أطلقت مجموعة من رجال الأعمال والإعلاميين المصريين دعوة «دعم مصر» اقتصاديا، بهدف الاستغناء عن المعونة الأمريكية، ولتحرير القرار السياسى المصرى من التهديدات المستمرة بقطع المعونة التى لاتزيد على مليار و300 مليون دولار معونة عسكرية على خلفية اتفاقية كامب ديفيد، و250 مليون دولار معونة اقتصادية، وهو مبلغ هزيل يمكن جمعه من تبرعات المصريين فى زمن قصير. الدعوة تمت ترجمتها عمليا فى صورة حساب لتلقى تبرعات المصريين يحمل ر قم 306 306، وهو رقم يشير إلى تاريخ الموجة الثانية للثورة المصرية، والتى قام بها الشعب المصرى دون استئذان أو دعم أمريكى، مما يجعل الرسالة واضحة سواء على الصعيد السياسى أم الاقتصادى، برفض الابتزاز الأمريكى. وقد تجاوزت أرقام التبرعات المعلنة حتى كتابة هذه السطور المائة مليون جنيه، وحسب مؤسسى المبادرة فإن المستهدف أن يصل المبلغ إلى 20 مليار جنيه، وهو ما يكفل الاستغناء النهائى عن معونة «الذل» الأمريكية بشقيها العسكرى والمدنى، وقد ضرب الشعب المصرى، الذى يرزح 40 ٪ منه تحت خط الفقر، أروع الأمثلة فى التبرع لدعم اقتصاد بلدهم، بدءا من الاستغناء عن قروش قليلة، أو التبرع بأجر يوم، وصولا إلى التنازل عن عدة ملايين، وكانت القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السياسى من أوائل الداعمين للمبادرة، حيث صدّق الفريق السيسى على تقديم 300 مليون جنيه لصالح صندوق المبادرة من القوات المسلحة، والتى حذت حذوها بعد ذلك العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية، وفى مقدمتها وزارة الداخلية التى تبرع ضباطها وجنودها بأجر خمسة أيام لدعم المبادرة، وهو ما فعلته أيضا وزارة الكهرباء ووزارات أخرى، ناهيك عن تبرعات آلاف المصريين المقيمين بالخارج، وكذلك بعض الإخوة العرب. «الأهرام العربى» سألت الخبراء عن تقييمهم للتجربة وتداعياتها الاقتصادية فى هذا التحقيق.. يؤكد د. نادر فرجانى - الخبير الاقتصادى - أن صندوق دعم مصر إذا استمر دعمه بشكل جاد من المصريين، فسيحد من الاعتماد على المعونة الأمريكية، لكن يجب أن يكون هناك تصميم وطنى لرفض المعونة، حتى يكون القرار المصرى مستقلا، فهناك خطورة حقيقية على القوات المسلحة المصرية لاعتمادها على مصدر واحد فقط للتسليح، ويجب تنوع مصادر تسليح الجيش المصرى، وهذا الصندوق 306306، يعطى فرصة لتحرير القرار المصرى من التبعية الأمريكية، إذا تم تمويله بشكل كاف مع الأصول المملوكة للقوات المسلحة للاستغناء عن المعونة الأمريكية، لكن ذلك يحتاج إلى إرادة مصرية تصر على تحرير القرار المصرى ووضع إستراتيجية لتنويع مصادر تسليح الجيش خلال عدة سنوات على الأكثر. ويرى د. شريف دلاور - الخبير الاقتصادى - أن صندوق 306306 يعبر عن مدى حب المصريين لوطنهم، لكنه لن يعالج مشكلات الاقتصادى المصرى، فلا توجد دولة فى العالم تقوم على تبرعات مواطنيها، وبالنظر إلى المعونة الأمريكية فهى ذات شقين، الأول أنه فى عام 1961 صدر قانون فى الولاياتالمتحدة ينص على أن أى جيش يتولى سلطة فى دولة كانت فيها انتخابات ديمقراطية، توقف الولاياتالمتحدة مساعداتها لهذه الدولة، ولم يقم أحد فى الكونجرس أو فى الإدارة الأمريكية بتعريف ما حدث فى مصر بأنه انقلاب عسكرى، أما الشق الثانى فبفرض أن المصريين قاموا بجمع مليار و200 مليون دولار، وهو مقدار المعونة العسكرية - وهذا فرض بعيد المنال حدوثه - من أين سنقوم بشراء أسلحة الجيش وقطع الغيار اللازمة له، ونحن نعتمد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد على الأسلحة الأمريكية الصنع؟ فالسياسة هى فن الممكن، وبالنسبة للاستخدام الأمثل لأموال صندوق «دعم مصر» فهو فى سد عجز الموازنة، لزيادة الإنفاق على الاستثمار والتعليم والصحة، وأن يتم دعم الاحتياطى النقدى المصرى بالبنك المركزى، حتى لا يتدهور سعر الصرف، فيؤثر على تكلفة الاستيراد، ويؤدى إلى ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى أن رصيد هذا الصندوق سيعطى الأمان فى التعامل الدولى، بعد أن تم تخفيض المركز الائتمانى للبنوك المصرية -B، مما رفع الفائدة على الاقتراض العادى لبنوكنا من 4 ٪ إلى 6 ٪ على الدولار، فى حين أن الفائدة فى الأسواق العالمية على الدولار فى حدود 1.5 ٪ . وتشدد د. فائقة الرفاعى - نائب رئيس البنك المركزى الأسبق - على ضرورة استخدام هذه الأموال فى إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة تمتلكها الحكومة، أو أن تقدم هذه المشروعات للشباب جزءا منها يكون منحة، والجزء الآخر يتم إقراضه للشباب، وذلك لخلق فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد القومى الراكدة. وتضيف، إذا أصر وزير المالية على استخدامها فى سد عجز الموازنة، فيكون ذلك فى تمويل العجز الاستثمارى فى الموازنة، لإقامة مشروعات جديدة، أو استكمال بعض المشروعات التى لم تكتمل، أما بالنسبة لعجز الموازنة الجارى والناتج عن زيادة الإنفاق الجارى أو زيادة الدعم، فيجب تخفيضه ومعالجته باستخدام السياسات المالية والنقدية بعيدا عن أموال الصندوق. يدعم هذا الاتجاه المهندس ممدوح حمزة، عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، مؤكدا ضرورة استخدام تلك الأموال فى إقامة المشروعات مع تشكيل مجلس لإدارة أموال هذا الصندوق من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والوطنية.