إتسمت حياة الأكراد في سوريا قبل الحرب بالمعاناة الشديدة مثلما هو الحال بالنسبة للأكراد في إيران. فهم يقاسون من حظر التجمعات السياسية وحتى الاجتماعية، ومن القيود على اللغة والثقافة الكردية، وإقتلاعهم من مناطقهم، وحالات الاختفاء القسري. في وقت يعاني فيه مئات الآلاف من "طائفة" الأكراد الحرمان من الجنسية المحلية. هناك حوالي 40 مليون كردي يمثلون أكبر شعب بدون دولة اليوم. و يبلغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين في سوريا -أكبر أقلية في البلاد- بما يماثل عدد العلويين، أي المجموعة العرقية والدينية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد. وتفسر وكالة إنتر بريس سيرفس إنه بعد عقود من القمع الوحشي على يد بشار الأسد ووالده سابقاً حافظ الأسد، حاول الأكراد السوريون التمرد عام 2004. لذلك لم يكن مفاجئا أن ينضموا للإنتفاضة في مارس 2011. وبعد مرور بضعة أشهر من إندلاع الإنتفاضة الشعبية في سوريا، نفض الأكراد عن أنفسهم عبء سيطرة دمشق، وذلك بإقامة نقاط تفتيش خاصة بهم وحماية منطقة تتواجد فيها المراكز الاجتماعية، والمدارس الكردية والأحزاب السياسية -سواء الجديدة أو تلك التي كانت في الخفاء لعقود. هذا وبينما تهيمن الألوان الكردية -الأصفر والأخضر والأحمر- على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، فهي بالكاد مرئية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة العربية. ويبدو أن عودة الكردية هي عودة توازي الثورة الصامتة. واليوم، يتجمع أكراد سوريا حول أكثر من 30 حزبا سياسيا، أكبرها له صلات قوية مع الأحزاب السياسية الكردية في العراق أو تركيا. وما زال الأكراد يسيطرون على مناطقهم في شمال شرق سوريا ضمن التوازن الهش بين الجيش السوري الحر وجيش الأسد. وإحدى العقبات الرئيسية في الحوار بين الأطراف المتحاربة هي تزايد تفرق وتجزئة المعارضة. وأدى إشراك جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة مثل جبهة النصرة، إلى إنضمام المقاتلين السابقين في الجيش الحر إلى الميليشيات الكردية في حلب، حيث تم قصف الأحياء التي يسيطر عليها الأكراد-الشيخ مقصود والأشرفية في الشمال الغربي من المدينة- مراراً وتكرارا من قبل طائرات الأسد. وكانت إحدى أعظم إنجازات الأكراد السوريين منذ بداية الانتفاضة هي توحيد جميع الفصائل في يوليو 2012 تحت رعاية مسعود البرزاني رئيس منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق. ومازال الإنسجام فيما بينها بعيداً عن الاكتمال، ولكن يبدو أن العدو المشترك يعمل كقوة توحيد فعالة. وعلاوة على ذلك، يتوجه العديد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الى كردستان سوريا بعد إعلان عبد الله أوجلان -مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون- وقف إطلاق النار والانسحاب من تركيا في مارس. فتضيف مثل هذه الخطوة إلى الدعم اللوجستي الذي يقدمه الأكراد العراقيون الذي أثبتوا أهميتهم الحيوية بالنسبة لأولئك في سوريا. لكن عدم اليقين طغى على المنطقة منذ بداية الحرب. فالأكراد السوريون هم على دراية بسياسات الأسد، ولكن هل يمكن لحكومة تقودها المعارضة في دمشق أن تكون أفضل؟. "الأكراد سيقاتلون من أجل حقوقهم بغض النظر عمن يفوز في الحرب"، لكن كبار القادة السياسيين والعسكريين في المعارضة كانوا أعلنوا مراراً وتكرارا، وبشكل علني، بأنهم ليسوا حريصين على الاعتراف بحقوق الأكراد في سوريا. ولم يكن ذلك مفاجئا لزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الذي قال، "لا يكفيهم مجرد كوننا مسلمين، هؤلاء الناس يريدون لنا أيضا أن نكون عرباً، مشيرا إلى عقلية "متجذرة بعمق في المنطقة لعدة قرون ويطبقها الأسد وكذلك المتمردون السوريون".