عزمى عبد الوهاب بات أكيدا أن مرضا عصيا، أصاب النخبة السياسية فى مقتل، إذا كانت هناك نخبة أصلا، فعلى مدى أكثر من عامين، منذ اندلاع شرارة ثورة يناير، ثبت قطعا أنه لا توجد شخصية مؤثرة، قادرة على قيادة الجماهير، الأصح أن الجماهير هى التى تقود النخبة الآن، كانوا يقولون لنا إن الثورة تقوم على أساس نضج الظرفين الذاتى والموضوعى، لكن التجربة المصرية ضربت عرض الحائط بكل النظريات السياسية، وبقى من الأمر كله تخلف النخبة بخطوات عن حركة الجماهير. علينا أن نتأمل ما تكتبه النخبة من اصطلاحات، حتى نعرف أصل الداء، فهناك من يطلق المصطلح لأول مرة، لنرى طابورا من الكتاب، ينتظر دوره فى استخدام المصطلح، دون تدقيق، خذ عندك مثلا «الدولة العميقة» التى يتشدق بها الجميع، من بائع الخضار إلى الرئيس المعزول، والكل يعلق فشل الجماعة التى حكمت مصر لمدة عام، على شماعة هذه الدولة العميقة. بعد ثورة 30 يونيو كان الجميع يتحدث عن أنه "لا إقصاء" و"المصالحة الوطنية" و"كل الدم المصرى حرام" وغير ذلك من رطانات، فارغة من المضمون، هم يقولون "لا إقصاء" لأحد من المشهد السياسى، إلا من تلوثت يداه بالدماء "ماشى يا بنى آدمين مفيش مشكلة، كلام حلو" لكن ما ليس حلوا أنهم فى الوقت نفسه يطالبون لجنة تعديل الدستور بإقرار مادة تحظر قيام الأحزاب على أساس دينى، طيب يا عم الحاج ماذا نفعل بأحزاب "الحرية والعدالة" و"النور" و"الوسط" و"البناء والتنمية" و"الحضارة" و"الأصالة" ....إلخ ؟ أليس فى هذا إقصاء لهؤلاء؟ أنا أؤمن بضرورة هذه المادة، ومع إقصاء من يستخدم الدين فى السياسة، وكل هذه الأحزاب فعلت وتفعل وستفعل ذلك، أنا مع التخلص من الوضع المزرى الذى يكرس لفكرة "الذراع السياسية" ف"الحرية والعدالة" ذراع الإخوان، الجماعة المحظورة قانونا، والجمعية الملعوب فى أساسها أيضا، وكذلك "النور" ذراع الدعوة السلفية، و"البناء والتنمية" ذراع الجماعة الإسلامية، وعلى المنخرطين فى هذه الكيانات أن يمارسوا العمل الخيرى من خلال الجماعات، ويتركوا الذراع أو العكس. نأتى بعد ذلك إلى "المصالحة الوطنية" والمصالحة تكون بين طرفين، والطرفان هنا هما الدولة بمقدراتها البشرية والمؤسسية، وتيارات الإسلام السياسى، وزيادة فى التنطع يستشهد الكثيرون بما جرى فى جنوب أفريقيا بعد وصول "مانديلا" إلى الحكم هناك ما العلاقة؟ هل يجرى لدينا تمييز عنصرى على أساس اللون؟ هل لدينا سياسة فصل عنصري؟ أى مصالحة تريدونها تحت السلاح وعدم الاعتراف المتبادل؟ إن جماعات العنف تنكر أن شعبا خرج يطالب بالإطاحة بهم، هم ينكرون ذلك لأن الإقرار به اعتراف بفشلهم، لماذا لم يتوقف هؤلاء الكتبة أمام احتياج جماعات العنف والتطرف أنفسهم إلى مصالحة مع الشعب المصرى، الذى أصدر قراره بإقصائهم من المشهد السياسى. الآن نذهب إلى الجملة المغرية بالاستخدام من فرط إنسانيتها: "كل الدم المصرى حرام" وهذا يذكرنى بالجملة الخالدة للرئيس المعزول: "أرجو الحفاظ على سلامة الخاطفين والمخطوفين" عندما اختطف سبعة جنود فى شمال سيناء، ولا نعرف إلى الآن كيف اختطفوا ومن اختطفهم ولماذا أطلق سراحهم؟ ما علينا ففى هوجة العنف الفاشلة ضاع أبرياء، كل ذنبهم – على سبيل المثال - أن القدر ساقهم إلى المرور بجوار كوبرى 15 مايو، عندما كان أحد المتظاهرين السلميين فى مظاهرة للإخوان، يطلق الرصاص من بندقيته الآلية، على شرفات المنازل وعلى المارة فى الشارع، هل دم هذا الكائن الذى رفع السلاح فى وجه الدولة: مؤسسات وأفراد حرام؟ كلنا ضد الدم، كلنا نرفض العنف، كلنا يريد مصر وطنا آمنا، لكن كيف يكون كل الدم المصرى حراما، ونحن فى زمن "لا يعرف فيه مقتول من قاتله". إلى هؤلاء النخبويين الفاشلين، نقرأ معا مقطعا من قصيدة "أمل دنقل" الشهيرة "لا تصالح" وفيها يقول : "لا تصالح على الدم حتى بدم لا تصالح ولو قيل رأس برأس أكل الرؤوس سواء؟" ويقول أيضا: "هل تتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك؟ سيقولون: جئناك كى تحقن الدم جئناك كن – يا أمير – الحكم سيقولون: ها نحن أبناء عم قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك واغرس السيف فى جبهة الصحراء إلى أن يجيب العدم".