رئيس الوزراء يستعرض مع وزير المالية الملامح الأولية للحزمة الثانية من مبادرة التسهيلات الضريبية    نشأت الديهي بعد كلمة الرئيس السيسي بقمة الدوحة: صوت مصر الغاضب وصل    منافس بيراميدز.. ريمونتادا أهلي جدة تهزم ناساف في دوري أبطال آسيا    انطلاق العام الدراسى الجديد فى المدارس الرسمية والخاصة بمحافظة المنيا السبت المقبل    متى يتحسن الطقس في مصر؟ «الأرصاد» تكشف تفاصيل الأيام الأخيرة من الصيف    من الإسكندرية لأسوان.. قصور الثقافة تنشر البهجة في اليوم المصري للموسيقى    القبض على المتهم بسرقة الوحدة الصحية في أكتوبر    شروط قبول الدفعة 1 إناث بالصفة العسكرية والدفعة رقم 1 "ذكور - إناث" بالصفة المدنية للالتحاق بكلية الطب بالقوات المسلحة.. شاهد    بعد اعتصامه أمام السينما.. «زاوية»تصدر بيانًا توضيحيًا واعتذارًا بشأن المخرج محمود يحيى    الخميس.. عمرو يوسف ودينا الشربيني وصناع فيلم «درويش» ضيوف منى الشاذلي    «الأزهر» و«المتحدة»يطلقان نسخة معتمدة من المصحف الشريف بالعربية والإنجليزية على تطبيق«مصر قرآن كريم»    أليجرى: ميلان يسعى للتأهل لدوري الأبطال بأي ثمن ومودريتش إضافة استثنائية    صلاح عبد العاطى: الفلسطينيون يواجهون إبادة جماعية ومخطط التهجير لا يزال قائمًا    مي فاروق ولميس الحديدي.. نجوم الفن والإعلام في عزاء أرملة سيد مكاوي    ترامب يهدد واشنطن بإعلان الطوارئ حال عدم تعاون الشرطة المحلية مع سلطات الهجرة    احذر هذه المشروبات .. أضرار بالغة تصيب الجهاز الهضمى    بقيمة 1.2 مليار دولار.. إسبانيا تلغي صفقة أسلحة كبرى مع إسرائيل    تسمم 3 شقيقات بسبب وجبة كشري في بني سويف    حماس: شعبنا ومقاومته ماضون في الدفاع عن أرضهم    شجار بين ركاب إسرائيليين على متن رحلة من تل أبيب إلى بوخارست    موفد مشيخة الأزهر ورئيس منطقة الإسماعيلية يتابعان برامج التدريب وتنمية مهارات شيوخ المعاهد    رابطة الأندية تخاطب اتحاد الكرة بشأن حكام مباراة الأهلي والزمالك    مونشنجلادباخ الألماني ينافس الأهلي على التعاقد مع مدير فني .. مالقصة؟    بإطلالة جريئة.. أحدث ظهور ل دينا الشربيني أمام البحر (صور)    وزير الري: المياه عصب الحياة للمشروعات التنموية والعمرانية    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    القليوبية تدعم التأمين الصحي بعيادات ووحدات جديدة (صور)    أسامة السعيد: الجامعة المصرية اليابانية.. مكان من المستقبل يجسد شراكة مصر واليابان    «باطلة من أساسها».. خالد الجندي يرد على شبهة «فترة ال 183 سنة المفقودة» في نقل الحديث (فيديو)    أبرزها الالتزام والمساهمات .. الأهلي يحدد معايير تجديد العقود والقيمة التسويقية    رئيس مجلس الوزراء يقرر مد فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب لمدة عام    أبوريدة نائبًا أول لرئيس الاتحاد العربي لكرة القدم    تأجيل محاكمة 25 متهمًا بخلية القطامية لجلسة 12 نوفمبر    بكين تحقق مع نيفيديا وسط تصاعد التوتر التكنولوجي مع واشنطن    مصدر أمني ينفي ادعاء شخص بتسبب مركز شرطة في وفاة شقيقه    