محمد عبد الحميد - س سؤال .. هل تشعر بالخوف الآن على نفسك ومالك وأسرتك؟ هل عانيت يوما بسبب الانفلات الأمنى وتراجع أداء الشرطة ؟ وهل فكرت أو سعيت لامتلاك أى من وسائل الدفاع عن النفس؟..أسئلة عدة.. الإجابة عنها تؤدى بنا إلى إجابة واحدة مفادها: أننا بالفعل أصبحنا نعيش فى أرض الخوف! ولذا فإن المطلوب من حكومة الجنزورى الجديدة أن تعيدنا لأرض السلام والأمان فهل تستطيع ذلك ؟! الواقع يشير إلى أنه ليس بالأمنيات وحدها يتحقق ذلك، لاسيما أن الحكومة السابقة تم استقبالها بالأمنيات ووعدنا رئيسها د. عصام شرف بالاستجابة قبل أن يصدمنا أداء وزارة الداخلية « بأن ليس فى الإمكان أفضل مما كان»! فكانت النتيجة ارتفاعا ملحوظا فى السوق السوداء لتجارة الأسلحة نظرا للإقبال الكبير على اقتنائها من قبل المشاهير والعامة لحماية أنفسهم بدلا من انتظار نجدة الشرطة التى أصبحت هى فى أشد الحاجة إلى النجدة ! لذا فبالرغم من اختلاف البعض مع بعض من مطالب المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان التحرير منذ جمعه 18 نوفمبر الماضى فإن الجميع اتفق على مطلبهم بضرورة أن تكثف كل أجهزة الدولة جهودها لتوفير الآمن والآمان للشارع المصرى والتصدى للمجرمين الذين باتوا يملأون الشوارع بصورة غير مسبوقة مستغلين فى ذلك حالة الانفلات الأمنى التى شهدتها مصر فى أعقاب انسحاب أفراد الشرطة من الميادين فجأة ليلة 28 يناير أمام ضغط الثوار وما صاحب ذلك من هروب آلاف المجرمين من السجون وما تلاه من تهريب أسلحة كثيرة من ليبيا، مما أدى إلى تزايد غير مسبوق فى نوعية جرائم البلطجة والسرقة بالإكراه والخطف تارة لطلب المال وأخرى بهدف الانتقام فبات المجتمع المصرى ككل أغنياء وفقراء.. مشاهير وعامة يستشعرون الفزع والرعب على مدار ساعات اليوم وهو ما عكسته تصريحات رسمية أدلى بها أخيرا. اللواء مختار الملا، عضو المجلس العسكرى الحاكم فى مصر مفادها أن هناك أكثر من خمسة آلاف سجين هارب مازالوا طلقاء فى شوارع مصر، وتزامن ذلك مع تقديرات خبراء الأمن بأن أكثر من 80 ألف بندقية ومسدس ورشاش آلى سرقت من أقسام الشرطة فى يناير الماضى ومازالت فى أيدى المجرمين. وزاد فى شعور الناس بالفزع والخوف ما يتوارد يوميا عن وقوع جرائم بلطجة وسرقة البعض شهدوها بأعينهم وآخرون علموا بها من شهود عيان ومن وسائل الإعلام أبرزها ما شهدته مدينة بورسعيد أخيرا بشأن خطف أيمن شوقى شقيق لاعب النادى الأهلى ومنتخب مصر محمد شوقى وابن عمته كريم بكير 22 سنة من قبل 4 مجهولين يستقلون سيارة ملاكى سوداء فى وضح النهار وطلبهم فدية مليون جنيه وإلا قاموا بقتلهم ! ,وفى محافظة الإسكندرية تقدم حسن فوزي53 سنة حلاق ببلاغ يفيد اختطاف نجله حسام 16 سنة وأنه تلقى من الخاطفين اتصالا هاتفيا يفيد بأن عليه دفع 250 ألف جنيه فدية وإلا لن يرى ابنه مرة أخرى وأيضا لا تخلو أقسام الشرطة يوميا من بلاغات عن جرائم سرقة بالإكراه وسطو مسلح على محلات الذهب والأنشطة التجارية المختلفة إلى جانب الجرائم الأخرى الثابتة كالاغتصاب والتحرش الجنسى وترويج وتعاطى المخدرات ناهيك عن نوعية أخرى من الجرائم شهدتها أقسام الطوارئ بمستشفيات مصر بعدما أصبحت هدفا للمجرمين تارة لسرقة الموظفين والمرضى والأدوية وأخرى لتسوية نزاعات قديمة مع خصومهم والتعدى على الأطباء فمن واقعة سرقة وحدة الطوارئ الخاصة بمستشفى أم المصريين إلى واقعة تعرض مستشفى الهلال الأحمر بسوهاج إلى أعمال انتقامية من قبل أقارب أحد المرضى الذى توفى داخل المستشفى، بدعوى أن الأطباء أهملوا فى علاجه إلى اقتحام مسلحين مستشفى العريش بشمال سيناء واختطاف مريض من داخل غرفة العمليات مرورا بواقعة قيام بعض الأهالى بالتعدى على العاملين بمستشفى المبرة بأسيوط بسبب وفاة مريضة عمرها74 عاما كانت تعانى من فشل شديد فى