سعيد فرحات : - بعد ان أقر المؤتمر الوطني العام في ليبيا خلال الايام الماضية حزمة سريعة من القوانين في غياب ما يزيد عن 50 نائباً من مختلف المناطق والتوجهات في المجلس الذي يضم 200 عضو. وقد يفتح غياب هذا العدد من الأعضاء الباب للطعون في هذه القوانين اذا أراد البرلمانيون الغائبون وضع العراقيل القانونية . وأثارت هذه القوانين جدلاً في الشارع الليبي، بدءاً بقانون تجريم التعذيب والاختطاف القسري الذي مُرر ب 81 صوتاً فقط، ما فسره الشارع على أنه استخفاف بكرامة المواطن الليبي في وقت كان يتعين ان ينال هذا القانون تأييد الغالبية. غير أن أكثر ما أثار الجدل في حزمة القوانين ما عُرف ب»تحصين العزل السياسي» قبل اقرار قانون العزل بحد ذاته، وخفض النصاب القانوني للتصويت على العزل من 126 صوتاً كالمعتاد الى 101 صوت أي النصف زائداً واحداً. ورأى البعض ان خطوة خفض النصاب «استباقية» وتهدف الى تسريع اتخاذ القرارات، فيما رأى البعض الأخر أنها تدل على شدة التجاذبات الحزبية والصراعات الخفية القوية تحت قبة المجلس وفشل أعضائه في الإتفاق على صيغة مرضية للعزل السياسي. إلا أن خطوة التحصين في حد ذاتها والتي استوجبت تعديل الإعلان الدستوري الذي اصدره المجلس الانتقالي السابق في (أغسطس) 2011 ، أعتبرها الفقهاء القانونيون خرقاً صريحاً لمفاهيم الديموقراطية، خصوصاً بعد تعديل المادة 6 من الإعلان الدستوري والتي تنص على أن الليبيين متساوون في الحقوق والواجبات وفي التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، اذ وافق 144 نائباً على انه «لا يعد إخلالاً بهذا الإعلان، منع بعض الأشخاص من تولي المناصب السيادية والوظائف القيادية والإدارات العليا في الدولة لفترة زمنية موقتة، من دون ان يخل ذلك بمبادئ حقوق الإنسان في حق التقاضي». وبذلك رأى المجلس أنه حمى القانون مسبقاً في حال إصداره لئلا يتعرض للطعن أمام المحكمة الدستورية . لكن نشطاء الحراك المدني في ليبيا وبعض النخبة كان لهم رأي مختلف في هذا الشأن. وكانت لجنة من داخل المؤتمر الوطني تشكلت للتحاور مع منظمات المجتمع المدني لتفادي نتائج «كارثية» محتملة للعزل على البنية الإدارية في ليبيا والحيلولة دون تكرار سيناريو العراق بعد «اجتثاث» حزب البعث. لكن بعض من يعتبرون أنفسهم نخبة في ليبيا أحسوا بعد اقرار تحصين العزل بأن توصياتهم ضرب بها عرض الحائط وأن «النزعة الانتقامية» لدى الأحزاب السياسية الوليدة أقوى من توصياتهم. وهم رفضوا تحصين قانون العزل قبل صدوره، معتبرين أن نواب الشعب سطروا أول اعتراف ضمني بفشل ثورة 17 (فبراير)، بتبنيهم قانون التحصين وتعديلهم نص المادة السادسة من الإعلان الدستوري. ويقول الخبير بالشأن الليبيى الاستاذ الأمين مازن ان ماحدث ويحدث هو خلال واعتداء صارخ على كافة الحقوق من قبل فئة صغيرة تريد تدمير المجتمع الليبيى وتريد ان تعمل على افشال كل المبارادات الوطنية الشاملة من اجل الوفاق والمصالحة الوطنية ، فكيف يتم تحصين شئ ليس هو موجود اذا هناك خطة واجندة خارجية تنفذها اطراف داخلية تسعى لنشر الفتنة والفوضى فى المجتمع الليبيى ...المصالحة الوطنية هى استحاق وفرض واجب الان وليست منه من احد . أما الحقوقيون في ليبيا فكان صوتهم أعلى من النخبة والساسة،والمثقفين وأثارت تغريداتهم على شبكات التواصل سجالاً كبيراً بعدما أجمعوا على أن حرمان أي شخص من اللجوء إلى القضاء للطعن في أي قانون لاسترجاع حقه هو عمل مناف لكل مواثيق حقوق الإنسان. وحذروا من أن قرار التحصين قد يجر الليبيين إلى دوامة صراعات وتصفية حسابات خارج القانون. وأجمعوا على أن الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية ركيزة ثابتة لن يتنازل عنها الليبيون، واعتبروا قرار التحصين تجاوزاً من سلطات ليبيا التشريعية ضد سلطاتها القضائية. وقال الحقوقي عبدالسلام المسماري أن هذا التعديل لا يعد دستورياً لأنه يخل بالمبادئ الدستورية التي تسترشد بها المحاكم حتى في غياب الدستور والمتعلقة بالحقوق والحريات المكرسة في المواثيق