د. أسامة أبوزيد يكتب: عودة الخطيب    تقديم الخدمات الطبية ل1266 مواطناً ضمن القافلة المجانية بقرية طاهر في كفر الشيخ    الفجر بالإسكندرية 5.16.. جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    خافيير بارديم بالكوفية الفلسطينية في حفل جوائز إيمي    البنك المركزى يستضيف الاجتماع الأول لمجموعة عمل "تقرير الاستقرار المالي الإفريقي"    أرباح شركة دومتي تتراجع بنسبة 94% خلال النصف الأول من عام 2025    طبيب نفسي في ندوة ب«القومي للمرأة»: «لو زوجك قالك عاوزك نانسي عجرم قوليله عاوزاك توم كروز»    ترامب يهدد بإعلان «حالة طوارئ وطنية» في واشنطن لهذا السبب    قيمة المصروفات الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالمدارس الحكومية والتجريبية    نشر الوعي بالقانون الجديد وتعزيز بيئة آمنة.. أبرز أنشطة العمل بالمحافظات    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «أجروفود» لتمويل و تدريب المزارعين    «التضامن»: صرف «تكافل وكرامة» عن شهر سبتمبر بقيمة تزيد على 4 مليارات جنيه اليوم    رضوى هاشم: اليوم المصرى للموسيقى يحتفى بإرث سيد درويش ب100 فعالية مختلفة    نبيل الكوكي يعالج الأخطاء الدفاعية فى المصري بعد ثلاثية الزمالك    بدء أعمال إزالة عقار حوض ال18 الآيل للسقوط فى الأقصر    ضبط ومصادرة 90 من المخالفات فى حملة لشرطة المرافق وحى غرب سوهاج    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 126 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    6 شهداء بينهم أطفال في غارة إسرائيلية على خيمة نازحين بغزة    رياضة ½ الليل| سر إصابة زيزو.. الأهلي في الفخ.. شكوى جديدة لفيفا.. ودرجات مصر ب «تشيلي»    رسميًا بعد التأجيل.. موعد بداية الدراسة 2025- 2026 والخريطة الزمنية للمدارس بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضات 2011 لن تحقق الديمقراطية
نشر في الأهرام العربي يوم 28 - 04 - 2013

يوم جنازة الزعيمة البريطانية الراحلة الليدي ثاتشر سأل رجل شرطيا في ميدان لدجيت - سيركيس، حيث ينتهي فليت - ستريت (شارع الصحافة القديم) ويتثعبن الطريق إلى كاتدرائية القديس بول، «إلى أين أتجه من هنا؟»، فرد رجل البوليس «هذا يتوقف على ما تختاره من نشاط يا سيدي». (رجل البوليس، كأي موظف عمومي Civil Servant خادم للمواطن، فيخاطبه ب«سيدي»). أكمل رجل البوليس بهدوء «لمجرد الفرجة، تفضل هنا، أما إذا أردت أن تعبر عن الاحترام أو الحزن بترديد صلاة فالناحية اليسرى أنسب؛ وعلى الناصية المقابلة، إذا أردت الانضمام إلى المحتجين على الجنازة». لم يحرك الشرطي جفنا أو يشوب صوته خلجات عاطفية أو تتغير ملامح وجهه. إنه كممثل سلطة الدولة يراقب تنفيذ القانون بمساواة على الجميع، وهم أحرار في توديع الفقيدة بالصلوات، أو التصفيق للجثمان (ظاهرة جديدة على بريطانيا ظهرت في جنازة أميرة ويلز الراحلة ديانا عام 1997) أو إدارة الظهر استنكارا أو رفع لافتات اللعنات؛ أو مجرد الفرجة. فحرية الفرد في الاختيار هي حجر الأساس في عظمة صرح الديمقراطية البريطانية.