وظائف الكلى ! ولأننا صرنا نعيش فى أرض الخوف فإن على حكومة الجنزورى أن تعلم بأسباب إقبال عامة الناس على حمل سلاح من أى نوع سواء كان سكينا أم سنجة أم مسدسا وانتقل الخوف للنساء فصارت كثير من حقائب اليد لا تخلو من وسائل ردع سهلة الاستعمال كالإسبراى وبخاخة رذاذ الفلفل الحراق جمال عبد العزيز مهندس قال إنه بادر بشراء مسدس بعد ساعات قليلة من مشاهدته لعملية اعتداء قرب منزله بالسادس من أكتوبر تعرض لها أحد الأشخاص استوقفه ثلاثة من البلطجية سعوا للاستيلاء على نقوده وهاتفهالمحمول إلا أنه قاومهم فما كان منهم إلا أن أصابوه بطلق نارى فى الصدر وفروا هاربين. وأضاف جمال البالغ من العمر 49 عاما: أنا لا أريد أن أتعرض للسرقة أو للقتل مثل هذا الرجل فالشرطة غائبة مؤكدا أنه ليس المهم من أين حصل على المسدس ولا كم دفع ثمنا له، وإنما المهم إلى متى يستمر هو وبقية المصريين الشرفاء فى الشعور بالخوف على أموالهم وأسرهم ليل نهار؟! وهو نفس المبرر الذى من أجله يحتفظ عمر دسوقى سائق ميكروباص “بسنجة" -نوع من الأسلحة البيضاء يصل حجمه لنحو متر تقريبا- يضعها على التابلوه الأمامى بالقرب من “ الدركسيون" لتكون فى متناول يده بأسرع وقت إذا ما تعرض لهجوم مباغت كالذى تعرض له صديقه زين الطيارة قبل أيام وقال دسوقى: ليلة انتخابات الجولة الأولى والناس مشغولة قامت مجموعة من البلطجية بالتعرض لصديقى والاستيلاء على سيارته فى أثناء وجوده بالقرب من مدينة السلام، ولكنهم لم يقتلوه لحسن حظه اكتفوا بضربه بالمطواة فى أماكن متفرقة من جسمه لإخافته كى يسلم لهم مفاتيح سيارته وما فى جيوبه من مال حصيلة عمله على مدار اليوم ..لذلك فإننى أحتفظ بالسنجة معي. وعلى الرغم من أننى أعى أنها لن تخيف مجرما يحمل مسدسا فإنها أفضل من انتظار نجدة الشرطة التى لا تأتى! لافتا إلى أنه ليس وحدة من العاملين فى مهنته فجميع من يعمل على سيارات الأجرة يحمل سلاحا سواء كان سنجة أو فرد خرطوش مشددا على أن الجميع خائف. فالناس لا يستطيعون الوقوف مكتوفى الأيدى ومشاهدة البلطجية والحرامية يسرقون سياراتهم ويهددون حياتهم وأوضح أن أى شخص يمتلك خمسة آلاف جنيه الآن بمقدوره شراء “ فرد الخرطوش" حيث بات سماسرة تلك الأسلحة منتشرين على المقاهي، والحديث عن جلب قطعة سلاح متواصل بين الزبائن ليل نهار! .. من جهتها تؤكد د.عزه كريم خبيرة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن الاختبار الأول الذى ستواجهه حكومة الجنزورى سيكون توفير الأمن للشارع المصرى بعدما فشلت حكومة د. عصام شرف فى تحقيق ذلك لأسباب يعلمها الجميع وأشارت إلى أن غالبية المواطنين صاروا لا يشعرون بالأمان بسبب الارتفاع الواضح فى نسبة الجريمة والغياب الملحوظ لرجال الشرطة، مما دفعهم إلى السعى وراء حماية ممتلكاتهم وأعراضهم بأنفسهم، لاسيما بعدما شاعت أنواع شتى من الجرائم الغريبة والمروعة فى المجتمع المصرى كالخطف بغرض طلب الفدية لاسيما للأطفال والإناث مما بث الفزع والرعب عند غالبية الأسر، وتقول:عندما نتأمل نوعية تلك الجرائم وأسباب انتشارها على هذا النحو غير المسبوق يتضح أن غياب أجهزة الأمن و تراجع هيبة الشرطة مع وجود فقر وبطالة وقلة الوازع الدينى عند البعض أدى إلى شيوع الجريمة بهذا القدر غير المسبوق .. من جهتها ترى د.فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائى بجامعه القاهرة ضرورة أن تسرع حكومة د. الجنزورى فى إعادة الأمن والأمان للشارع المصرى سواء بتوفير الإمكانيات اللوجستية لجهاز الشرطة من أجهزة حديثة ومعدات لمراقبة الشوارع والبنوك والمناطق الحيوية التى تتعرض للنهب، وكذلك توفير خدمات الطوارئ والنجدة لمن يحتاج إليها بأسرع وقت ممكن كى تحول دون وقوع الجريمة إلى جانب زيادة حملات التوعية من قبل وسائل الإعلام للمواطنين بكيفية مواجهة البلطجية والمجرمين سواء بسرعة طلب النجدة أم بالتفاف الناس وتوحدهم فى مواجهة الخطر تماما كما كان يحدث وقت الثورة من لجان شعبية تتولى حماية الممتلكات العامة والخاصة وتتناوب فيما بينها مما سيؤدى إلى تراجع البلطجية والمجرمين. وتشير إلى أن تغليظ العقوبات لا يفيد الآن فالمهم أن تعمل الأجهزة المعنية على الأمن بكل طاقاتها وأن يتعاون معهم رجل الشارع .. وهو ما يتفق علية السياسى المخضرم عبد الغفار شكر وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى الاشتراكى وأضاف أن حكومة د. الجنزورى عليه أن تضع على رأس أولوياتها إعادة الأمن للشارع المصرى دون تجاوزات لحقوق الإنسان أو تراخ من قبل أجهزة الشرطة وذلك كى يلتف الشعب من جديد حول رجل الشرطة ويعود بينهم حالة الود المفقود منذ عهد الرئيس المخلوع كما يجب على وسائل الإعلام زيادة توعية الناس وتثقيفهم بمخاطر الجريمة لاسيما أن بعض ضعاف النفوس يقبلون على ارتكاب الجريمة لاسيما أعمال الخطف والسرقة بدعوى أنها فرصة ويساعدهم على ذلك غياب حملات التوعية ولذا فإن على الإعلام إبراز قيم الشعب المصرى وقت الأزمات وحث الناس على التكاتف لتعبر مصر تلك الأوقات العصيبة .. وقال مجدى غنيم عضو ائتلاف شباب الثورة المصرية عودة الأمان للشارع المصرى ضرورة مهمة كى لا يشعر الموطن المصرى بالخوف والفزع وهو يعيش على أرضه ولذا فمن ضمن مطالبنا المعلومة للجميع إنهاء حالة التراخى الأمنى التى بات عليها جهاز الشرطة منذ نجاح ثورة 25 يناير، كما لو أن الشرطة تعاقب الشعب على أنه ثار ضد ظلم وفساد حكم حسنى مبارك وأشار إلى أنه ولحين أن تعود الشرطة لأداء مهام عملها على أكمل وجه ويثبت وزير الداخلية الجديد أنه أهل للمسئولية فإن الحل الأمثل لمواجهة تفشى الجريمة يكمن فى عودة اللجان الشعبية فى كل شارع وحى بالقرى والمدن .. من جهته يفسر الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى حالة تفشى الجريمة التى يشهدها الشارع المصرى بأن الشعب المصرى طيب بالفطرة وليس عدوانيا أو ميالا للجريمة وهو ما تشير معدلات الجريمة له، مقارنة بدول أخرى من العالم إلا أن ما يعيشه من ترد للأحوال الأمنية يرجع فى الأساس إلى استغلال بعض ضعاف النفوس ممن لديهم ميول إجرامية إلى الحالة التى بات عليها جهاز الشرطة من تردى وتراخ مما سمح لتلك الفئة الضالة بارتكاب جرائمهم بغرض تحقيق كسب مادى أو منفعة بأسرع الطرق لافتا النظر إلى أنه من المهم فى تلك المرحلة أن تسهم وسائل الإعلام فى توعية الناس وزيادة الوازع الدينى وأن تلعب الأسرة دورها فى توعية أبنائها مؤكدا أن الحالة التى يعيشها البعض من خوف وقلق وفزع ستترك أثارا سلبية لفترة مقبلة على الأطفال والنساء تحديدا فى الشعور الدائم بعدم الأمان والخوف من المجهول وهو ما ينعكس على طريقة تعامل الناس فيما بينهم وما يشوبها من توتر وانفعال نتيجة لتلك التراكمات النفسية. ومن جهته قال الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر : نهت الشريعة الإسلامية عن كل جرم يترتب عليه الإضرار بأمن الناس وأمانهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ويشمل ذلك بالتأكيد جرائم البلطجة الخطف والسرقة وترويع الآمنين ومن يقدم على ذلك فهو من المفسدين فى الأرض ممن يعملون على إخافة الناس وقطع طرقهم وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا. وأضاف: هؤلاء ينطبق عليهم حد الحرابة:" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، لذا فإن على القائمين بأمن الوطن أداء واجبهم دون تقصير وعقاب المفسدين بأغلظ العقوبات ليكونوا عبرة لغيرهم وليستقيم حال الشارع المصرى فى قادم الأيام، مشددا على ضرورة اهتمام أجهزة الدولة ووسائل الإعلام أيضا بزيادة الوازع الدينى والأخلاقى فى نفوس أبناء المجتمع .