هل أصبح التحرش ظاهرة خطيرة تقض مضاجع المجتمع المصرى؟ تعالت الصيحات أخيرا منذرة بخطر التحرش الجسيم، وتكونت جمعيات أهلية تثير الوعى العام ضد هذه الجريمة الأخلاقية بحق المرأة مثل جمعية «بناتنا خط أحمر» ومؤسسة «غير مذنب» التى استحدثت أسلوبا جديدا لمواجهة لتحرش وهو الوقاية خير من العلاج، وأصدرت رئيستها الدكتورة ليلى رزق الله وهى طبيبة أطفال كتابين للبنات والأولاد من سن ثلاث سنوات تتم قراءتهما مع الأم أوضحت فيهما بالكلمة اللطيفة والرسوم الملونة كيف يحمى الطفل نفسه من التحرش، وكذلك إنتاج مجموعة من الفيديو لنفس الغرض، وتم تدشين حملات توعية مثل «اعتبرنى أختك». ويثور هنا تساؤل مع كثرة هذا الحديث عن التحرش هل أصبح الشباب المصرى متفرغا للتحرش بالفتيات؟ مجلة شهرية أمريكية رصينة موجهة للصفوة هى «أتلانتيك»، نشرت فى عددها الأخير دراسة من القاهرة تقول: إن هذه الظاهرة دفعت العديد من الفتيات المصريات إلى تعلم الفنون القتالية مثل الكاراتيه والتايكوندو للدفاع عن أنفسهن أثناء السير فى الطريق. ومع ذلك أعجبتنى المناقشات التى دارت فى الندوة التى أدارتها أخيرا الدكتورة أميمة كامل مستشارة رئيس الجمهورية لشئون الأسرة والمرأة حول التحرش الجنسى، وذلك فى إطار مبادرة دعم حقوق وحريات المرأة، إذ جاء فيها أن التحرش مشكلة مجتمعية وهو ما يعنى عدم الاعتماد على الحل الأمنى فقط، بل يجب أن يجرى البحث عن الحل الاجتماعى والنفسى والتربوى والدينى وحشد جهود مؤسسات المجتمع المختلفة، للوصول إلى حلول عاجلة قابلة للتنفيذ . وأكد الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، أن البيئة المصرية محرضة على التحرش نتيجة الازدحام، ومن ناحية الخطاب الإعلامى الذى يصور المرأة كجسد وأنها مصدر للغواية، وأوصى هذا الاجتماع بتحليل البيئة الاجتماعية والاقتصادية للعشوائيات باعتبارها بيئة حاضنة للتحرش ، وإدماج الشباب فى مشروع قومى جامع يضم أطياف القوى السياسية لملء الفراغ الذى يعانون منه. ولكن ما أسباب التحرش؟ يقول البعض إنه انتشر بعد الثورة وغياب الأمن، بينما قال البعض الآخر بأنه موجه ضد الناشطات لمنع مشاركة المرأة من العمل السياسى، ومع ذلك يظل الدافع لهذا العمل نوعا من الألغاز يتعين على علماء النفس والاجتماع الإجابة عنه، فمثلا كانت ظاهرة التحرش موجودة بوضوح قبل الثورة والانفلات الأمنى وكلنا يذكر ما حدث فى شارع جامعة الدول العربية أثناء الاحتفال بعيد الفطر من هجوم على الفتيات وبينهن محجبات. وقد يتبادر إلى الذهن أن الفقر أو الجهل أو البطالة هى الدافع على التحرش ولكن بماذا نفسر قيام شخصيات تحتل مناصب بارزة وترفل فى الثراء بهذا الفعل؟ فليس هناك أعلى منصبا من الرئيس الأمريكى بيل كلينتون الذى تحرش بالمتدربة مونيكا داخل البيت الأبيض، ولم يكن مدير صندوق النقد الدولى دومينيك شتروس، فقيرا أو جاهلا عندما تحرش بعاملة بفندق فى نيويورك واضطر لتقديم استقالته وكان من الممكن أن يصبح رئيسا لفرنسا لو ترشح فى الانتخابات الأخيرة. ولم يكن نجم محطة البى بى سى، المذيع جيمى سافيل عاطلا عندما قام بالاعتداء على أطفال ومراهقات مستغلا منصبه، وينطبق الأمر على رئيس الوزراء الإيطالى بيرلسكونى، بل على مدير المخابرات الأمريكية ديفيد بترايوس الذى استقال من منصبه على خلفية فضيحة أخلاقية. وقد يقول البعض إنها حياة الكسل أو وعدم الانضباط هى التى تؤدى إلى هذا الفعل، ولكن كيف نفسر انتشار التحرش داخل الجيش الأمريكي، فقد أعلن البنتاجون أنه تم رصد 26 ألف حالة اعتداء جنسى داخل صفوف القوات المسلحة خلال 2012 بواقع 70 جريمة يوميا، هذا بخلاف الاعتداءات التى لا يتم الإبلاغ عنها، وتوعد أوباما المتورطين بمحاكمة عسكرية، والغريب أنه تمت إقالة الضابط المسئول عن مكتب مكافحة الاعتداء الجنسى لاتهامه بالتحرش بموظفة مدنية فى جراج للسيارات قرب وزارة الدفاع. هل السبب يرجع إلى العولمة وانتشار التكنولوجيا الحديثة والإقبال على المتع المادية، وتراجع القيم الأخلاقية وانتشار أفلام البورنو التى تصور المرأة بأنها حيوان جنسى؟ نريد إجابة من السادة الخبراء.