول بحثت إيجاد قانون انتقالى يتم التعامل به فى المرحلة التالية للثورات، فتعاملت بالقانون العادى، لتبدأ صدمات الشعوب، لتتوالى علينا البراءات، وأحيانا توالت الاتهامات لجهة لا يمكن اتهامها وهى القضاء، وهذا بسبب عدم وجود آلية للعدالة الانتقالية، عبر قانون خاص بذلك». البرعى أضاف: «نحن فى مصر، نتحدث على مدار عامين عن قانون العدالة الانتقالية ولم نحقق شيء فى هذا القانون» مشيرا إلى أن العدالة تعنى نبذ الإقصاء أو المصالحة، لكن فى مصر بعد 25 يناير وامتدادها فى 30 يونيو نقول من الذى يمكن له بالمصالحة مع المجتمع ومن يمكن إقصاؤه..؟، ليبقى التساؤال حوال المعيار للمصالحة وعدم الإقصاء. وأشار البرعى إلى أنه ما تم التوافق عليه بمجلس الوزراء هو أن « الباب مفتوح للجميع للمشاركة عدا من تلوثت يده بالدماء»، فلا لا يرد فى الذهن من أراق الدماء، وهذا ما نريد العمل فيه بالمصالحة الوطنية، وفقا للمعيار الشامل. قال أيضا: «لدى نظرة فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية، لا نريد أن ترجع ربما لعادتها القديمة، حتى لا ينزلون مرة أخرى تحت الأرض، ونحن نقول إذا قبلوا العودة وفقا لشروطنا فأهلا بهم، بدلا من عودتهم تحت الارض مرة أخرى وهم مرشحون للعودة تحت الأرض فعلا». وأوضح الوزير أن الهجوم والرفض الكبير من جانب المصريين للمصالحة تأتى بسبب أن الإخوان خلال العام الماضى حاولوا التضييق على المصريين وعلى حياتهم، إلا أن كل محاولات تغيير هذه الحضارة، وتغيير تدين هذا الشعب، فاشلة لتغيير هضه الخضارة تبوء عادة بالفشل. وشدد على أن الثورات العربية لم تكن تعبير عن غضب شعبى باحثا عن الحرية فحسب، لكن هناك غضبا من غياب العدالة الاجتماعية، وعليه فلابد على بلاد الثورات العربية أن تبحث لإقامة العدالة الاجتماعية، فيما شدد على عوض صالح، المستشار الدستورى لرئيس الجمهورية على أهمية العدالة الانتقالية، للخروج بمصر من إشكاليات عدة، مؤكدا أن « العدالة الانتقالية ليست انتقامية، كما أنها ليست انتقائية». وأوضح مستشار الرئيس، أن العدالة الانتقالية ليست شكلا من أشكال العدالة، لكنها تكييف للعدالة الانتقالية، مشيرا إلى أن مصر بعد أحداث ثورة 25 يناير التى نتج عنه تخلى الرئيس الأسبق عن سلطاته، كانت ترى أن حرية الإنسان وسيادة للقانون هى أسس المشروعية، وأنه بالرغم من الأوضاع التى جاءت بعد الثورة إلا أنه تمت إجراءات وتدابير لتقديم رئيس الدولة ورؤس النظام، لكن الاتهامات الموجهة لهم كانت عما ارتكب من انتهاكات خلال الثورة، ولم تتحدث عما تم قبل ذلك. وأشار إلى أن مصر احتضنت فعاليات المنتدى الإقليمى العربى الأول للعدالة الانتقالية، فى أعقاب الثورة، والذى خلص إلى توصيات منها التشديد على أن العدالة الانتقالية لاغنى عنها فى الحرية والعدالة والتسامح. وأوضح أنه وبعد ثورة 30 يونيو، أطلقت مبادرة العدالة الانتقالية فى 24 يوليو، والتى تقوم بها وزارة العدالة الانتقالية، ومن خلال مفوضية العدالة الانتقالية التى يتم التنسيق لها حاليا، وذلك بهدف محاسبة المسئولين عن الانتهاكات، حتى يتسنى فيما بعد التنسيق لأجواء آليات المصالحة الوطنية. المستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض، أكد أن مصطلح، المصالحة، أصبح فى مصر مصطلحا سيىء السمعة، خاصة خلال الفترة الأخيرة، مرجعا ذلك إلى إساءة الاختيار والتوقيت الذى تم الإعلان عنه. وأوضح ماجد فى كلمة له فى الجلسة الثانية من المؤتمر، أنه كانت هناك عملية إساءة توقيت فى التعامل مع المصالحة الوطنية ، مؤكدا أنه كان من المستغرب أن يصدر حديث فى الوقت الحالى عن العفو عن الرؤساء السابقين، فلا مصالحة بدون عدالة. وأشار إلى أهمية العدالة الانتقالية ليس فى دول الربيع العربى فحسب، لكن فى جميع الدول العربية التى شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان، مشيرا إلى لبنان وما شهده من اقتتال طائفى وفتن، وأنها لم تحقق حتى الآن أية عدالة تصالحية، وكذلك الجزائر التى تتعرض لانتهاكات لحقوق مدنية عن طريق السلطة، وانتهاك من التيارات المعادية للسلطة أيضا.