والإعلانات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. ورأى انه لا يمكن قبول الغاية التي يسوقها مؤيدو هذا التعديل بأنه يهدف إلى تحصين قانون العزل السياسي من أجل حماية الثورة ، لأنه لا يمكن حماية الثورة بطمس هويتها كثورة حقوق وحريات، وبخيانة مبادئها وأهدافها التي أعلنت في بيان انتصار الثورة منذ 22 شباط 2011، وهي إقامة مجتمع الحرية والمساواة والعدل، والفصل بين السلطات واستقلال القضاء. واعتبر المسماري ان هذا التعديل يتعدى على أهم اختصاصات السلطة القضائية وهي مراقبة دستورية القوانين، مشيراً الى ان «الأغرب هو أن هذا التعديل يمنح الحصانة لقانون لم يصدر بعد، وكأن الذين بصموا على هذا التعديل يجدفون على الغيب بضمان أن هذا القانون رغم طبيعته، سيكون موضوعياً وخالياً من التعديات على الحقوق والحريات. ورأى المسماري انه «لا يمكن بحال قبول الذريعة التي يسوقها بعض منتحلي النشاط الحقوقي بأن هذا التعديل يضمن لمن يتضرر من قانون العزل السياسي أن يلجأ إلى القضاء، لأن في هذا القول مجافاة لمبدئية الدفاع الحقوقي التي لا تقبل التفريط أو الانتقائية لا سيما إذا تعلق الأمر بإهدار مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القضاء والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات ، ويجب ألا يكون مقبولاً استغلال الوضع الانتقالي وذريعة الظروف التي تمر بها البلاد للنيل من الحقوق والحريات العامة، فمن أكتاف هذه الذرائع تنسج عباءات الاستبداد». وعزت هناء القلال أستاذة القانون في جامعة بنغازي ما يحصل الى فشل المجلس الانتقالي في إصدار قانون العدالة الانتقالية وتوجه المجلس بسياسته «غير الواعية» إلى إصدار قانون «مبتور وغامض» للمصالحة الوطنية، ما ترتب عنه تقديم المصالحة على العدالة التي هي حق من حقوق الإنسان والمواطن الليبي الذي انتهكت حقوقه لمدة 42 سنة. وأشارت القلال الى استحالة فرض المصالحة على الضحايا ومكافئة المنتهكين وشركاء القذافي والمساهمين في جرائمه بالسماح بعودتهم إلى سدة القيادة في ليبيا. وشددت على ان المخاوف من هذا الأمر «أدت إلى استيفاء الحق بالذات وبدأنا نرى الاغتيالات والاختفاءات القسرية». واعتبرت ان قانوناً كاملاً للعدالة الانتقالية كالذي عملت عليه خبرات وطنية ليبية بالتعاون مع خبراء دوليين، كان في حال إقراره «سيحمي ليبيا مما وصلنا إليه اليوم، وكنا وصلنا إلى المصالحة وهي من أهم آليات العدالة، ولكن بعد القصاص وإحقاق الحق للضحايا». وأضافت القلال ان «فشل المجلس الانتقالي في تمرير قانون العدالة الانتقالية ترتب عليه تغلغل رجال النظام السابق في مفاصل الحكم، ما أدى الى ارتفاع الأصوات المطالبة بالعزل السياسي وتحصينه. ولكن بما أن حق التقاضي هو حق من حقوق الإنسان فإن التحصين المذكور في المادة أعلاه نصّ على ان لا يخل بمبادئ حقوق الإنسان في حق التقاضي»، الذي طبقاً لما وارد في النص هو أن الحق في التقاضي متوافر و لكن تم تحصين القانون ذاته من الطعن فيه و ليس في حق الأفراد المعنيين في التقاضي ضد عزلهم. وقالت أسماء سريبة عضو المؤتمر وأحد أبرز الغائبين عن جلسة التحصين أن تعرضها لوعكة صحية وسفرها الى الخارج منعاها من حضور جلسة اقرار القوانين المذكورة. وأوضحت أنها ترفض تحصين قانون لم يصدر بعد لأنه تعد صارخ على السلطة القضائية، وأكدت أنها من رافضي فكرة العزل من الأساس. وأوضح محمد علي عبدالله عضو المؤتمر الوطني أن الاتهامات التي يطلقها بعض القانونيين يجب ان تستند إلى نص واضح يبرز ما هي الاختراقات او التناقضات القانونية التي افرزها هذا التعديل الذي اقرته السلطة التشريعية في ليبيا باعتبارها الوحيدة المعنية بإصدار القوانين والتعديلات الدستورية في هذه المرحلة. وأضاف أنه لا يوجد في مبادئ فصل السلطات ما ينص على ان ليس من حق السلطة التشريعية ان تعدل الإعلان الدستوري. وأكد أن محتوى التعديل الذي اعتمد معايير محددة لتولي مناصب سيادية «أمر طبيعي في كل البلدان الديموقراطية، ولا يعتبر وضع معيار محدد لتولي المناصب حرماناً من حقوق».