الليدي ثاتشر أكثر ساسة بريطانيا شعبية لدى أفراد البوليس، بعد السير روبرت بييل مؤسس الجهاز في عشرينات القرن ال19 (فور تشكيلها حكومة 1979 ضاعفت ثاتشر مرتبات البوليس لتجنبهم إغواء الرشاوى) لكن الشرطة وفرت الحماية لخصوم ثاتشر (من غضب الأغلبية من مؤيدي سياستها) وهم يعبرون عن كراهيتهم للراحلة بحرق صورها، أو دمى تمثلها، فالمحتجون والمؤيدون يدفعون ضرائبهم التي تمول ميزانية البوليس وهو جهاز في خدمة المواطنين وحقهم في التعبير، حتى ولو كان لعن البوليس.
حكمدارية بوليس لندن نشرت أربعة أضعاف العدد المعتاد في مثل هذه المناسبات، لتصادف الجنازة بعد يومين من تفجير شقيقين مخبولين لقنبلتين في سباق الماراثون في بوسطن الأميركية، فقتلا ثلاثة - بينهم طفل في الثامنة - وجرحا ما يزيد على ثمانين.
ماراثون لندن، صادف الأحد الماضي، بعد انفجارات بوسطن وهو يجذب قرابة 40 ألفا من المتسابقين، أغلبهم يعدون ال26 ميلا لأغراض خيرية (بأزياء كرنفالية أو مضحكة يتفق المتسابقون مع رعاة Sponsors وكل راع يعد بمبلغ كجنيه مثلا لكل ميل يكمله المتسابق، وتذهب الحصيلة لأعمال الخير).
لم يطلب مسؤول حكومي واحد، من المتسابقين، ومئات الآلاف من المتفرجين، حضور الماراثون، أو عدمه، فحرية الفرد في الاختيار حق مقدس، ولا يجرؤ مسؤول حكومي أن يصدر توجيها للناس بسلوك معين، إذ سيفعل الناس العكس تماما، (وهو طابع الإنجليز، كقوم يعتزون بالحرية الفردية وشعور العدالة لديهم بالغ الحساسية، وهم أكثر الأمم نصرا للمظلوم والمعتدى عليه) ويجعل الصحافيون، ومونولوجستات الكوميديا من المسؤول أضحوكة الموسم.
خيار العدائين والمتفرجين من أنفسهم، كان مقاومة الإرهاب والكراهية بالمرح والرياضة وحضور الماراثون الذي حقق نجاحا كبيرا.
ولكي نفهم الروح المعنوية المرتفعة لمقاومة الإرهاب بالمرح والنشاط المعتاد ببرود، نعود إلى حوار العشرين ثانية بين مواطن ورجل بوليس في لدجيت سيركيس، كبلورة لمفهوم الحرية التي استغرقت تنقيتها ثمانية قرون من التجارب السياسية والاجتماعية التي تطورت إلى أعرق الديمقراطيات وأكثرها ثباتا؛ بلورة في عبارة واحدة «حق الفرد في الاختيار، في إطار عرف يكتسب قوة القانون بالإجماع المشترك».
ذكرت حوار العشرين ثانية في جلسة مناقشة مع دبلوماسيين وبرلمانيين ومعلقين بريطانيين وشرق أوسطيين، تساءلوا عما انتهت إليه انتفاضات 2011 (سماها البعض، خطأ، «الربيع العربي») وهل شعوب بلدان الجامعة العربية على استعداد للتطور ديمقراطيا؟
كانت إجابة الأغلبية «لا».
فمهما استعرضنا من تجارب شبه ديمقراطية سابقة وحاضرة، وانتخابات وغيرها، يصعب تصور حدوث مشهد حوار العشرين ثانية في أي من هذه البلدان.
ليس لأن مواطني البلدان المعنية من طينة أخرى غير البشر، أو لا يتعطشون للحرية، وإنما لغياب العنصرين المكونين للعبارة أعلاه «حرية الفرد في إطار عرف إجماع مشترك».
وليس لأن المواطن في بلدان الشرق الأوسط لا يثق في رجل البوليس لأنه رمز سلطة لا يراها عادلة، (ولا شرعية دستورية لها في أكثرية هذه البلدان)؛ وليس لأن الخبرة المتراكمة لدى البوليس هي استهتار المواطن بالقانون، وفساد الساسة الذين يأتمر بأوامرهم، بل لافتقاد الثقافة العامة لبلده عنصرين أساسيين: ثقافة حرية الفرد في الاختيار؛ وعرف الإجماع المشترك لاحترام القانون.
تجول في شوارع القاهرة مثلا. ثلاثة أرباع الأرصفة وسط البلد، يفترشها باعة غير مرخصين في خرق واضح لعدة قوانين (المرور، والبلدية، والصحة والسلامة، والإسكان، والتبادل التجاري، وربما الجمارك ببيع بضائع مهربة). إذا حاول مسؤول من البلدية، أو المرور، أو البوليس فرض القانون بإخلاء الرصيف، سيواجه بنظرات غضب كوخز الإبر؛ وربما يخرق أذنيه السباب، واعتراض المارة بعبارات مثل «حرام عليك يا شاويش سيبه ياكل عيش...» أو «بتتشطر على البائع الغلبان يافندي...»، أي إجماع مشترك على الاستهتار بالقانون (ما يعرف في اللغة المصرية ب«يا عم صهين».. أي تجاهل الأمر) فيصبح عرفا اجتماعيا يتلاشى أمامه القانون.
العنصر الثاني، حرية الفرد، لا وجود له في الثقافة العشائرية (وبلد لا يعرف العشائرية كمصر غزت ثقافة العشائرية مشهده السياسي: عشيرة الجماعة الدينية، وعشيرة الحزب السياسي، وعشيرة مشجعي الفريق الرياضي..)، ويضحى بحقوق الفرد (رغم أنه كيان محدد قانونيا) في سبيل العشيرة/ الأمة (رغم غياب تعريف قانوني للكيان لأن القوانين تتعلق بالفرد وعلاقته بالمؤسسات والممتلكات).
وما كنا لنصف استيلاء الإخوان (والآيديولوجيات المنبثقة عنهم كالبنلادنية الظاهرية، أو طالبان، أو جبهة النصرة، وما شابهها) على السلطة بعد انتفاضات 2011 ب«كارثة»، لو كانوا حزبا سياسيا (بمرجعية أخلاقية دينية) يعمل في إطار الإجماع الشعبي للدولة الحديثة، لا جماعة بلا تعريف قانوني أو إطار سياسي، تلغي حرية الفرد في الاختيار بأساليب النازية والفاشية بفرض طريقة المعيشة، وما يقرأه المرء أو يسمعه أو كيف يستمتع (أو يحرم من الاستمتاع) بوقته.
والأحزاب التي يسوِّق الإخوان نموذجها كالديمقراطي المسيحي في أوروبا مثلا، لا يخطر ببال زعمائها فرض الزي وأسلوب الحياة والسلوك على الناس (أو حتى على أعضاء الحزب) أو إلغاء الأعراف والقوانين التي تحظى بإجماع مشترك والعودة إلى تلقي إرشادات الحياة اليومية من رهبان الكنيسة، فهؤلاء بدورهم كفوا قبل قرون عن الادعاء بأنهم سلطة الله على الأرض.
وسواء من فجروا شرارات انتفاضات 2011 أو من صعدوا على أكتافهم إلى السلطة، أو جبهات معارضي السلطة، فجميعهم يفتقدون مفهوم حرية الفرد، وإجماعهم المشترك هو اللاقانون.
* نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.